اختتم أهالي مدينة الأقصر أمس الخميس، احتفالاتهم بمولد القطب الكبير العارف بالله أبو الحجاج الأقصري والذي يعد أحد أكبر الاحتفالات في صعيد مصر عقب خروج موكب "الدورة" وذلك بمشاركة أهالي المحافظة ضمن فعاليات الاحتفال بالمولد والتي طافت شوارع المدينة المختلفة. وتحتفل الأوساط الدينية والصوفية والشعبية بمولد أبو الحجاج في يوم 14 من شهر شعبان من كل عام، حيث خرج آلاف المواطنين من أهالي الأقصر في أعداد غفيرة على بعد أمتار من أعمدة معبد الأقصر التاريخي الشاهقة، وسط أجواء تتسم بعبق مصر الفرعونية، واحتفالات بموكب "الدورة" الذي طاف شوارع المدينة وسط الأناشيد الدينية والأغاني وهتافات الزوار من محبي سيدي أبوالحجاج. وحشد السادة الحجاجية رموز وشباب العائلة بقراءة الفاتحة في المقام الخاص به، ثم انطلقوا في موكب الاحتفال من أمام مسجد أبوالحجاج وتم تغيير مسار "الدورة" هذا العام بسبب دواعي أمنية ولم تأخذ وقتًا كبيرًا حيث استمرت ما يقرب من ساعتين بعد أن كانت تستمر لمدة 4 ساعات في الأعوام الماضية. وبدأ "موكب الدورة" هذا العام من ساحة مسجد سيدي أبوالحجاج، إلى طريق الكباش ثم شارع يوسف حسن ثم شارع المحطة ثم شارع المنشية حتى العودة مرة أخرى إلى نفس المكان، مرورًا بمنازل العائلة الحجاجية، حتى وصل الموكب إلى ساحة سيدي أبوالحجاج مرة أخرى حيث يخرج أبناء الأسرة الحجاجية وأتباع الطرق الصوفية وهم يذكرون الله ويرتلون الأناشيد الدينية ثم يليهم راكبي الجمال وراكبي الخيول، والمراكب المتحركة التي يطوف بها الآلاف من مختلف مدن وقرى ونجوع المحافظة، وذلك بهدف الخروج في مسيرة احتفالية تجوب شوارع المدينة في مشاهد فلكلورية وكرنفالية شعبية تحدث كل عام. وشهد حفل ختام موكب "الدورة" محمد بدر محافظ الأقصر والذي قام برفع لجام وجر الجمل الرئيسي الذي يتقدم الدورة إيذانا ببدء الدورة في إجراء تقليدي يتبع في كل عام وبرفقته العقيد صلاح حسن المستشار العسكري ولفيف من القيادات الأمنية والشعبية والتنفيذية بالمحافظة والآلاف من المواطنين ورموز الأسرة الحجاجية وسط أجواء احتفالية وكرنفال شعبي والرقص بالعصا على أنغام الأغاني الشعبية، وكذلك الرقص بالخيل وركوب الجمال التي تحمل توابيت من القماش المزركش. وهنأ محافظ الأقصر المواطنين بمولد القطب الكبير سيدي أبو الحجاج، مؤكدًا أن هذا اليوم يعد عيدًا لكل أبناء المحافظة، معاهدا المواطنين على بذل المزيد من الجهد في سبيل تطوير وتنمية الأقصر. كما شهدت شوارع المدينة حالة من الرواج التجاري.. حيث يقبل المئات من المواطنين على سرادقات الحلوى بأنواعها والفول السوداني ولعب الأطفال، كما اعتاد البعض على إقامة حفلات الدي جي والفرق الشعبية وغيرها كما قام أغلب أهالي الأقصر كعادتهم السنوية بذبح الذبائح لإطعام الزائرين، حيث يقوم الرجل بدعوة كل من يجده أمامه سواء يعرفه أم لا لكي يطعمه. وقال الدكتور أحمد شمس الدين الحجاجى أستاذ الأدب الشعبي وعميد عائلة الحجاجية في مدينة الأقصر أن احتفالات الأقصريين بمولد ودورة سيدي أبى الحجاج تأتي كمحاكاة تامة لما كان يجرى في موكب آمون الفرعوني عيد "الأوبت" الذي كانت تشهده الأقصر في عصور الفراعنة ونقشت تفاصيله على الحائط الغربي والشرقي لمعبد الأقصر، فبعد انتهاء موسم الحصاد وجني العنب في الشهر الثاني من فصل الفيضان كانت تدق الموسيقى وترتفع الأعلام والبيارق وتنطلق أصوات الأبواق مؤذنة ببدء مهرجان آمون، وتلبس مدينة الألف باب أثواب العرس، ويتوافد الآلاف من كل مصر إلى طيبة ليشهدوا رحلة الإله آمون العظيم رب الأرباب من معبده الكبير في الكرنك إلى حريمه في معبد الأقصر، حيث يقضي أحد عشر يومًا المخصصة لخروجه في عيد أوبت الكبير. وأضاف الحجاجي، أن الموكب المقدس يخرج من بهو الأعمدة ساحات الكرنك الرحيبة يتصدره موكب مهيب رهيب الكهنة بتراتيلهم المقدسة يحملون على المناكب ثلاثة زوارق تحمي تماثيل آمون وزوجته، موت وابنهم خوفو وخلف الموكب تتهاوى راقصات المعبد بملابسهم الحريرية ورقصاتهم التعبيرية على أصوات مغنيات آمون ثم يأتي موكب الأمراء والكبراء وتتواصل المسيرة وسط آيات الحمد والتهليل حتى تبلغ مرفأ النهر، حيث يرفع محراب آمون فوق زورقه ليتهادى على صفحة النيل الخالد وتتعالى دقات الطبول والضاربات على الصنوج وتمتلئ صفحة النيل العظيم بمظاهرة نهرية رائعة تختلط فيها الألوان بالموسيقى، وترتفع الإعلام على صواري السفن التي جاءت محملة بالهدايا والقرابين والناس على ضفتي النهر من كل صوب وحدب في فرح وسرور وابتهاج يتبادلون التهاني حتى يصل الموكب إلى معبد الأقصر ويواصل مسيرته حتى تودع تماثيل الآلهة المقدسة في مقاصيرها بقدس الأقداس. من جانبها، قامت أجهزة الأمن بتأمين "الموكب الحجاجى" لمنع حدوث أي أعمال شغب محتملة بالتنسيق مع الشرطة العسكرية معلنين حالة التأهب تنفيذا لتعليمات اللواء عصام الحملي مساعد الوزير لأمن الأقصر الذي أعلن حالة الطوارئ بين الصف والجنود والضباط لتأمين المواطنين بجانب إعلان حالة الطوارئ القصوى بين أجهزة الدفاع المدني وقوات الإنقاذ النهرية والمسطحات المائية؛ لتأمين حركة اللنشات والمعديات النهرية مع خلق محاور مرورية جديدة لمواجهة الاختناقات المرورية وتامين الاحتفالات الحاشدة. وقامت الأجهزة الأمنية بالتواجد في محيط ميدان أبوالحجاج ممثلة في اللواء أحمد العجمي مساعد مدير الأمن واللواء زكي مختار مدير إدارة البحث الجنائي بالمديرية والعقيد محمد صلاح مدير إدارة المرور والمقدم أيمن غانم رئيس مباحث قسم شرطة الأقصر المقدم عمرو دراز رئيس مباحث المرور والنقيب أحمد حسين معاون أول مباحث مركز شرطة طيبة والنقيبين يوسف الشامي وأحمد حسن معاون مباحث مركز البياضية وعدد كبير من ضباط مباحث المديرية. وأكد مدير أمن الأقصر في تصريح خاص ل"البوابة نيوز" أن الاحتفالات مرت بسلام ولم يتم رصد أي حالات تجاوز خلال موكب الدورة مشيرا إلى استمرار حالة الاستنفار الأمني لحين انتهاء فعاليات المولد تماما مساء اليوم. كانت الليلة الختامية للمولد قد أقيمت مساء أمس الأربعاء بساحة الميدان، وسط حضور مئات المواطنين وأبناء الحجاجية بمصر واحتفل بها أهالي الأقصر والمريدون بالاستمتاع بحلقات الذكر والقرآن الكريم بحضور عدد من مشايخ الأزهر الشريف ومحمد بدر محافظ الأقصر وبعض القيادات الأمنية والشعبية والتنفيذية بالمحافظة، وسهرت الأقصر من رجال ونساء وأطفال وشيوخ مساء أمس حتى الساعات الأولى من صباح اليوم، ثم واصلوا يومهم حتى الانتهاء من الموكب السنوى لمولد أبو الحجاج. يذكر أن العارف بالله القطب الكبير والصوفي الجليل أبوالحجاج الأقصري ولد في أوائل القرن السادس الهجري ببغداد في عهد الخليفة العباسي المقتفي لأمر الله لأسرة كريمة، ميسورة الحال، عرفت بالتقوى والصلاح، وكان والده صاحب منصب كبير في الدولة العباسية وينتهي نسبه إلى إسماعيل أبي الفراء بن عبد الله بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين بن الحسين بن على بن أبي طالب حيث أعده والده ليكون واحدا من رجال الدين وعلمائه، فحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة ثم نال قسطا وافرا من الثقافة الدينية، وحضر إلى مصر ثم رأى في منامه رؤيا تأمره بالرحيل إلى مدينة الأقصر في صعيد مصر فاستقبله أهلها بالترحاب البالغ ولمسوا فيه علمه الغزير، فأقام مسجدا فوق أطلال معبد آمون بالأقصر الذي يعد رمزا للعبادات المصرية القديمة منذ أقدم العصور.