دخلت عمليات تحرير مدينة الموصل من قبضة تنظيم داعش الإرهابي، في شهرها الثاني منذ انطلاقها، وسط تكتيكات تتغير من لحظة لأخرى نتيجة المقاومة القوية التي أظهرها عناصر التنظيم في الأيام الأخيرة. فقد أعلنت ميليشيات الحشد الشعبي أنها ما زالت تواصل عمليات تطهير مطار تلعفر غرب مدينة الموصل لتأمينه بشكل كامل من عناصر داعش، وأنها تلاحق حاليًا تلك العناصر التي تحاول الهرب. وأضافت في بيان لها، الخميس، أنها " تلاحق عناصر داعش الهاربة من مطار تلعفر بعد تحريره، مساء أمس، من سيطرة التنظيم الإجرامي"، مشيرة إلى أنها بمساندة الفريق الهندسي قامت بتفكيك العديد من العبوات الناسفة التي زرعها عناصر داعش في مطار تلعفر لإعاقة عمليات تحريره". وكانت جماعة تابعة للحشد الشعبي (الشيعي)، أعلنت مساء الأربعاء، أنها سيطرت على قاعدة تلعفر الجوية غرب الموصل، في إطار الحملة العسكرية لاستعادة آخر مدينة كبيرة تحت سيطرة تنظيم داعش بالعراق. وقال جعفر الحسيني، المتحدث باسم "كتائب حزب الله"، وهي جماعة تتبع ميليشيات الحشد وتدعمها إيران، إن بعض مقاتلي داعش انسحبوا بالفعل من القاعدة وانتقلوا إلى بلدة تلعفر. وأضاف "المعركة ستحسم اليوم". إلى هنا فقد شهد المحور الشرقي للموصل حرب شوارع بين القوات العراقية وعناصر "داعش"، وبخاصة في حي عدن، في واحدة من أعنف المعارك منذ انطلاق عملية التحرير في 17 أكتوبر الماضي. وفي تعليقه على تداعيات حرب الموصل وما سينتج عنها على المشهد العراقي سياسيا يقول عاطف المغاوري، نائب رئيس حزب التجمع ل"البوابة نيوز": بعد مرور عامين ونصف على سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على مدينة الموصل أمام خروج الجيش العراقي وإخلاء مواقعه بشكل أثار الدهشة وعلامات استفهام كثيرة، حيث سيطر التنظيم من قبلها على منطقة غرب العراق ( الأنبار والموصل وتكريت وصلاح الدين) وهي المنطقة التي كانت تشكل محور المقاومة لقوات الاحتلال الأمريكي، وهو ما نتج عنه ما عرف ب(لجان الصحوة) لمقاومة المقاومة، لكن الأمر وبعد مرور عامين وظهور قوات التحالف الدولي تم تحرير محافظة الأنبار من "داعش". أما الآن فتعتبر عمليات تحرير الموصل هي المعركة الكبرى، باعتبارها العاصمة الثانية للعراق بعد بغداد، ونظرا لمكانتها ورمزيتها وتاريخها وتركيبة سكانها المتنوعة، حيث بها خليط فريد من التنوع المذهبي والعرقي، فالأغلبية من العرب السنة ولكن هناك صابئة وأشوريين وأزيديين وتكرمان عرب، وعلى مر التاريخ كان هذا ما يميز العراق ويضفي عليه المزيد من التطور الثقافي والحضاري. وعن تطورات المشهد بعد عمليات الموصل يقول "المغاوري": للأسف الشديد فإن المتابع لعمليات الموصل حين يرى الرايات المرفوعة من القوات العديدة المشاركة في العمليات العسكرية يتأكد بما لا يدع مجالا للشك أن المواجهات ستتحول إلى مواجهات عراقية عراقية على غرار ما حدث في أفغانستان بعد انتهاء الحرب مع السوفيت، فبعد القضاء على "داعش" سيظهر ألف "داعش" جديد. فنحن نرى قوات البيشمركة الكردية ترفع علم كردستان ولا ترفع العلم العراقي بجانبه، كذلك نرى قوات الحشد الشعبي(المدعومة من إيران) ترفع الرايات الخاصة بها، حتى الهتافات التي ينطقون بها ومدلولاتها الشيعية، كما هناك ما يعرف بالحشد الوطني (المدعوم من تركيا) بقيادة محافظ نينوى الأسير النجيفي. ولأننا لا نعتبر من الدروس المستفادة وأن التاريخ سيعيد نفسه وعلى نفس الأرض التي شهدت المواجهة بين الصفويين مع العثمانيين في كردستان، فاليوم فسوف نجد المواجهة الإيرانية التركية على الأراضي العراقية، وتحديدا في إقليم كردستان، حيث يعلم المتابع أن السليمانية معقل الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه جلال طالباني يقع تحت التأثير الإيراني، حتى أن كل مناحي الحياة الاقتصادية هناك إيرانية، وفي المقابل نجد أن أربيل عاصمة الإقليم الكردستاني معقل الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني حاكم الإقليم تقع تحت التأثير التركي. فترى أن حجة التدخل التركي في هذه العمليات - برغم ممانعة العراق- أن هناك تركمان عرب في الموصل وكركوك وتلعفر وأنهم جاءوا لحماية التركمان العرب. ويوضح "المغاوري" أن ما أقدمت عليه قوات البيشمركة في المعارك الأخيرة وما قبلها تعد جرائم إبادة عرقية، حيث أزالت بلدات عربية كاملة وطبقا لتقارير دولية فقد أضافت 40% إلى مساحتها الأصلية من الأرض، وكان ذلك بحجة وجود خلايا نائمة من تنظيم داعش، مع العلم بأنهم لم يقتربوا من أي بيوت كردية، في دلالة واضحة على أن البيشمركة تمارس نوعا من الفرز الإثني الذي قد يتزايد في الفترة القادمة لمزيد من التقسيم المذهبي والطائفي. وبناء على كل ما سبق يؤكد "المغاوري" أن الموصل تستصرخ ضمير العالم وتقول "العراق إلى أين؟"