يحيي العالم في يوم 26 أبريل من كل عام، الذكري ال 32 لليوم الدولي لإحياء ذكرى كارثة تشيرنوبيل، حين أدى انفجار في محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية في عام 1986 إلى انتشار سحابة مشعة على أ جزاء كبيرة من الاتحاد السوفياتي، هي ما يسمى الآن ب: بيلاروس، وأوكرانيا والاتحاد الروسي. وتعرض ما يقرب من 8.4 مليون شخص في البلدان الثلاثة إلى الإشعاع. وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أعلنت بموجب قرارها 125/71 في ديسمبر 2016، سعيا منها لزيادة الوعي بالآثار الطويلة الأجل لكارثة تشيرنوبيل، إعلان يوم 26 أبريل بوصفه يوما لإحياء ذكرى كارثة تشيرنوبيل، على أن يبدأ الاحتفال به كل سنة اعتبارا من عام 2017. ودعت جميع الدول الأعضاء، والوكالات المعنية في منظومة الأممالمتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، فضلا عن المجتمع المدني، إلى الاحتفال بهذا اليوم. وتقع محطة تشرنوبيل على بعد 130 كيلو مترًا شمال مدينة كييف عاصمة جمهورية أوكرانيا، كما تقع على بعد 15 كيلومترًا شمال مدينة تشرنوبيل. وقد تم تخطيط هذه المحطة لتشمل 6 مفاعلات لتوليد الكهرباء قدرة كل منها 1000 ميجاوات وبدأ تشغيلها عام 1977 باستخدام 3 مفاعلات نووية. وفي عام 1983 بدأ تشغيل المفاعل الرابع وكان المفاعلان الخامس والسادس تحت الإنشاء. وفي يوم 26 أبريل عام 1986، بدا أن إيقاف النظام لمدة 20 ثانية لاختبار أثر انقطاع الكهرباء هو مجرد اختبار آخر للمعدات الكهربائية. إلا أن خطأ في التشغيل بعد إغلاق توربينات المياه المستخدمة في تبريد اليورانيوم المستخدم وتوليد الكهرباء أدي إلى ارتفاع حرارة اليورانيوم بالمفاعل الرابع إلى درجة الاشتعال. وبعد 7 ثوان، أدى ارتفاع درجة الحرارة إلى إحداث موجة انفجار كيميائية، أطلقت بدورها ما يقرب من 520 نويدة من النويدات المشعة الخطرة إلى الغلاف الجوي. وفي حين أن رئيس الفريق المناوب انتبه إلى الخطر وحاول إغلاق المفاعل مما جعل أعمدة الجرافيت تنزل في قلب المفاعل وتبطئ من سرعة التفاعل النووي وتخفض الحرارة، إلا أن هذه الطريقة جعلت الحرارة تزداد لوهلة قبل أن تشرع في الانخفاض. وبما أن المولد كان غير مستقر والدورة الحرارية مشوشة من آثار الاختبار، كان هذا هو العامل الذي أدى إلى اعوجاج أعمدة الجرافيت وعدم إمكانية إسقاطها في قلب المفاعل وجعل الحرارة ترتفع بشكل كبير وتشعل بعض الغازات المتسربة وتتسبب في الكارثة. وأدت قوة الانفجار إلى انتشار التلوث على أ جزاء كبيرة من الاتحاد السوفياتي، التي تتبع ما يعرف الآن بيلاروس وأوكرانيا وروسيا. ووفقا لتقارير رسيمة، لقى 31 شخصا حتفهم على الفور، وتعرض 600 ألف عامل نظافة من المشاركين في مكافحة الحرائق وعمليات التنظيف لجرعات عالية من الإشعاع. ووفقا لتقارير رسمية، تعرض ما يقرب من 8.4 مليون شخص في بيلاروس وروسيا وأوكرانيا للإشعاع، وهو عدد يزيد عن إجمالي سكان النمسا. وتعرضت 155 ألف كيلومتر مربع من الأراضي في التابعة للبلدان الثلاثة للتلوث، وهي مساحة تماثل نصف اجمالي مساحة إيطاليا. وتعرضت مناطق زراعية تغطي ما يقرب من 52 ألف كيلومتر مربع، وهي مساحة أكبر من مساحة دولة الدانمرك، للتلوث بالعنصر المشعين سيزيوم - 137 )عمره النصفي هو 30 سنة) وعنصر سترونتيوم - 90 (عمره النصفي هو 28 سنة). وأعيد توطين ما يقرب من 404 آلاف شخص، إلا أن الملايين ظلوا يعيشون في بيئة تسبب فيها استمرار بقايا التعرض الإشعاعي لظهور مجموعة من الآثار الضارة. ولم تصدر تقارير عن الحالة حتى اليوم الثالث من انفجار تشيرنوبيل. ثم قامت السلطات السويدية بوضع خارطة لمستويات الإشعاع المتزايدة في أوروبا مع اتجاه الرياح، وأعلنت للعالم أن حادثة نووية وقعت في مكان ما من الاتحاد السوفياتي. وقبل إعلان السويد، كانت السلطات السوفياتية تقوم بعمليات مكافحة للحرائق وعمليات تنظيف، إلا أنها اختارت ألا تقدم تقريرا عن الحادث أو حجمه بشكل كامل. ولم تكن هناك سلطة شرعية قادرة على التعامل مع الحالة وتقديم أجوبة لأسئلة مثل: هل مغادرة المنزل آمنة؟ هل مياه الشرب مأمونة؟ هل تناول الوجبات المحلية آمنا؟ وكان بإمكان الإعلان عن تدابير وقائية أن يساعد السكان على تجنب التعرض لبعض النويدات المشعة، مثل اليود 131، التي يعرف أنها تسبب سرطان الغدة الدرقية. كما أن الإخلاء المبكر كان من شأنه أن يساعد الناس على تجنب المنطقة برمتها عندما كانت نويدة اليود 131 في أخطر حالاتها، في فترة 8 إلى 16 يوما من انبعاثها. وخلال السنوات الأربع من حادثة تشيرنوبيل، قررت السلطات السوفياتية إلى حد كبير، التعامل مع الآثار الناجمة عن الانفجار على المستوى الوطني. وبدون مساعدة سوفياتية، سعت الأممالمتحدة وشركاؤها إلى طرق لتقديم الدعم في حالات الطوارئ، الذي اشتمل على تقييم السلامة النووية والظروف البيئية للمنطقة الملوثة، وتشخيص مختلف الظروف الطبية التي سببتها الحادثة. وركزت الأممالمتحدة على زيادة الوعي لدى سكان المنطقة، وتعليمهم كيفية حماية أنفسهم من النويدات الموجود في البيئة والمنتجات الزراعية. وخلال الفترة الممتدة بين عامي 1986 و1987، شارك نحو 350 ألف منظف من الجيش وموظفي المحطة النووية والشرطة المحلية ورجال المطافئ في الأنشطة الأولية الرامية إلى احتواء الحطام المشع وإزالته. وتعرض نحو 240 ألف منظف أوعامل لأعلى الجرعات الإشعاعية لدى اضطلاعهم بأهمّ أنشطة التخفيف من حدة الكارثة ضمن المنطقة المحيطة بالمفاعل والممتدة على مسافة 30 كلم. وبعد ذلك ارتفع عدد المنظفين المسجلين إلى600 ألف، مع أنه لم يتعرض لمستويات عالية من الإشعاع إلا نسبة قليلة منهم. وتم، في فصلي الربيع والصيف من عام 1986، إجلاء 116 ألف شخص من المنطقة المحيطة بمفاعل تشيرنوبيل إلى مناطق غير ملوثة. وتم ترحيل 230 ألفا آخرين في الأعوام اللاحقة. ويعيش نحو 5 ملايين نسمة حاليًا، في مناطق من بيلاروس والاتحاد الروسي وأوكرانيا حيث يفوق ترسب السيزيوم المشع 37 كيلوبيكريل/م2. ولا يزال نحو270 ألف شخص من أولئك الناس يعيشون في مناطق صنفها الاتحاد السوفييتي كمناطق ذات رقابة مشددة، حيث يتجاوز التلوث بالسيزيوم المشع 555 كيلوبيكريل/م2. ويعتبر البعض عام 1990 عاما حاسما في مشاركة الأممالمتحدة في عملية إنعاش تشيرنوبيل. فقد اعترف الحكومة السوفياتية بالحاجة إلى المساعدة الدولية. وكنتيجة لذلك، اعتمدت الجمعية العامة القرار 45/190، داعية فيه إلى التعاون الدولي في معالجة الآثار ا لناجمة عن حادثة محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية وتخفيفها. وطلب الجمعية العامة، في هذا القرار، وضع برنامج لتنسيق الأنشطة التي ستضطلع بها الهيئات والمؤسسات والبرامج التابعة لمنظومة الأممالمتحدة والتي تشارك في الجهود الرامية إلى معالجة الآثار الناجمة عن كارثة تشيرنوبيل وتخفيفها، وأن يكلف أحد وكلاء الأمين العام بمهة التنسيق، وأن تشكل فرقة عمل مسؤولة عن حفز أنشطة الأممالمتحدة في هذا الميدان ورصدها. أصبحت لجنة التنسيق الرباعة -المكونة من وزراء من بيلاروس وروسيا وأوكرانيا - بالإضافة إلى منسق الأممالمتحدة المعني بتشير نوبيل جزءا من آلية التنسيق على المستوى الوزاري. وفي عام 1992، بعد سنة من إنشاء فرقة العمل، بدأت إدارة الشؤون الإنسانية (التي أصبحت تسمى مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية منذ العام 1997 ) بتنسيق التعاون الدولي بشأن تشيرنوبيل. وإنشئ الصندوق الائتماني لتشيرنوبيل، بغرض التعجيل بالمساهمات المالية لأنشطة تشيرنوبيل، في عام 1991 تحت إدارة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية. وبدأت مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إدارة مجموعة متنوعة من المهام والمسؤوليات من صياغة الاستراتيجة، إلى الترويج، إلى تعبئة الموارد، إلى التوعية، وتوجيه مساهمات المانحين. ومنذ عام 1986، دشنت المؤسسات التابعة للأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الرئيسية ما يزيد عن 230 مشروعا من مشاريع البحوث والمساعدة في مجالات الصحة والسلامة النووية وإعادة التأهيل والبيئة وإنتاج الأغذية النظيفة والمعلومات. ومع مرور الوقت، أصبح من الجلي أنه لا يمكن الفصل بين مهمة الإنعاش البيئي والصحي وبين مهمة التنمية. وفي عام 2001، أصبح برنامج الأممالمتحدة الإنمائي، ومكاتبه الإقليمية في البلدان الثلاثة المتضررة، جزء من آلية التنسيق من أجل التعاول بشأن تشيرنوبيل. وفي العام التالي، أعلنت الأممالمتحدة تحولا في استراتيجيتها بشأن تشيرنوبيل، مع تركيز على نهج إنمائي طويل الأجل عوضا عن المساعدة الإنسانية في حالات الطوارئ. وفي عام 2004، أُعلن عن قرار الأمين العام للأمم المتحدة بأن نقل مسؤولية التنسيق من مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة إلى برنامج الأممالمتحدة الإنمائي كجزء من التحول في الاستراتيجية القائمة بناء على توصيات تقرير لعام 2002 تحت عنوان "الآثار الإنسانية لحادثة تشيرنوبيل النووية: استراتيجية من أجل الإنعاش". وتحاول الحكومة الأوكرانية التخفيف من أثار تشيرنوبيل، حيث تعتزم تحويل جزء من المنطقة المحظورة في تشيرنوبيل إلى محطة للطاقة الشمسية. وتغطي منطقة الحظر حاليا مساحة ألف ميل مربع (2،600 كم مربع)، بما فيها منطقة كان يقطنها 12 ألف نسمة من السكان، عاش معظمهم في مدينتي برايبت، وتشيرنوبيل المهجورتين الآن. ولا يزال الحظر في هذه المناطق ساريا، لأنها تعتبر شديدة التلوث، ولا تصلح للسكن أو الزراعة. ورغم حادث الانصهار الذي أصاب المفاعل رقم "4" في محطة تشيرنوبيل، استمرت السلطات في تشغيل المفاعلات النووية رقم "1"، و"2"، و"3" بالمحطة، لأن أوكرانيا في حاجة ماسة إلى الطاقة. واستغنت السلطات عن المفاعل رقم "3" في ديسمبر عام 2000 فقط. وبغض النظر عن وجود عدد قليل من المناطق ذات نسب الإشعاع المرتفعة، والتي تعرف ب "المناطق الساخنة"، أصبحت منطقة تشرنوبل المحظورة منطقة آمنة نسبيا للزيارة حاليا، لكن بشرط أن تكون الزيارة إليها سريعة، حتى لا يتعرض الأشخاص إلى الإشعاع لفترة طويلة من الوقت. ونظرا للاهتمام الكبير بالمنطقة، إضافة إلى التنوع البيولوجي الفريد الذي تتميز به، أُعلنت منطقة تشيرنوبيل المحظورة منطقة جذب سياحي بشكل رسمي في عام 2011. ومع نجاح تجربة إقامة غطاء جديد من الخرسانة والفولاذ فوق المفاعل المتضرر، بهدف إغلاقه بإحكام لمدة 100 عام على الأقل، فمن المتوقع أن يشهد ذلك الموقع نشاطا متزايدا. فقد أعلن أوستاب سيميراك وزير البيئة والموارد الطبيعية في أوكرانيا، عن خطط لبناء محطة كبيرة للطاقة الشمسية في منطقة تشرنوبل المحظورة. وقال سيميراك، إن المرحلة الأولى ستشهد تركيب ألواح شمسية بطاقة إجمالية تبلغ واحد غيغاوات. وهناك خطط لزيادة طاقتها في المستقبل. ويولد حقل كبير بمساحة 25 فدانا من الألواح الشمسية ما يقرب من 5 ميجاوات من الطاقة. ولتقريب الصورة، فإن مساحة ملعب مانشستر يونايتد البريطاني لكرة القدم التي تبلغ 1.75 فدانا يمكن أن تولد 0.35 ميغاوات فقط. لذا، ولكي تولد محطة طاقة شمسية طاقة بمقدار 1جيجاوات، ستحتاج إلى منطقة تبلغ مساحتها 5 ألاف فدان، أي ما يعادل 8 أميال مربعة تقريبا. ولحسن الحظ، فإن هناك الكثير من الأراضي المتاحة في تلك المنطقة. وهناك ما يبرر فكرة إنشاء محطة للطاقة الشمسية في تلك المنطقة المحظورة، إذ يقول المتحدث باسم وزارة البيئة والموارد الطبيعية: "يستند القرار إلى وجود شبكة من خطوط الطاقة الكهربائية التي يمكن أن تستوعب مزيدا من الأحمال، والتي تقع في مكان قريب يسمح بربطها بشبكة الطاقة الشمسية الجديدة بأقل تكلفة". وإلى جانب البنية التحتية ذات الجهد العالي الموجودة بالفعل، هناك أناس مدربون على تشغيل محطة الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء. كما أن استخدام تلك الأراضي للزراعة أصبح أمرا غير ممكن بسبب ما خلفه المفاعل النووي المتضرر من بقايا، وما أحدثه من تأثيرات في تلك البقعة. ويقول آلان تومسون، المدير العالمي لمؤسسة آروب للطاقة، أن الألواح الشمسية معقدة نسبيا في صنعها، لكنها سهلة نسبيا في شكلها ومقاومتها للتلف. وهذا يجعل الألواح الشمسية مثالية لتوليد الطاقة في المناطق النائية التي يصعب الوصول إليها. وتقع منطقة تشرنوبل المحظورة على نفس خط العرض الذي يمر بجنوب انجلترا تقريبا. وهذا الموقع يوفر توليد طاقة شمسية ممتازة خلال أشهر الصيف، ولكن على نحو أقل خلال فصل الشتاء. ومع تطور هذه المحطة الضخمة للطاقة الشمسية، ستستعيد منطقة تشيرنوبيل مكانتها كأساس لإمدادات أوكرانيا من الطاقة، لكن هذه المرة ستكون في شكل أكثر أمانا، وأكثر وعيا بالسلامة البيئية.