استقبل المصريون الساعات الأولى من صباح الثلاثاء 24 ديسمبر 2013 على صوت انفجار سيارة مفخخة أمام مديرية أمن الدقهلية بمدينة المنصورة، ما أدّى إلى استشهاد 12 شرطياً ومدنياً وإصابة العشرات. ويربط الكثيرون بين وقوع هذا الحادث الإرهابي في هذا التوقيت، وبين عدة متغيرات في مقدمتها مؤامرة التخريبيين لإشاعة الفزع بين المصريين مع الاحتفال بقدوم عام جديد، هذا بخلاف الاستحقاقات التي ينتظرها الشعب بداية من الاستفتاء على الدستور الجديد، المقرر له منتصف الشهر المقبل، ثم الانتخابات البرلمانية والرئاسية، التي يضع الكثيرون آمالاً عريضة عليها لدعم جهود الاستقرار وإتمام مؤسسات الدولة. وبطبيعة الأحوال يسعى من يتربصون بمصر إلى تقويض الأمن في مختلف أنحائها لإفشال كل الجهود الداعمة للاستقرار عبر هذه التفجيرات التي ترسم إيحاءات خطيرة عما تحمله الأيام القادمة لمصر. * نقل عواصم الإرهاب ويفتح هذا الحادث الإرهابي صفحة جديدة تكشف مخطط نقل عواصم الإرهاب من تورا بورا بأفغانستان، وقندهار بباكستان، إلى محافظات مصرية عديدة، حيث لم تقتصر التفجيرات الإرهابية على سيناء فحسب، بل امتدت لتشمل محافظات: الإسماعيلية وبورسعيد والإسكندرية، وأخيراً الدقهلية. وتشير الأرقام إلى سقوط 635 من رجال القوات المسلحة والشرطة والمدنيين ما بين شهيد ومصاب خلال الشهور الستة الماضية، وتحديداً منذ 30 يونيو، تاريخ عزل الرئيس السابق محمد مرسي، وأكدت المصادر أن 153 شخصا قتلوا فيما أصيب 482 آخرون على أيدي العصابات الإرهابية المتحصنة بجبال سيناء، والتي تمارس جرائمها بصورة يومية لتنفيذ مؤامراتها الدنيئة لتحويل المحافظة التي كانت تلقب ب "أرض الفيروز" إلى بركة من دماء الأبرياء الذين يؤمّنون الحدود ضد أي غزو أجنبي. * سيناء إمارة التكفيريين ورغم الضربات الأمنية الناجحة التي سددتها القوات المسلحة لأوكار الإرهاب هذه، فإن المخطط الدولي والأطراف المعادية الداعمة لهذه التنظيمات، التي تقف وراء الإرهاب والتطرف الديني في كل أنحاء العالم وتستخدمه لتحقيق أهدافها، مثل القاعدة وطالبان والجهاد، جعل مسألة القضاء عليها نهائياً ليس بالمأمورية الهينة. وتشير المعلومات إلى أن الشهور الأخيرة شهدت تدفقاً غير مسبوق للتكفيريين وزيادة عمليات تهريب الأسلحة من جميع عواصم الاضطرابات السياسية والإرهاب سواء أفغانستان أو باكستان أو حتى ليبيا وسوريا وتركيا التي تسعى لإغراق البلاد بالأسلحة والإرهابيين لإشعال حرب العصابات على النحو الذي يهدد باندلاع حرب أهلية، ما يعزز المخططات الإجرامية لفرض مزيد من الأزمات على مصر لإبعادها عن دورها الريادي على المستويين الإقليمي والدولي، الذي طالما تبوأته مصر منذ عقود طويلة كحامية ومدافعة عن العروبة والذود عن سلامة ووحدة أراضيه. * مخطط إجرامي دولي وبنظرة سريعة على أنواع وكميات السلاح التي يتم ضبطها أثناء تهريبها، بداية من الصواريخ العابرة للمدن ومضادات الطائرات ومدافع الجرينوف وقذائف ال "آر بي جي"، سندرك على الفور حجم وأبعاد المؤامرة الخطيرة التي تحاك ضد مصر. ومع تنوع أسماء التنظيمات الإرهابية مثل "بيت المقدس" و"أنصار الجهاد" أو "أنصار الشريعة" إلا أنها وليدة رحم تكفيري واحد هو تنظيم القاعدة، الذي كون خلايا إجرامية في أغلب أنحاء العالم، والذي يحاول فيما يبدو نقل مسرح جرائمه من "تورا بورا" في أفغانستان، و"قندهار" في باكستان، إلى "سيناء مصر"، لتحويلها إلى إمارة إرهابية تسعى لتقويض الأمن في البلاد وقتل العباد. وكما يشير المحلل السياسي الدكتور مغازي البدراوي، المتخصص في شؤون روسيا ووسط آسيا، فإن هناك مخططا كبيرا لنقل مركز الإرهاب والتطرف العالمي إلى قلب الشرق الأوسط، وفي سيناء بالتحديد ليكون شوكة في ظهر مصر تحول دون نهوضها واستقلالها، وفي نفس الوقت يكون ضماناً لأمن إسرائيل، الذي وعدت جماعة الإخوان الأمريكيين بضمانه علناً وصراحة على لسان قادة الجماعة. وليس هناك ضمان لأمن إسرائيل أكثر من زرع الإرهاب في سيناء وملئها بتنظيماته وفرقه مثل القاعدة وغيرها، هذه التنظيمات، التي مارست الإرهاب والقتل في معظم دول العرب والمسلمين، وفي أوروبا وغيرها، لكنها وعلى مدى عمرها الطويل لم تطلق ولا رصاصة واحدة على إسرائيل. * زرع الإرهاب في مصر بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، واجه اليمين المحافظ في الولاياتالمتحدةالأمريكية أزمة كبيرة في تحقيق مخططاته العالمية، التي كانت تعتمد في الأساس على وجود عدو كبير يهدد العالم ويتيح لها شن الحروب، وبيع السلاح وزرع القواعد العسكرية في كل مكان. ووجد داعمو الإرهاب ضالتهم الكبيرة هذه في الإرهاب الدولي، الذي ألبسوه أقنعة دينية مزيفة، وتصوروا أن هذا العدو الوهمي والمخفي المعالم والحدود، لن يقدر أحد على قهره وردعه، لكنهم تناسوا شيئاً مهمّاً للغاية، وهو أن هذا العدو الرهيب يحتاج إلى قوة وإمكانات كبيرة لدعمه وتمويله وضمان بقائه، خاصة وأنه يعمل من أجل المال والمصالح الخاصة، وليس من أجل الدين أو المبادئ والأوطان. سيناء التي كانت على مر العصور مقبرة للغزاة، سوف تكون - بإذن الله - مقبرة للإرهاب الدولي، ولن تستطيع القوى الخفية التي صنعته ودعمته أن تحميه وتضمن له البقاء، خاصة في ظل الظروف والمتغيرات التي تحدث على الساحة الدولية، وتراجع النفوذ والقوة الأمريكية، وصعود قوى جديدة على الساحة، تعاني هي الأخرى هذا الإرهاب الدولي، ولن تتوانى عن دعم مصر للقضاء عليه.