واشنطن: وحدات عسكرية إسرائيلية انتهكت حقوق الإنسان قبل 7 أكتوبر    مقتل 3 ضباط شرطة في تبادل لإطلاق النار في ولاية نورث كارولينا الأمريكية    موعد صرف مرتبات شهر مايو 2024.. اعرف مرتبك بالزيادات الجديدة    تعرف على أفضل أنواع سيارات شيفروليه    جامعة كولومبيا تعلن تعليق نشاط الناشطين المؤيدين للفلسطينيين    قوات الاحتلال تقتحم بلدة عنبتا شرق طولكرم    مباراة من العيار الثقيل| هل يفعلها ريال مدريد بإقصاء بايرن ميونخ الجريح؟.. الموعد والقنوات الناقلة    مائل للحرارة والعظمى في القاهرة 30.. حالة الطقس اليوم    ظهور خاص لزوجة خالد عليش والأخير يعلق: اللهم ارزقني الذرية الصالحة    تعرف على أسباب تسوس الأسنان وكيفية الوقاية منه    السيطرة على حريق هائل داخل مطعم مأكولات شهير بالمعادي    حبس 4 مسجلين خطر بحوزتهم 16 كيلو هيروين بالقاهرة    ثروت الزيني: نصيب الفرد من البروتين 100 بيضة و 12 كيلو دواجن و 17 كيلو سمك سنوياً    هل أكل لحوم الإبل ينقض الوضوء؟.. دار الإفتاء تجيب    العميد محمود محيي الدين: الجنائية الدولية أصدرت أمر اعتقال ل نتنياهو ووزير دفاعه    نيويورك تايمز: إسرائيل خفضت عدد الرهائن الذين تريد حركة حماس إطلاق سراحهم    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    طيران الاحتلال يجدد غاراته على شمال مخيم النصيرات وسط قطاع غزة    حماية المستهلك: الزيت وصل سعره 65 جنيها.. والدقيق ب19 جنيها    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30 أبريل في محافظات مصر    تعرف على موعد إجازة عيد العمال وشم النسيم للعاملين بالقطاع الخاص    نظافة القاهرة تطلق أكبر خطة تشغيل على مدار الساعة للتعامل الفوري مع المخلفات    العثور على جثة طفلة غارقة داخل ترعة فى قنا    د. محمود حسين: تصاعد الحملة ضد الإخوان هدفه صرف الأنظار عن فشل السيسى ونظامه الانقلابى    موعد عيد شم النسيم 2024.. حكايات وأسرار من آلاف السنين    فتوى تحسم جدل زاهي حواس حول وجود سيدنا موسى في مصر.. هل عاصر الفراعنة؟    شقيقة الأسير باسم خندقجي: لا يوجد أى تواصل مع أخى ولم يعلم بفوزه بالبوكر    بين تقديم بلاغ للنائب العام ودفاعٌ عبر الفيسبوك.. إلي أين تتجه أزمة ميار الببلاوي والشيح محمَّد أبو بكر؟    تراجع أسعار النفط مع تكثيف جهود الوصول إلى هدنة في غزة    مجلس الدولة يلزم الأبنية التعليمية بسداد مقابل انتفاع بأراضي المدارس    محلل سياسي: أمريكا تحتاج صفقة الهدنة مع المقاومة الفلسطينية أكثر من اسرائيل نفسها    أستاذ بجامعة عين شمس: الدواء المصرى مُصنع بشكل جيد وأثبت كفاءته مع المريض    مفاجأة صادمة.. جميع تطعيمات كورونا لها أعراض جانبية ورفع ضدها قضايا    رسميا.. بدء إجازة نهاية العام لطلاب الجامعات الحكومية والخاصة والأهلية بهذا الموعد    حكم الشرع في الوصية الواجبة.. دار الإفتاء تجيب    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لي نصيباً في سعة الأرزاق وتيسير الأحوال وقضاء الحاجات    النيابة تنتدب المعمل الجنائي لبيان سبب حريق شب داخل مطعم مأكولات سوري شهير بالمعادي    السجيني: التحديات عديدة أمام هذه القوانين وقياس أثرها التشريعي    بمشاركة 10 كليات.. انطلاق فعاليات الملتقى المسرحي لطلاب جامعة كفر الشيخ |صور    ميدو: عامر حسين ب «يطلع لسانه» للجميع.. وعلى المسؤولين مطالبته بالصمت    المتحدث باسم الحوثيون: استهدفنا السفينة "سيكلاديز" ومدمرتين أمريكيتين بالبحر الأحمر    «المقاطعة تنجح».. محمد غريب: سعر السمك انخفض 10% ببورسعيد (فيديو)    تصريح زاهي حواس عن سيدنا موسى وبني إسرائيل.. سعد الدين الهلالي: الرجل صادق في قوله    ضبط 575 مخالفة بائع متحول ب الإسكندرية.. و46 قضية تسول ب جنوب سيناء    مصطفى عمار: القارئ يحتاج صحافة الرأي.. وواكبنا الثورة التكنولوجية ب3 أشياء    عفت نصار: أتمنى عودة هاني أبو ريدة لرئاسة اتحاد الكرة    بعد اعتراف أسترازينيكا بآثار لقاح كورونا المميتة.. ما مصير من حصلوا على الجرعات؟ (فيديو)    ما رد وزارة الصحة على اعتراف أسترازينيكا بتسبب اللقاح في جلطات؟    ليفاندوفسكي المتوهج يقود برشلونة لفوز برباعية على فالنسيا    إيهاب جلال يعلن قائمة الإسماعيلي لمواجهة الأهلي    توفيق السيد: لن يتم إعادة مباراة المقاولون العرب وسموحة لهذا السبب    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    أخلاقنا الجميلة.. "أدب الناس بالحب ومن لم يؤدبه الحب يؤدبه المزيد من الحب"    برلماني يطالب بالتوقف عن إنشاء كليات جديدة غير مرتبطة بسوق العمل    تموين جنوب سيناء: تحرير 54 محضرا بمدن شرم الشيخ وأبو زنيمة ونوبيع    خليل شمام: نهائى أفريقيا خارج التوقعات.. والأهلى لديه أفضلية صغيرة عن الترجى    تقديم موعد مران الأهلى الأخير قبل مباراة الإسماعيلى    بالرابط، خطوات الاستعلام عن موعد الاختبار الإلكتروني لوظائف مصلحة الخبراء بوزارة العدل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صباح الخير يا مولاتي
نشر في البوابة يوم 01 - 12 - 2012


مع إشراقة عيد الأم
“,” “,”
أعاده الله على مصر وأمهاتها بكل الخير والسعادة، تقدم “,”البوابة نيوز“,” ملفًا شاملا للاحتفال بالمناسبة الجميلة، بما يقدم رؤية شاملة مشبعة .. يتناول الملف عدة قضايا متشابكة تخص الأم هي :
· حكاية عيد الأم أضغط هنا
“,” “,”
· الأم في الأديان أضغط هنا
“,” “,”
· أمهاتنا في مصر القديمة أضغط هنا
“,” “,”
· أمثال وأقوال أضغط هنا
“,” “,”
· أغاني ماما أضغط هنا
“,” “,”
· فاتورة عيد الأم أضغط هنا
“,” “,”
· الأمومة في عالم الحيوان أضغط هنا
“,” “,”
· أمهات عم نجيب أضغط هنا
“,” “,”
· منسيات فى دور المسنين أضغط هنا
“,” “,”
· أم الشهيد أضغط هنا
“,” “,”
· الوالدة فى الصعيد أضغط هنا
“,” “,”
· فتاوى بلا قلب أضغط هنا
“,” “,”
· هكذا كانت أمي أضغط هنا
“,” “,”
أعد الملف أسرة البوابة نيوز
عادل الضوي – مصطفى بيومي
مصطفى عبيد - يارا اليماني
عفاف حمدي - فاطمة محمد علي
أحمد يحيي - محمود أسامة
“,” “,”
الاحتفال بعيد الأم عُرف منذ الحضارة الإغريقية
حكاية عيد الأم
يعتقد الكثيرون منا أن فكرة الاحتفال بعيد الأم، ترجع للأخوين، علي أمين ومصطفى أمين
“,” “,”
اللذين فكرا في تخصيص يوم للاحتفال فيه بالأم وتكريمها، إلا أن عيد الأم عُرف منذ قديم الأزل، وبالأخص في الحضارة الإغريقية، حيث يؤكد بعض المؤرخين أن عيد الأم كان قد بدأ عند الإغريق في احتفالات عيد الربيع، وكانت هذه الاحتفالات مهداة إلى الإلهة الأم “,”ريا“,” زوجة “,”كرونس“,” الإله الأب، وفي روما القديمة كان هناك احتفال مشابه لهذه الاحتفالات، لعبادة أو تبجيل “,”سيبل“,” وهي أم أخرى للآلهة، وبدأت هذه الاحتفالات قبل نحو 250 سنة قبل ميلاد السيد المسيح، عليه السلام، كما سميت هذه الاحتفالات الدينية عند الرومان باسم “,”هيلاريا“,” وكانت تستمر لثلاثة أيام من 15 إلى 18 مارس .
“,”عيد الأمهات“,” بإنجلترا
وفي إنجلترا أطلقوا على عيد الأم اسم “,”أحد الأمهات“,” أو “,”نصف الصوم“,”،
“,” “,”
وهو يشبه احتفالاتنا الحالية به، وسمي ب“,”نصف الصوم“,” لأنه كان يُقام في فترة الصوم الكبير عندهم، ويروي البعض أن الاحتفالات كانت تقام لعبادة وتكريم “,”سيبل“,” الرومانية، ثم بدلتها الكنيسة بعد ذلك باحتفالات لتوقير وتبجيل السيدة “,”مريم العذراء“,” عليها السلام
“,” “,”
وبدأ هذا الاحتفال بحَثِّ الأفراد على زيارة الكنيسة التابعين لها والكنيسة الأم محمَّلين بالقرابين، وفي عام 1600 بدأ الشباب والشابات ذوو الحرف البسيطة والخادمون في زيارة أمهاتهم في عيد “,”أحد الأمهات“,” مُحمَّلين بالهدايا والمأكولات، ومن هنا جاءت فكرة الاحتفال بعيد الأم وتقديم الهدايا للأمهات تقديرًا لهن.
عيد الأم إجازة رسمية بأمريكا
أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فالاحتفال بعيد الأم له قصة مختلفة تمامًا، والتي بدأتها “,”آنا.م.جارفس“,” 1864-1948، صاحبة فكرة جعل يوم عيد الأم إجازة رسمية في أمريكا، حيث إنها لم تتزوج قط، وكانت شديدة الارتباط بوالدتها، وبدأت “,”آنا“,” حملتها بعد موت والدتها بسنتين، وكانت حملة واسعة النطاق شملت رجال الأعمال والوزراء ورجال الكونجرس، لإعلان يوم عيد الأم عطلة رسمية في البلاد
“,” “,”
كما كان لديها شعور بأن الأطفال لا يقدّرون ما تفعله الأمهات خلال حياتهم، على أمل أن يزيد هذا اليوم من إحساس الأطفال والأبناء بالأمهات والآباء، لتقوى الروابط العائلية المفقودة ، وفي عام 1908 قامت الكنيسة بتكريم الآنسة آنا جارفس في جرافتون غرب فرجينيا وفلادلفيا وبنسلفانيا، وبالتحديد في العاشر من مايو 1908، حيث كانت هذه بداية الاحتفال بعيد الأم في الولايات المتحدة .
وفي عام 1911 كانت كل الولايات المتحدة قد احتفلت بهذا اليوم، ومع هذا الوقت كانت الاحتفالات قد دخلت كلاً من المكسيك، وكندا، والصين، واليابان، وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، ثم وافق الكونجرس الأمريكي رسميًّا على الإعلان عن الاحتفال بعيد الأم.
“,”عيد الأم“,” في مصر والعالم العربي
بدأت فكرة الاحتفال بعيد الأم العربي في مصر على يد الأخوين “,”مصطفى وعلي أمين“,” مؤسسي دار أخبار اليوم الصحفية
“,” “,”
وكان على أمين قد وردت إليه رسالة من أم تشكو له جفاء أولادها وسوء معاملتهم لها، وتتألم من نكرانهم للجميل، وتصادف أن زارت إحدى الأمهات مصطفى أمين في مكتبه في نفس اليوم لتحكي له قصتها التي تتلخص في أنها ترمَّلت وأولادها صغار، فلم تتزوج، وأوقفت حياتها على أولادها، لتقوم بدور الأب والأم، وظلت ترعى أولادها بكل طاقتها، حتى تخرجوا في الجامعة، وتزوجوا، واستقل كل منهم بحياته، ولم يعد أحد منهم يزورها إلا على فترات متباعدة للغاية، فكتب مصطفى أمين وعلي أمين في عمودهما الشهير “,”فكرة“,” يقترحان تخصيص يوم للأم يكون بمثابة تذكرة بفضلها، وأشارا إلى أن الغرب يفعلون ذلك، وأن الإسلام يحض على الاهتمام بالأم، فانهالت الخطابات عليهما تشجيعًا بالفكرة، واقترح البعض أن يخصص أسبوع للأم وليس مجرد يوم واحد، بينما رفض آخرون الفكرة بحجة أن كل أيام السنة للأم، وليس يومًا واحدًا فقط، لكن أغلبية القراء وافقوا على فكرة تخصيص يوم واحد، وشارك القراء في اختيار يوم 21 مارس ليكون عيدًا للأم، وهو أول أيام فصل الربيع، ليكون رمزًا للتفتح والصفاء والمشاعر الجميلة.
واحتفلت مصر بأول عيد أم في 21 مارس سنة 1956م ، ومن مصر خرجت الفكرة إلى البلاد العربية الأخرى ، وحتى الآن تحتفل البلاد العربية بهذا اليوم من خلال أجهزة الإعلام المختلفة، ويتم تكريم الأمهات المثاليات اللواتي عشن قصص كفاح عظيمة من أجل أبنائهن في كل صعيد.
“,” “,”
كما اقترح البعض في وقت من الأوقات تسمية عيد الأم بعيد الأسرة، ليكون تكريمًا للأب أيضًا، لكن هذه الفكرة لم تلق قبولاً كبيرًا، واعتبر الناس ذلك انتقاصًا من حق الأم، أو أن أصحاب فكرة عيد الأسرة “,”يستكثرون“,” على الأم يومًا يُخصص لها.
مواعيد مختلفة لعيد الأم في العالم
والاحتفال بعيد الأم يختلف تاريخه من دولة لأخرى، وكذلك أسلوب الاحتفال به ، فالنرويج تقيمه في الأحد الثاني من فبراير، أما في الأرجنتين فهو يوم الأحد الثاني من أكتوبر ، وفي لبنان يكون اليوم الأول من فصل الربيع ، أما جنوب أفريقيا فتحتفل به يوم الأحد الأول من مايو .
وفي فرنسا يكون الاحتفال أكثر بالعيد كعيد الأسرة، حيث يجتمع أفراد الأسرة للعشاء معاً ثم تقدم كيكة للأم، أما في السويد يقوم الصليب الأحمر ببيع ورد صغير من البلاستيك يقدم للأمهات اللاتي يكن في عطلة لرعاية أطفالهن، وفي اليابان يكون الاحتفال بعيد الأم يوم الأحد الثاني من مايو مثل أمريكا الشمالية، ويتم فيه عرض صور رسمها أطفال بين السادسة والرابعة عشرة من عمرهم، حيث تدخل هذه الصور ضمن معرض متجول يحمل اسم “,”أمي“,” ويتم نقله كل أربع سنوات إلى دولة أخرى.
الأم في الأديان السماوية
للأم منزلة كبيرة وعالية في الأديان السماوية، وكرم الله الأم في كل الأديان التي أنزلها على رسله، وذلك من خلال الوصايا التي تحثُّ على احترامها وتقدير منزلتها، والقرآن والتوراة والإنجيل بهم العديد من الآيات التي ترسخ وتؤكد احترام الأم والحنو عليها، ففي التوراة تذكر الوصية الخامسة أهمية احترام الوالدين، فتقول: “,”أكرم أباك وأمك“,” فالله طلب من بني إسرائيل أن يحترموا الوالدين، وألا يسيئوا لهما، أيضًا ورد في العهد القديم قول يشوع بن سيراخ: “,”من احترم أمه فهو كمدخر الكنوز“,”، ابن سيراخ 5:3، أيضًا قوله: “,”مذلة الأم عارٌ للبنين“,”، ابن سيراخ 11:3.
“,” “,”
زخر العهد الجديد والإنجيل بالعديد من الآيات في الأسفار التي تحكي قصص أمهات تلاميذ المسيح عيسى بن مريم، كما تزخر بقصة مريم العذراء، وكيف احترمها المسيح عليه السلام.
“,” “,”
لا يقتصر دور الأم في الإنجيل على حب ابنها فقط، بل ترمز في الوقت ذاته لفكرة الخلاص، ليس لابنها فقط بل للشعب كله، لذلك كان من الطبيعي أن يوصي الله في اللوح الثاني “,”اكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض“,” (خر 20 : 12 ( .
وبعد خروج إسرائيل من مصر من ظل العبودية واستقرارهم في أورشليم ما زالت الأم تشغل أهمية قصوى في قصة هذا الشعب، ويستمر عطاؤها إلى أولادها والشعب.
ويفسرها نيافة المتنيح الأنبا غريغريوس بأن سبب وضع هذه الوصية أمام وصية إكرام الله دليل أن عبادة الله لا تكتفي فقط بصلوات وتعبد له بل بإكرام الوالدين؛ لأنه لو أهان شخص أبويه وعَبَدَ الله ستكون عبادته ناقصة؛ لأن الوالدين نعمة من الله.
وتعد مريم العذراء خير مثال للمرأة المسيحية التقية والأم الناجحة، فلا يخلو كتاب عن الأم من ذكر مريم العذراء، فكان دور مريم العذراء بارزًا جدًّا في الكتاب المقدس وخدمة ابنها وخطيبها، حتى نالت نعمة في أعين الله والناس وأصبحت مثالًا يُضرب للمرأة التقية .
“,” “,”
وحياة مريم العذراء لا تخلو من التضحية والوفاء والحب، فهناك مواقف عديدة لها تُبَرْهِن على أنها مثال للتضحية، فبسبب حبها لابنها تحملت مشقة السفر من فلسطين إلى مصر، بل إنها كانت تتألم من التعب والإرهاق بالنسبة لفتاة لا يتجاوز عمرها 13 أو 14 سنة، فتحملت كل هذا التعب من أجل ابنها .
“,”وكانت أمه تحفظ جميع هذه الأمور في قلبها“,” (لو 2: 51).
لذلك اعتُبرت مريم أعظم امرأة في الوجود؛ لصفاتها الحسنة التي تؤهلها أن تكون فوق جميع القديسين.
ويذكر لنا الإنجيل كيف احترم المسيح أمه مريم، وكيف كان يعاملها، فيقول إصحاح لوقا (51:2): “,”كان المسيح له المجد يُكَرِّم أمه إكرامًا شديدًا، فالمسيح الرب كان يخضع لأمه، وينفذ طلباتها، ويخدمها بكل فرح وبكل شكر، كما أكد الكتاب المقدس“,”.
الإنجيل ذكر أيضًا صفات الأم، ففي مزمور (3:127-5)، وفي تيطس (4:2) يستخدم الكلمة اليونانية “,”فيليو تيكونس“,” وتعني “,”محبة الأم“,”، وتشير الوصية الكتابية إلى أنه يجب على الأم “,”الاعتناء“,” بأطفالها و“,”احتضانهم“,” و“,”مراعاة احتياجاتهم“,” و“,”مصادقتهم“,” كل واحد على حدة، كهبة صالحة من يد الله، وتصبح هنا “,”محبة الأم“,” مسئولية.
الأم في القرآن الكريم:
“,” “,”
لم يعرف التاريخ دينًا أو نظامًا كرَّم المرأة باعتبارها أمًّا وأعلى من مكانتها مثل الإسلام .
لقد أكد الوصية بها وجعلها تالية للوصية بتوحيد الله وعبادته، وجعل برها من أصول الفضائل، كما جعل حقها أوكد من حق الأب؛ لما تحملته من مشاق الحمل والوضع والإرضاع والتربية، وهذا ما يقرره القرآن ويكرره في أكثر من سورة ليثبته في أذهان الأبناء ونفوسهم.
وذلك في مثل قوله تعالى: (وَوَصَيَّنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلى وَهْنٍ وَفَصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِير)، (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّه كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا، وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرا).
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله: من أحق الناس بصحبتي؟ قال: « أمك ». قال: ثم من؟ قال: « أمك ». قال: ثم من؟ قال: « أمك ». قال: ثم من؟ قال: « أبوك “,” .
ويروي البزار أن رجلاً كان بالطواف حاملاً أمه يطوف بها، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم هل أديت حقها؟ قال: « لا، ولا بزفرة واحدة»!.. أي من زفرات الطلق والوضع ونحوها .
وبرها يعني: إحسان عشرتها، وتوقيرها، وخفض الجناح لها، وطاعتها في غير المعصية، والتماس رضاها في كل أمر، حتى الجهاد، إذا كان فرض كفاية لا يجوز إلا بإذنها، فإن برها ضرب من الجهاد .
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أردتُ أن أغزو، وقد جئت أستشيرك، فقال: « هل لك من أم»؟ قال: نعم. قال: « فالزمها، فإن الجنة عند رجليها» .
وكانت بعض الشرائع تهمل قرابة الأم، ولا تجعل لها اعتبارًا، فجاء الإسلام يوصي بالأخوال والخالات، كما أوصى بالأعمام والعمات.
أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: إني أذنبت، فهل لي من توبة؟ فقال: «هل لك من أم»؟ قال: لا، قال: « فهل لك من خالة»؟ قال: نعم. قال: فبرها.
ومن عجيب ما جاء به الإسلام أنه أمر ببر الأم وإن كانت مشركة، فقد سألت أسماء بنت أبى بكر النبي صلى الله عليه وسلم عن صلة أمها المشركة، وكانت قدمت عليها، فقال لها: « نعم، صلي أمك».
ومن رعاية الإسلام للأمومة وحقها وعواطفها: أنه جعل الأم المطلقة أحق بحضانة أولادها وأولى بهم من الأب، وتَذْكُر لنا السيرة أن امرأة ذهبت إلى رسول الله، وقالت: يا رسول الله، إن ابني هذا، كان: بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني، وأراد أن ينتزعه مني! فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أنت أحق به ما لم تنكحي .
واختصم عمر وزوجته المطلقة إلى أبي بكر في شأن ابنه عاصم، فقضى به لأمه، وقال لعمر: «ريحها وشمها ولفظها خير له منك»، وقرابة الأم أولى من قرابة الأب في باب الحضانة.
والأم التي اعتنى بها الإسلام كل هذه العناية، وقرر لها كل هذه الحقوق، عليها واجب: أن تُحسن تربية أبنائها، فتغرس فيهم الفضائل، وتبغضهم في الرذائل، وتعودهم طاعة الله، وتشجعهم على نصرة الحق، ولا تثبطهم عن الجهاد، استجابة لعاطفة الأمومة في صدرها، بل تغلب نداء الحق على نداء العاطفة .
ولقد رأينا أمًّا مؤمنة كالخنساء، في معركة القادسية تحرِّض بنيها الأربعة، وتوصيهم بالإقدام والثبات في كلمات بليغة رائعة، وما أن انتهت المعركة حتى نعوا إليها جميعًا، فما ولولت ولا صاحت، بل قالت في رضا ويقين: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم في سبيله !!
أمهات خالدات:
أم موسى يوكابد بنت لاوي .. والتي استجابت إلى وحي الله وإلهامه، وتُلقي ولدها وفلذة كبدها في اليم، مطمئنة إلى وعد ربها: ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ، فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِين).
حنة بنت قافوذا .. وهي أم مريم التي نذرت ما في بطنها محررًا لله، خالصًا من كل شرك أو عبودية لغيره، داعية الله أن يتقبل منها نذرها: (فَتَقَبِّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، فلما كان المولود أنثى- على غير ما كانت تتوقع- لم يمنعها ذلك من الوفاء بنذرها، سائلة الله أن يحفظها من كل سوء: (وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) ومريم ابنة عمران أم المسيح عيسى، جعلها القرآن آية في الطهر والقنوت لله، والتصديق بكلماته: (وَمَرْيَمُ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِين).
الأم في مصر القديمة
“,” “,”
زخرت الحضارة الفرعونية القديمة بالعديد من النصوص التي تحترم الأم، والتي تحكي عن دور الأم والمرأة، فعلى عكس الحضارة الرومانية والتي تعد حضارة ذكورية على ال إ طلاق؛ كان للمرأة مكانة كبيرة وذمة مالية كاملة في مصر القديمة، وكان يرمز لها على جدران المعابد (بأنثى العقاب) وهو طائر ضخم ذو جناحين كبيرين يرمز للحماية والحنان، كما كانت تعد رمزًا للعدالة وانضباط النظام الكوني، وذلك من خلال أسطورة إيزيس وأوزوريس، حيث حفلت النصوص الهيروغليفية المقدسة بها، والتي تعرف بأسطورة (نوت) وهي القاضية والمستشار الأعلى للقانون، وحامية الملك والمنظمة لممتلكات الزوج.
وهناك أسطورة دينية عند القدماء المصريين تسمى أسطورة “,”نوت“,”، والتي تسمى أحيانًا “,”أم حورس“,” حيث إن أمه المباشرة إيزيس كانت قد حملته وهي في بطن أمها “,”نوت“,”، حيث أخصبها أوزوريس، ويُذكر في مخطوطة تسمى “,”كتاب نوت“,” أن نوت، هي والدة رع (الشمس) وزوجها أوزوريس .
وسيدرك قارئ الأدب الفرعوني أن الآلهة في الحضارة الفرعونية هي آلهة أنثوية، كما زخرت الحضارة الفرعونية بالعديد من النصوص الدنيوية التي تحث على احترام الأم، ولكنه سيندهش عندما يجد أن مجلدًا كاملًا خُصص عن تقديس الأم والذي يصوغ دورها في ميلاد الآلهة، ونشأة الكون، وأصل الخير والشر، والصراع بينهما، وحلول العدالة المتمثلة في انتصار حورس على إله الشر “,”ست“,”، وقد قام عدد من علماء المصريات بتوثيق وكتابة تلك الأسطورة، التي تحكى – في مجلد كامل – كيف قامت إيزيس تلك الأم العظيمة بحماية ابنها لتحقيق العدالة، ولكي يعم الخير والسلام على الأرض وهذه بعض الأشعار التي قالتها إيزيس لابنها حورس:
إيزيس :
أيها العائد إلى الحياة، هيا عد إلينا..
عد لأراك يا ملك الوجه البحري يا حاكم الزمن اللانهائي
عد إلى منزلك بلا خوف.
أيها اللاعب بالمصلصلة، الجميل ( الطلعة) هيا عد إلى منزلك
إن إلهة التاسوع تسعى إلى رؤيتك أيها الطفل، أيها السيد، الذي فتح جسد أمه.
أيها الطفل، إن الحب الذي تثيره هو عليك أيها الوريث المبارك منذ أن أتى إلى الدنيا
أيها الابن الخيّر المنبثق من ذاك الذي يرى ويسمع.
لقد قامت إيزيس على رعايتك، لا تبعد عن دارك.
النيل هو فيض جسدك الذي يحيي الأشراف والشعب على السواء.
من مخطوطة سيتي سيتوس
صاحب الجلالة رع - أنجبته تلك الإلهة عند الأفق الشرقي. ولهذا يظهر على الأرض، يشرق ويولد من جديد. فيفتح رع فخذي أمه “,”نوت“,” (كل صباح) ويبتعد عنها ويظهر في السماء. وبذلك يظهر رع على الأرض كما ولد أول مرة. فهو يفتح “,”كيس الجنين“,” ويسبح في أشعته الحمراء. وينظف نفسه بين ذراعي أوزوريس أبيه. وبذلك يعيش أوزوريس أيضًا بعدما جاءه رع، وبذلك يظهر شفق الصباح. وهو فعّال بين ذراعي أبيه أوزوريس في الشرق. ويكبر قدره عندما يرتفع في السماء . اتخذت الآلهة نوت، مركزًا مهمًا في طقوس الموتى لدى قدماء المصريين، وهي تقترن بطريقة مباشرة بالاعتقاد في البعث والحياة الآخرة للميتين، حيث يرتفعون إلى جسدها بعد الموت، وقد أنجبت لأخيها وزوجها في نفس الوقت جب الأربعة آلهة أوزوريس وإيزيس ونفتيس وست، وجميعهم لهم طقوسهم الدينية والتعامل مع الموتى لدى قدماء المصريين .
كما كان المصري القديم يعتبر أن “,”نوت“,” هي إلهة الموتى، وتمثل في نصوص الأهرام بأنها البقرة الشافية، وحامية الأموات وقت رحيلهم إلى الآخرة، وكانت تذكر وترسم في داخل تابوت الميت. واختلط دور “,”نوت“,” في أواخر عصر الفراعنة كثيرًا بدور “,”حتحور“,” كسيدة شجرة الجميز المقدسة، التي تقدم للميت الأكل والشراب، كما كانت حتحور تمثل أيضًا كآلهة السماء.
حتحور .. أم الألهة
“,” “,”
ومن أشهر أسماء النساء اللاتي عرفهن التاريخ المصري القديم، الإلهة حتحور، وهي الأم الأولى للآلهة بصفتها «البقرة السماوية» التي ولدتهم وأرضعتهم جميعاً، وهي أيضًا إله الحب التي يشبهها الإغريق بإلهتهم أفروديت، أما إيزيس فهي أكثر النساء شهرة في التاريخ الفرعوني، بل إنها أحيانًا ترمز إلى مصر نفسها، وهي قرينة أوزوريس التي صاحبته وساندته وقامت بعده بنشر عقيدته .
كما يذكر التاريخ للفراعنة أنهم توجوا الملكة الأم الوصية على العرش والتي لها دور بالغ الأهمية بجانب ابنها، وكانت تتمتع بمكانة جليلة.
ونفس هذا التبجيل والاحترام قدمه أحمس، محرر مصر من الهكسوس، لأمه الملكة راع حتب، التي تولت الوصاية على ابنها وحلت مكانه بالعاصمة عند ذهابه للقتال، وأقام أحمس لوحة كبيرة بمعبد الكرنك تبين قدرة هذه الأم والملكة المثالية من أجل تحقيق استمرارية الأسرة بفضل نشاطها وإنجازاتها في مختلف المجالات، لدرجة أنها تمكنت من التوحيد بين جيوش مصر، وكانت أول امرأة تنال وسامًا عسكريًا، حيث أرفق أحمس مع مومياء أمه المبجلة، التذكارات المرتبطة بشجاعتها الأسطورية.
الأم في الأمثال الشعبية
“,” “,”
ليس مثل الأمثال الشعبية من قدرة في الكشف عن منظومة الثقافة والقيم السائدة في مجتمع بعينه، ففيها تتراكم الخبرات والرؤى والمواقف التي تتجاوز حدود الأفراد إلى المجموع، وتعبر عن الاتجاه الأغلب الذي يتسع – في الوقت نفسه- لاستيعاب النشاز والاستثنائي والنادر وغير المألوف.
ينتصر المثل الشعبي المصري لمكانة الأم ودورها الفاعل المؤثر في تشكيل الأبناء، ولعل الملمح الأول الراسخ في هذا الإطار هو الإعلاء من شأن علاقة الحب الحتمية بين الأم وأبنائها: “,”البطن ما تجيبش عدو“,”.
وليس أدل على قوة ومتانة العلاقة من المثل الذي يرتدي قناعًا حيوانيًا لتكريس فكرة الحب ومبدأ الحنان من منظور غريزي قدري، يجتمع الإنسان والحيوان تحت مظلته: “,”هي القطة تأكل أولادها“,”.
السؤال الاستنكاري بالغ العمق والدلالة، والمحصلة المنطقية عند الانتقال إلى عالم الإنسان، تتمثل في حقيقة العطاء غير المحدود، الذي لا تشوبه ذرة من نوازع الأسى والأذى.
لا غرابة في عواطف الأم المتطرفة التي تخاصم العقل والمنطق والحسابات التقليدية، فالحب الذي تكنه لا يرتبط بقيمة هؤلاء الأبناء قدر الارتباط بالمبدأ الذي لا يرى إلا الجميل وإن لم يقربه المحايدون: “,”القرد في عين أمه غزال“,”. ولهذا المثل الشهير الشائع تجلياته في أمثال شبيهة، تقر بالقبح وتعتز به وتدافع عنه: “,”خنفسة شافت بنتها ع الحيط قالت دي لوليه في خيط“,”!.
“,” “,”
من ناحية أخرى، تعلي الأمثال الشعبية المصرية من خصوصية دور الأم في التأثير على مصائر أبنائها، ذلك أنها المثل الأعلى والقدوة، وبناتها بالضرورة هن الامتداد وإعادة الإنتاج: “,”اكفي القدرة على فمها البنت تطلع لأمها“,”، وفي مثل آخر: “,”بنت الفاره حفاره“,”.
لا موضع للتناقض أو التنافس بين الأم والأب، فهما معًا يشكلان شخصيات الأبناء الذين يتأثرون بطبيعة النشأة الأسرية وما تبثه من قيم ومفاهيم، سلبية كانت أم إيجابية: “,”أبوك البصل وأمك التوم منين لك الريحة الطيبة يا شوم“,”.
هذه التكاملية لا تحول دون الإقرار بخصوصية الأم، لأنها الأكثر حنانًا وحدبًا على أطفالها، والأوفر حظًا في الارتباط بهم ومتابعة تكوينهم في السنوات الأولى على وجه التحديد: “,”الأم تعشش والأب يطفش“,”.
هل يعي الأبناء حقيقة ما تقوم به الأم، ويتفاعلون مع حنانها الفياض وحبها المثالي غير المنقوص؟. بعض معطيات الواقع تشير إلى غير ذلك: “,”قلبي على ولدي انفطر وقلب ولدي عليَّ حجر“,”. ويصل الأمر إلى مرحلة السخرية اللاذعة الموجعة: “,”ياما جاب الغراب لأمه“,”!.
تفاعل الأم مع الجحود ذو مسار مختلف، فقد تغضب وتحتج وتتعرض مشاعرها لقدر من الاضطراب، لكن الظاهر المباشر من الاستياء لا يتجاوز السطح: “,”أدعي على ولدي وأكره من يقول آمين“,”.
لكل قاعدة شواذها بطبيعة الحال، وسلوك بعض الأمهات لا يليق بجمال الأمومة. من هنا، تشير بعض الأمثال إلى جوانب سلبية لا يمكن إنكارها: “,”فاتت ابنها يعيط وراحت تسكت ابن الجيران“,”.
مثل هذا النمط من غياب “,”فقه الأولويات“,” ليس إلا الاستثناء الذي لا يُقاس عليه، لكنه قائم ولا يغيب عن صانعي الثقافة الشعبية ومترجمي الواقع الحافل بكل ما هو جميل جليل وقبيح ردئ.
الأم في الأغنية المصرية
“,” “,”
تعددت موضوعات الأم في الأغنية المصرية ، وتناولتها بالعديد من الزوايا والأفكار، واستطاع مؤلفو الأغاني أن يتنوعوا في أفكارهم، بين صفاتها وتحملها من أجل أبنائها وتفانيها في خدمتهم، ولعل الأغنية الأكثر شهرة والتي عبرت عن ذلك أغنية “,”ست الحبايب“,” والتي كتبها حسين السيد، ولحنها موسيقار الأجيال، محمد عبدالوهاب، وتغنت بها الفنانة فايزة أحمد، ولا تزال حتى الآن العلامة المميزة لشهر مارس من كل عام، وهناك أيضًا أغنية “,”أحن قلب في الدنيا قلبك يا أمي“,” لمحمد فوزي ونازك، ثم “,”صباح الخير يا مولاتي“,” لسعاد حسني، وأغنية علي الحجار “,”دعوتي في الفجر ياما“,” والتي يدعو فيها لأمه بطول العمر والصحة، وأغنية “,”الست دي أمي“,” لخالد عجاج وغيرها من الأغنيات.
موضوعات أخرى تناولها مؤلفو الأغاني الخاصة بالأسرة، كتلك التي تتحدث عن حب الأم لابنتها أو ابنها، باعتبارهما أعز وأغلى ما تملك في حياتها، مثل أغنية “,”ست الحبايب“,” للفنانة شادية، وأغنيتي صباح “,”أمورتي الحلوة“,”، “,”حبيبة أمها“,”، ثم تبعتها أصالة بأغنية “,”احكيلك أجمل حكاية“,”، ولحقت بهن نانسي عجرم التي غنت لابنتها “,”ميلا“,” أغنية تحمل نفس الاسم وغيرها من الأغنيات.
من ناحية أخرى، تناولت العديد من الأغاني موضوع الشكوى، والاستكانة لحضن الأم مرة أخرى، لبث الهموم على كتفيها، منها على سبيل المثال لا الحصر أنشودة “,”أمي“,” للفنانة شادية وأغنية “,”شدي الضفاير“,” لحنان ماضي، “,”أمي الحبيبة“,” لهشام عباس.
“,” “,”
الأسرة بوجه عام كان لها نصيب أيضًا من الأغنيات، فقام إسماعيل شبانة بغناء أغنية “,”أكتر تلاتة بحبهم“,”، والتي عبر فيها عن حبه لابنته وابنه، وأمهما التي تعبت في تربيتهما لتخرج الأغنية المصرية من حيز حب الأم إلى حب الأسرة.
ولم تقتصر موضوعات الأغنية على ذلك فقط، بل امتدت لموضوعات أشمل وأسمى وأنبل في المعنى، وجاءت أغنية شريفة فاضل “,”أم البطل“,” الأغنية الأشهر على الإطلاق في التضحية لتربط بين حب الوطن وحب الأم لابنها، والتي ضحت به من أجل تحرير الأرض.
تلت هذه الأغنية العديد من الأغاني التي رأت في مصر هي الأم، منهل الحب والعطاء، فغنى الشيخ إمام من أشعار أحمد فؤاد نجم “,”مصر يا مه يا بهية“,”، وغنت عفاف راضي “,”مصر هي أمي“,”، كما تغني الفنان محمد فوزي بالأغنية التي كتبها مرسي جميل عزيز وهي أغنية “,”بلدي أحببتك يا بلدي“,”.
“,” “,”
وتقدم “,”البوابة نيوز“,” مجموعة من أشهر الأغاني التي كتبت للأم:
“,”ست الحبايب“,” فايزة أحمد
“,”صباح الخير يا مولاتي“,” سعاد حسني
“,”أحن قلب في الدنيا قلبك يا أمي“,” محمد فوزي ونازك
“,”دعوتي في الفجر ياما“,” علي الحجار
“,”الست دي أمي“,” خالد عجاج
“,”أنشودة أمي“,”
“,”أمي الحبيبة“,” هشام عباس
“,”ست الحبايب“,” شادية
“,”أمورتي الحلوة“,” صباح
“,”حبيبة أمها“,” صباح
“,”أم البطل“,” شريفة فاضل
“,”مصر هي أمي“,” عفاف راضي
“,”مصر ياما يا بهية“,” الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم
“,”بلدي أحببتك يا بلدي“,” محمد فوزي:
“,”أوبريت أمي“,” ليارا ورامي عياش وهيثم شاكر وتامر حسني
نصف مليار جنيه.. فاتورة هدايا عيد الأم
“,” “,”
في عيد الأم تنشط قطاعات إنتاجية معينة، وتعد المناسبة فرصة حقيقية لتنشيط بعض الأسواق، وإذا كان التجار يعتبرون شهري يناير وفبراير هما أكثر شهور العام كسادا، حتى إنهم يطلقون عليهما “,”ينايم“,” و“,”فقراير“,”، فإنهم يرون شهر مارس هو أول كسر للركود باعتباره بداية الربيع، ولأن عيد الأم هو أول موسم تجاري حقيقي.
“,” “,”
وطبقا لمصادر تجارية، فإن أهم القطاعات التي تشهد رواجًا حقيقيًا قبل عيد الأم، قطاعات الملابس الحريمي بمختلف نوعياتها سواء للمحجبات أو غير المحجبات، فضلاً عن الأحذية والحقائب الجلدية الخاصة بالنساء، والعطور ومستحضرات التجميل، بالإضافة إلى قطاع الأجهزة الكهربائية والسلع المنزلية.
كما أن عدد الإناث المتزوجات في مصر- طبقا لأحدث بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء- بلغ 11 مليونا و224 ألفا و290 سيدة، ولو وضعنا في الاعتبار أن نسبة العقم بين سيدات مصر تبلغ نحو 15% طبقا لدراسات علمية متخصصة، فإن ذلك يعني أن لدينا نحو 9 ملايين و750 ألف أم، وطبقا لمتوسط حسابي يقدر متوسط قيمة الهدايا المقدمة للأم الواحدة خلال عيد الأم بخمسين جنيها، فإن ذلك يعني أن قيمة ما ينفق على هدايا عيد الأم يقدر بنحو 487 مليون جنيه.
من جانبه، يؤكد يحيي زنانيري
“,” “,”
رئيس جمعية منتجي الملابس الجاهزة “,”إيتاج“,” أن عيد الأم يعد موسمًا حقيقيًا لرواج الملابس الحريمي خاصة الإيشاربات والطرح وملابس “,”اللانجيري“,”، إلا أن فتح باب الاستيراد للملابس بدون تمييز أثر سلبيًا على المصانع المحلية التي كانت تدخل مرحلة انتعاش نسبي خلال ذلك الموسم، خاصة خلال السنوات الخمس الأخيرة.
وأشار الزنانيري إلى أن معظم تجار الملابس يقومون قبل عيد الأم بشهر باستيراد كميات كبيرة من أغطية الشعر، والشرابات، والجلاليب المنزلية، وفي الغالب يتم الاستيراد من بلدين رئيسيين هما الصين وتركيا، مؤكدًا أن الملابس التركية أكثر تفضيلاً لشريحة المشترين الذين ينتمون للطبقة المتوسطة وفوق المتوسطة، بينما تقبل الشرائح الأدنى دخلاً على شراء الملابس الصينية.
ويؤكد نادر مسعود، رئيس شركة “,”رواج“,” لتجارة الأجهزة الكهربائية، أن نوعيات عديدة من السلع الكهربائية تنتعش خلال شهر مارس بسبب عيد الأم ، مشيرًا إلى أن تلك السلع لا تتجاوز الأجهزة الكهربائية الصغيرة مثل الخلاطات الكهربائية، والأفران، ومكواة الشعر، وآلات تقطيع الطعام، وأواني الطهي السريعة.
وأوضح مسعود، أن موسم عيد الأم لا يشهد زيادة في مبيعات السلع الكهربائية المعمرة مثل الثلاجات والغسالات والتليفزيونات باعتبارها هدايا لا تناسب كثيرا من شرائح المجتمع لارتفاع سعرها، كما أنه لا يكاد يخلو منزل من تلك الأجهزة التي يقبل على شرائها في الغالب المقدمون على الزواج.
ويقول رئيس شركة “,”رواج“,” لتجارة الأجهزة الكهربائية، إن معظم مبيعات الهدايا من الأجهزة الكهربائية يتم استيرادها من الصين، ويتميز القليل منها بخدمات صيانة وضمان، بينما يغلب على معظمها فكرة الصفقة الخاطفة، ناصحًا الراغبين في شراء أي أجهزة كهربائية لأمهاتهم بالاهتمام بالشراء من وكيل معتمد.
كما أكد محمد البهي، عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات ورئيس مجلس إدارة شركة “,”لونا“,” لمستحضرات التجميل، أن العطور ومستحضرات التجميل تعد واحدة من أهم قائمة الهدايا المخصصة للأمهات، مشيرًا إلى أن بعض الشرائح تفضل شراء نوعيات عطور معينة، وهي في الغالب ماركات لا يتم إنتاجها في مصر، لكن لها وكلاء معتمدون، بينما تتجه شريحة أخرى لشراء بعض منتجات التجميل، خاصة “,”أحمر الشفاه“,”، الذي تتم صناعته محليا بجودة عالية.
وأوضح البهي، أن متوسط سعر أحمر الشفاه- على سبيل المثال- يتراوح بين خمسة جنيهات ومائة جنيه حسب النوعية والعلامة التجارية. كذلك يشهد سوق الكروت الورقية رواجا واضحا، ومعظمها، كما يشير أحمد جابر، نائب رئيس غرفة الطباعة، يتم إنتاجها داخل مصر، حيث تبدأ بعض المطابع بطرح منتجاتها لدى المكتبات مع الأسبوع الأول من شهر مارس من كل عام. ولاشك أنه مع تراجع القوة الشرائية للمواطنين، وتقليص كثير من الأسر لمصروفاتها فإن عيد الأم يمثل عبئا ماليا على كثير من أرباب الأسر، وقد فطنت عدة بنوك إلى ذلك فلجأت إلى توفير نظم دفع ميسر لشراء هدايا عيد الأم بإنتاج بطاقات شراء تحمل اسم عيد الأم، كذلك فقد طرحت بعض البنوك شهادات ادخار بعائد شهري، وأخرى بعائد ربع سنوي كهدايا للأمهات. كما أكد مصدر مصرفي، أن البنوك تستعد لعيد الأم من خلال توفير نظم بيع بالتقسيط لبعض الأجهزة والمنتجات المنزلية بفائدة بسيطة بضمان الرواتب، وتقوم تلك البنوك بعمل إعلانات لتلك النظم والمنتجات في الصحف والفضائيات والإذاعات قبل عشرة أيام من عيد الأم.
الأمومة في عالم الحيوان
“,” “,”
“,” “,”
“,” “,”
“,” “,”
الأمومة في الحيوانات لا تقل قيمة وروعة عما نراه في بني الإنسان، فحنان الأم في عالم الحيوان لا يبدأ بمجرد رؤية وليدها أو فقسها لأول مرة، بل يبدأ وصغيرها ما زال جنينًا في بطنها وبين أحشائها.
أمثلة للأمومة:
ومن المؤشرات على عظمة غريزة الأمومة، حمل الدِّببة والكلاب والقطط صغارها بأنيابها الحادة والعَدو بها مسافات شاسعة، دون أن تخدش جلدها، وهناك العديد من القصص الغريبة عن الأمومة لدى الحيوانات.
فالفيلة أثناء دفاعها عن صغيرها لا تأبه بأي شيء، وقد يصيبها الرصاص والقذائف النارية وينزف جسمها دما، ومع ذلك تستمر في رعايتها لأبنائها حتى يدركها الموت.
وعندما تكون البقرة حاملا
“,” “,”
فإنها تسير ببطء شديد؛ خوفًا على جنينها، وعندما تلد نراها تلعق وليدها لتنظفه مما علق بجسمه، وهذه غريزة طبيعية تفعلها دون وعي أو تفكير، وكذلك فإنها تلتهم المشيمة مع أنها ليست من الحيوانات آكلة اللحوم، ولكن حرصها على مصلحة وليدها يدفعها إلى تنظيف ما حوله حتى لا يتعفن ذلك المكان ويصبح مأوى لجراثيم تفتك بوليدها .
الطيور
“,” “,”
تضع بيضها في أعشاش تصنعها، وقد يكون العش مجرد أعواد مجمعة من قش وحطب، أو حفرة ممهدة في الأرض، وقد تكون هندسة العش أحيانًا آية في الدقة ونموذجًا للفن والذكاء.
أما أنثى الفيل
“,” “,”
عادة تكون هادئة، لكن إذا أصاب صغيرها مكروه ثارت وتمردت وأخذت تدافع عنه بكل شراسة.
والناقة تبكي على فقد صغارها، والكلبة تبكي على جروها الميت، وإذا فقدت الخيل صغيرها نهنهت بصوت مسموع وتوحشت، ولا تدع أحدًا يقترب من صغيرها، فإذا حُمل صغيرها ليُدفن سارت خلفه، فإذا دفن لازمت قبرهُ وانقطعت عن الأكل والشرب .
ويقول عبد السلام عاطف، الأستاذ بكلية الطب البيطري جامعة القاهرة: إن لدى الحيوانات سلوكًا غريزيًّا يتدفق دون توقف، يتميز بالحساسية والحنان والهدوء والانفعال، وهي مجموعة مشاعر متجانسة غريزية، والحيوانات بكافة سلالاتها وأنواعها فطرها الله على غريزة الأمومة .
مشاهد حية:
رغم عاطفة الأمومة القوية لدى إناث الحيوانات إلا أن رعاية الصغار قد يقوم بها ذكور الحيوانات، يشترك الذكر والأنثى “,”الأبوان“,” في رعاية الصغار، وأروع ما يميّز الحيوانات أنها تشعر بالأمومة تجاه صغارها في لحظات الخطر، فنجدها تدافع عنها بكل شراسة حتى لو كان العدو حيوانًا مفترسًا، بل نجد بعض الحيوانات تضحِّي بنفسها من أجل أولادها، مثل ذلك الفيديو الذي حصد أكثر من 30 مليون مشاهدة على موقع “,”اليوتيوب“,”، والذي يظهر فيه مطاردة من النمر لصغير الدب، والذي يظل يركض عابرًا المناطق الجبلية إلى أن يذهب إلى أمه على الناحية الأخرى من النهر؛ للاحتماء بها، وبمجرد ظهور أنثى الدب ونباحها العالي يجري النمر خائفًا منها، ليظهر أجمل مشهد عندما يرتمي الدب الصغير في حضن أمه سالمًا محتميًا بها.
ومن الأمور الطريفة في علاقة أنثى الدب بصغارها، أنه حين يقترب من صغارها حيوان مفترس- خصوصًا الذئب- تبادر إلى مطاردة صغيرها لتدفعه إلى تسلق الأشجار، ثم تستدير لمواجهة الخصم، وقد تهرب فجأة لتشتت انتباهه، وقد تدفع صغيرها إلى تسلق الأشجار دون وجود أي خطر، وهنا يكون هدف الأم تدريب الصغار على مهارة التسلق .
تحظى الأم بمكانة بالغة الأهمية في عالم نجيب محفوظ، الروائي والقصصي
“,” “,”
وهو ما يتوافق مع القيمة السامية للأم في الحياة المصرية، وفي الحياة الإنسانية لكافة المجتمعات والشعوب. على الصعيد الشخصي، لعبت أم الكاتب الكبير دورًا إيجابيًا في تشكيل شخصيته وتحديد مساره، وفي حواراته مع الناقد الراحل رجاء النقاش، المنشورة في كتاب “,”نجيب محفوظ.. صفحات من مذكراته وأضواء جديدة على أدبه وحياته“,”، يرى نجيب أن أمه، التي لم تكن تجيد القراءة والكتابة، كانت “,”مخزنًا للثقافة الشعبية“,” ودائمة التردد على المتحف المصري، فضلاً عن غرامها بسماع الأغاني، خاصة للشيخ سيد درويش. ويعترف نجيب أن علاقته مع والدته كانت أوثق من العلاقة مع أبيه، من ناحية لأنه لازمها وأقام معها باستمرار، ومن ناحية أخرى لأن العمر قد امتد بها طويلاً بعد وفاة الأب.
“,” “,”
يقدم أدب نجيب محفوظ رؤية عميقة شاملة لأنماط مختلفة من الأمهات: الطيبات الوديعات، المرحات المسكونات بالأسى، المسرفات في التدليل إلى درجة الإفساد، المهملات السلبيات اللامباليات، المنحرفات والعاهرات، الممزقات بين احتياجات الأنوثة ومشاعر الأمومة، وصولاً إلى المسلحات بالإرادة الحديدية والقوة التي تعين على تحمل المسئولية ومواجهة التحديات.
*الطيبات الوديعات*
ليس مثل أمينة، في “,”الثلاثية“,”
“,” “,”
نموذج يعبر عن القطاع الأعظم انتشارًا للأمهات المصريات الطيبات الوديعات، المتسمات بفيض من الحب والحنان، المتفانيات في خدمة الأسرة ورعاية الأبناء.
“,” “,”
أمينة هي الزوجة الثانية للسيد أحمد عبد الجواد، وأم أولاده باستثناء ياسين. وليس أدل على براعة نجيب محفوظ في تقديم الشخصية، من تحول اسمها إلى مفردة شائعة في اللغة المصرية اليومية، للدلالة على طبيعة الوضعية التقليدية للزوجة والأم حتى نهاية الربع الأول من القرن العشرين. في مقابل “,”سي السيد“,”، الرجل الجبار الذي تتجسد ملامحه من خلال الزوج المهيمن، فإن “,”الست أمينة“,” هي النمط الذي كان شائعًا للمرأة الوديعة الطيبة المطيعة، المتفانية في حب زوجها وأولادها بلا حدود، والمتعاطفة مع كل ما في العالم من جماد ونبات وحيوان، في إطار تسامح بلا ضفاف!.
كان موت الابن فهمي، في ريعان شبابه وذروة تألقه، صدمة كبرى عصفت بأمينة، فقد انفطر قلبها وفقدت توازنها المعهود، لكن المسيرة تستمر خاضعة لقانون النسيان الذي لا مهرب منه: “,”نهار وليل وشبع وجوع ويقظة ونوم، وكأن شيئًا لم يكن. سلي الزعم الذي زعم بأنك لن تعيشي بعده يومًا واحدًا، عشت لتحلفي بترتبته، إذا زلزل القلب فليس معناه أن تزلزل الدنيا، كأنه نسي منسى حتى تُزار المقابر، كنت ملء العين والنفس يا بني ثم لا يذكرونك إلا في المواسم“,”.
“,” “,”
قبل أن تتوافق أمينة مع كارثة موت فهمي، حطت عليها مصيبة عائشة، ابنتها الحبيبة التي فقدت زوجها وولديها في يوم واحد، ثم فقدت الابنة الباقية، نعيمة، بعد سنوات قليلة. ربما يكون امتناع كمال عن الزواج مؤلمًا وموجعًا، لكن حسرتها على عزوبيته لا تُقارن بما تستشعره في مواجهة موت الأحبة.
تبدأ الثلاثية وهي حبيسة البيت، لكنها تنتهي بانقلاب جذري: أحمد عبد الجواد لا يغادر الفراش بعد أن أقعده المرض، أما أمينة فلا تتوقف عن الحركة وزيارة المساجد والأولياء. بعد أن كانت زيارة الحسين أقرب إلى الجريمة التي تستدعي العقاب الصارم، تتبدل الأحوال، ويتساءل الزوج في عتاب لا زجر فيه أو تهديد: “,”أيصح أن تتركيني وحدي كل هذا الوقت؟“,”.
تدرجت أمينة في الحصول على حريتها، ففي أعقاب استشهاد فهمي، بدأ الأب الجبار في التساهل وتقديم التنازلات، وحظيت الأم الثكلى بحق الحركة مقابل ثمن فادح لا يغيب عنها: “,”ليتني بقيت كما كنت وبقي لي فقيدي“,”.
كان موت أحمد عبد الجواد نفسه ضربة جديدة موجعة لأمينة، ويتجلى ذلك بوضوح فيما تناجي به نفسها: “,”خلا البيت من سيدي فليس هو البيت الذي عاشرته أكثر من خمسين عامًا“,”.
“,” “,”
لم تعرف الحياة إلا معه، فهو المحور الذي تدور حوله، ولا يكتمل معنى وجودها إلا به وبأبنائها منه. كانت تعي أن قسوته الظاهرة تعبير عن محبة طاغية، وكان تدهوره مما يبعث الأسى ويثير لشجن: “,”وددت لو أبقيت على سيدي قوته حتى النهاية فما آلمني شيء كما آلمني رقاده“,”.
تصل الثلاثية إلى محطتها الأخيرة، وأمينة في مرض الموت. أصابها شلل كلي، ولن تستمر حية- بمقاييس الطب- أكثر من ثلاثة أيام. نهاية جيل ومرحلة، وصفحة تُطوى في كتاب قديم وزمن مندثر.
*المرح والأسى*
إذا كانت أمينة بمثابة الامتداد لشخصية أمها، من حيث الوداعة والطيبة والإيمان القوي بالأسرة، فإن عائشة تأخذ من أمها أمينة كل الصفات الإيجابية، وتضيف قدرًا من المرح والإقبال على الحياة. عاشت حياة سعيدة هانئة مريحة مع زوجها الذي يماثلها كثيرًا في الطباع والسلوك، فهي شخصية مرحة انبساطية محبة للآخرين جميعًا دون رواسب حقد أو كراهية وضغينة. علاقاتها إيجابية مع كل الذين يتعاملون معها بلا توتر أو صراع، وتدليلها للأبناء مضرب المثل، فهم يغنون ويرقصون ولا يسمعون منها كلمة زجر او تأنيب، لكن المأساة تبدأ مع نهاية “,”قصر الشوق“,” بعد أن فقدت في ضربة واحدة عنيفة زوجها وطفليها محمد وعثمان، ولم يبق لها إلا الابنة نعيمة، وذكريات حزينة موجعة تقفز بها في سرعة هائلة إلى الشيخوخة المبكرة.
“,” “,”
لم يعد لعائشة من عمل، بعد العودة إلى بيت أبيها، إلا التدخين واحتساء القهوة والحب المتطرف لابنتها نعيمة، ولعل زواج الابنة التي لا تقل جمالاً عن أمها أول فرصة حقيقية لاقتناص الفرحة بعد المأساة التي دمرت عائشة، لكن هذه الفرحة نفسها كانت البوابة المفضية إلى التدمير المروع والضياع الكامل. ماتت نعيمة وهي تلد، متأثرة بمرض قديم مزمن في القلب، وباتت الحياة عديمة المعنى والجدوى.
ولا يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة لدولت، أم أحمد ورشدي في “,”خان الخليلي“,”. بعد إحالة زوجها عاكف أفندي على المعاش المبكر، تلعب دولت دورًا مهمًا في تحقيق التوازن والاستقرار النفسي للزوج والابنين، وهو دور يتوافق مع مجمل مميزاتها الشكلية والموضوعية.
على الرغم من بلوغها الخامسة والخمسين، عند بداية أحداث الرواية، فإنها تحتفظ بقدر ملموس من الجمال والوسامة، وذوق في الأزياء، وخبرة بوصفات السمن والتجميل. وفضلاً عن هذا كله، فإنها مشهورة بخفة الروح والدعابة اللطيفة والنادرة الحلوة، لا تضاهيها امرأة في قدرتها على أن تألف وتُؤلف.
لا تخلو حياة دولت من الحزن، فهي تتوهم المرض، وتؤمن بأن عليها أسيادًا، وبأن لا شفاء لها إلا بالزار، لكنه إيمان لا تجد من يسايرها فيه. لاشك في حبها لابنها الكبير أحمد، لكن الصغير رشدي هو الأقرب إلى طباعها بمرحه وإقباله على الحياة.
انتقال السكنى من “,”السكاكيني“,” إلى “,”خان الخليلي“,” لا ينبئ عن تغيير حقيقي في إيقاع حياتها، فسرعان ما تتعرف على جارات جدد، وتبدأ في ممارسة طقوسها الاجتماعية المألوفة، لكن الكارثة الكبرى تطل بالمرض الخطير الذي يصيب رئة رشدي، ويقوده إلى الموت.
كان موت رشدي، في عنفوان شبابه، ضربة قاصمة لدولت وحيويتها، وإيذانًا ببداية مرحلة تخلو من البهجة وتعشش فيها الأوجاع: “,”ذهلت في حزنها عن كل شيء حتى الإيمان، بل قالت تخاطب ربها في وقدة الألم: ما ضر دنياك لو تركت لي ابني!،ثم قالت لزوجها بحدة: هذا حي شئوم، جئته على كره مني وما أحببته قط، وفيه مرض ابني وفيه قضى.. فدعنا نهجره بغير أسف!، ثم انثنت إلى أحمد قائلة: إذا أردت أن ترحم أمك حقًا فابحث لنا عن مقام جديد“,”.
كراهية الحي الجديد ليست إلا تعبيرًا عن رغبة كامنة في التخلص من الذكريات السوداء الأليمة التي ترتبط به، والانتقال إلى ضاحية الزيتون لن ينجح في استعادة ما كان. وإذا كان الأب عاكف أفندي قد أصيب بضغط الدم، فقد نال الحزن من دولت وأصابها بالهزال، وأغاض مرحها وألبسها ثوب الكبر.
*ومن الحب ما قتل*
من المنطقي أن تغدق الأم من حبها وحنانها على الأبناء، لكن الإسراف المتطرف قد يتداخل مع المرض النفسي، وعندها يتحول الحب إلى أداة تدمير للشخصية وتشويه لكل ما هو سوي في حياة الأبناء. هذا ما نجده في رواية “,”السراب“,”، فالابن كامل رؤبة لاظ ضحية للأسلوب التربوي المنحرف الذي اتبعته الأم زينب.
كانت زينب زوجة تعيسة للسكير العاطل رؤبة لاظ، وأنجبت منه مدحت وراضية، وقد عاشا بعيدًا عنها في حضانة الأب، أما الابن الصغير كامل فقد ارتبط بها طوال عمرها، وأفرطت في حبه وتدليله إلى درجة المرض.
بكلمات كامل نفسه: “,”كانت أمي وحياتي شيئًا واحدًا، وقد خُتمت حياة أمي في هذه الدنيا، ولكنها لاتزال كامنة في أعماق حياتي، مستمرة باستمرارها. لا أكاد أذكر وجهًا من وجوه حياتي حتى يتراءى لي وجهها الجميل الحنون، فهي دائمًا أبدًا وراء آمالي وآلامي، ورا ء حبي وكراهيتي، أسعدتني فوق ما أطمع، وأشقتني فوق ما أتصور، وكأني لم أحب أكثر منها، وكأني لم أكره أكثر منها، فهي حياتي جميعًا، وهل وراء الحب والكراهية من شيء في حياة الأنسان؟“,”.
تجربة زوجية قصيرة خاضتها زينب، ولم تظفر في الأيام القلائل التي قضتها مع زوجها، عبر عدة سنوات، بسعادة تُذكر، وسرعان ما انصب اهتمامها كله على الابن الذي بقي لها، وهو اهتمام يسيطر عليه الخلل والانحراف التربوي، فيرفل الطفل دائمًا في فساتين البنات، وينسدل شعره طويلاً حتى المنكبين، ويُحرم من اللعب مع أبناء الجيران، وتُصور له علاقة الزواج كأنها خطيئة ورجس من عمل الشيطان!.
لم يكن أسلوب زينب في حبها لكامل إلا مرضا شوه شخصية الابن، وجلب له الضعف والهوان والخجل والانطوائثية. فشل فشلاً ذريعًا في التعليم وتكوين العلاقات الاجتماعية، ولم يستقل بسرير ينام فيه بعيدًا عن أمه إلا بعد أن توظف!.
لم تكن زينب في أعماقها ترحب بزواج كامل وتحرره من قبضتها، فهي تراه دائمًا أصغر من أن يتزوج أو يستقل بحياته. وإذ يلح عليها معلنًا عن رغبته المشروعة في الزواج، تضع مواصفات مستحيلة للعروس التي تريدها له: “,”إني أريد لك عروسًا جديرة بك حقًا. يبهر حسنها الأعين، وتطوي أخلاقها الألسن، من أسرة كريمة ذات محتد، فتهيئ لك قصرًا شامخًا!“,”.
أين يمكن أن توجد مثل هذه العروس الخارقة؟!، وحتى إذا تيسر وجودها، فالسؤال المنطقي الذي لا مهرب من طرحه: هل يستحقها موظف خامل تافه الشأن مثل كامل، لا مؤهل له إلا شهادة البكالوريا؟!.
عداء زينب لرباب جبر، خطيبة ابنها ثم زوجته، سابق لرؤيتها، فهي تستاء من عملها مدرسة، وتجزم بأن بنات الأسرى الطيبة لا يشتغلن مدرسات: “,”والمدرسة إما أن تكون عادة دميمة أو مستهترة مسترجلة“,”!. مثل هذا العداء مبرر برفض زينب لفكرة أن يتزوج ابنها، أما التهنئة اللسانية بعد الخطوبة فلا تعني السعادة أو البهجة، وهو ما لا يخفى على الابن: “,”ولم تكن تحسن مداراة ما يعتمل في نفسها، فلمست في نظرة عينيها خيبة عميقة نغصت عليَّ صفوي، بيد أنني تجاهلتها وتظاهرت بتصديق كلماتها“,”!.
لا يغيب فتور الأم عن أسرة العروس، فتقول أم رباب لكامل: “,”والدتك سيدة محترمة ولطيفة ولكن يبدولي أنها لا تميل إلى المعاشرة. وفهمت ما تعنيه، والحق أن أمي لم تزر بيت خطيبتي منذ إعلان الخطبة إلا مرة واحدة تحت ضغط وإلحاح“,”.
ازداد التوتر والجفاء بعد الزواج، وخاضت زينب معارك ومشاحنات مع زوجة ابنها، وتبادلتا الاتهامات والشتائم. يقين زينب أن رباب تكرهها، والزوجة تبادلها الشعور نفسه، والزوج الضعيف العاجز ضائع وممزق بينهما!.
ماتت رباب في عملية إجهاض، للتخلص من جنين لا علاقة له بزوجها، وكان كامل قاسيًا إلى الدرجة التي صارح فيها أمه بكل شيء، كأنه ينتقم منها ويتشفى، بل إنه يتهمها بالشماتة في الكارثة التي ألمت به: “,”اشمتي ما شاءت لك الشماتة، ولكن إياك أن تتصوري أننا سنعيش معًا. انتهى الماضي بخيره وشره ولن أعود إليه ما حييت. سأنفرد بنفسي انفرادًا أبديًا. لن أعيش معك تحت سقف واحد، وسأطلب من الوزارة نقلي إلى مكان قصي أقضي فيه البقية من عمري“,”.
ماتت زينب بعد ساعات من المواجهة العصيبة، لتختتم حياة مليئة بالتعاسة وإتعاس الآخرين!.
*إهمال وسلبية*
أمهات غير قليلات، في عالم نجيب محفوظ، تغلب عليهن نزعة الإهمال والسلبية واللامبالاة، وهو ما ينعكس بالضرورة على الدور الإيجابي المنشود للأم في تنشئة الأبناء.
أم محجوب عبد الدائم، في “,”القاهرة الجديدة“,”، أنموذج للأم الحزينة والزوجة التعيسة. لم يبق لها من الأبناء إلا محجوب: “,”غارقة في السواد الذي حلفت إلا تخلعه مدى الحياة منذ ماتت له أختان بالتيفود. ذابلة الوجه، تبدو أكبر من سنها الذي جاوز الخمسين بقليل، تنوء بأثقال عمر أنفقته أمام لهب الكانون ووهج الفرن، تعجن وتخبز وتغسل وتكنس، فتحجرت أصابع يديها وبرزت عروق ظاهر كفيها. لم تجد في حياتها وقتًا للثرثرة، كانت كالبندول الذي يحرك آلة كبيرة دون أن تدركه الحواس، وكانت تحب ابنها حب عبادة، وقد تضاعف هذا الحب بعد وفاة شقيقتيه في ميعه الصبا، ولكنها لم تترك أثرًا يُذكر في تكوينه وتربيته، وكانت لا تجد في حياتها من تكلمه فعاشت كالبكم في صمت وجهالة“,”.
أم طيبة جاهلة، ذابلة منزوية، وحياتها أشبه باللوحة الصامتة الحزينة التي تخلو من الفرح والبهجة. كارثة جديدة تُضاف إلى رصيد أم محجوب من التعاسة والكآبة، فقد شل زوجها، وفقد وظيفته البسيطة، ولابد أن ينعكس الوضع الجديد على ابنها الوحيد، ذلك الذي يتهدد الضياع مستقبله.
لا مكان في قلب محجوب لأمه وأبيه، ولا تتوانى الأم في الدفاع عنه والتأكيد على أن ما يتردد حوله أكاذيب وافتراءات، فها هي تؤكد لزوجها في ثقة: “,”ستبدي لك الأيام أني أعرف بابننا منك“,”.
ما الذي يمكن أن يفعله الأب بعد أن انكشف المستور، وتمثلت أمام عينيه ملامح الفضيحة؟!. لا شيء يفكر فيه إلا أن ابنه قد انتهى، وسيقول لامرأته إذا عاد إلى بلده: لا تسألي عن محجوب، فقد انتهى محجوب وغدا ذكرى من الذكريات!.
هل من تتويج لحياة الأحزان والتعاسة، التي عاشتها أم محجوب، يفوق هذه النهاية الأليمة؟.
أم حسين كرشة، في “,”زقاق المدق“,”، امرأة قوية بخلاف أم محجوب، لكنها مسكونة بأوجاع الشذوذ الجنسي للزوج الذي تحبه على الرغم من انحرافه المشين. أنجبت بناتًا ستًا، وذكرًا واحدًا هو حسين. البنات متزوجات بعيدات عن أجواء الاستقرار والسعادة، وقد هربت صغراهن بعد عام من زواجها وضُبطت في بيت عامل ببولاق، أما المأساة الأفدح فتتمثل في شذوذ كرشة.
يحظى الزوج بمحبتها، وفي سبيل الاستئثار به تلجأ أم حسين إلى الضغط المعنوي، وتخوض ضده معركة كلامية عنيفة، ثم تنازل عشيق زوجها، وتضربه على مرأى الجميع!.
مناخ مشحون بالقلق والتوتر، وهو ما يدفع الابن حسين إلى التمرد والبحث عن حياة بديلة خالية من الهموم والسموم. الأب الشاذ سيء السمعة، والأم مأزومة لا تقدم من الحب والحنان والرعاية إلا القشور الهشة الهزيلة، التي لا تشبع أو تحقق الصفاء والتوازن النفسي.
حليمة الكبش، في “,”أفراح القبة“,”، زوجة تعيسة لكرم يونس، وأم محبة لابنها الوحيد المؤلف المسرحي الموهوب عباس كرم، الذي اتخذ من حياة أسرته موضوعًا لمسرحيته الوحيدة الناجحة، التي تحمل الرواية اسمها.
توقفت حليمة عن مواصلة رحلة التعليم بعد وفاة أبيها، وتوسط قريبها أحمد برجل لتعمل قاطعة تذاكر في مسرح الهلالي، الذي أقام معها علاقة جنسية كشأنه مع غيرها من المتصلات بالفرقة. تزوجت حليمة من ملقن الفرقة كرم يونس، وبعد سعادة قصيرة خاطفة، عرف الزوج طريق الإدمان، ثم حول بيت الزوجة إلى وكر للقمار، فانتهى المطاف بحليمة وكرم إلى السجن، ليخرجا محطمين يائسين. يعملان معًا في مقلى أعدها الابن، ويستمر التنافر بين الزوجين دون تواصل أو احترام.
نجاح الابن في عمله المسرحي الأول، لا يغير شيئًا من تعاسة حليمة، ذلك أن أحداث المسرحية تقدمها في صورة منفرة مسيئة، فهي عاهرة تستجيب للجميع!. تملك حليمة رؤية مغايرة جذريًا لتلك الصورة السلبية التي يقدمها عباس: “,”تراني عاهرة محترفة وقوادة؟ تراني القوادة التي ساقت زوجتك إلى السائح طمعًا في نقوده؟ أهو خيال أم هو الجحيم؟ إنك تقتلني يا عباس. لقد جعلت مني شيطان مسرحيتك“,”.
“,” “,”
حليمة الكبش ضحية لجملة من التفاعلات المعقدة، فهي ليست أما شريرة فاسدة وزوجة مستهترة ماجنة، لكنها مثل الكثيرين في الرواية، تخلط بين الفن الذي يقدمه عباس في قالب مسرحي، وبين الواقع الذي قد يلهم، ولا يمكن أن يطابق المادة الفنية. أم محجوب وأم حسين وأم عباس كرم، أمهات قليلات الحيلة، ومحكوم عليهن بالإهمال الاضطراري الذي يؤثر سلبًا على مسيرة الأبناء، لكن واحدة منهن لا تتعمد الإفساد كما هو الحال بالنسبة لأم إحسان شحاتة في “,”القاهرة الجديدة“,”. قبل زواجها من شحاتة تركي، كانت واحدة من قيان شارع محمد علي. ربطتهما علاقة العشق قبل الزواج، وقد وهبته ما ادخرته من مال ليتاجر به، فبدد معظمه على القمار والمخدرات!.
أم إحسان مثال سيء للأم غير المسئولة، فهو عون للشيطان في سقوط ابنتها، وهل من دليل على ذلك يفوق ما تمارسه من تحريض صريح على الاستجابة لغزل وإغواء قاسم بك فهمي، الوجيه الثري الذي تدرك الأم جيدًا أنه لن يقدم على الزواج: “,”رجل لا يقل مقامًا عن وزير وأعظم جاهًا وثروة، الا ترين سيارته؟، ألا ترين قصره؟..فماذا ترين؟!“,”.
ليست المسألة فيما تريده إحسان، لكنها فيما يريده البك، وهذا ما لا تنشغل به الأم!.
ينم أسلوب أم إحسان، في الحركة والكلام، عن تأثير نشأتها في أجواء وأحضان العوالم، ولا يجد محجوب عبد الدائم، الذي يجهل حقيقة تاريخها، صعوبة في الكشف عن أهم ملامح شخصيتها: “,”وأدرك محجوب من حديث حماته، من لهجتها، وحركات رقبتها وحاجبيها وعينيها، أنها امرأة ذات دلال وأنوثة ودعابة ومكر“,”.
تاريخها لم ينقطع، وحاضرها امتداد لماضيها!.
هل من تعارض بين الأمومة واحتراف أعمال مشينة مجافية للقيم الدينية والأخلاقية؟!. الأمومة عاطفة مقدسة، وغريزة قادرة على الصمود في مواجهة كافة التحديات والمصاعب. من هنا، لا موضع للتعارض والتناقض بين الأمومة والتدهور الأخلاقي، مع ضرورة التأكيد على أن الأخلاق نسبية مراوغة، خاضعة لقوانين التطور واختلاف الزمان والمكان.
*أمهات وعاهرات*
نور الحياة في قصة “,”روض الفرج، مجموعة “,”همس الجنون“,”، تهرب مبكرًا من بيت الزوجية، وتترك ابنها رضيعًا في رعاية أبيه، وإذا بالابن نفسه يقع في غرامها، عند وصوله إلى سن المراهقة، دون أن يعرف أنها أمه!. يصل الأب لإنقاذ ابنه، وإذ يعرف شخصية نور الحياة تنهال شتائمه على الغانية، وتكتشف المرأة المستهترة أن عبد المعز، الذي تحبه وتعطف عليه، هو الابن الذي هجرته قبل سنوات طوال. تنتصر أمومتها بطبيعة الحال، وتصده بقسوة متعمدة إذ يعود إليها بعد أن سرق أباه، بل إنها تحتمل صفعته المدوية التي هوت على وجهها، ولا تعلق على استنكاره أن تشبه نفسها بأمه: “,”لا تشبهي نفسك الآثمة بأمي الطاهرة فتقلقي رقدتها الآمنة أيتها العاهرة“,”!.
تمتلئ القصة بأحداث غرائبية، وتلعب الصدفة دورًا رئيسًا في بناء أحداثها وتغيير مسارها، أما عن ندم عبد المعز على الصفعة التي وجهها لمن خدعته، فيبدو مفتعلاً وبعيدًا عن الإقناع، ذلك أن رد فعله منطقي مبرر لا يستدعي الندم.
السقوط في مستنقع الرذيلة لا يسلب من نور الحياة أمومتها، والحياة غير الأخلاقية التي تعيشها العوادة زنوبة، في “,”الثلاثية“,”، لا تحول دون استقرارها أخيرًا زوجة لياسين عبد الجواد وأما لكريمة. كان زواجهما مفاجأة وصدمة، لكن الزوج صمد أمام ضغوط أبيه، وحرص في الوقت نفسه على التمسك بسلوكه المستهتر. وإذا كان زواج زنوبة من الموظف ابن التاجر صعودًا اجتماعيًا إيجابيًا، فإن خالتها زبيدة لا تبدي سعادة أو فخرًا، بل ترى أنها أفلست كعالمة فتزوجت!.
لقد قررت زنوبة، بإرادة حديدية وعزيمة صادقة، أن تغير مسارها من الحرام إلى الحلال، ونجحت في التخلص من ماضيها والاندماج في حياتها الجديدة. لم تستمر مقاطعة أسرة ياسين لها، وبدأ تبادل الزيارات، وكانت المواجهة مع عشيقها القديم ووالد زوجها أحمد عبد الجواد، عندما زارته في مرضه، دليلاً حاسمًا على أن الصفحة القديمة قد طُويت: “,”فتقابلا كشخصين جديدين لا تاريخ مشترك بينهما“,”.
اندمجت زنوبة في أسرة زوجها، وبدت مثالاً للاحتشام وتجنب التبرج والمبالغة في الزينة، وحظيت العوادة السابقة بشهادة طيبة من أمينة: “,”لاشك أن أصلها طيب، ربما أصلها البعيد، فليكن.. ولكنها بنت حلال، وهي الوحيدة التي عمرت مع ياسين“,”.
“,” “,”
ذهبت العوادة المستهترة بلا رجعة، وتحولت زنوبة إلى زوجة ملتزمة وأم صالحة. قد يكون صحيحًا أن حياتها الزوجية لا تخلو من شجار ونقار، وأن أسلوبها في تربية ابنتها كريمة وابن زوجها رضوان، الذي لا يحبها، أقرب إلى العشوائية والارتجال والاعتماد على الغريزة، لكنها نجحت بذكائها في ترويض ياسين، وتزويج الابنة، وتجنب الصدام مع ابن الزوج. وعلى الرغم من أن ياسين لا يخفي ضيقه بها أحيانًا إلى حد الضجر، فقد كان يشعر دائمًا بأنها أصبحت شيئًا ثمينًا في حياته، لا يمكن الاستغناء عنه.
رحلة طويلة مرهقة قطعتها زنوبة، لتنتقل من دونية العوادة إلى ذروة الاستقرار والاحترام، واستطاعت أن تفرض وجودها وتحظى بالاعتراف والشرعية.
العاهرة عطية، في “,”السكرية“,”، ترتبط بعلاقة وثيقة مع كمال عبد الجواد، منذ أن عرفها في بيت القوادة جليلة. لم تعمل في “,”المقدر“,” إلا بعد طلاقها، ويذهب كمال إلى أنها امرأة طيبة عاثرة الحظ، لا تمارس حياة الدعارة إلا مضطرة. وإذ يقول لها مرة: “,”إن ما بيننا ليسمو فوق النقود!“,”، تجيبه محتجة كاشفة عما يعتمل في أعماقها:“,”ولكن لي طفلان يفضلان النقود على ما بيننا“,”!.
هذان الطفلان هما أهم ما في حياتها، وفي سبيلهما تحترف العمل الذي يحتقره المجتمع ويزدريه: “,”روحها المسكينة في ابنها، وهو إذا مسه سوء طارت أبراج عقلها“,”.
قد يدفعها مرض الابن الحبيب أن تتأخر عن مواعيد العمل، لكن القوادة تعي أنها ستجئ حتمًا: “,”أليس المريض في حاجة إلى النقود!“,”.
*فلة وزينات*
فلة، الزوجة الثانية لعاشور الناجي في الحكاية الأولى من ملحمة “,”الحرافيش“,”، بدأت حياتها عاهرة في البوظة، ثم استقرت في بيت الفتوة الأسطوري وأنجبت منه شمس الدين. اختفى عاشور، وترملت فلة، وصعد الابن إلى عرش الفتونة مواصلاً مسيرة أبيه. في المعركة الأولى التي خاضها الفتوة الشاب، يعيره الخصوم بأمه، ويقول له فتوة العطوف وهو يتوثب للالتحام: “,”أقدم يا بن الزانية.. أقدم يا بن عاهرة خمارة درويش!“,”.
لا يعرف شمس الدين إن كان ما يُقال محض سباب مما تُفتتح المعارك به: “,”أم هو تاريخ يعلمه الجميع ويجهله هو بحكم حداثة سنه؟“,”.
تاريخ فلة معروف للجميع، أما الدفاع الذي يقدمه الأنصار والمؤيدون فعاطفي إنشائي لا يعتمد على منطق مقنع: “,”إن امرأة يختارها عاشور الناجي زوجة له ووعاء لذريته، لا يمكن أن ترتقي إليها شبهة من الشبهات“,”!.
لا تبدي فلة ترحيبًا بزواج شمس الدين من عجمية، وبدافع التحدي والعناد تلوح بعرض الزواج الذي تلقته من عنتر الخشاب، أما عن العلاقة مع زوجة ابنها فقد اتسمت بالتوتر والصراع، ولذلك تعود أرملة الفتوة الخارق إلى طرح فكرة الزواج من عنتر، لكنها تُصاب بالحمى، وتتدهور صحتها إلى أن تسلم الروح.
بعد موت فلة: “,”تطايرت شائعات في الحارات المعادية بأن شمس الدين دس السم لأمه ليمنعها من الزواج، وتمادوا فقالوا إنه اكتشف علاقة غير مشروعه بينها وبين عنتر الخشاب“,”!.
ما يُقال ليس صحيحًا، لكن احتراف فلة للدعارة قبل زواجها من عاشور الناجي يمثل عنصرًا مهمًا في التشهير بآل الناجي، عبر المراحل التاريخية التالية، وأداة للبرهنة على أن سجلهم لا يخلو من الشوائب والأخطاء والخطايا.
ولقد كانت زينات عشيقة للفتوة جلال في “,”جلال صاحب الجلالة“,”، الحكاية السابعة في ملحمة “,”الحرافيش“,”. قبل علاقتها مع الفتوة، كانت واحدة من بنات الهوى، تقيم في شقة صغيرة فوق بنك الرهونات، ويعشقها الوجهاء.
احتجب جلال عامًا كاملاً متصلاً ليظفر بالخلود، وبعد الخروج من عزلته لم تستمر العلاقة مع زينات على النحو القديم. تحرر من سطوتها فلم تعد إلا وردة جميلة في حديقة ملأى بالورود، واشتعلت الغيرة في أعماق العشيقة المهجورة فدست له السم. يموت الفتوة في مشهد غرائبي لا يُنسى، واعترفت له زينات بدوافعها: “,”قتلتك لأقتل حياة العذاب“,”.
عاشت زينات فترة من الرعب والترقب بعد موت جلال، لكن أحدًا لم يوجه إليها اتهامًا، وبقيت وحيدة زاهدة بلا قلب ولا راحة: “,”واكتشفت عقب موت جلال بفترة من الزمن أن حبهما قد خلق في بطنها ثمرة فحرصت عليها بقوة حبها الخالد، وملكها شعور بالفخار رغم أنها ثمرة غير مشروعة. وأنجبت ذكرًا فسمته جلال بكل جراءة وصراحة متحدية به التقاليد“,”.
لم ينل الابن غير الشرعي اعترافًا من جده وعمه، وعاش مجهول النسب على الرغم من الملامح التي تؤكد صلته بالفتوة الراحل، أما زينات فقد نفدت مدخراتها، وتحيرت عندما تلقت عرضًا بالزواج من المعلم الجدع، الذي يعمل ابنها جلال في خدمته، لكن العريس نفسه تراجع بعد نصيحة من شيخ الحارة: “,”كيف تركن لامرأة قتلت ذات يوم رجلها؟!“,”.
ماتت زينات فجأة عن ثمانين عامًا، وصُدم جلال بموتها وفقد توازنه. بكى في جنازتها، وطال حزنه عليها طويلاً، ثم انقلب ليهاجمها بضراوة وعنف، ويؤكد أنها بلا حسنات أو مزايا، وتمتعت بعمر طويل مريح لا تستحقه!.
ما الذي غيره فجأة؟، ولماذا انقلب عليها؟!. سؤالان غامضان تصعب الإجابة عنهما!.
*صانعة المأساة*
الانحراف عن الحياة السوية لا يؤثر على عاطفة الأمومة بطبيعة الحال، لكن الأمر لا يخلو من آثار سلبية وخيمة تطول الأبناء. في حالتي فلة وزينات، تأثر الابنان شمس الدين وجلال بتاريخ أميهما غير القابل للنسيان أو الغفران، لكن الذروة نجدها في “,”الطريق“,”. بسيمة عمران قوادة محترفة، وصاحبة المسئولية الأكبر عن المصير الذي انتهى إليه ابنها صابر، بعد أن شكلت طفولته وماضيه، وأفسدت شبابه وحاضره، وبشرته بمستقبل مشرق مختلف لا يملك من مؤهلاته إلا فكرة البحث عن الأب الضائع!.
قضت بسيمة في السجن خمس سنوات، وخرجت مريضة محطمة لا قدرة لديها على مواصلة العمل الذي لا تتقن سواه، لكنها تمتلك خبرة هائلة بنفوس الناس، وتترجم ذلك بكلمات حادة تزعم فيها أنها أشرف من أمهات الذين يعايرون ابنها: “,”ألا يعلمون أنه لولا أمهاتهم لبارت تجارتي“,”!.
لاشك أن حياة بسيمة عمران حافلة بالرجال، وواحد من هؤلاء هو أبو صابر. أخبرت ابنها أنه ميت، لكنه حي في مكان مجهول!. أحبها منذ ثلاثين عامًا، وتزوجها، ثم هربت بعد معاشرة أعوام وهي حبلى؛ هربت مع رجل من أعماق الطين!.
قد يكون صحيحًا أن بسيمة عمران وفرت لابنها من أسباب السعادة المادية ما يعجز عنه آلاف الآباء والأمهات من الشرفاء الفقراء، لكن الصحيح أيضًا أنها غادرت الدنيا دون أن تورثه شيئًَا: مفلس ضائع، يفتقد الحرية والكرامة والسلام، وفاشل محبط بلا علم أو عمل، وصولاً إلى القتل وانتظار حبل المشنقة.
على النقيض من حياتها المليئة بالصخب والمغامرات والصراعات، جاء الموت هادئًا. ذهب صابر ليوقظها فوجدها ميتة في سريرها، وهي لم تزل بالملابس التي غادرت بها السجن.
جنازة القوادة بسيمة عمران امتداد لحياتها غير الأخلاقية، فقد شيعها تجار المخدرات والبلطجية والبرمجية والقوادون، فضلاً عن العاهرات اللاتي لا تخفى ملابسهن السوداء فجورهن!.
هل من شك في حب بسيمة لابنها صابر؟!. المؤكد أنها أحبته في إسراف وفق ما تملك من قيم، وأن أمومتها هي العاطفة النقية الوحيدة في حياة قوامها التهتك والابتذال، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بالنظر إلى طبيعة عملها: أي نوع من الحب؟!، وما الجدوى من ورائه؟!.
*الأمومة والأنوثة*
لا صدام بين الأمومة والأنوثة، وليس محكومًا على المرأة أن تتخلى عن أنوثتها في سبيل أمومتها، لكن الأعراف والقواعد الاجتماعية تفرض قيودًا متعنتة تدفع المرأة إلى الوقوع في براثن الحيرة والتمزق بين مطلبين لا ينبغي أن ينشأ بينهما تناقض ونفور: الأمومة والأنوثة!.
هنية، الزوجة الاولى للسيد أحمد عبد الجواد في “,”الثلاثية“,”، وأم أكبر أبنائه ياسين. لم يستمر زواجها بأحمد طويلاً، فهي ضحية لتسلطه ومبالغته في التحكم والسيطرة. أدمنت لعبة الزواج والطلاق، فضلاً عن العلاقات الجنسية غير المشروعة. وفي غرفة التذكارات السوداء لابنها ياسين، كثير من الذكريات المؤلمة المحزنة. قصتها المريبة المشينة مع “,”الفكهاني“,” لا تبرح مخيلة الابن، الذي انفصل عنها ليقيم مع أبيه.
زيجات كثيرة متتالية، وأزواج متنوعو المهن والأعمار، وشهية للحياة بلا حدود، دون تمييز صارم بين الشرعي والمحرم. الثمن يدفعه ياسين، تمزقًا نفسيًا وألمًا يعكر صفاء الروح ويهدد التوافق مع العالم المحيط به.
هنية امرأة وأم، والمشكلة المستعصية أن طليقها وابنها لا يريان إلا جانب الأمومة وحده، غافلين عن أنوثتها التي تحن إلى الزواج، وتسعى إلى الإشباع الجنسي. التقدم النسبي في العمر يفرض تنازلات لا مفر منها، وإذا كان تاجر الفحم والباشجاويش وغيرهما من الأزواج يقاربونها في العمر، فإن العريس الأخير صاحب مخبز في الثلاثين من عمره!. أهو “,”فسق في ثياب زواج“,” كما يقول أحمد عبد الجواد ممتعضًا ساخطًا؟!. ياسين يرفض “,”فكرة“,” زواج أمه بشكل عام، لكنه يبدي تأثرًا أكبر بالزيجة الأخيرة غير المتكافئة: “,”ومع ان المرأة تزوجت أكثر من مرة، ومع أن الزواج كان – في نظر ابنها- أشرف سقطاتها، إلا أن هذا الزواج الجديد المتوقع بدا أفظع من سوابقه وأمعن في الإيلام، لأن المرأة استوت على الأربعين من ناحية، ولأن ياسين اكتمل شابًا مدركًا بوسعه إذا شاء أن يدفع عن كرامته الإساءة والهوان من ناحية أخرى“,”.
سلوك هنية ليس مثاليًا خاليًا من العيوب، لكن ياسين وأباه تسكنهما أنانية طاغية، فلا يريان في حياتها إلا الجانب السلبي المظلم، ويتجاهلان حقها المشروع الذي يمارسه الأب وابنه، كل على طريقته!. يقول الأب، بلسانه دون قلبه وعقله، إن الزواج علاقة مشروعة شريفة، ويرد الابن الموجوع في غير اقتناع: “,”هو علاقة مشروعة حقًا يا أبي ولكنها تبدو أحيانًا أبعد ما تكون عن الشرع“,”.
“,”بعيدة عن الشرع“,” لأنها أمه، ولأن المخاوف تراوده من ظهور شريك في ميراث ينبغي أن يئول إليه وحده!. زيارة ياسين لأمه، في محاولة لإثنائها عن قرار الزواج، تتسم بالكثير من الجفاف والقسوة، ومواجهته لها صارمة عنيفة. تتساءل: “,”ما وجه العيب في أن تتزوج امرأة بعد طلاقها؟“,”، ويفكر ياسين ساخطًا: “,”لا عيب في أن تتزوج امرأة بعد طلاقها، أما أن تكون المرأة أمه فهذا شيء آخر، شيء آخر جدًا. وأي زواج الذي تعنيه؟!. إنه زواج وطلاق ثم زواج وطلاق ثم زواج وطلاق؟. هناك ما هو أدهى وأمر، ذلك الفكهاني!. أيذكرها به؟ أيصفعها بما في نفسه من مر ذكرياته؟ أيصارحها بأنه لم يعد جاهلاً كما تظن؟. وأرغمته حدة الذكريات على الخروج من اعتداله هذه المرة فقال بامتعاض شديد: زواج وطلاق، زواج وطلاق، هذه أمور شائنة لم تكن لتليق بك، ولشد ما مزقت نياط قلبي بلا رحمة“,”.
لكل منهما منطقه المختلف، وتقارب وجهتي النظر أقرب إلى المستحيل، منطلقاتها تنبع من وضعيتها كامرأة تأبى التسليم بالضياع الكامل للشباب والأنوثة، ومرتكزات ياسين تعلي من شأن الأمومة وما يحيط بها من قداسة وزهد، فلا يليق بأمه أن تكون امرأة!. التاريخ القريب للشاب حافل بالكثير من الذكريات الكئيبة، وما صرح به ياسين غاضبًا، في المواجهة العنيفة مع أمه، لا يمثل إلا جزءًا يسيرًا مما في نفسه. تؤمن هنية أنها سيئة الحظ، ولاشك في ذلك، وبحثها الدائم عن الرجل، بما يمثله من إشباع، يصطدم بأنانية عمياء تسلبها حقًا أصيلاً، ولا تمنحها مقابلاً يستدعي الضحية.
ماتت هنية بعد شهور قلائل من زيجتها الأخيرة، لكن الذكريات السوداء لا تبارح ذاكرة ياسين!.
*التشبث بالشباب*
في “,”الثلاثية“,” أيضًا، تظهر شخصية أم مريم، بهيجة، زوجة السيد محمد رضوان، الجار الملاصق لأحمد عبد الجواد. يقترن ظهورها الأول المؤثر بزيارة أحمد في منزله للشفاعة، بعد أن طرد زوجه أمينة، وتنم مفرداتها في الحوار عن استعداد للغزل، لا يخفى على خبير محنك مثل أحمد.
بعد فترة قصيرة من موت زوجها الذي طال مرضه، تبدأ علاقة جنسيه بين بهيجة وأحمد، وكانت المرأة التي طال حرمانها هي التي بادرت وشجعت. بقدر ترحيب أحمد بالعلاقة على المستوى الحسي، فإن تقييمه لأم مريم يبدو سلبيًا أقرب إلى الاحتقار، من منظور أخلاقي لا يلتزم به، وكأنه خارج القوانين: “,”هذه المرأة التي باتت أقرب ما تكون إلى فؤاده وأبعد ما تكون عن احترامه في لحظة واحدة“,”!.
لم تدم العلاقة طويلاً، فقد استشهد فهمي في ثورة 1919، وزهد أحمد لسنوات في النساء، ورد بهيجة دون تردد عندما راودت إعادة الصلة بينهما.
ياسين أحمد عبد الجواد من الرجال الذين مروا بمحطة أم مريم، بعد أن سبقه الأب، فقد ذهب الشاب المسكون بالشهوات ليخطب ابنتها، فإذا به يجد فيها استعدادًا لم يهمله. لا تبالي بهيجة باختطاف عريس ابنتها، وهي تغالط بلا منطق عندما ترى أن مريم “,”شابة في عز جمالها، ولن تعدم خاطبًا اليوم أو غدًا!. وكأنها كانت تعتذر عن أنانيتها، أو تلمح إلى أنها هي – لا ابنتها- التي يضيرها فقده“,”!.
مل ياسين سريعًا وآثر أن يتزوج مريم، أما بهيجة فقد عادت إلى حياة الوحدة من جديد، قبل أن تفجر قنبلة مدوية بزواجها المريب من بيومي الشربتلي. زيجة غير متكافئة بطبيعة الحال، ولا مبرر عند أم مريم إلا رغبتها الطاغية في الجنس. هل تعجز عن إشباع رغباتها، مع بيومي أو غيره، دون زواج؟!. هذا ما يفكر فيه أحمد عبد الجواد، متأملاً ومحللاً على الرغم من ثورة الغضب التي اجتاحته: “,”ألا يكون الإحساس المحزن بالكبر هو الذي جعلها تفزع إلى الزواج، بل والتضحية بكثير مما تملك جريًا وراء سعادة كان يضمنها لها الشباب الذي تخلى عنها؟“,”.
لم يطل زواجها الأخير: “,”مع نهاية الأسبوع الثالث منه شكت دملاً في ساقها، ثم تبين بالكشف الطبي أنها مصابة بمرض السكر فنُقلت إلى قصر العيني، وترامت الأخبار عن خطورة حالها أيامًا، ثم وافاها الأجل المحتوم“,”.
ما أسهل إدانة بهيجة واتهامها بكل نقيصة، دينية وأخلاقية واجتماعية، لكن المؤكد أنها ضحية لجملة من الظروف الضاغطة: زوج طال مرضه، ترمل يفضي إلى الوحدة والفراغ، عاشق يتنكر لها، وآخر يتسلى بها قبل أن يتزوج ابنتها؛ الابنة التي انتهى بها المطاف إلى حانة صغيرة من الحانات الشيطانية المصاحبة للحرب العالمية الثانية، وكأنها تواصل مسيرة الأم!.
بهيجة ليست بالأم المثالية الصالحة، فهي مفرطة في أنانيتها إلى درجة نسيان الأمومة وإلحاق الأذى بالابنة الوحيدة. تزوجت مريم من شخص مجهول وطُلقت، ثم تزوجت مت ياسين وطلقت، واختفى كل أثر لها حتى يراها شقيق طليقها، كمال عبد الجواد، وتدير الحانة التي توحي بالكثير من التغيير الذي طالها.
أم ياسين وأم مريم، هنية وبهيجة، امرأتان وأمان، والصراع محتدم بين الإحساس بالأنوثة من ناحية ورفض الخضوع لدور الأم الزاهدة من ناحية أخرى.
من حق المرأة أن تجمع بين الأمومة والأنوثة، وقد تعددت محاولات هنية وبهيجة، في “,”الثلاثية“,”، لتحقيق قدر من التوافق، يتمثل في علاقات زوجية ومغامرات غير شرعية، لكن أم عباس في قصة “,”حلم نصف الليل“,”، مجموعة “,”بيت سيء السمعة“,”، تنفرد بالاقتصار على الزواج دون انحراف يصطدم بالثوابت الدينية والقيم الأخلاقية. مثل هذا الالتزام لا ينفي أنها أفرطت وأسرفت فيما تراه حقًا شرعيًا، فانعكس سلوكها سلبًا على الابن الوحيد من الزواج الأول: عباس.
أم عباس امرأة جميلة مزواجة، لا تتعلم من تجاربها القاسية مع الرجال، وعلى ابنها عباس، الطيب الساذج إلى درجة الوقوف على حافة البلاهة والدروشة، يقع عبء التخلص من زوجيها الطامعين فيها الناهبين لأموالها، بعد أن عرفت معهما المذلة والهوان.
عُرفت أم عباس في الحي بجمالها وثرائها، وعندما مات زوجها الأول، الذي أنجبت منه عباس، لم تكن قد جاوزت الأربعين. طمع فيها الكثيرون، لكن الأقدار قادتها إلى حسنين، مالك الكارو، الذي يصغرها بعشر سنوات. تعرضت معه للإهانة والضرب، قبل أن يُقتل وتنجو من شروره.
تجاوزت ام عباس المحنة، وصمد جمالها ولم يبهت، وإذا بها تخوض تجربة جديدة لا تقل فشلاً مع عبده القصاب، وجاءت نهايته بالقتل أيضًا، وبالطريقة نفسها التي قُتل بها حسنين!. عباس هو القاتل، وأم عباس هي صانعة مناخ جريمتي القتل. جمالها نقمة، واندفاعها العاطفي مهلك، وعجزها عن استيعاب ما تمر به من تجارب، يقودها إلى مزيد من الهزائم والنكسات.
أفسدت ام عباس حياة ابنها الوحيد، وعرضته للأذى والاضطهاد من زوجين يبرع كلاهما في الاحتيال والنصب والسرقة، والنتيجة النهائية تبرهن على أن الزواج في ذاته لا يمثل عاصمًا للمرأة التي تتطلع إلى الاحتفاظ بالأنوثة والأمومة معًا.
*الأم الشيطانية*
التماس الأعذار ممكن، وإن لم يكن مقنعًا، بالنسبة لهنية وبهيجة وأم عباس، وليست منهن من تتعمد إيذاء الأبناء وإلحاق الضرر بهم، ويختلف الأمر في قصة “,”نكث الأمومة“,”، مجموعة “,”همس الجنون“,”. روحية زوجة خائنة، وأم مستهترة، وعشيقة متسلطة. لا تتورع عن العبث بشرف زوجها، والتضحية بسعادة ابنتها، في سبيل الاحتفاظ بشبابها وتمتعها بالحياة.
الزوج الثري محمد بك طلبة من كبار تجار الشاي، وكان في الخامسة والأربعين عندما تزوج الشابة الصغيرة روحية في إحدى رحلاته التجارية، وهي فتاة سورية الأب أمريكية الأم. ولأن الفارق شاسع بين عمريهما، فقد وصل الزوج إلى الشيخوخة والإفلاس كرجل، بينما المراة في مكتمل الأنوثة وذروة النضج.
لا تقنع روحية بدور الأم لمدحت وحياة، وتتخذ من المحامي الشاب عاصم عشيقًا لها، إن لم يكن بتشجيع زوجها ومباركته، فعلى الأقل بمعرفته وتغاضيه!.
تكمن مأساة روحية في ولعها المتطرف بالحفاظ على شبابها وجمالها: “,”فكانت لا تنى عن العناية به والتفكير فيه حتى غدا ذلك وسواسًا ومرضًا ينغصان حياتها بالمخاوف والأوهام، وكانت كلما تقدم بها العمر يومًا تزايدت مخاوفها، ذلك أنها كانت تحس في أعماقها ببلوغ قمة الشباب التي لا يعقبها إلا الانحدار، وكانت تعلم أن شبابها هو سعادتها لأنها بدونه لا تستطيع أن تجذب إليها الرجل الذي تحبه والذي تعلم – مع الألم الشديد- أنها تكبره بما لا يقل عن عشرة أعوام“,”.
تسعى روحية إلى استثمار عشيقها المحامي ليحول دون زواج ابنتها، لكن المفاجأة الصاعقة تتمثل في أن العشيق نفسه هو من يتزوج الابنة ويفر معها بمعرفة الأب، فكأن الزوج المخدوع بفعلته هذه ينتقم على طريقته!.
جاء انهيار روحية مباغتًا بلا تمهيد، فقد انتقلت بعد لحظات قلائل من الصدمة إلى هاوية الشيخوخة المظلمة، وتبخر جمالها، وذبلت حيويتها، وانتقم منها الزمن الذي راوغته طويلاً!.
*الإرادة الحديدية*
مثلما يقدم نجيب محفوظ أمهات حنونات طيبات، وأمهات منحرفات أو ممزقات بين الأنوثة والأمومة، فإن عالمه الثري حافل بالأمهات القويات المسلحات بالإرادة الحديدية لمواجهة تقلبات وعواصف الحياة.
أم عثمان بيومي، في “,”حضرة المحترم“,”، امرأة مكافحة تسهم بكل ما تملك من قدرة على العمل الشاق ليتعلم الابن، وأم عيسى الدباغ في “,”السمان والخريف“,” عنيدة صلبة قوية الإرادة، وحليمة البركة في “,”التوت والنبوت“,”، الحكاية العاشرة والأخيرة من حكايات ملحمة “,”الحرافيش“,”، تقدم أنموذجًا بالغ الأهمية للأم التي تنهض بالمسئولية وتقود السفينة الأسرية في بحر هائج العواصف. كانت أرملة في الثلاثين، تتسم بالجدية والأمانة وقوة الشخصية، عندما تزوجها ربيع سماعة الناجي. أنجبت ثلاثة أبناء: فائز وضياء وعاشور، ثم مات الزوج دون ان يترك لأسرته مليمًا واحدًا.
اعتمدت حليمة على قوة إرادتها وعزيمتها لتربية أبنائها، فأقامت في بدروم مكون من حجرة ودهليز، واستغلت مواهبها في بيع المخلل والمفتقة والخدمة كبلانة ودلالة، وأدخلت أبناءها الكتاب، قبل أن ينخرطوا في سوق العمل: أولهم سواق كارو، وثانيهما شيال في محل النحاس، أما الأصغر فعمل صبي غنام.
لم يكن الاعتداء الذي تعرضت له حليمة البركة من الفتوة حسونة السبع بالشيء الغريب في الحارة، لكن إهانة الأم أوجعت ضياء وعاشور، وكان فائز قد اختفى بعربة الكارو التي يعمل عليها، قبل أن يعود بعد سنوات وجيهًا ثريًا ليرتفع بأسرته الفقيرة إلى قمة مؤقتة، سرعان ما انهارت بعد إفلاس فائز وانتحاره.
من الفقر إلى الثروة إلى الفقر من جديد، وعبر هذه التحولات تحتفظ حليمة بملامح راسخة، قوامها القوة والحكمة، أما مسار الأحداث المؤثرة فقد تكفل به الأبناء، وفي مقدمتهم عاشور، الذي أعاد اسطورة جده بشكل جديد.
سنية المهدي، في “,”الباقي من الزمن ساعة“,”، ربة بيت وأم حكيمة لا تعرف الضعف والتخاذل. تلقت صدمة قاسية عندما اقترن زوجها حامد برهان بجارة أرملة تماثله في السن، قبل أن يعود إليها وهو على حافة الموت، أما الأبناء فمشاكلهم وهمومهم متنوعة: النشاط الإخواني لمحمد وما ترتب عليه من نتائج وخيمة سلبت إحدى عينيه وأصابته بالعرج، شبح العنوسة الذي حاصر كوثر قبل أن تتزوج من وجيه عجوز أنجبت منه أول الأحفاد، جمال منيرة وزواجها من شاب يصغرها مما أفضى بها إلى نهاية أليمة.
سنية المهدي هي القاسم المشترك الأعظم في حيواتهم جميعًا، كما أنها الأكثر اعتدالاً واتزانًا وموضوعية في تقييم المراحل السلبية المتعاقبة، ويبقى حلم الاحتفاظ بالبيت، كأنه الوطن، هو أهم ما يداعبها من أحلام وطموحات.
الصورة التذكارية التي تبدأ بها أحداث الرواية تعود إلى العام 1936، وكانت سنية في الأربعين، مما يعني أنها ولدت قبل نهاية القرن التاسع عشر بأربع سنوات، وتنتهي الرواية قرب نهاية السبعينيات من القرن العشرين، بعد أن تجاوزت الأم والجدة عامها الثمانين.
سنية، على نحو ما، شاهدة على عصور متتالية متباينة، لكنها تتسم دائمًا بالصلابة والقدرة على الصمود ومواجهة التحديات. في قلبها متسع للأبناء والأحفاد والزعماء، وفي مسيرتها غير الراكدة ما ينبئ عن مزيج من الأصالة والمعاصرة.
في حكاياتها الأسطورية لحفيدها رشاد، الأقرب إليها والأحب، ما يكشف عن تاريخ العائلة والوطن معًا، وفي تشبثها بالبيت القديم ما يرمز إلى ضرورة استمرار الوطن وحتمية أن يبقى ملكًا لأبنائه، دون تفريط أو سقوط في شرك إهمال الهوية.
*أم حسن*
إذا كانت الست عين، في “,”عصر الحب“,”، تقدم أنموذجًا للأم التي تجمع بين العاطفة غير المحدودة والقوة والحزم، في تعاملها مع الابن الوحيد عزت، فإن أم حسن، في “,”بداية ونهاية“,”، هي الأم الأكثر أهمية في منظومة القوة والعزيمة والإرادة.
عليها يقع العبء الأكبر في إدارة شئون أسرتها، فقد خلف زوجها الراحل معاشًا ضئيلاً، وابنة عاطلة من الجمال، وابنًا صعلوكًا مستهترًا بلا علم أو عمل، وابنين يواصلان الدراسة في المرحلة الثانوية.
في حياة زوجها، كانت أم حسن تمثل الطرف الأقوى والأقل عطفًا وحنانًا، وكانت مطالبة بعد موته المفاجئ أن تدير السفينة في بحر عاصف هائج مضطرب. وفي سبيل ذلك، قست وقترت، ووافقت على امتهان ابنتها نفيسة للحياكة، وحرمت الابنين المراهقين من حق المصروف والكثير من المتع البسيطة.
ليس أدق في التعبير عن شخصيتها مما يفكر فيه ابنها حسين، وهو الأشبه بها في السلوك والطباع: “,”والحق أن أمه بين النساء كألمانيا بين الدول، قادرة على الاستفادة من كل شيء ولو كان زبالة!. كانت ترقع البنطلون حتى إذا بلغ اليأس قلبته، فإذا أدركه اليأس مرة أخرى قصت أطرافه وجعلت منه سروالاً داخليًا، ثم تصنع من بعضه طاقية وتستعمل بقيته ممسحة. ولا يلفظه البيت إلا فتيتًا“,”!.
لا ينم سلوكها هذا عن بخل أصيل، ذلك أن الأعباء الجسيمة التي تواجهها تحتاج إلى حزم لا تهاون فيه، ونجاحها في قيادة السفينة العائلية فعل يشبه المعجزة. دفعت ثمنًا فادحًا، وفي سبيل الأسرة المهددة انهد حيلها وهرمت في عامين كما لم تهرم خلال نصف قرن من الزمان. لقد نحلت وهزلت حتى استحالت جلدًا وعظامًا، بيد أنها لم تستسلم للمحنة، ولم تعرف الشكوى، ولم تتخل عن سجاياها الجوهرية من الصبر والحزم والقوة، وكانت تعمل النهار كله، تطبخ وتغسل وتكنس وتمسح وترتق وترفو!.
الحنان كامن في أعماقها لا تبوح به، والحب موفور في قلبها دون إعلان أو تصريح، ذلك أن الأزمة الطاحنة لا تحتمل تدليلاً أو رقة. ولقد أثمر جهادها عن توظف حسين، وتخرج حسنين في الكلية الحربية، والانتقال إلى عتبات الاستقرار والأمان، لكن العاصفة العاتية أطاحت بكل شيء.
الشرطة تطارد الابن الأكبر المنحرف، والابنة العاهرة تُدفع إلى الانتحار، والابن الضابط وصولي انتهازي مفرط في الأنانية، لا يفكر إلا في مصالحه.
غرقت السفينة على الرغم من مهارة الربان وحنكته، ذلك أن أمواج البحر العاصفة تفوق مهارته وقدرته!. الإرادة القوية ملمح إيجابي جدير بالتقدير، وإن اختلط أحيانًا بالقسوة المبررة، لكن التطرف في الحزم يبدو فعلاً مرذولاً. هذا ما نجده في قصة “,”قوس قزح“,”، مجموعة “,”بيت سيء السمعة“,”. نظيرة مفتشة كبيرة بوزارة الشئون والزوج من رجال التربية وعلم النفس. أم لثلاثة أبناء، وتمارس مع زوجها طقوسًا مكررة، فهما يجتمعان بالأبناء لاتخاذ القرارات التي تنتصر دائمًا للعقل. وإذا كان الابنان الأكبر، سمير وهدى، يخضعان في استسلام واقتناع، فإن الصغير طاهر هو وحده من يتمرد.
الأسرة منظمة إلى درجة ميكانيكية بلا روح، والأم تتحفظ كثيرًا في إظهار العاطفة والحنان حتى لا تتجاوز الحد المعقول!. وعندما تسوء الحالة النفسية لطاهر، ويغادر إلى المستشفى، يتماسك الأب ظاهريًا، أما نظيره فتبكي بسخاء، متخلصة من التزمت العقلي الذي صنع المأساة!.
*زوجة الأب*
لا يكاد القارئ للثلاثية أن يدرك وضعية أمينة كزوجة أب لياسين، فهي تعامله كواحد من أبنائها، ولا تمارس ضده نوعًا من التمييز، لكن هذا السلوك الاستثنائي المثالي، المردود في المقام الأول إلى وداعة وطيبة المرأة، لا يعبر عن الصورة النمطية الأكثر شيوعًا لزوجة الأب، في عالم نجيب محفوظ وفي الواقع الاجتماعي الذي يستمد منه مادته.
توتو رضوان في قصة “,”ثمن السعادة“,”، مجموعة “,”همس الجنون“,”، طفل يتيم يتلقى درسًا خصوصًيًا من طالب جامعي شاب. ماتت أم توتو لعهد ولاته، وتزوج أبوه من شابة صغيرة، وتزوجت أخواته الأربع، ويعيش مع الأب العجوز الضعيف وزوجة الأب القاسية.
يدفع الطفل البريء ثمن الزيجة غير المتكافئة، وتبدأ القصة بتأخره عن موعد الدروس، ثم دخوله باكيًا، فقد ضربته زوجة أبيه: “,”تيزة.. ضربتني.. وتشاجرت مع بابا..“,”.
على الرغم من هذه المعاملة الجائرة، لا تتورع المرأة اللعوب عن إظهار الحنو الكاذب عليه، وهدفها الحقيقي هو مغازلة المدرس الشاب وجذبه إلى شباكها. لم يكن الطفل إلا جسرًا تعبر عليه، أما الشاب الجامعي الطيب فيفكر في الحياة الشقية لتلميذه: “,”توتو غلام بائس تضافرت عليه أسباب التنغيص الظاهرة والخفية“,”!.
لا تقتصر قسوة زوجة الأب على الأطفال وحدهم، ففي قصة “,”أمشير“,”، مجموعة “,”الشيطان يعظ“,”، تكيد جميلة الأسطى لابن زوجها الذي يماثلها في العمر، وتفلح مؤامراتها في طرده من القصر، دون مراعاة إلى حقيقة أن ابنها الوحيد خطيب وعاشق لابنة المطرود من بيت أبيه!.
تقدم القصة ثلة من المجرمين الأوغاد الذين لا يتورعون عن انتهاج السلوك غير الأخلاقي، الذي لا تنجو منه زوجة الأب، لكن الأمر يمتد إلى الطبقة المتوسطة الأكثر تماسكًا، فكأن التوتر يبدو حتميًا بين زوجة الأبن وأبناء الزوج.
تفيدة زوجة أب متسلط قاسية في قصة “,”من تحت لفوق“,”، مجموعة “,”الفجر الكاذب“,”. تبالغ في الإساءة إلى نعيمة، ابنة زوجها، وتعاملها كأنها خادمة. الكراهية بينهما متبادلة، والعمل الشاق المتصل الذي تقوم به الفتاة، لا تُجزى عليه بكلمة تعبر عن الشكر والامتنان!: “,”لم يعد من المستطاع اكتراء خادمة في هذا الزمن، وها هي تسد هذا الفراغ بلا أجر، وبلا شكر، وكأنه واجب تؤديه نظير لقمتها وإقامتها في البيت المفترض أنه بيت أبيها. أذعنت لوضعها التعيس كما يذعن أبوها لمشيئة زوجته، كلاهما يجد في الإذعان منجي من الكدر. ألفت الخدمة، وكراهية تفيدة هانم، وألفت ملابسها الخشنة الرخيصة الشعبية وحظها التافه من التعليم منذ أصرت المرأة على إبقائها في البيت للمعاونة مضحية بمستقبلها ومستسلمة لحقدها الدائم، ولم تلق عند أبيها الضعيف أي دفاع، لم تجد نصيرًا مذ فقدت أمها وهي بنت ثمانية أعوام“,”.
الابنة غريبة في بيت أبيها، والإحساس بالظلم والاضطهاد يسيطر عليها، والأب الضعيف الخانع عاجز عن منح الحب والحنان والرعاية. تمتد سيطرة تفيدة إلى الزوج المطيع قليل الحيلة، لكن انحيازها إلى بناتها يجديهن في شيء، ذلك أن أشباح الأزمة الاقتصادية تطول الجميع، بل إن نعيمة هي وحدها التي تنجح في الزواج، بعد تمردها وتحولها إلى خادم محترفة!.
الاضطهاد الذي تمارسه زوجة الأب لا يلحق الأذى بعزيمتها، ولا يفيد بناتها، فقد تغيرت القيم والمعايير التقليدية!.
في المجموعة نفسها، وفي أسرة تنتمي أيضًا إلى الطبقة المتوسطة، يقدم نجيب محفوظ قصة “,”القضية“,”، وفيها ترفع زوجة الأب، بعد أن تقدم بها العمر وذبل شبابها، قضية تطالب بنفقة شرعية من أبناء زوجها الراحل. يبدو الراوي دهشته لأن زوجة أبيه قد نهبتهم وسرقتهم بعد موت الأب، واستولت على كل ما في خزانته من مال. تزوجت وهي بنت عشرين من مقاول شبه أمي في منتصف الحلقة السادسة، وفجر الزواج غير المتكافئ عاصفة هددت أبناء الزوج، الذين أحسوا بالخطر الذي يحاصرهم.
يتكفل الزمن بإفلاس من استحوذت على ثروة الأب: “,”امرأة عقيم، تزوجت وطُلقت مرات وهي في عنفوان جمالها، وفي كهولتها وقعت في غرام طالب، نهبها بدوره ثم ذهب!“,”.
ليست الكارثة في أن يتزوج الرجل ويجلب لأبنائه امرأة لا تحنو عليهم، لكن المشكلة المزمنة في ارتفاع أسهم التنافر والتوتر والصدام، فالأمومة قيمة غريزية مقدسة لا يسهل تعويضها عبر أم بديلة، وهذه القداسة قد تتحول إلى رمز وطني يتجاوز محيط الأسرة الصغيرة إلى عموم الشعب.
*الأم المقدسة*
توتيشيرى، في “,”كفاح طيبة“,”، أم الملك سيكننرع، وجدة الملك كاموس، والجدة الكبرى لأحمس بطل التحرير، فهي بمثابة الملكة الأم الجديرة بالتقديس والاحترام غير المحدود، والمسكونة بالوطنية والحكمة.
كانت في الستين من عمرها عند سقوط طيبة في أيدي قوات الهكسوس الغازية، ويعبر نجيب محفوظ عن السمات العامة لشخصيتها المؤثرة في قوله: “,”الرأي الذي يُرجع إليه في الملمات، والقلب الذي يلهم الأمل والكفاح، وقد أقبلت في فراغها على القراءة، وكانت تديم المطالعة في كتب خوفو وقاقمنا وكتب الموتى وتاريخ العهود المجيدة التي خلدها أمثال مينا وخوفو وأمنحتب، وكان للمملكة الوالدة شهرة عظيمة في الجنوب جميعه، فما من رجل أو امرأة إلا يعرفها ويحبها ويقسم باسمها المحبوب، وذلك أنها بثت فيمن حولها وعلى رأسهم ابنها الملك سيكنزع وحفيدها كاموس حب مصر جنوبها شمالها وكراهية الرعاية المغتصبين الذين ختموا العهود الجليلة أسوأ ختام“,”.
بعد الهزيمة، هاجرت توتيشيرى مع الأسرة الملكية إلى النوبة، وهناك واصلت بث الحماس في صفوف الجنود الذين يستعدون لخوض حرب التحرير، ولم تكن فكرة عودة أحمس إلى طيبة، متخفيًا في زي تاجر، إلا من وحي حلم للمملكة الأم، زارها فيه الرب آمون!.
لعبت توتيشيرى دورًا بالغ الأهمية في الإعداد النفسي والمعنوي للمعركة، وعلى الرغم من تقدمها في السن، وما أصابها من ذهول ووهن، فقد كانت تسير بين الجنود، وتتفقد استعدادهم، وتلقي عليهم كلمات حماسية: “,”وكان الرجال يرونها فينسون أنفسهم وينتفضون حماسة وإقبالاً، فتبتسم المرأة استبشارًا“,”.
قُدر للملكة الأم أن تعيش حتى ترى مصر المحررة المستقلة، وأبت أن تدخل طيبة قبل التحرير الشامل لكل الأراضي المصرية. وعندما تحقق المراد، وعادت توتيشيرى إلى القصر القديم، خانها قلبها لأول مرة، القلب الذي تحمل وصبر، وغذى القلوب بالأمل والرجاء.
إنها الأم المقدسة!.
الأمهات بنادي الأمل للمسنين: “,”أولادنا بيفتكرونا في المناسبات فقط“,”
“,”
“,”أولادنا بيفتكرونا في المناسبات فقط“,”.. تلك كانت أشهر جملة للأمهات بنادي الأمل للمسنين بالجيزة، عند إجابتهن عن سؤالي: “,”هل أولادكن يبرّونكن ويسألون عنكن؟“,”.
“,” “,”
البداية كانت بالبحث عن عناوين دور مسنين على الإنترنت، وما أكثرها، فذهبت إلى أقربها بنادي الأمل، حيث كان الاحتفال بعيد الأم وتكريم الأم المثالية وسط جو جميل من الأغاني والزغاريد، وأحيانًا الدموع.
ووجدت كل النساء المشتركات في النادي ظروفهن متشابهة للغاية، أعمارهن تتراوح ما بين أواخر الخمسينيات والستينيات، ولديهن أولاد منهم الابن البار، والآخر العاق لوالديه، وكلهن جئن إلى النادي لكسر الوحدة الموحشة وخاصة الأرامل منهن ومن لا ينجبن.
تروي الحاجة “,”نوال“,”، أقدم المشتركات في نادي المسنين، قائلة إنه “,”تم تأسيس النادي منذ ما يزيد عن 30 سنة، وكنت أنا رقم 13 من المشتركات إلى أن أصبحت الآن العضو رقم 4 آلاف، وكانت رسوم الاشتراك في البداية 12 جنيهًا سنويًا“,”.
أمهات لم ينجبن
بينما تقول سندس محمود: “,”تم تكريمي اليوم في الاحتفال بعيد الأم على الرغم من أنني لم أنجب أطفالاً، ولكنني مشتركة في نادي المسنين منذ 15 عامًا، وهو كل حياتي، وأشارك في أنشطته باستمرار لكسر الوقت والوحدة“,”.
“,” “,”
ومن جانبها، قالت نور الهدى، التي كانت تعمل مديرًا ماليًا وإداريًا بإحدى شركات القطاع الخاص: “,”اتجهت إلى العمل التطوعي ودور المسنين بعد وفاة زوجي لأملأ أوقات فراغي“,”، مضيفة والدموع في عينيها: “,”إنني لم أنجب، ولكني قمت بتربية أولاد إخوتي وكنت بمثابة الأم لهم، ولم أشعر يومًا أني عاقر، بل على العكس كان لدي أولاد كُثر“,”.
قسوة الأبناء
“,” “,”
وكانت “,”فاطمة“,” تجسيدًا حيًا للأم المنسية بمعنى الكلمة، على الرغم من إنجابها لخمس بنات وولد، وانتقالها من الصعيد للقاهرة، من أجل توفير دراسة جيدة لبناتها مع المعاش القليل الذي تأخذه بعد وفاة زوجها الذي كان يعمل موجهًا للغة العربية بالتربية والتعليم، لتتزوج البنات وتذهب كل واحدة منهن لحياتها وأسرتها، وتنسى من سهرت وتعبت من أجل تربيتها.
تقول فاطمة بكلمات تقطر أسى- والتي تم تكريمها أيضًا كأم مثالية: “,”قمت بتعليمهم أحسن تعليم فهناك المعيدة بالجامعة، وأخرى حاصلة على درجة الماجستير، وثالثة حاصلة على دكتوراه، وكلهن لا يسألن عني، وتركنني عند أخيهن المصاب في حادثة سيارة ولا يعمل“,”.
وأضافت: “,”لم أعرف نفسي كأم إلا من خلال نادي المسنين، ولم أندم على ما فعلنه معي، ولكني حزينة على ذهاب تعبي دون شكر أو عرفان بالجميل“,”.
حصاد العمر
وعلى النقيض من فاطمة، تقول الحاجة “,”فتحية كامل“,”: “,”اشتركت في هذا النادي منذ 18 سنة، وأول مرة يتم تكريمي اليوم كأم مثالية، ولدي ولد واحد يعمل مهندس كمبيوتر ويبرني دائمأ ويسأل عني“,”.
أما “,”فاطمة“,”، عضو بمجلس إدارة النادي، فحالتها في المنتصف، إذ يبدو أنها قادرة على مواكبة الواقع، حيث إنها اتجهت للعمل الثقافي بعد وفاة زوجها، خاصة أنها خريجة فنون جميلة، وتستطيع من خلال النادي عمل لوحات وأنشطة ثقافية وفنية، مشيرة إلى أن أنشطة النادي تشغل وقتها خاصة بعد انشغال أولادها عنها بعد استقرارهم في حياتهم الخاصة، قائلة: “,”إن أولادي كانوا يسألون عني كل أسبوع، ثم أصبح كل شهر إلى أن وصل الأمر مرة في الأعياد فقط، وهذا هو حصاد العمر“,”
أم الشهيد
“,” “,”
في الوقت الذي يذهب فيه كل ابن وابنة للمعايدة على أمه ، في عيدها، تختلف مشاعر أم الشهيد، هؤلاء اللاتي فقدن أبناءهن في الميدان أو في الحرب، تضحية في سبيل قضية أو فكرة، منهن من عجزت عن الحديث معنا، وغلبتهن الدموع، ومنهن من احتسبن أبناءهن عند الله، فجاءت شهاداتهن فخرًا بما قدمن في سبيل الواجب والوطن.
أم الثوار خديجة الحناوي: “,”لا فرق بين ابن الميدان وابن الميلاد“,”
“,” “,”
“,”أم الثوار“,” هذا هو لقبها في ميدان التحرير منذ اندلاع ثورة يناير في عام 2011 لها رأي مختلف، فتقول ل“,”البوابة نيوز“,”: “,”لا فرق عندي بين ابن الميلاد وابن الميدان، كلهم أبنائي بل اهتمامي بأبناء الميدان يكون أكثر حتى أستطيع أن أمدهم بالقوة لاستكمال ما بدأوه وأبنائي هم أصدقائي، تعرضنا في الثورة وفي كل المليونيات لضربات غدر، لم أجزع عندما أصيب ابني عمرو، وهو ابن الميلاد في أحداث البالون، لأني أعرف أنه يستطيع التصرف، أما أبناء الميدان فتكون مسئوليتي تجاههم أكبر، فإن كنت ربيت أولادي على كيفية التصرف في المواقف الصعبة، فأبناء الميدان لا أعرف إن كانوا سيحسنون التصرف أم لا، وهو سر قلقي الدائم عليهم.
وتقول “,”خديجة“,”: رأيت في أبنائي الحلم الذي كنت أحلم به فكيف أجلس في بيتي وهم يناضلون من أجل حرية بلدي؟!، وما أقدمه لهم لا يقارن بما يقدمونه هم، لأنهم الحلم.
وفي نهاية كلامها طالبت “,”الحناوي“,” أمهات الثوار بأن يفتخروا بنزول أبنائهم للميدان وتقول:“,” كم رأيت من شباب يتحدثون في هواتفهم ويحاولون الاختباء في مكان هادئ لطمأنة أمهاتهم اللائي لا يعرفن أن أبناءهم في الميدان، أريد أن أقول لكل أم مصرية افتخري أن ابنك ينزل ليتظاهر، شجعيه وافتخري لأنه نزل ليطالب بحقوقه وحقوقك أيضا“,”.
وعن أصعب المواقف التي تعرضت لها في الميدان، قالت: “,”ليس هناك أصعب من أن ترى أبناءك يموتون، وعليك التظاهر بالجلد والقوة، حتى تمدي أبناءك بالقوة لاستكمال ما بدأوه، ففي الوقت الذي يعتصر فيه الألم قلبنا لفراق شهيد كان منذ لحظات يقف معنا ويتحدث إلينا، وفجأة يموت بخرطوش ويكون عليك التظاهر بالقوة حتى لا ينهزم الآخرون“,”.
أم الشهيد محمد مصطفى: “,”وجوده بجانبي هدية حُرمت منها“,”
“,” “,”
“,” “,”
“,” “,”
محمد مصطفى، كان طالبًا بكلية الهندسة جامعة عين شمس، لقي حتفة بأحداث الاشتباكات أمام مجلس الوزراء عام 2011، تتذكر أمه أنه كان يأخذها في حضنه ولا يعز عليها شيئًا أبدًا، وكان أول مَن يُحضر لها هدايا عيد الأم.
تقول أم الشهيد: “,”أنا في بكاء مستمر منذ أسبوع، خاصة بعد أن تم تأجيل جلسة قضيته إلى يوم 24 أبريل المقبل، وأول أمس قمت بزيارته في المقابر، لأنه كان واحشني، وقد أحضرت لي ابنتي “,”حلق ذهب“,”، ولكن كانت هديتي الحقيقية هي وجود محمد بجانبي“,”.
يُذكر أن محمد، لقي حتفه وهو يحاول إسعاف المصابين في الميدان.
الأم الصعيدية .. صاحبة المرجع والمشورة في كل أمور الأسرة
“,” “,”
على الرغم من أن وضع المرأة في المجتمع الصعيدي متناقض جدًا مع نفسه، فإنه من المعروف جيدًا سمو مكانة الأم في هذا المجتمع الذي يسوده الطابع القبلي ويتسم بالخشونة، وتعد الأم فيه هي المرجع والمشورة في كل أمور الأسرة والعائلة، فلها الكلمة العليا في كافة شئون الأسرة وتلقب دائما ب“,”الكبيرة“,”، التي لا تُرد لها كلمة، فهي صاحبة الصوت المسموع وصاحبة القرار والفصل في كل أمور الحياة، ويعد كلامها أوامر واجبة التنفيذ على جميع أفراد العائلة، الرجال فيهم قبل النساء، ويصل الأمر أحيانًا، إلى أن المشاكل المرتبطة بالثأر، تكون الأم هي صاحبة القرار الأخير في قبول كفن الميت من العائلة الأخرى أم لا.
ومع الأسف الشديد، لا توجد دراسات أكاديمية ناقشت أهمية مكانة الأم في الصعيد، وكيف يبجلها كل أفراد العائلة، بل على العكس صورت الدراما المصرية الأم الصعيدية، على أنها المرأة فظة القلب، غليظة القوام، صاحبة العقل المتحجر، التي تحرض أولادها على الثأر، وتعلمهم قسوة الطباع، وتربيهم على فنون استخدام السلاح منذ نعومة أظافرهم، إلا أن هذه النماذج قليلة ولا تعبر عن حقيقة الأم الصعيدية ومكانتها بأي حال من الأحوال.
وفي رائعته “,”الوتد“,”، استطاع الروائي الكبير خيري شلبي رسم صورة حقيقية وواقعية للأم الصعيدية الصبور المثابرة والكتوم، التي تحولت فيما بعد لمسلسل درامي يحمل نفس الاسم، إذ صور شلبي المرأة الريفية بالوتد الضارب بجذوره في الأرض، فرسم المرأة الريفية بكل تفاصيلها، بأنها امرأة أمية من سلالة الآمرات الناهيات، اللواتي يقدن رجالاً كبارًا بذكاء الفطرة، ودفء الأمومة، ومن خلال نظرتها الثاقبة تعرف بهموم ومشاغل أبنائها، ولديها دائما الحل، تستبق الخطر، وتنجي عائلتها الكبيرة من عواقبه، كما رسمها شلبي بالعقد الذي يجمع حوله أبناءً وأحفاداً، ويضمهم جميعا وراء باب واحد، ليسرد شلبي مسيرات سيدات منسيات في أعماق المجتمع الريفي، ربما لم يسمعن عن ألقاب الأمهات المثاليات، ولم يطمعن في نيلها، بل يسطرن بطولات يومية بعفوية، ولا يبحثن سوى عن “,”الستر“,” وتربية الأبناء بما تيسر من موارد شحيحة .
فتاوى بلا قلب
ما أكثر الآيات القرآنية الكريمة، والأحاديث النبوية الصحيحة، التي تحض على البر بالأمهات ورعايتهن والتفاني في تبجيلهن، لكن بعض المتنطعين المتشنجين يبايعون الجفاف والقسوة، ويفسدون جوهر وروح الدين، ويحولون الإسلام إلى جملة من أفكار البداوة والجمود، متوهمين أنهم ينتصرون للعقيدة ويحاربون البدع، غافلين عن حقيقة أنهم يشوهون الدين وينفرون الناس منه.
أي ضرر في الاحتفال بعيد الأم؟، وهل تمثل كلمة “,”عيد“,” كارثة تستوجب التكفير والتشكيك في صدق التوحيد؟. وقفة مع هذه الفتوى الغرائبية، الواردة في “,”مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين“,”:
ما حكم الاحتفال بما يسمى عيد الأم؟
الجواب :
“,” “,”
إن كل الأعياد التي تخالف الأعياد الشرعية كلها أعياد بدع حادثة لم تكن معروفة
في عهد السلف الصالح وربما يكون منشؤها من غير المسلمين أيضًا، فيكون فيها مع البدعة مشابهة أعداء الله سبحانه وتعالى، والأعياد الشرعية معروفة عند أهل الإسلام؛ وهي عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع “,”يوم الجمعة“,” وليس في الإسلام أعياد سوى هذه الأعياد الثلاثة، وكل أعياد أحدثت سوى ذلك فإنها مردودة على محدثيها وباطلة في شريعة الله سبحانه وتعالى لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “,”من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ“,”.
أي مردود عليه غير مقبول عندالله وفي لفظ “,”من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ“,”.
وإذا تبين ذلك فإنه لا يجوز في العيد الذي ذكر في السؤال والمسمى عيدالأم، لا يجوز فيه إحداث شيء من شعائر العيد؛ كإظهار الفرح والسرور ، وتقديم الهدايا وما أشبه ذلك ، والواجب على المسلم أن يعتز بدينه ويفتخر به وأن يقتصر على ما حده الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الدين القيم الذي ارتضاه الله تعالى لعباده فلا يزيد فيه ولا ينقص منه ،والذي ينبغي للمسلم أيضًا ألا يكون إمَّعَةَّ يتبع كل ناعق بل ينبغي أن يُكوِّن شخصيته بمقتضى شريعة الله تعالى حتى يكون متبوعًا لا تابعًا، وحتى يكون أسوة لا متأسيًا؛ لأن شريعة الله والحمد لله كاملة من جميع الوجوه كما قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً} (المائدة:3) .
والأم أحقُّ من أن يحتفى بها يومًا واحدًا في السنة، بل الأم لها الحق على أولادها أن يرعوها، وأن يعتنوا بها، وأن يقوموا بطاعتها في غير معصية الله عز وجل في كل زمان ومكان .
“,” “,”
هل تستحق الفتوى تعليقًا أو مناقشة؟!. هؤلاء “,”الشيوخ“,” الشكليون يسكنون في سراديب العصور الوسطى، وينذرون حياتهم لكل ما هو بعيد عن روح العصر. إنهم أعداء الحياة والفرح والبهجة، وجنود الكآبة والتعاسة والتجهم.
غفر الله لهم، ووقانا شرور جمودهم وتخلفهم وسطحيتهم.
اللهم آمين.
هكذا كانت أمي
“,” “,”
وتبقى الأم رغم الرحيل رمزًا باقيًا بما أورثته لأبناء حفظوا لها الفضل واعترفوا لها بالجميل.
“,”البوابة نيوز“,” سألت عددًا من الشخصيات الشهيرة والمعروفة إعلاميًا، عن أمهاتهم.. ماذا تعلموا منها، كيف أثرت فيهم وفي تكوينهم وحياتهم، مواقف يتذكرونها عنها، اختلفت الإجابات، ولكن بقي اعتراف واحد اتفقوا عليه جميعًا.. أن هذه الأم هي التي صنعت وجودهم.
قدوة بالفعل لا بالقول
يقول الأنبا بسنتي
“,” “,”
أسقف حلوان والمعصرة:“,” أمي كانت مثالًا للمحبة والتسامح والعطاء فقد كانت مُحبة للناس جدًا، وكانت خدومة لكل من حولها.. الصغير والكبير دون أن تطلب جزاءً أو مقابلًا، كانت امرأة بسيطة وطيبة لأقصى الحدود، وكانت تعامل بالقدوة وليس بالكلمة، لم تقل افعل هذا ولا تفعل هذا، بل بتصرفاتها تعلمنا“,”.
ويقول “,”بسنتي“,”: نشأت في أسرة مكونة من والدي وثمانية أخوة 3 بنات و5 أولاد، وكنت أتساءل كيف تستطيع منحنا نحن الثمانية كل هذا الحب والحنان والاهتمام دون أن نشعر بأنها كانت تفضل أحدنا على الآخر، كانت تتحمل مسئولياتها دون تقصير أو تشعرنا بأنها تعبت من خدمتنا ودون أن تطلب الشكر على ذلك، أتذكر لها أنها كانت توقظني حتى استكمل مذاكرتي، وكانت تحرص على توفير كل شيء لي حتى قبل أن أطلب طعامًا أو شرابًا.
ويضيف “,”بسنتي“,”: “,”تعلمت السماحة وحب الناس منها، ورغم أنها رحلت قبل 25 عامًا إلا أنني أتذكر جيدًا قولها “,”السماح طبع الملاح.. يا بخت من سامح“,” ومنها ظلت هذه الكلمات معلقة في ذهني، وأتذكر عندما قررت العمل في الكنيسة وترهبنت لم تحزن بل سعدت كثيرًا وجلسنا نتناقش، سألتها هل بيتي أفضل من بيت الرب، فقالت إن كانت سعادتك هناك فاكمل ما تريده ربنا معاك“,”، ويختتم الأنبا “,”بسنتي“,” كلامه: لو كانت أمي موجودة لطلبت منها أن تدعي لنا كثيرًا ليساعدنا ربنا في إكمال رسالتنا.
حصلت على الماجستير بفضلها
سعدالدين الهلالي
“,” “,”
أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة جامعة الأزهر، نشأ أيضًا في أسرة من ثمانية أبناء، يقول عن والدته:“,” أتعجب كيف تكون هذه الأمومة الكاملة لنا نحن الثمانية، وكل واحد يشعر بأنه الابن الأوحد والوحيد لديها وأنها أم له فقط؟“,”، ويستطرد الهلالي: “,”ساعدتني أمي كثيرًا، ولكن أتذكر إنني وأنا طالب في المرحلة الثانوية والجامعية، كانت تقول لي إن خطبة الجمعة لن تكتمل بمعانيها الصحيحة حتى تتزوج لتكون أعمق وأكثر تسامحًا ولينًا، فلا داعي أن تتعصب ولا داعي أن تأخذ أقوال الفقهاء جامدة، وفعلًا اكتشفت صدق مقولتها وعمق فكرها رغم أنها حاصلة على الابتدائية، وتزوجت وهي في سن 15 عامًا، إلا أنها قامت بتعليم نفسها بنفسها، واستطاعت أن تربي ثمانية أبناء من بنات وأولاد وتعلمهم حتى يستكملوا تعليمهم الجامعي، وكلهم الآن أساتذة في جامعات مصر المختلفة، لم تكن متحجرة أو رجعية التفكير، وعندما كانت أختي بالجامعة كان التعليم الجامعي في ذاك الوقت بالإنفاق، فأقنعت أبي ببيع بيته للإنفاق على تعليم أختي الكبرى، قبل أن يصدر قرار عبدالناصر بجعل التعليم مجاني وكانت أختي في السنة الرابعة“,”.
ويسرد “,”الهلالي“,” أحد المواقف التي ساعدته فيها والدته فيقول: “,”موقف لا أنساه لأمي وأنا أقوم بعمل رسالة الماجستير وموضوعها كان عن “,”هل يجوز أن يكون مهر الابنة خدمة الزوج لها أو لأبيها؟“,”، وكان الموضوع بالقياس في خدمة موسى عليه السلام لسيدنا شعيب 10 أعوام، والتي ذكرها القرآن الكريم في الآية 26 من سورة القصص في قوله: “,” يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ“,”، وبعض الفقهاء أجازوها والبعض الآخر قال كيف تكون القوامة للرجل إذا قام بخدمة زوجته؟، وتحيرت من أمري وكان لابد من أن أصل إلى نتيجة حتى أنهي كتابة الرسالة، وعندما رأتني وقد غلبني التفكير، سألتني فشرحت لها الموضوع فردت عليّ قائلة: إن الرجل بعد الزواج يعمل في خدمة أهله وخدمة الرجل في بيته إنما شرف، فهل يليق بالزوج أن يأتي برجل غريب لخدمة زوجته؟!!، فوجدت أنها صاحبة رؤية ثاقبة، فانحزت لرأيها وكتبته“,” وأنهى الهلالي كلامه، فقال:“,” لو موجودة الآن سأقول لها جزاك الله خيرًا“,”.
علميني كيف أكون أمًا مثلك!
“,” “,”
ماما نعم الباز، تحكي كيف بدأت رحلتها كأم للأطفال في بداية عملها الصحفي فتقول: “,”بدأ لقب ماما نعم عندما كنت في ال23 وكنت أكتب قصصًا للأطفال في الأخبار، وكنت أريد أن أعطي انطباعًا للأطفال أنني في سن والدتهم، فوقعت باسم ماما نعم الباز، ومنذ ذلك اليوم وأنا أم لكل أطفال مصر، حتى الصحفيون الكبار في ذلك الوقت مثل مصطفى أمين وعلي أمين كانوا ينادونني بماما نعم الباز، وكنت أشعر بسعادة كبيرة“,”.
وعن والدتها قالت: “,”أعتبر أمي راهبة الأمومة، وهي لا تفارقني لحظة رغم موتها منذ فترة طويلة، أتذكر جيدًا أنها كانت أمًا لكل العائلة لأخوالي وأبنائهم كانت أمومتها فياضة ودائمًا ما نتذكرها في جلساتنا العائلية، أمي كانت مشغولة بنا ولنا وكانت لديها قدرة على احتوائنا، حاولت كثيرًا أن أكون مثلها ولكني فشلت، ولكن يكفيني شرف المحاولة“,”.
وتضيف ماما نعم: “,”تعلمت من أمي أن كل لحظات الأمومة سعادة فلا يوجد إرهاق وأنا أم“,” وتتذكر ماما نعم أصعب موقف لها وتقول: “,”عندما كنت أولد ابنتي دينا كانت ولادتها قيصرية ولم يعطني الدكتور حقنة بنج بسبب وجود جلطة برجلي، وكنت أتألم بشدة وظلت واقفة بجانبي ممسكة بيدي، فكلما فتحت عيني أثناء الولادة وأراها أشعر بأني أخذت حقنة مسكن كاملة من كثرة الطمأنينة التي تبثها إليّ“,” وتختتم ماما نعم الباز كلامها قائلة: “,”أتمنى أن تكون والدتي موجودة لتعلمني كيف كانت أمًا“,”.
أمي عمود البيت وسقفه
الروائي جمال الغيطاني
“,” “,”
يحكي عن والدته فيقول:“,” أدين لأمي بكل الفضل الذي وصلت إليه الآن، وأدين لها بتكوين شخصيتي في الحياة، فهي التي شجعتني على القراءة وشراء أدوات الكتابة، التي بدأت شراءها وأنا في سن مبكرة، ورغم كون أسرتي بسيطة الإمكانيات تصل إلى حد التقشف، إلا أنها كانت تقتصد من مصروف البيت، حتى أستطيع شراء ما يلزمني من كتب أو أدوات الكتابة“,”، ويستطرد الغيطاني: “,”كانت لغة التفاهم بيني وبين أمي بالنظر فلم نتبادل الكلام كثيرًا، فنحن أسرة صعيدية، وكان طابع التعامل “,”ناشف“,”، ولكني كنت أعشق فهمها لي بمجرد النظر، كان كلامها شعرًا مرسلًا، وهي عادة أغلب أهل الصعيد، نصيحتها الدائمة لي “,”متيأسش لو الدنيا ضاقت ولو بقت زي خرم الإبرة“,”، لم أعتد رؤية أمي نائمة إلا مرتين، عندما كانت مريضة، والمرة الثانية عند وفاتها، فلم تكن تنام طالما أن واحدًا من إخوتي مستيقظ، فعندما كنت أذاكر، كانت تقف أمام الباب تنتظر أن أنهي مذاكرتي أو قراءتي“,” ثم صمت الغيطاني واستكمل كلامه: “,”مشهد لا يفارق مخيلتي عندما بكت بسببي، المرة الوحيدة التي رأيت أمي فيها تبكي وتحتضنني بقوة عندما تسلمت أول عمل لي، واضطررت أن أسافر إلى المنيا كان ذلك في عام 1962 بالقطار فوجدتها تبكي وتحضنني بقوة“,”.
أول من شجعتني على كتاباتي الثائرة
“,” “,”
تقول دكتور نوال السعداوي: كان لأمي تأثير كبيرعلى تكوين شخصيتي منذ الطفولة والثقة بنفسي وقدرتي الإبداعية، ففي المدرسة وقف المدرسون، خاصة مدرسا الدين واللغة العربية ضدي لأنني كنت أكتب شعرًا جديدًا ونثرًا بأفكار ثائرة ضد قهر البنات والخدم، لكن أمي كانت تقرأ ما أكتب وتفرح به، وتقول لي: استمري في الكتابة، وكانت لأمي، أيضا شخصية قوية لا يمكن لأبي أن يرفع صوته أو يشخط فيها، كانت الأسرة كلها تحترم أمي لهذا تعودت منذ الطفولة أن أحترم نفسي وأعتز برأيي“,”.
إحسان القلعاوي.. وعهد الكلمة
“,” “,”
تحدثنا إيناس أبويوسف، الأستاذ بقسم الصحافة، عن والدتها الفنانة إحسان القلعاوي، وكيف أثرت في مسيرتها المهنية قائلة: “,”علمتني المعني الحقيقي للصواب والخطأ، وأن هناك عقابًا وثوابًا وأن علينا أن نحترم كلمتنا“,”، وتضيف إيناس: “,”أذكر موقفًا لن أنساه لأمي تعلمت فيه معني الالتزام الأدبي، عندما كانت تعمل في الإذاعة وعرض عليها فرصة أفضل في التليفزيون، ولكنها رفضت لأنها أعطت كلمة للإذاعة تلزمها أدبيًا بالاستمرار معها، وتشير إلى أنها لن تنسى مقولتها في ذلك الموقف “,”كلمتي عهد“,” وأيضًا مقولتها لي ولأخوتي البنات “,”البنت أم أبوها وأنتم أم أمكم“,”.
وتضيف أبويوسف: كنا ثلاث بنات تعلمنا على يد القلعاوي أن الاستثمار في العلم هو أسمى طريق لنجاح البنت، فأصبحت أختي الكبرى عميدة في جامعة نيوجيرسي، وأنا أستاذ في كلية الإعلام، وأختي الصغرى الآن تستعد للماجستير.
البطولة للإنسان
“,” “,”
يقول المدون وائل عباس: إن والدته في بداية عمله كمدون ناقد لسياسات النظام السابق، كانت تخاف عليه بشدة وتعارض عمله وتخاف عليه من الاعتقال إلى أن اقتنعت بما يفعل وبدأت تشجعه.
ويضيف عباس: يرجع الفضل لأمي في تقوية لغتي، لأنها كانت مدرسة لغة عربية لا تتهاون في الأخطاء الإملائية وحريصة على تعليمنا أنا وأخوتي الثلاثة أن نكون محترمين، بكل ما تحمله الكلمة، وأشكرها كثيرًا لأنها أكثر من تفهمتني وتحملتني.
وعن الأم الوطن، يقول عباس: “,”مصر مريضة وبعافية وأتمني لها الشفاء العاجل، فحالتها تؤثر علينا نفسيًا وصحيًا، فمن غير مصر القوية نحن في حالة ضياع وليس لنا أية أهداف“,”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.