شيخ الأزهر: يوصدون الأبواب فى وجه الحضارة الغربية وثقافتها.. أزهرى: يعتبرون الأشاعرة فرقة ضالة ومخالفة للرسول.. و«سلفى»: الأزهر حامى الإسلام والقادر على محاربة الفكر المتطرف فى مقاله الأسبوعى الذى تنشره مجلة الأزهر، كتب الإمام أحمد الطيب، شيخ الأزهر، تحت عنوان «التجديد الذى ننتظره»، نقدًا لمن يعتبرون تجديد الخطاب الدينى هو إلغاء للخطاب نفسه، متطرقًا فى موقع آخر من مقاله إلى من يرون الصلاح فى العودة إلى عصور المسلمين الأوائل. وتابع الطيب فيما يشبه النقد الضمنى للسلفيين: «هؤلاء أيضًا يحلمون باليوم الذى يضعون فيه أيديهم على مؤسسة الأزهر ويَجْمدون برسالته وعلومه ودعوته عند حدود التَّعبُّد بمذهب واحد واعتقاد معين وأشكال ورسوم يرونها الدين الذى لا دين غيره، وهؤلاء يهددون سماحة هذا الدين الحنيف وشريعته التى تأسست على التعددية واختلاف الرأى فى حرية لا نعرف لها نظيرًا فى الشرائع الأخرى». الفقرة السابقة لحقها «الطيب» باتهام ل«هؤلاء الذين لم يعرفهم» قائلًا: «لا يطيقون أن يتسع الأزهر فى عصره الحديث لما اتسع له عبر عشرة قرون»، ليعلن بذلك انتهاء فترة التقارب بين الأزهر والسلفيين التى شهدت أفضل حالاتها خلال أزمة الطلاق الشفهى التى بدا فيهما الطرفان صفًا واحدًا، أو هكذا صوّر السلفيون الذين أصدروا أكثر من بيان دعموا وأشادوا فيه بموقف هيئة كبار العلماء التى استقرت على شرعية الطلاق الشفهى. ولم تكن هذه الأزمة الوحيدة التى تقرب فيها السلفيون من الأزهر، إذ مرت محطات تقاربهم بإعادة نشر السلفيين لفتاوى أزهرية تدعم منهجهم، مثل الفتوى التى اقتطعوها من حديث تليفزيونى لشيخ الأزهر عندما قال «أنا كافر بالنسبة للمسيحى والمسيحى كافر بالنسبة لى» ليبرروا بها موقفهم من الأقباط. بداية التقارب وأصل الخلاف يعود التقارب الأزهرى السلفى، إلى فترة وضع الدستور فى أعقاب الثورة عندما تمسك الأزهر بالمادة الثانية من الدستور التى تنص على أن الشريعة الإسلامية المصدر الأساسى للتشريع، فكتب القيادى بالدعوة السلفية عبدالمنعم الشحات، مقالًا أشاد فيه بموقف الأزهر، قائلًا: «أما الآن وقد تكلم شيخ الأزهر بكل ما يحمله هذا المنصب من قوة وتأثير؛ فنحن فى قمة السعادة والفرح، ونحن نطير بتصريحاته، ونكون جنودًا مخلصين فى نقلها وإلى أقصى الآفاق؛ ليعلم الجميع أنه إذا تعلق الأمر بالهوية الإسلامية فالأمة كلها يد واحدة، والأزهر وشيخه فى الصدارة». وحينها أكد «الطيب» أن المادة الثانية من الدستور ليست مطروحة للتغيير أو التحديث، والاقتراب منها بمثابة محاولة لنشر الفتنة. استمر الوضع على ذلك إلى أن جرت الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسى، الذى رفضت الدعوة السلفية الوقوف إلى جواره، ليصبح السلفيون أقرب من الدولة، ما يفسر سلسلة اللقاءات المتكررة التى جمعت قيادات حزب النور والدعوة بشيخ الأزهر، وهنا روجت الدعوة لهذه اللقاءات بصور تكشف عن حميمية فى العلاقة أرادت الدعوة السلفية توصيلها للرأى العام. إلى هنا توقف التقارب، وتحديدًا فى يونيو 2014، عندما أصدرت وزارة الأوقاف قانون الخطابة الذى مُنع على خلفيته قيادات السلفية بمن فيهم الدكتور ياسر برهامى، نائب رئيس مجلس إدارة الدعوة السلفية، من صعود المنابر، لتصاب الدعوة السلفية بصدمة دفعتها نحو محاولة الحصول على تراخيص لمشايخها، إلا أن ذلك لم يحدث تغييرًا يذكر، خاصة أن «برهامى» بعد عامين من القانون ما زال عاجزًا عن صعود المنابر، ويحاول إلقاء خطب مسجلة من داخل استوديوهات قليلة الإمكانيات. رغم كل ذلك تعمدت الدعوة السلفية التعامل مع أزمة الخطابة بذكاء، إذ فصلت بين وزارة الأوقاف التى منعت قياداتها من الوعظ، والأزهر الذى تصر الدعوة فى بياناتها على أنه الحصن الأخير للإسلام، على الرغم من كل التحفظات الذى تحملها على منهجه وشرحها عبدالمنعم الشحات، المتحدث باسم الدعوة السلفية، فى مقال قديم يرجع إلى 2010، تحت عنوان «خصوم الأزهر محاولة للترتيب الصحيح». وقال الشحات فى مقاله: «الأزهر هو كبرى المؤسسات العلمية فى العالم الإسلامى، ومناهجه الرسمية منذ عصر صلاح الدين الأيوبى، قائمة على المذاهب الأربعة فى الفقه، وعلى المنهج الأشعرى فى العقيدة»، مضيفًا: «أشعرية الأزهر هى الثغرة التى نفذ منها خصوم الإسلام؛ لكى يوقعوا العداوة بين الأزهر والصحوة الإسلامية التى تقوم معظم فصائلها على مرجعية سلفية حتى ينشغل الفريقان؛ كل منهما بالآخر». وأشار إلى وجود خصوم للأزهر ينهشون فى الأمة، ويناقضون المذهب الأشعرى الذى يعتقدونه، وأنه إذا كان هناك اتفاق على أن المذهب الأشعرى نشأ كطريقة للانتصار للمنهج السلفى أمام تيار الفلسفة والعقلانية المعتزلة، فانحرف عن منهج السلف فى بعض قضاياه، فمن غير المعقول أن يهادن رجال الأزهر العقلانية ويعادوا السلفية. وأورد أصل الخلاف مع المنهج الأشعرى، مقارنة بمنهج السلف الذى يسمونه هم «الحنبلى» ومن أبرزها مسائل الصفات، وشرك القبور، والترخّص فى الفتوى، مشددًا على أن السلفية لم تعمد يومًا ما إلى إضعاف الأزهر، بل إن السلفية تكاد تبحث فى أى مسألة عمن وافق الحق فيها من شيوخ الأزهر لكى تنشر كلامه لما له من قبول عند الناس. التفنيد السابق يرفضه الأزهر الذى يؤكد على أزمات فى فكر السلفيين، ما ظهر فى مقال «الطيب» الأخير، عندما قال عنهم: «وقد لاحظنا فى تجارب القرن الماضى أن أصحاب هذا التيار كانوا يراهنون على أن «بالإمكان العيش فى إطار التقليد الضيق، الموروث عن السلف، وإيصاد الأبواب فى وجه أمواج الحضارة الغربية وثقافتها المتدفقة أمام ثقافة غربية مكتسحة». ودعم ذلك أستاذ التاريخ والحضارة بجامعة الأزهر الدكتور عوض سعد عيسى، الذى قال عن علاقة الأزهر والسلفيين بأنها بعيدة عن التقارب وإنهم تيار إقصائى يعتبرون الأشاعرة أحد الفرق الضالة فى الإسلام وأنهم ممن خالفوا الرسول. وشدد فى تصريحات ل«البوابة»، على أن السلفيين احتكروا لفظ «السلف» عليهم وحدهم ويعتبرون كل ما دون ذلك هم المخالفين؛ فضلًا عن تعريفهم ل«الخلف» بأنهم من خالفوا النبى فى باب العقائد كالخوارج والرافضة، وأهل الكلام الذين قدموا العقل البشرى على النصوص الشرعية كالجهمية والأشاعرة والمعتزلة والقدرية والمرجئة وغيرهم؛ معتبرا أن هذا فكر وحكم على معظم المسلمين بأنهم خالفوا الرسول، وجعلوا الأشاعرة فى خندق واحد مع الجهمية والقدرية من الفرق الضالة. من جانبه نفى سامح عبدالحميد، الداعية السلفى، أى ابتعاد بينهم وبين الأزهر، قائلًا إنهم يرون الأزهر مؤسسة دينية قوية يجب دعمها فى ظل حالة الهجوم عليها من قبل مشايخ يزعمون الانتماء لها، مثل الشيخ خالد الجندى، وسعد الدين الهلالى. وأوضح أن السلفية ترى الأزهر حامى الإسلام والقادر على محاربة الفكر المتطرف، ومن هنا كانت نقاط الالتقاء به. وعن الخلاف على الأشعرية، قال إنها نقطة الخلاف الوحيدة، نافيًا أن تكون سبب فتور بين الأزهر والسلفية. واستبعد أن يكون شيخ الأزهر قاصدًا السلفيين عندما تحدث فى مقاله عن تيار يسعى للنيل من المؤسسة الدينية ويتمسك بالقديم، قائلًا: «نحن نرى أن الفرار إلى العصور الأولى للإسلام حل للأمة الإسلامية لكننا غير جامدين ونقبل كل الآراء، فيما لفت الطيب إلى فئة متجمدة فى آرائها». من جانبه رأى سامح عيد، عضو مبادرة مصر رائدة التنوير الهادفة إلى تجديد الخطاب الدينى، أن التقارب بين الأزهر والسلفيين موجود حتى لو نفاه كل منهما، مشيرًا فى تصريحات ل«البوابة» إلى أن الأزهر أصدر سلسلة من الفتاوى لا تختلف عن تلك التى يتبناها السلفيون مثل موقفه من فوائد البنوك ومحاولات التجديد التى تبناها إسلام البحيرى، ومفكرون علمانيون، مشيرا إلى أن الأزهر يسعى فقط لتبنى مواقف مغايرة لمواقف السلفيين عندما يحلل الاحتفال بالأعياد غير الدينية، وتهنئة الأقباط بأعيادهم وتسهيل التعايش معهم، مشددًا على أنه دون ذلك فالاتفاق بين الأزهر والسلفيين واقع. وعلى هذا استبعد أن يكون الأزهر قادرًا على تجديد الخطاب الدينى، مشيرًا إلى أن مشروع التجديد يحتاج للجان من مفكرين وفلاسفة ورجال دين يقومون على مراجعة التراث وقراءة النصوص قراءات جديدة تلائم العصر، وتحررنا من سطوة التراث والآراء التى تحصرنا فى حتمية العودة إلى العصور الأولى للإسلام.