المؤكد أن الرئيس السورى بشار الأسد، سيظل الرقم الصعب في مفاوضات السلام السورية التي تجرى في جنيف منذ أكثر من ثلاثة أشهر بين أقطاب المعارضة المتعددة، وأقطاب النظام دون الوصول إلى بارقة أمل تنبئ بقرب التوصل إلى تفاهمات، تكون أرضية مشتركة بين جميع الأطراف المتصارعة على الأرض السورية، للبدء العملى في تنفيذ المرحلة الانتقالية من قبل الراعين لعملية التفاوض بين الولاياتالمتحدةوروسيا أو من المعارضة والنظام عبر الوسيط الأممى المكلف بملف الأزمة السورية من قبل الأممالمتحدة استيفان دى ميستورا الذي أعرب في كثير من تصريحاته الصحفية، عن تخوفه من انهيار المفاوضات غير المباشرة، والتي يبدو أنها تسير في طريق شائك الفائز الوحيد فيه ومنه هو النظام السورى، وعلى رأسه الرئيس بشار الذي بدأ يفرض شروطه وقواعد اللعبة انطلاقًا من دمشق وبمباركة ودعم روسى لا حدود له، وهو ما عبر عنه الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بتأكيده أن بلاده ساهمت في الحيلولة دون تفسخ سوريا ردا على مقولة الرئيس الأمريكى باراك أوباما بأن سوريا تتفكك بسرعة أكبر، خلال اتصال هاتفى جرى بينهما وأن دمشق لا يمكنها التحرك إلى الأمام ما لم تتفق آراء الولاياتالمتحدةوروسيا. جنيف بنسختها الثالثة، رغم كونها محطة ضرورية تسير على طريق ملبد بالغيوم وغبار الحرب التي ما زالت دائرة حتى اللحظة بين قوات النظام والمعارضة المسلحة في سلسلة من الخروقات لوقف إطلاق النار في حرب مجنونة حصدت وما زالت تحصد أرواح المئات من السوريين.. وبرغم الجهود الدولية الساعية إلى حلحلة الأزمة السورية.. فلا يتوهم أحد من السوريين عامة والمفاوضين خاصة بأن الحل آتٍ.. ورغم أهمية المفاوضات وما سبقها من ترتيبات من إدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة، فإن أجواء الحروب المتقطعة في الأراضى السورية تلقى بظلالها القاتمة على أجواء المفاوضات التي لا تقل خطورة عن المعارك إن لم تكن أكثر خطورة بألغامها وأفخاخها السياسية. ورغم ما أعلنه دى ميستورا من أن هناك تقدما متواضعا تم إحرازه ليس على طريق المفاوضات السياسية، بل على طريق المساعدات الإنسانية للسوريين المحاصرين، وإن الحكومة ما زالت تمنع دخول الإمدادات الطبية والجراحية لبعض المناطق، واصفًا ذلك بأنه أمر «غير مقبول». في الوقت الذي تتعرض له المفاوضات السياسية إلى جملة من التعقيدات، تمثلت في إصرار الحكومة السورية على أن مستقبل الرئيس بشار الأسد «خط أحمر» وليس محلًا للنقاش في محادثات السلام للمرة الثالثة، وهو ما أكده كبير مفاوضيه بشار الجعفرى خلال مؤتمر صحفى في جنيف مؤخرا، أكد فيه أن مستقبل الرئيس ليس محل نقاش في محادثات السلام، مما يلقى الضوء على آفاق قاتمة لإحياء مفاوضات تقودها الأممالمتحدة، وأرجأتها المعارضة، وأن الوفد السورى يسعى للاتفاق على حكومة موسعة كحل للأزمة، وهى فكرة رفضتها المعارضة التي تحارب منذ خمس سنوات في سبيل الإطاحة بالأسد، بما يؤكد ثبات موقف دمشق المعلن منذ بداية تلك المفاوضات في ظل استمرار دعمها عسكريًا بقوة من روسيا وإيران. وتسعى دمشق إلى فرض قواعد اللعبة في تلك المفاوضات، بالوصول إلى حكومة وطنية موسعة وفقًا لما صرح به الجعفرى مؤخرا بأنه في «جنيف عندنا ولاية واحدة فقط الوصول إلى حكومة وطنية موسعة.. وهى الهدف الذي نسعى إليه في محادثات جنيف» وأن دى ميستورا على علم بذلك.. وأن دمشق لا يمكن أن تسمح أبدا ببحث مصير الأسد في محادثات السلام وأنه ليس قضية يمكن لأى عملية سلام بدعم الأممالمتحدة مناقشتها.. كما أكد أن «هذه المسألة «الرئاسة» ليست من صلاحية جنيف بل موضوع سورى سورى بحت لا علاقة لأحد به، لا مجلس أمن ولا غير مجلس أمن». المعارضة السورية تقبل بحكم انتقالى يشمل وزراء للأسد فيما جاء موقف المعارضة المشتت وغير المتماسك مغايرا ورافضا للطرح الحكومى السورى بإعلان الهيئة العليا للمفاوضات التي تمثل المعارضة السورية، بوقف المفاوضات مع النظام السورى وتعليق محادثات السلام متهمة النظام بعدم الجدية إزاء المضى قدما في عملية سياسية تدعمها الأممالمتحدة، يقولون إنها ستؤدى إلى تشكيل حكومة انتقالية بسلطات تنفيذية كاملة دون الأسد.. وبرغم الرفض من قبل المعارضة، إلا أنها وتحت ضغط إصرار النظام والدول الراعية، وأهمها روسيا قبلت بمشاركة حكومية سورية في هيئة الحكم الانتقالى، وهو ما أكده المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات أن الهيئة مستعدة للمشاركة في هيئة حكم انتقالى مع أعضاء حاليين من حكومة رئيس النظام السورى بشار الأسد، ولكن ليس الأسد نفسه.. وقال المتحدث سالم المسلط في اليوم الثانى من جولة جديدة من المحادثات في جنيف إن هناك العديد من الأشخاص على الجانب الآخر يمكننا التعامل معهم. فيما أعربت المعارضة السورية عن قلقها من الغموض الأمريكى حيال المرحلة الانتقالية ومستقبل الأسد منها.. وقالت بسمة قضمانى عضو وفد اللجنة العليا للمفاوضات في جنيف إن المعارضة لا تعرف ماذا تناقش الولاياتالمتحدة مع موسكو، مشيرة إلى أنها تنتظر الحصول على تأكيد بأن واشنطن ما زالت على موقفها الرافض لإعادة الاعتبار للأسد، وأنه في حال واصل الروس القول إن الأسد يجب أن يستمر في الحكم، فلن يكون هناك حل في سوريا. كان قرار صادر عن مجلس الأمن الدولى في ديسمبر المضى دعا إلى تأسيس هيئة «حكم موثوق بها وشاملة وغير حزبية» ووضع دستور جديد وإجراء انتخابات حرة ونزيهة في غضون 18 شهرا. فيما تصر دمشق بأنها لن تسمح بأن يكون هناك فراغ دستوري، ويجب ألا تمس مؤسسات الدولة أو الجيش، متهمة المعارضة المدعومة من الغرب بالسعى وراء انهيار البلاد، وتكرار الفوضى التي عمت العراق وليبيا بعد التدخل العسكري الغربي، وأنهم يريدون تكرار تجربة ليبيا والعراق.. معتبرا قرار المعارضة بتعليق مفاوضاتها، سيساعد على حل الصراع في سوريا، وأن «الهيئة العليا للمفاوضات لا تمثل الشعب السورى ورحيلها قد يزيل عقبات أمام التوصل لحل».. وهو ما رفضته الولاياتالمتحدة من تعليقات رئيس وفد النظام السورى، بأنها لا تعتقد أن الطريق الصحيح هو إبعاد المعارضة من هذه المباحثات، وأن العكس صحيح تمامًا.. حيث دعت واشنطن وفد النظام لتفسير ما يعنيه بتشكيل حكومة وحدة وطنية موسعة في سوريا.. بما يشكل أول رد فعل دولى على تعليق المعارضة للمفاوضات وقال البيت الأبيض إنه يتفهم موقف المعارضة السورية الرامى إلى تعليق مشاركتها وأن واشنطن ستبذل جهودها لإعادتها إلى طاولات المفاوضات مع مواصلة الضغط على الطرفين في سوريا لتحقيق الانتقال السياسي وأن إطار مفاوضات سوريا لم يتغير رغم قرار تأجيلها. تخبط أطياف المعارضة السورية المؤكد أن المعارضة السورية رغم تعدد فصائلها ومكوناتها، لا تحمل فيما بينها نسيحا موحدا، وهو ما بدا في تصرفاتها وتصريحاتها المتضاربة، والتي وصفت من قبل الكثير من المحللين والمراقبين، بأنها متخبطة ولا يجمعها موقف موحد في مفاوضات جنيف، التي شهدت جدلا كثيرا حول موقفها من استئناف محادثات السلام مع النظام الحاكم. فمن جانبه يرى المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات السورية رياض حجاب، أن وفد المعارضة السورية لن يواصل التفاوض، وأن الهدنة انتهت وعلى دى ميستورا التوجه لمجلس الأمن مع دعوة المعارضة المسلحة بعدم التوقف عن محاربة بشار الأسد. فيما رأى سالم المسلط، المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات السورية أن المعارضة السورية، لم تعلق مشاركتها في محادثات جنيف، بل أجلتها وأن الوفد باقٍ في جنيف.. أما جورج صبرا أحد أقطاب المعارضة فأعلن في تصريحات صحفية أن محادثات السلام السورية، تأجلت لأجل غير مسمى واستئنافها يعتمد على «تصحيح مسار المفاوضات» والأحداث على الأرض وأنه ليس هناك موعد زمنى للمفاوضات مع تصحيح مسار المفاوضات، وما لم يتم ذلك سيبقى المدى الزمنى لها مفتوحًا». وأعرب أن شكوك المعارضة في الموقف الأمريكى الذي يدفع باستمرار باتجاه أن تبقى المفاوضات قائمة دون أن نتلقى شيئًا حقيقيًا من الوعود الكثيرة داعيًا القوى الدولية إلى إمداد السوريين بما يمكنهم من الدفاع عن أنفسهم. أما كبير المفاوضين السوريين محمد علوش يمثل «فصيل جيش الإسلام المسلح» فيرى أن المعارضة السورية لن تستأنف المحادثات الرسمية بأى حال في ظل التصعيد العسكري، وتدهور الوضع الإنسانى، موضحا أن الهيئة العليا للمفاوضات أعلنت تأجيل مشاركتها في المحادثات مع الحكومة، وأنها تريد مفاوضات حقيقية وليس مفاوضات عبثية. فيما أوضح المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات السورية الدكتور رياض نعسان أغا في تصريحات صحفية طلب الهيئة من دى ميستورا إرجاء المفاوضات، وليس الانسحاب، وأن اتخاذ قرار بتأجيل المفاوضات جاء بعد دراسة مستفيضة، لعدم وجود أي تقدم للمسار الإنسانى، ولما تتعرض له الهدنة من اختراقات وصلت إلى هجوم وحشى من قبل النظام وحلفائه على حلب وحمص والرستن ومناطق أخرى، وأن الهدنة أصبحت في حكم المنتهية. في المقابل قال المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات منذر ماخوس إن المعارضة لم تتلق أي ضمانات لاستئناف المفاوضات، وإن الهيئة لم تقاطع المحادثات، وإنما طالبت بتأجيلها حتى يرضخ النظام لشروط المفاوضات وإن عودة الهيئة للمفاوضات مرهونة بالاستجابة لشروطنا. فيما اعتبر دى ميستورا موقف المعارضة من الانسحاب من المفاوضات السورية «استعراضًا دبلوماسيًا»، مؤكدا أن طرفى التفاوض وافقا على فكرة الانتقال السياسي، وأن المعارضة السورية تصر على هيئة انتقالية والنظام يدعو لحكومة موسعة رغم وجود «فجوة كبيرة» بين طرفى المحادثات في جنيف وأن جميع الأطراف متفقون على أن الانتقال السياسي هو «محور المحادثات في جنيف». معتبرا أن فكرة تشكيل هيئة حكم انتقالى «لم تمت» مع الاستمرار في سماع طرفى التفاوض لتحديد سبل الحل والمتفق عليه هو «الحكم الانتقالي». ولم تتوقف الحكومة السورية من جانبها في السير قدمًا على الأرض سواء عبر تثبيت أركانها في مجمل المواقع والأراضى التي استعادت السيطرة عليها أو من خلال إجراءات سياسية، تمثلت في إجراء انتخابات برلمانية جديدة، إضافة إلى إعلانها أنها ستجرى استفتاء على الدستور، بعد تشكيل حكومة سورية جديدة في أعقاب الانتخابات البرلمانية، وفقا لما «نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية» ولتقطع دمشق الطريق أمام مطالبة المعارضة السورية بإجراء دستور سورى جديد، وتضع الجميع أمام الأمر الواقع، وأنه لا دستور سوى الدستور السورى الذي سيجرى عليه الاستفتاء من قبل السوريين.. وإعلان حكومة جديدة موسعة وفقًا لرؤية النظام السورى وبمشاركة موالين للنظام ومعارضين ومستقلين، وهو ما أكده بشار الجعفرى، استنادا لتصريحات الرئيس الأسد لوسائل إعلام روسية لشرح المقصود ب «الحكومة الموسعة» في الوثيقة التي قدمها الجعفري إلى دى ميستورا ردًا على وثيقة المبادئ ال 12 التي أعلنها المبعوث الدولى في ختام الجولة التفاوضية الماضية في 24 مارس الماضى. كما جاء إعلان المستشارة السياسية والإعلامية بالرئاسة السورية بثينة شعبان، تأكيدها أن الحوار والاتفاقات الداخلية والقضاء على الإرهاب هو السبيل لحل سياسي للحرب المستمرة في البلاد منذ أكثر من خمس سنوات.. وأن بلادها رغم كل الصعوبات تسعى إلى استغلال كل فرصة ممكنة من أجل إنجاح الحل السياسي للأزمة في سوريا من خلال الحوار والمصالحات المحلية ودحر الإرهاب عن سوريا.. فيما تأتى تلك التصريحات في أعقاب انهيار محادثات السلام التي تقودها الأممالمتحدة في جنيف الأسبوع الماضى. يشار إلى أن أعضاء الهيئة التفاوضية العليا للمعارضة السورية كانوا قد تسلموا قبيل مغادرتهم جنيف وثيقة من فريق المنسق الأممى دى ميستورا تضمنت 25 سؤالًا عن «الهيئة الانتقالية» وغطائها الدستورى والقانونى وأدواتها وعلاقة المجلس العسكري بأجهزة الأمن، ومكافحة الإرهاب التي تتمسك المعارضة بتشكيلها في وقت حافظت قوى أخرى على الانخراط في العملية التفاوضية، مع بقاء الوفد الحكومى برئاسة كبير مفاوضى الحكومة السورية بشار الجعفرى في متناول أيدى الفريق الأممى.