هل للإبداع جينات تسرى من الآباء للأبناء؟ يبدو أن الإجابة ستكون ب«نعم»، فى ضوء ما نراه من اتجاه بعض من أبناء المبدعين للمجال الفنى. والدليل «ريم» نجلة الشاعر الكبير سيد حجاب الذى يمر بأزمة صحية حاليا، فعقب تخرجها من قسم اللغة الإنجليزية بآداب القاهرة، اتجهت ريم إلى الكونسرفتوار لدراسة البيانو، بعدها عملت لسنوات فى فرقة الرقص المسرحى الحديث مع مؤسسها الفنان اللبنانى وليد عونى، لتصبح من أشهر راقصات الفرقة التى قدمت عروضا كثيرة فى الأوبرا، بل قامت بإخراج عرض «زى كل يوم» على مسرح الهناجر، لكن تجربتها فى الرقص الحديث لم تستمر طويلا فاتجهت إلى التمثيل حيث شاركت فى بعض الأعمال السينمائية أهمها «بلد البنات»، وعدد من المسلسلات أهمها «ذات» وبعد زواجها من المخرج محمد العبد، بدأت ريم فى الاختفاء تحت ضغط مسئولياتها وظروفها الجديدة. ومثل ريم خاضت سامية ابنة الشاعر الراحل صلاح جاهين تجربة مشابهة، سامية هى أصغر أنجال جاهين من زوجته الفنانة منى قطان، تخرجت من قسم اللغة الإسبانية بآداب القاهرة، لتعمل بعدها فى إدارة عدد من المؤسسات الثقافية، منها المجلس الثقافى البريطانى، ومؤسسة المورد الثقافى، إلى أن شدها الفن فشاركت فى تأسيس فرقة «إسكندريلا» وقدمت معها أشهر أغنياتها ولتصبح واحدة من نجماتها، لكن فجأة اختفت سامية جاهين من خريطة الفرقة وساحة الغناء، تحت ضغط ظروفها العائلية حيث تزوجت من أمين نجل الشاعر الكبير فؤاد حداد، وأنجبت العام الماضى طفلها الثانى «علاء» لتتفرغ لرعايته مع طفلتها الكبرى «فاطمة»، بعدها توارت سامية بعد أن أثارت حولها الكثير من الجدل نتيجة لمواقفها السياسية لتتحول إلى ناشطة سياسية وهو ما جاء على حساب هوايتها للغناء. الثالثة هى «فريم» نجلة الروائى الراحل خيرى شلبى، والتى ساهمت خلال الفترة الماضية فى تأسيس فرقة «بيبه» وهى أحدث فريق غنائى فى مصر، مع كمال الأبنودى ابن الناقد والأديب والباحث كرم الأبنودى، شقيق الشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودى. «بيبه» فرقة غنائية مختلفة عن الفرق الموجودة على الساحة الغنائية، فهى متخصصة فى تقديم أغانى الفلكلور المصرى من بحرى والصعيد، هدفها إعادة إحياء تلك الأغانى وتقديمها لجمهور جديد لم يسمعها من قبل، وهو هدف تراه نبيلا، لأنه يحفظ التراث الغنائى المصرى من الانقراض. عن سبب اختيار الاسم «بيبه» قالت «فريم»: الاسم له حكاية، كنا انتهينا من كل حاجة، ومحتارين فى الاسم، وفى يوم كنت بتفرج على فيلم «عرق البلح» وهو فيلم أعشقه، واكتشفت إن فكرته تتفق مع اللى بنحلم نقدمه من خلال الفرقة، وهو أن المصرى حاول أنه يعبر عن كل حاجة فى حياته بالغناء، من الميلاد حتى الموت، وهو موجوع يغنى، وهو مبسوط يغنى، ووقت الأزمة يكون الحل فى الغناء، زى ما عملت كبيرة القرية فى الفيلم، عندما تعرضت لهجوم من الجميع، فجمعت أهل القرية وقالت: تعالوا نغنى، فكانت أغنية «بيبه» تعبيرا عن وجعهم، من هنا اخترنا «بيبه» لتكون اسما للفرقة، ومعناها باللهجة الصعيدية الدارجة «مرحبا» والأغنية لها مكان فى وجدان الناس، وتعبر عن الفلكلور الصعيدى، وهو أحد أهم أهدافنا». ريم خيرى شلبى هى مهندسة صوت فى الإذاعة المصرية، وتمتلك هواية كتابة الأشعار والأغانى منذ الصغر، فما الذى دفعها لأن تتجه مؤخرا إلى الغناء وتخوص تلك التجربة الصعبة؟ تقول ريم: كنت أغنى من صغرى وعملت فرقة زمان مع أصحابى، لكن الظروف لم تساعدنا، ونسيت الفكرة حتى التقيت كمال الأبنودى، فتجدد الحلم تانى، وعجبنى فيه انه دارس مزيكا لأنه مدرس تربية موسيقية، والأهم إنه من عشاق التراث وغاوى بحكم تربيته، أبوه كرم الأبنودى كان شاعرا وباحثا فى التراث، وعمه هو الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى، وهو أعظم من قدم أغانى الفلكلور الصعيدى، وأنا وكمال متربيين مع بعض بحكم الصداقة القديمة بين والدى ووالده وعمه، ولما تكلمنا فى موضوع الفرقة كنا متفقين على نفس الأفكار والرؤية، فقررنا عمل فرقة مختلفة وجديدة على السوق، واستقال هو من عمله كمدرس، وخضت أنا تجربة الغناء معه على المسرح». تقدم ريم وفرقتها أغنيات من تراثنا الشعبى.. فهل هناك تفكير لديهم فى تقديم أغان جديدة خاصة بالفرقة؟ تؤكد ذلك فتقول: «تقديم أغانى جديدة حلم مشروع لكنه مؤجل الان، هدفنا فى هذه المرحلة عودة الروح للتراث الشعبى المهدد بالاندثار، وكثير من الشباب ينظر إلى أغانى المهرجانات على أنها أغانى شعبية وده تزوير، إحنا عندنا فى تراثنا غناء شعبى سخى وجميل ومحتاج نعيده ونسمعه، يعنى مثلا أغنيات الأفراح القديمة جميلة جدا وفيها تيمات حلوة ومبهجة، ده تراثنا اللى لازم نحافظ عليه ونعرف به الأجيال الجديدة والعالم كله، وإحنا مش بناخد التراث زى ما هو، إحنا بنقوم بعملية تطوير وتحديث فيه، يعنى أنا أخدت تيمة أغنية «روق القنانى» كتبت عليها كلام جديد، وفى المستقبل عندما نقرر عمل أغان خاصة بالفرقة ستكون مستوحاة وفيها نفس روح الأغانى القديمة». وعن من يختار لهم الأغانى وأسس الاختيار تقول ريم : «الاختيار مشترك وبناء على ورشة عمل بينى وبين كمال.. وهو ممكن يختار لى أغنية ويشوف أنها تليق على صوتى وأدائى.. والعكس ممكن يحصل، وبشكل عام بنحاول نختار الأغانى غير المعروفة للناس، سواء من أغانى الصعيد أو من أغانى بحرى، وعامة فإن الكثيرين لا يمكنهم التفرقة بين النوعين، ودى نتيجة ترضينى، لأنها تعنى أن مصر كلها واحدة، وناس بحرى ممكن تلاقيهم بيغنوا أغانى أصلها صعيدى». وعن الأغنية صاحبة النصيب الأكبر من التشجيع الجماهيرى، تقول: «بيبه» ولم أتوقع أن الناس تحبها وتطلبها وتعجب لها بالطريقة التى نغنيها بها، فنحن نقدم الكلام الأصلى للأغنية وبعضه غير موجود فى كلمات أغنية الفيلم، أيضا حظيت أغنية «مظلومة بالله يا قاضى» بتصفيق حاد لما قدمناها أول مرة، واكتشفنا أن اللون ده له شعبية كبيرة بين الجمهور المصرى، لأنه يجمع بين الطرب والكوميديا، الكلام والأداء فيه حالة من المرح والسخرية اللذيذة. المشكلة الأكبر التى تواجه «بيبه» هى التى تواجه كل الفرق الغنائية الجديدة «التمويل» فمن الذى يتحمل مسئولية الإنفاق على الفرقة من أجور العازفين، إلى البروفات، إلى التسجيلات، خاصة أن دخل الفرقة يقتصر غالبا على ما تتقاضاه فى الحفلات، فكيف واجهت «بيبه» هذه المشكلة؟ تقول ريم: «حتى الآن ننفق على الفرقة من جيبنا أنا وكمال، نحن نتحمل كل النفقات، والبند الأكبر هو أجور الموسيقيين، وحلمنا أن تكون لنا فرقة موسيقية ثابتة وعازفين «بتوعنا»، ورغم المشاكل فإن أحلامنا باتساع الكون، نحلم بأن نسافر لتقديم هذا الغناء المصرى الأصيل فى كل الدنيا، نحلم بأن يكون معنا فى كل حفلة واحد من نجوم الطرب يشاركنا غناءنا، نحلم بأن يقف معنا نجوم بحجم محمد منير على المسرح، ليه لأ، كله بالجهد ممكن يتحقق، وأتصور أننا خلال السنه الأخيرة بدأنا فى تحقيق جزء من أحلامنا، وبدأ الجمهور يعرفنا ويسعى وراءنا فى ساقية الصاوى وبيت السنارى وشارع المعز، عندى أمل أن تصبح «بيبه» مشروعا غنائيا كبيرا ومؤثرا فى الساحة. بعد كل هذا هل أخذ الغناء ريم من الشعر؟ تقول هي: «مطلقا أنا حريصة على الشعر وعلى كتابته، وآخر ما كتبت أغنية تقول: وقت الشدة مالقاش حد أموت من القهر من غير حد نفس يوجع يشق الصدر دموع تكوى عيون وتهد وبس الدنيا تضحكلك ها تتعب كل يوم من العد.