شهدت المنطقة العربية وتحديدا مصر تغيرات كبيرة فى أعقاب ما عرف بثورات الربيع العربى، التى استطاعت إعادة تشكيل بعض القيم فى مجتمعاتنا العربية، كان أبرزها ما يتعلق بأمور التطرف الدينى والفكرى، نظرًا لصعود بعض التيارات الدينية المتشددة بالمنطقة ومخاطبتها للمجتمع من خلال خطاب دينى مزيف ومشبع بأغراض سياسية اصطدم سريعًا بطوائف المجتمع الذى هو فى الأساس يحمل أفكارًا محافظة. كل هذه الأفكار التى أثرت فى المجتمع، أثارت أسئلة غامضة دون إجابات واضحة وسط بحور عميقة من الغلو الدينى والتطرف والعنف أيضًا، وكعادة السينما اختارت تسليط الضوء على عدد من المشكلات التى تتعلق بالتطرف سواء كان دينيًا أو فكريًا، وهو ما بدا واضحًا هذا العام بمهرجان تورنتو السينمائى الدولى فى دورته 42. كان من أبرز الأعمال التى تناولت هذه الموضوعات بالمهرجان، الفيلم المصرى «الشيخ جاكسون» المُشارك بمسابقة العروض الخاصة، وتدور أحداثه عقب وفاة أسطورة البوب «مايكل جاكسون» عام 2009 الذى هز كيان العالم، بعد أن ترك أثرًا بالغًا بحياة أحد الشيوخ الذى كان يلقبه الجميع طوال سنوات دراسته ب «جاكسون»، وحالة الصراع التى سوف يدخل بها هذا الشاب الملتحى بين ماضيه وحاضره، وأزمة الهوية والإيمان التى وقع فى فخها. فطوال مراحل طفولته كان متيمًا بهذه الشخصية، يحفظ كل أغانيه ويقوم بأداء معظم حركاته، بالإضافة إلى التشابه الكبير بينه وبين أسطورة البوب، إلا أنه بدأ بدخول مرحلة دينية متشددة مع بدايات القرن العشرين بسبب صعود بعض التيارات الدينية ومدى تأثيرها على الشباب بأفكار وخطاب متشدد، إلا أن مخرج الفيلم «عمرو سلامة»، أراد أن يبعث برسالة حب للحياة وقبول كل تناقضات النفس البشرية بالبعد عن الغلو والتطرف. واستوحى المخرج اللبنانى أيضا «زياد دويرى»، أحداث فيلمه الجديد «الإهانة» أو «القضية 23» من وقائع شخصية حدثت بالفعل، وكادت أن تعصف تلك الأفكار المتطرفة بالمجتمع اللبنانى ككل، وتدور أحداث الفيلم حول شخصية «تونى» اللبنانى المسيحى الذى يرش المياه عن طريق الخطأ على الفلسطينى ياسر، ويقع خلاف بينهما، ويتطور الأمر إلى التلاسن وردود فعل حادّة وشتائم، وينتهى الأمر بين الرجلين فى المحكمة، وهذا ما سيؤدى إلى شفير حرب أهلية بسبب الواقعة. ويعرف دويرى بجرأته فى طرح وجهة نظره، فهو يرفض أن يخدع مجتمعه فى أعماله التى يقوم بتقديمها ولكنه يحاول عرض المشكلة فى إطار فنى، إعمالًا بمبدأ التطهير ومواجهة هذه الآفات الاجتماعية التى تنخر فى الجسد العربى، وكان قد شارك الفيلم بمهرجان فينسيا السينمائى وحقق ردود فعل إيجابية واسعة، كما حصد بطل الفيلم الفلسطينى «كمال الباشا» جائزة كأس فولبى كأفضل ممثل بالمهرجان.