على الرغم من تظاهرات عشرات الآلاف من الإسلاميين التونسيين، أمام المجلس الوطني التأسيسي قبيل إقرار الدستور للمطالبة ب "تضمين الشريعة في الدستور" ومن أجل اعتماد الشريعة الإسلامية في الدستور" وترديد شعارات مثل "الشعب يريد تطبيق الشريعة"، و"كفانا علمانية الشعب يريد شريعة إسلامية" إلا أن المجلس الوطني التأسيسي التونسي "البرلمان"، صادق على الفصول الخمس الأولى من الدستور الجديد للبلاد، ورفض في الوقت نفسه مقترحات بتضمين الدستور نصا يعد الإسلام "المصدر الأساسي للتشريع" وقطع عن إخوان وإسلاميي تونس اللعب على الوتر الدينى لكسب الانتخابات المقبلة. ومن أصل 149 نائبا شاركوا في عملية الاقتراع صوت 146 ب" نعم" على الفصل الأول من الدستور ويقول هذا الفصل إن «تونس دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها، لا يجوز تعديل هذا الفصل». واحتفظ المجلس التأسيسي بذلك بصيغة الفصل الأول نفسها من دستور 1959 (أول دستور بعد الاستقلال)، مع إضافة عبارة جديدة إليه هي «لا يجوز تعديل هذا الفصل». وكان النائب عن حزب «تيار المحبة» محمد الحامدي قد اقترح إضافة نص إلى الفصل الأول من الدستور، يقول إن الاسلام هو "المصدر الأساسي للتشريعات" في تونس، كما اقترح النائب مولدي الزيدي (مستقل) أن ينص الفصل الأول من الدستور على أن «القرآن والسنة (هما) المصدر الأساسي للتشريعات» في تونس، لكن أغلبية النواب صوتت ضد كلا المقترحين، وفي جلسة أمس السبت أقر المجلس التأسيسي أيضا الفصول 2 و3 و4 و5 من الدستور. ويقول الفصل الثاني الذي أصرت المعارضة على تضمينه في الدستور أن «تونس دولة مدنية، تقوم على المواطنة وإرادة الشعب وعلوية القانون. لا يجوز تعديل هذا الفصل». وكان رئيس كتلة "حركة النهضة الإسلامية"، الصحبي عتيق، قد تقدّم إلى المجلس التأسيسي، منذ مدّة، باقتراح ينص على "أن تكون الشريعة الإسلامية المرجعية التشريعية الأساسية للدستور الجديد"، وقال حينها: "يجب أنّ يؤسس الدستور الجديد على منظومة القيم الإسلامية لتحقيق المصالحة بين هوية الشعب والنصوص التي تحكمه". كما اعتبر أنّ الدستور "لا بد أن يعزز انتماء تونس العربي الإسلامي، وألا تصاغ نصوصه على نحو يناقض القرآن الكريم ولا السنة الشريفة". ورفض علمانيو تونس هذا المبدأ لأنّه "سيمس بالحقوق الإنسانية بشكل عام، وبحقوق المرأة بشكل خاص، وسيؤدي إلى تراجع كبير في مكتسبات النساء"، وفي هذا السياق قالت رئيس الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، أحلام بالحاج: "نرفض إدراج الشريعة في الدستور المستقبلي، وندعو كل الأحزاب السياسية إلى الوفاء بوعودها الانتخابية". من جانبها قالت الناشطة السياسية ورئيسة حركة "كلّنا تونس"، آمنة منيف: "لا أرى ضرورة لذلك، لأن الإشكال الرئيسي ليس في تضمين الشريعة من عدمه وإنّما في القراءات والتفاسير التي سيتم الاستناد إليها في صورة ما إذا تمّ ذلك"، موضّحة أنّ "الأطراف السياسية والمجتمعية متوافقة على الفصل الأول من دستور 1959، الذي ينصّ على مدنية الدولة التونسية، وبالتالي لا نرى ضرورة في التنصيص على الشريعة". وكان المجلس الوطني التأسيسي قد استدعى، خلال الأيام الأخيرة، العديد من الخبراء في القانون الدستوري للاستفادة من آرائهم بشأن الدستور الجديد، وقد أجمع غالب هؤلاء الخبراء على "ضرورة إبقاء الشريعة كأحد مصادر التشريع من بين مصادر أخرى، ولكن ليس المصدر الأساسي"، إلى جانب مطالبتهم "بأن يكون الدستور التونسي الجديد مستمدًا من الموروث الثقافي والحضاري الذي يعكس الخصوصية التونسية". وكانت حكومة تونس في مرحلة ما بعد الاستقلال قد قامت بتنفيذ برنامجها المبني على أسس العلمنة والتحديث تحت قيادة الحبيب بورقيبة (1956-1987) ويعتبر الحبيب بورقيبة واحدا من أهم الاستراتيجيين السياسيين العلمانيين في العالم العربي الذين أعلنوا علمانيتهم على الناس، فلقد قام بورقيبة بتعديل القوانين المتعلقة بالأوقاف (الأوقاف الدينية)، وإصلاح التعليم، ووَحَدَ النظام القانوني حتى يتسنى لجميع التونسيين (بغض النظر عن الدين) أن يخضعوا لمحاكم الدولة ذات القانون المدني. حد بورقيبة أيضا من نفوذ رجال الدين في جامعة الزيتونة واستعاض عنهم بالعلماء في كل المجالات بما فيها علم الإلهيات الذي تم دمجه في جامعة تونس. وحظر بورقيبة أيضا من ارتداء الحجاب بالنسبة للنساء وجعل أعضاء رجال الدين من موظفي الدولة وأمر بالنفقات لصيانة المساجد وتنظيم رواتب رجال الدين. وعلاوة على ذلك، أصدرت في عهده قوانين للأسرة عرفت باسم مجلة الأحوال الشخصية، وبها تم تنظيم المسائل المتصلة بالأسرة مثل: الزواج والوصاية على الأطفال والميراث وإلغاء تعدد الزوجات وجعل الطلاق يخضع للمراجعة القضائية. وجاءت الحركات الإسلامية في عام 1970 بسبب تزايد المشكلات الاقتصادية وانتعاش التعليم الديني في جامعة الزيتونة ونفوذ رجال الدين كأعضاء الإخوان المسلمون في سوريا والإخوان المسلمون في مصر. وأصبح التعايش بين بورقيبة والإسلاميين مستحيلا في أعقاب الصراع بينهم فقرر بورقيبة قمع كل أشكال المعارضة وتم نفى واعتقال واستجواب القيادات الإسلامية.