منذ أن صدرت رواية "في غرفة العنكبوت" منتصف العام 2016 وقد أحدثت ضجة عارمة في الأوساط الثقافية العربية نظرا للموضوع الجرئ الذي تتناوله والمتعلق بسرد حياة شاب مثلي الجنس، في المقام الأول؛ وللغة الكاتب محمد عبد النبي الثرية في كما يشير معظم من قرؤوا العمل؛ وأعلنت جائزة البوكر عن قائمتها القصيرة للعام 2017 اليوم وكانت من بينها "في غرفة العنكبوت" فما سر هذه الرواية؟!؛ التقت "البوابة" بالناقد الشاب محمد الغريب أحد الذين أشادوا بها لتتعرف معه على السر الذي دفع هذه الرواية للتألق... ففي البداية، يقول إن الرواية تحكي عن حياة هاني محفوظ منذ الطفولة حتي شبابه، حياة فرويدية تحتوي على تفاصيل طفولية وجنسيه، وهواجس نفسيه، وتخيلات اعترافات متتالية لا تتوقف عن كل شئ حول الشخصية؛ بوح دائم عن حساسية محفوظ الطفل، واهتمام أهله به اهتماما خاصا، هذه الافتتاحيه لشخصية محفوظ تمهد لعالم ومعمار روائي لحياة شاب مثلي استطاع الروائي محمد عبد النبي تطويعها في روايته "في غرفة العنكبوت" من خلال سرد حكاية مليئة بالتفاصيل الداخلية النفسية والجنسيه لشخصية روائية تحكي بنفسها وتعترف عن نفسها دون حرج أو خجل. ويضيف: "محفوظ في حكاياته المستمرة دائما يعترف ويتحدث عن الآخر حتي يقترب من نفسه، محفوظ يسرد الحكايات حول أسرته والآخرين، فعوالمه الخارجية تستحوذ علي سرده؛ يريد الكشف عن حياته عن عالمه عن جزيرة الخوف والقلق التي يعيش بها؛ من خلال البوح عن حياة الآخر". وأشار إلى أن رمزية السلطة والخوف منها حاضرة في عالم محفوظ حيث أن الحكاية تفتتح بقصة القبض عليه وكيف مثلت هذه الحادثة استرجاعا لحكايات وأحداث قبلها، كأن السلطة وضعت حد لعالم محفوظ، والحكاية تتضمن سرديات حول طرق التعامل مع محفوظ داخل السجن، وتفاصيل عن شخصيات ذات الميول قابلها في الحبس، كان يحكي عن عنف السلطة ورفضها لعالم محفوظ ورفاقه، عالم الحبايب كما تذكر الرواية. وأوضح أن السرد في هذه الرواية لم يكشف عن دلالاته النفسية والفلسفية بنفسه، الكلمات لا تنضح بهذا الكشف سواء علي مستوي الحكاية بشكل مباشر أو علي مستوي التقنيات السردية والإبداع اللغوي والجمالي، ولكن الحكاية كما هي تسرد المضمون الفلسفي والدلالي والنقدي والنفسي، فالقارئ لا يمكن أن يلتقط ذلك كظاهر دلالي وفلسفي، ولكن يحتاج إلي تأمل النص الحكائي لمحمد عبد النبي لكي يتضح الأمر، وعبد النبي استخدم الحكاية كما هي دون إبراز أي مضمون دلالي وفلسفي بشكل مباشر، أو تعقيدات أسلوبية ولغوية. وكشف أن العنكبوت تعني في الرواية تشابك الأحداث وتناغم الخيوط وتعاكسها في السرد، فالأحداث تتداخل، فهناك تمازج بين عالم محفوظ والعوالم الخارجية، وأيضا رمزية العنكبوت تشير إلي إحساس محفوظ بتحوله إلي حشرة، وهو رمز كافكاوي تبعا لقصه المسخ الذي تحول فيها البطل إلي حشرة في بداية الحكاية، وهو إحساس دوني يعبر عن إحساس محفوظ بتضاؤل عالمه أمام العوالم الأخري، وهذا اتضح في كونه عبر بكثرة في السرد عن الأشياء والشخصيات الأخري أكثر من حديث هعن نفسه، وأيضا قيامه بإبراز مشاعر الخوف الملازمة له طوال الرواية. وتابع أن الرواية تشابكت مع أبعاد نفسية تحليلية لفرويد وإرهاصات لاكانية، فهناك خيالات نفسيه لمحفوظ، لعلاقته بالأب ودوره في حياته، وهي تتمثل في عدم حضور الأب، وهناك السرد حول أمه، وما يمثله من تعقيدات نفسية حادة، سرد نفسي ضد الشخصية؛ اجترار للذات لما هو شائك بصدد أقرب الشخصيات له أمه ووالده، وأيضا هناك تخيلات حول جده ودوره في حياته، وبجانب الحكايات الأخري حول الأفراد، وما تخللها البعد النفسي في السرد. وأشار إلى أن محفوظ عندما يكتب ويسرد عن حكاياته فهو يعالج نفسه بالكتابة، يريد أن يخرج المخزون النفسي والكبت بكلماته، يريد التحرر من الألم والعالم الذي يجثو عليه، يريد التحرر فقط بالكتابة، وهذا أهم هدف وطموح لمحفوظ طوال الرواية، لا يريد شيئا آخر، لا يريد للعالم أن يعتدل معه، ويجد ضالته من ملذات، يريد الهروب فقط من عالمه الذي يعيش فيه بكلمات لا خجل منها. واختتم حديثه قائلا: "سرد يسحب سرد آخر؛ خيوط دائما تنفك، حكاية دون تفلسف أو زخارف لغوية وجماليه مكثفة، هي الحكاية الدائمة ببساطة عن عالم خوف محفوظ من كل شئ، الكلمات لا تتوقف عن البوح السردي العادي للحكاية، التأمل وحده لما وراء الحكاية أمر ضروري، رغم عدم توافر استفزاز القارئ لدلالات فلسفية ونفسية معقدة مباشرة، هناك شك في البحث عما وراء الحكاية وفيها وحولها، لكن التفرد بحكاية بسيطة تنم عن أعماق نفسية وفلسفية كبيرة أمر مدهش ويثير التساؤل الأدبي والخيالي.