"الفتاة التي اعتادت الانقياد لآراء والديها وعجزت عن إتيان عمل فردي تدفعها إليه إرادتها بالاشتراك مع ضميرها، ما هي إلا عبدة قد تصير في المستقبل "والدة" ولكنها لا تصير "أمًا" وإن دعاها أبنائها بهذا الاسم".. أحد أهم أقوال الأديبة الكبيرة مي زيادة؛ التي تحل اليوم الإثنين 17 أكتوبر، ذكري وفاتها، ما ينم عن مدي سعيها الدائم لتحقيق ذات المرأة، والدفاع عن حقوقها، والعمل على توعيتها لكي تصبح أمرأة ومستنيرة وأمً فاضلة، فمنذ نعومة أظافرها وقد كانت فتاة غير عادية. كانت تعشق الكتابة وتقضي في حضرتها ساعات طويلة دون أن تشعر بملل أو سقم، فكانت الكتابة هي لعبتها المفضلة، وهوايتها التي كانت تفرغ فيها طاقته الطفولية المكبوتة، فأقبلت على التعليم وتفرغت للأدب، ولذلك ولدت شخصية ريادية أدبيًا واجتماعيًا، في زمن لم يكن للمرأة العربية حق في التعليم ولا في الخروج من المنزل، ولكنها تحدت تلك الظروف إلى أن أصبحت الشاعر الكبيرة والأديبة العظيمة مي زيادة. ولدة الشاعرة الفلسطينية مي زيادة في 11 من فبراير 1886، اسمها الأصلي كان ماري إلياس زيادة، واختارت لنفسها اسم مي فيما بعد، كانت تتقن ست لغات، وكان لها ديوان باللغة الفرنسية. ولدت ماري زيادة (التي عرفت باسم ميّ) في مدينة الناصرة بفلسطين عام 1886، وهي ابنةً وحيدةً لأب من لبنان وأم سورية الأصل فلسطينية المولد، تلقت الطفلة دراستها الابتدائية في الناصرة، والثانوية في عينطورة بلبنان، وفي العام 1907، انتقلت ميّ مع أسرتها للإقامة في القاهرة، وهناك، عملت بتدريس اللغتين الفرنسية والإنجليزية، وتابعت دراستها للألمانية والإسبانية والإيطالية. وفي الوقت ذاته، عكفت على إتقان اللغة العربية وتجويد التعبير بها. وفيما بعد، تابعت ميّ دراسات في الأدب العربي والتاريخ الإسلامي والفلسفة في جامعة القاهرة. وفى القاهرة، خالطت ميّ الكتاب والصحفيين، وأخذ نجمها يتألق كاتبة مقال اجتماعي وأدبي ونقدي، وباحثة وخطيبة، وأسست ميّ ندوة أسبوعية عرفت باسم "ندوة الثلاثاء"، جمعت فيها لعشرين عامًا صفوة من كتاب العصر وشعرائه، كان من أبرزهم: أحمد لطفي السيد، مصطفى عبدالرازق، عباس العقاد، طه حسين، شبلي شميل، يعقوب صروف، أنطون الجميل، مصطفى صادق الرافعي، خليل مطران، إسماعيل صبري، وأحمد شوقي، وقد أحبّ أغلب هؤلاء الإعلام ميّ حبًّا روحيًّا ألهم بعضهم روائع من كتاباته. وعن قلب ميّ زيادة، فقد ظل مأخوذًا طوال حياتها بجبران خليل جبران وحده، رغم أنهما لم يلتقيا ولو لمرة واحدة، ودامت المراسلات بينهما لعشرين عامًا: من 1911 وحتى وفاة جبران بنيويورك عام 1931. نشرت ميّ مقالات وأبحاثا في كبري الصحف والمجلات المصرية مثل: "المقطم"، "الأهرام"، "الزهور"، "المحروسة"، "الهلال"، و"المقتطف"، أما الكتب فقد كان باكورة إنتاجها عام 1911 ديوان شعر كتبته باللغة الفرنسية وأول أعمالها بالفرنسية اسمها "أزاهير حلم ظهرت "، وكانت توقع باسم ايزس كوبيا، ثم صدرت لها ثلاث روايات نقلتها إلى العربية من اللغات الألمانية والفرنسية والإنجليزية، وفيما بعد صدر لها: "باحثة البادية"، "كلمات وإشارات"، "المساواة"، "ظلمات وأشعة"، "بين الجزر والمد"، و"الصحائف"، وفى أعقاب رحيل والديها ووفاة جبران تعرضت ميّ زيادة لمحنة عام 1938، إذ قامت ضدها مؤامرة دنيئة، وأوقعت إحدى المحاكم عليها الحجْر، وأودعت بمصحة الأمراض العقلية ببيروت، وهبّ المفكر اللبناني أمين الريحاني وشخصيات عربية كبيرة إلى إنقاذها، ورفع الحجْر عنها. وعادت مي إلى مصر لتتوفّى بالقاهرة في 17 أكتوبر 1941.