عشرون عامًا قضاها المهندس حازم قريطم داخل صفوف جماعة الإخوان الإرهابية فى محافظة البحيرة حتى جاء عام 2008 الذى شهد بداية خروجه من الإخوان قريطم فى حوار خاص ل«البوابة» يحكى تجربته فى الإخوان، ويكشف خطته لتفكيك الجماعة فكريًا فى مصر لضمان عدم عودتها إلى المشهد العام مرة أخرى. ■ كيف بدأت رحلتك مع جماعة الإخوان؟ - كشأن الكثيرين ممن دخلوا الإخوان انضممت، كان هذا خلال فترة الدراسة الجامعية فى منتصف الثمانينيات، وفور دخولى للجماعة شاركت فى العمل الطلابى داخل الجامعة بعد أن أعجبت كثيرًا بهذا العمل الذى كان يعتبر المدخل الأساسى لجذب الشباب للتنظيم حيث إنه يعتمد على العمل الخدمى، وما يقدمه شباب الإخوان للطلبة من خدمات تتعلق بالمواد العلمية والمذكرات، وهذا كان المدخل الواسع لكثير من هذا الجيل للانضمام إلى الجماعة. ■ ومتى خرجت من الجماعة؟ - رحلة الخروج بدأت عام 2008، واستمرت لمدة 3 سنوات بسبب ملحوظات رأيتها فى كيان كنت أحبه وأتمنى إصلاحه إلا أن قيادات الجماعة حولونى إلى منبوذ ورفضوا حتى السماح لى بأن أتحدث وكأننى لست منهم متناسين دخولى المعتقل 3 مرات بسبب الجماعة. ■ وضح لنا أكثر أسباب الانشقاق عن الجماعة؟ - رأيت عيوبًا جزئية بسيطة، وعندما تكلمت عنها فوجئت برفض تصورى النقدى حتى لو كان صوابًا، الأمر الذى جعل منظورى يتسع، وأتساءل لماذا يرفضون مجرد سماع النصيحة؟ ثم أتساءل لماذا يحدث ذلك؟، ومن هنا أدركت تمامًا أن الهدف هو التنظيم أكثر من كونه الدعوة، وأنها جماعة سياسية أكثر من كونها جماعة دعوية أو اجتماعية، فبدأت أدرك أن هذه الجماعة ليست تلك التى كنت أظنها، وليست الحالة التى صورها لى السابقون فى التنظيم وقالوا إن الجماعة هى حالة عمل إسلامى خيرى تطوعى نتقرب به إلى الله، إنما الحقيقة التى كانت تغيب عنى وعنهم إنه كيان سياسى يسعى لتحقيق تغيير سياسى عن طريق تنظيم مغلق يستخدم كل الوسائل للحفاظ على منظومة الحكم الموجودة وتحويلها إلى صالحه. ■ وهل أعضاء الجماعة الحاليين يرون ما رأيته أنت بعد تفكير لمدة 3 سنوات؟ - كل الموجودين داخل الجماعة ليست لديهم هذه الرؤية، هم طيبون صور لهم الأمر على أنه تدين وانتظموا واجتهدوا وأنفقوا باعتباره طريق القرب من الله الذى يذهب بهم إلى الجنة. ■ كيف ترى وضع الإخوان حاليًا فى الشارع المصرى بعد زلزال ثورة 30 يونيو؟ - لو تحدثنا عن الإخوان يجب أن نتحدث عن ثلاثة محاور يمثلون 3 مشاريع إخوانية، المشروع الأول هو المشروع السياسى للجماعة، وهذا المشروع هو الذى مُنى تمامًا بالفشل بعد ثورة 30 يونيو، أما الإخوان على الجانب الدعوى اعتقد ما زال موجودًا ولا يزال يردد عباراته الأخاذة، أما الجانب المجتمعى فى الإخوان فهو فى حالة تأخر كبيرة. ■ تؤكد أن الإخوان لا يزال لهم وجود على الجانب الدعوى والاجتماعى حتى الآن.. فكيف هذا؟ - الإخوان جماعة تحتاج إلى تفكيك، وهذا لم يحدث حتى الآن رغم من وجود عدد كبير من الساسة والمفكرين ورجال مؤسسة الأزهر ومن صناع القرار قادرون على هذا الأمر، فلا تزال الحالة الفكرية المنشأة للإخوان موجودة، ولم يتم تفكيكها، وعلينا أن نعلم جميعًا أن الإجراءات القانونية والأمنية والصياح الإعلامى لا يطال أبدًا الأفكار الجوهرية للإخوان الذى يقوم الأزهر وبدون قصد بالمساهمة فى بثها وتأصيلها، وتهيئة المجتمع للقبول بها من خلال مناهجه وخطابه الدينى السيئ الذى لم يجدد حتى الآن. ■ تكلمت عن جوهر للفكر الإخوانى بعيدًا عن الذى يعرفه البسطاء.. فما هذا الجوهر الفكري؟ - المسألة الجوهرية الموجودة فى الإخوان، والذى يغفل عنها الأعضاء، أن هذا تنظيم ما هو إلا تنظيم سياسى يعمل على ضم الكثير من العناصر من أجل تحقيق أهداف سياسية، كل الأمر برمته لا يخرج عن هذا الإطار. ■ إذا لماذا يعلن عن نفسه كحزب سياسى فقط؟ - تنظيم سياسى يعمل بمفهوم سياسى يخسر كثيرًا فى المشهد المصرى، لكن لو لبس عباءة الدعوة الدينية يصبح خارج إطار المحاسبة، إذ قال يسمع له، إذا تحدث يحترم، إذا سار بين الناس صار له جاه، وهذا ما لجأ إليه الإخوان فهم لو عرضوا أنفسهم على أنهم كيان سياسى فيجب أن يسألوا أين مشروعكم؟ وبرنامجكم؟ وتصوركم لإدارة الدولة؟، فكل هذه الأسئلة بالنسبة للجماعة منعدمة، فى الحقيقة هم ليس لهم رؤية سياسية رغم أنهم تنظيم قوى، ولو وضعت فى أيديهم الدولة المصرية فهم غير مؤهلين لحكمها أبدًا بل أؤكد لك إذا وصل الإخوان إلى حكم مصر مرة أخرى فى يوم من الأيام سيرتكبون نفس الأخطاء. ■ لماذا لا ينجح الإخوان فى إدارة الدولة رغم أنهم تنظيم قوى كما قلت؟ - البناء الإخوانى تنظيمى سرى لا يتيح أن يكونوا قيادات فى العمل العام وإدارة الدولة، فهم يظلمون أنفسهم حينما يفرضون عليها القيام بواجبات ليست أصلًا من طبيعتهم، ولم يتدربوا عليها هناك فرق بين قيادة دولة فى العلن وقيادة تنظيم فى الخفاء، وهذا ما أوقعهم فى خلاف مع كل الأنظمة التى حكمت مصر من العهد الملكى للعهد الجمهورى الناصرى،حقبة الانفتاح، عهد مبارك، لا يمكن تختلف مع الجميع وتكون على صواب، وهنا أقول لهم لقد اصطدتم مع الجميع، وهذا يجعلكم بالضرورة أمام فكرة المراجعة. ■ هل الجماعة بالفعل ستقوم بمراجعات كما أكد عدد كبير من قياداتها؟ - هذا لن يحدث لأن الإخوان لا يسمحون من الأساس بفكرة النقد الداخلى، وهذا سبب انفضاض الكثير من أصحاب الرؤى عن الجماعة ك حسام تمام ومختار نوح وغيرهما كثير، والسبب الرئيسى وراء انشقاق هؤلاء هو عدم وجود مساحة للنقد فى ظل تنظيم مغلق فهذا طبيعة التنظيم. ■ إذا حديث الإخوان عن وجود مراجعات فكرية أكذوبة؟ ومن وجهة نظرك لماذا يرددون هذا الكلام؟ - بالطبع، وترديدهم لفكرة المراجعة قد يكون بسبب ارتباكهم نظرًا للضربات الأمنية القوية المتلاحقة لهم، لكنه فى النهاية لم يثبت فى يوم من الأيام رغم الأزمات الكبيرة ومرور أكثر من 100 عام على الجماعة حدوث مراجعة حقيقية واحدة، لأن بمنتهى البساطة المراجعة الحقيقية للإخوان تعنى تفكيك فكر الإخوان، فلحظة مكاشفة حقيقية واحدة يقول فيها الإخوان ما لهم وما عليهم يعترفون بأخطائهم ويعلنون استعدادهم لتصحيح تلك الأخطاء يعنى فعليًا تفكيك الجماعة والتنظيم، لذلك هذا الكلام مستحيل أن يحدث، فكهنة المعبد الحاليين يعيشون على بقاء التنظيم وترديد أن هذه فكرة دينية إصلاحية يجب أن نثبت فيها لأن العالم يحاربنا لنتركها، ونحن لن نترك دين الله ولن نتراخى فى الدعوة لله والجهاد فى سبيل الله، إلى آخره من هذا الخطاب الذين يستمدون قوتهم من خلاله. ■ على ماذا يقوم الفكر الإخوانى الحالي؟ - الفكر الإخوانى قائم على مجموعة من الافتراضات جزء كبير منها تقوم عليه الكثير من الجماعات الإسلامية، وهى باختصار أن هناك حربًا دينية فى العالم، وأن الإسلام فى هذا الحرب منتصر ومهزوم، وأن هزيمة الإسلام فى تلك الحرب سببها أبناؤه بسبب تخليهم عن هذا الدين وتوقفوا عن إقامته فى مجتمعاتهم، وأن الطريق إلى انتصار الإسلام يتأتى من إعادة المسلمين إلى دينهم مرة أخرى، وللعلم هذه قواعد قامت عليها كل الجماعات الإسلامية فى العالم الإسلامى، ولكن يختلفون فيما بعضهم فى الأولويات، فنصرة الإسلام من وجهة نظر الإخوان تتأتى من خلال العودة إلى العمل السياسى وهم الإخوان، فى حين ترى الجماعات الجهادية أن نصر الإسلام يتأتى من خلال العودة إلى الجهاد، وفصيل يقول إن نصر الإسلام يكون بالعلم والعقيدة فتنشأ الجماعات السلفية، وتلك هى الاختلافات بينهم، ولذلك أؤكد على وجوب أن نجلس نحن المجتمع، ونفكك هذه الأطروحات، ونجيب عن أسئلة هل الإسلام فى خطر؟، وهل بالفعل يتعرض للحرب؟ وهل هو خاسر فى تلك الحرب؟، وهل المسلمون بعيدون عن دينهم؟، فإن لم نفعل ذلك سنصبح أرضًا خصبة لقبول أفكار الجماعات. ■ كيف نواجه الإخوان فكريًا؟ - قواعد عامة وبسيطة، أولا نبتعد عن الأشخاص ونقدهم، ثانيًا نقول عن التنظيم إيجابياته وسلبياته بمنتهى الأمانة، نناقش الحالة الوطنية ومدى تقبله فكرة الوطن من عدمه، أن تكون لدينا قدرة على وضع خطة للمراجعة سيان فى الأزهر من خلال الأفكار والكتب أو من خلال السياسات التى تتبعها الدولة مثلا فى التعليم حيث إننا يجب أن ننهى فكرة التلقين التى تجعل الطالب يقبل الفكر الإخوانى المعتمد أيضًا على فكرة التلقين وبذلك تبقى الدولة هيئته لأن ينضم لتلك الجماعة، هذا بالإضافة إلى ضرورة تجديد خطاب الأزهر وتنقية التراث الإسلامى، والتوقف عن الحديث عن فكرة وجود حرب دينية وعداء للإسلام، وأؤكد لك أننا نحتاج الخروج من نطاق المعالجة الأمنية والتهييج الإعلامى إلى حيز مراجعة الأفكار وإحسان صياغة العقل الجمعى العربى والمصرى ليتوافق مع المستقبل ولا يقطع مع الماضى. ■ ماذا لو لم نسع فعليًا لتفكيك الجماعة فكريًا؟ - فى حال عدم تفكيكنا لتلك الأفكار ستظل الجماعة باقية ومستمرة فى المشهد المصرى، وأؤكد لك أنه عند خروج قيادات الإخوان من السجون، بقليل من الجهد، سيعودون إلى صدارة المشهد المصرى مرة أخرى، وسيتوغلون فى المجتمع. ■ هل هذا ممكن فعليًا؟ - بالطبع، فالأصول التى بنى عليها المجتمع المصرى وأفكاره تجعل من الخطاب الدينى عمومًا لا يزال هو المؤثر الأكبر فى شخصية المصرى بل فى شخصية العربى وهذا ما تستغله الإخوان للانتشار وستستغله للعودة. ■ ولكن هل الشعب المصرى قابل لعودة الإخوان مرة أخرى؟ - للأسف نعم، فهناك ميزتان فى الإخوان لا يجب أن نغفلهما، وهما أولا قدرتهم على التعامل مع الناس والتوغل وسطهم من خلال احتياجاتهم وهذا مدخل مجتمعى، ثانيًا الخطاب الفقهى للجماعة، والذى هو غير متشدد بل يمتازون باليسر والوسطية، وأؤكد لك أن هاتين الميزتين كفيلتان بأن تعيدا للجماعة صورة جميلة وطيبة وأكثر قبولًا من أى وقت مضى فى أذهان الناس، وهذا ما أحذر منه وأخشاه. ■ هل الانقسامات الإخوانية الحالية حقيقية أم أكذوبة؟ - لم أتابع، لأن الجماعة نفسها صفحة من الماضى وانتهت، فهى أخذت منى عمرًا طويلًا يزيد على 20 سنة، الأمر الذى جعلنى لم أعد أشغل بالى بتفاصيلهم. ■ أخيرًا بما تنصح شباب الإخوان وما رسالتك لهم؟ - أنا ضد توجيه رسائل لأحد لا يسمعنى، لأنى أعلم أنه تم تشويهى بمجرد ابتعادى خطوة واحدة عن التنظيم حتى لا يستمع إليه أحد، ولو افترضنا أن هناك من يسمع أنصح شباب الإخوان ببساطة العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله قبل السماع لأى مشروع، وأقول للكل واحد فيهم: لا تترك أحدًا يشكل عقلك، يجب ألا تكون موافقًا على ما يصدر من قيادات الإخوان على طول الخط هم بشر يصيبون ويخطئون، يجب أن تنظر إلى هذا التنظيم على أنه سياسي يهدف إلى الوصول إلى سدة الحكم وليس أكثر ولا أبعد من ذلك، فهذه الحقيقة التى لم أكن أصدقها. وأقول لهم أيضًا: يا شباب الإخوان لا تجعلوا الجماعة تخدعكم بأكذوبة الخلافة الإسلامية فلا توجد تلك الخلافة إلا فى خيالاتهم، فالخلافة مجرد نظام سياسى بمنظور إسلامى من الممكن تغييره أو تعديله وفقًا لما تحتاجه الأمة الإسلامية.