فى حياته أصبح نلسون مانديلا رمزاً للنضال العالمي ضد التميز العنصري، خاصة أنه سعى إلى توسيع هذه الدلالات، بتأسيس جماعة تتخطى العرق، فيما يشهد الوضع الراهن مع رحيله، عودة العنصرية بأشكال متوقعة إلى هذا الحدّ أو ذاك. وفي بلد مثل جنوب إفريقيا، يمثل الانتقال من مجتمع رقابة إلى مجتمع استهلاكي على الأرجح، أحد التحولات الأكثر مصيرية منذ التحرير وإلغاء نظام التميز العنصري، وكانت النظرة إلى هذا الميل الجارف للاستهلاك، على أنه روح الديمقراطية والمواطنة ووهرهما، وجرى القول من مجتمع المراقبة إلى المجتمع الاستهلاكي، في سياق متميز بمختلف أشكال الحرمان بالنسبة إلى غالبية السود، فالثراء الفاحش تعايش مع الفقر المدْقع، وصار هناك ميل للتفاوض على هذه الهوّة، التي تفصل بين هاتين الحالتين عبر العنف ومختلف أشكال الاستئثار. وتتألف الديمقراطية ما بعد مانديلا، من غالبية السود الذين لا عمل لهم، ومن سائر من لا يصلحون للتوظيف، وممن لا يملكون حق ملكية أي شيء، بل أن تاريخ البلاد الطويل مطبوع هو نفسه بحالة صراع بين ميدانيين: "حكومة الشعب عبر الشعب وقانون الملاّك"، وحتى الفترة الأخيرة، كان الملاك كلهم تقريبا من البيض، وهو ما أعطى النضال دلالة عرقية، لم تعد تلك هي الحال كليا، فيما الطبقة الوسطى السوداء الصاعدة ليست في وضع يسمح لها بالتمتع بكل أمان لحقوق الملكية، التى أكتسبتها مؤخرا، ذلك لأنها ليست واثقة من أن البيت الذي يشترى بالتقسيط، لن يؤخذ منها من اليوم التالي، إما بالقوة، وإما بسبب الأحوال الاقتصادية غير الملائمة. أما حركة التحرير السابقة، أي المؤتمر الوطني الإفريقي، فإنها من جهتها عالقة في شباك حركة تحول أكثر تناقضا، مع حالة الفقر الكثيفة، وانتشار الفساد بين مناضلي الأمس، وقيام الاضرابات وحواداث العنف من آن لآخر. تدخل جنوب إفريقيا، إذن، مرحلة جديدة من تاريخها، بعد رحيل مانديلا، في ظروف تستدعي إعادة بناء ضمير جديد لهذا البلد.