صمت الإسلاميين، وبخاصة الإخوان، عما يجرى فى تركيا أو تبنيهم فى أحسن الأحوال الروايات والمواقف الرسمية حول الداعية «كولن» و«انقلاب 15 يوليو 2016» و«الكيان الموازى» و«الدولة العميقة» أمر له دلالات كثيرة! ولو قارنا موقف الإسلاميين من عمليات القمع والطرد والملاحقة من السلطات التركية بحق المتهمين بالمشاركة أو التعاطف مع الانقلاب ومع جماعة الداعية «كولن»، بمواقف الإسلاميين من الأنظمة العربية والإسلامية التى قمعت الإخوان، أو بموقف الإخوان من الأوضاع المصرية الحالية، لوجدنا الكثير مما يستحق التوضيح، فالضربة التركية أولا قوية وشاملة ومؤلمة، وهى موجهة ضد فصيل تركى إسلامى له دور تاريخى فى بناء التوجه الإسلامى الحالى فى تركيا، وفى دول آسيوية وأوروبية عديدة من خلال كتب ورسائل ومدارس «فتح الله كولن»، الداعية الذى كثيرا ما مجده زعماء حزب العدالة والتنمية، وتتلمذوا على يديه، قبل أن ينقلبوا عليه ويوجهوا إليه كل هذه التهم. ومن عجب أن يعتبر الإخوان ما يفعله «الرئيس السيسى» فى مصر ضد الإخوان المصريين «مصادرة وانقلابا واضطهادا»، ويطالبون بالشرعية والعدالة والإنصاف، ويعتبرون الرواية الرسمية ومواقف النظام مجرد مبالغات وأكاذيب ومبررات، فى حين يديرون أظهرهم لكل هذا الموقف فى الأحداث التركية، منذ 15 يوليو 2016، رغم أن الاعتقالات شملت فى تركيا الدعاة والقضاة، والضباط ورجال الأعمال، والمدرسين وأساتذة الجامعات، وأقفلت محطات التلفاز والصحف والجمعيات وغير ذلك، دون أن تهتز للإسلاميين العرب المتعاطفين منهم مع تركيا شعرة! وحتى لو اعتبرنا وجهة النظر الرسمية والإعلام التركى وكل الاتهامات صحيحة، أفلا يتطلب الأمر رأى القضاء ودور المحامين والتدقيق فى الدعاوى وغير ذلك؟ وإذا كان للسلطات التركية أن تفعل بمعارضيها وبجماعة الداعية «كولن» ما تشاء، فلماذا تعترض جماعة الإخوان وبقية الإسلاميين على الأحكام التى تصدرها السلطات الإيرانية على معارضيها أو المصرية على الإخوان؟ وهل كنا سنرى الموقف نفسه من الإسلاميين والإخوان لو كان ما يجرى منذ أشهر فى أنقرة وإسطنبول يقع فى الأردن أو المغرب أو ماليزيا وباكستان مثلا؟ كان الإخوان فى إعلامهم من صحف ومنشورات وكتب يهاجمون الاعتقال الكيفى والمحاكم العسكرية والاعتقال الجماعى والحكم العرفى، وأخذ الجمع بجريرة الفرد، وعدم إتاحة الفرصة للدفاع عن النفس، وعدم السماح بتوسط المحامين والهيئات الدولية، وكانوا يطالبون بالمحاكم العادلة والقضاة المنصفين، ولا أثر اليوم فى الاعتقالات التركية لكل هذا! نشرت «القبس» الكويتية فى 11/ 10/ 2016 مثلا تقول: «أفاد مرسومان نشرا فى الجريدة الرسمية أن السلطات التركية أقالت أكثر من عشرة آلاف موظف آخرين فى إطار التحقيقات المفتوحة فى محاولة الانقلاب التى وقعت فى يوليو، وأعلنا من جهة أخرى إقفال عدد كبير من وسائل الإعلام الموالية للأكراد». ويجدر بالذكر أن الداعية «كولن» من أصل كردى، فى نظام يعتبر نفسه إسلاميا، بل وريث الدولة العثمانية العلية، التى جمعت الكثير من القوميات والملل! ومضى الخبر المنشور فى «القبس» يقول: «وكشف المرسومان اللذان نشرا مساء السبت أن عشرة آلاف و131 موظفا فى الدولة خصوصا فى وزارات التربية والعدل والصحة أقيلوا بعدما طالت حملة التطهير عددا كبيرا من الموظفين منذ المحاولة الانقلابية التى وقعت فى 15 يوليو. كما ينص المرسومان على إغلاق 15 وسيلة إعلام معظمها مؤيدة للأكراد وإلغاء انتخابات عمداء الجامعات الذين أصبح اختيارهم سيتم من قبل الرئيس رجب طيب أردوغان من مرشحين يقدمهم مجلس التعليم العالى، وتتخذ السلطات هذه الإجراءات فى إطار حالة الطوارئ. واعتقل أكثر من 35 ألف شخص فى تركيا فى إطار التحقيقات الجارية، إثر الانقلاب الفاشل على أردوغان بحسب أرقام الحكومة. وأكد الرئيس أردوغان السبت أن الحكومة ستحيل إلى البرلمان موضوع إعادة تطبيق عقوبة الإعدام المطروحة منذ الانقلاب الفاشل، ولم يحدد موعدا لذلك». ولا تمس الإجراءات المتخذة فى تركيا ضد جماعة كولن حقوق الأقليات فحسب، إن كانت تعاقب الكرد من خلال كولن أو تنتقم من الداعية الإسلامى بالتمييز ضد الأكراد، بل يتعلق الأمر كذلك كما هو واضح بالتجربة الإسلامية التركية نفسها، وقد حققت بلا شك نجاحات كبيرة، واتسعت شعبيتها، وفتحت لتركيا أبواب المجتمع الدولى، وأعطتها مكانة متميزة فى الشرق الأوسط والعالم الإسلامى. وها هو أنجح نظام يقوده حزب يقول إن مرجعية إسلامية -بينما هو فى الحقيقة أعمق ولاء للجماعة والتيار- يتصرف بشكل انفعالى وغير ديمقراطى مع عشرات الآلاف من مواطنين أتراكا وأكرادا، ولا يعبأ بالحقوق والقوانين والحريات! الداعية «كولن» دافع عن نفسه فى مقابلة نشرتها مجلة «الأهرام العربى» يوم 8/ 10/ 2016، العدد 1016، قال فيها مذكرا بموقف تركيا الرسمى من جماعة أو هيئة «الخدمة»، كما يسمى غولن تنظيمه: «قبل انكشاف فضائح الفساد فى تركيا عام 2013 التى ثبت فيها بالأدلة المصورة تورط شخصيات كبيرة من الوزراء وأبنائهم، كانت الموضة مدح حركة «الخدمة» والإشادة بمنجزاتها على الصعيدين المحلى والعالمى، وإذا راجعت الفيديوهات الموجودة على أرشيفات (اليوتيوب)، فستجد أن كل من كان يمسك بيده الميكروفون من المنسوبين إلى الحزب بمن فيهم أردوغان يسردون قصصا ملحمية فى مدح «الخدمة»، لكن بعد هذا التاريخ تحديدا وبعد اكتشاف ملفات الفساد والسرقات والرشا التى تورطت فيها قيادات من الحزب، والتى كشفت عنها تحريات الشرطة وتحقيقات النيابة، إذا بهم يصنفون (الخدمة) فى عداد الخائنين». وأكمل كولن حديثه قائلا: «وبدلا من تفعيل العملية القانونية ومحاولة إثبات براءتهم من التهم المنسوبة إليهم فى ساحات القضاء راحوا يتهمون (الخدمة) بمحاولة تدبير انقلاب على الحكومة، ذلك دون أى دليل يثبت افتراءاتهم تلك فى محاولة غير نزيهة للتغطية على تلك الفضائح، وبدأوا يمارسون إجراءات انتقامية من خلال استخدام الشرطة والقضاء، بحيث يكون الجميع تحت وصايتهم ويتمكنون من الإفلات من جرائمهم». سأفترض أن تركيا غارقة فى مشكلتها الكردية، وأنها تشك فى ولاء كل مواطن كردى للدولة التركية، وأنها تريد أن تحرمهم حتى من الزعامات الدينية والدعوية ضمن ذات الدين والمذهب والتيار، ولكن ماذا عن الإسلاميين فى العالم العربى؟ نقلا عن «الجريدة» الكويتية