ألقت الحرب الأهلية في سوريا، بعد خمس سنوات عجافًا وما زالت تطل برأسها بدخولها العام السادس، بظلالها القاتمة على مصير الدولة السورية والنظام معًا والتداعيات الخطيرة التي تواجههما بحجم ضخم من الخسائر، طالت الجميع كما طالت عائلة الرئيس بشار الأسد وأصابتها في مقتل تفكيكها بل وفقدانها أشخاصًا من العائلة كانو يقومون بإدارة الدولة والحكم منذ زمن بعيد، وحتى الاحتجاجات في منتصف شهر مارس 2011. كما أصيبت الدولة بشبح التقسيم الذي يخيم عليها، ليس فقط بإعلان الاتحاد الديمقراطى الكردى الخميس إنشاء نظام فيدرالى في «أقاليم روج آفا» شمال سوريا، بل منذ إعلان موسكو وترويجها لفكرة مشروع الفيدرالية في سوريا، مروجة لفكرة تقسيم الدولة إلى دويلات علمًا بأن الأكراد يشكلون أكبر أقلية عرقية تعيش في سوريا، وهو ما أثار حفيظة السوريين جميعًا بمن فيهم قطاع كبير من الأكراد المقيمين في دمشق وبعض المحافظات السورية.. فلا حديث للسوريين الآن سوى مسألة الفيدرالية وحقيقة علاقتها بمشروع التقسيم الكبير لسوريا والانتقادات الموجهة لموسكو بدعوتها لمشروع الفيدرالية، واعتبارهم أن سوريا أصبحت حقل تجارب لجميع الفرقاء على الأراضى السورية، بعد تدمير العديد من المدن والقرى في مختلف المحافظات، وتهجير ما يقرب من نصف السكان في الداخل والخارج، وعشرات الآلاف من الضحايا مع هروب شبابها في موجة هجرة لم تشهدها أي دولة في تاريخها. ومع دخول الذكرى السادسة لبدء الثورة السورية فاجأ «الأكراد» السوريين أنفسهم والمفاوضين في جنيف 3 من المعارضة والنظام، وكذا المجتمع الدولى بإعلان قيام الاتحاد الفيدرالى «وحدات حماية الشعب» في أقاليم «روج آفا» وشمال سوريا وتضم عين العرب «كوبانى» و«عفرين» في ريف حلب الشمالى والغربى، ومنطقة الجزيرة في محافظة الحسكة التي تقع تحت سيطرتهم في اجتماع عقد الخميس الماضى في مدينة «الرميلان» بمحافظة الحسكة شمال شرق سوريا، بتشكيل مجلس تأسيسى للنظام ونظام رئاسى مشترك، ضم إضافة إلى الأحزاب الكردية ممثلين عن عشائر عربية وسريان وآشوريين وتركمان وأرمن.. لتتحقق نبوءة موسكو أكثر الداعين والمتحمسين لمشروع الفدرلة سياسيًا وعسكريًا، لتحرك المياه الراكدة في مجرى قديم كان حلمًا للأكراد بدا يتحقق لهم بإدارة الحكم الذاتى.. وبإعلان فدرلة تلك المناطق بوصفها ذات أغلبية كردية بالقرب من الحدود التركية على أن تضم لاحقا مدينة «الرقة» بعد طرد داعش منها بدعم التحالف الدولى.. ويطلق الأكراد على المناطق الخاضعة لسيطرتهم «غرب كردستان» بوصفها مناطق محررة بعد قيام الثورة السورية والإعلان عن إدارتها ذاتيًا عام 2013 في مناطق أهمها «كوبانى» و«عفرين» وتضم أكثر من 50 ألف مقاتل، كان لها الدور الأبرز في تحريرها من تنظيم داعش، والتي لا تخضع لسيطرة النظام السورى، كبادرة للتقسيم والانفصال.. وهو ما أكده صالح مسلم الناطق باسم الوفد المفاوض في المعارضة، في تصريحات صحفية للعديد من الشبكات الإخبارية بانتهاء سيطرة الفرد الواحد، والحكم المركزى الواحد وانطلاق تأسيس سوريا الفيدرالية الديمقراطية، بما يعزز وحدة سوريا على «حد قوله». فيما تشير التقارير إلى أن الأكراد يسيطرون على 51٪ من الأراضى السورية، بدعم التحالف الدولى والولاياتالمتحدة وروسيا غير معلن حتى لا يثير حفيظة الجارة «تركيا» الساعية لتحقيق أحلامها التاريخية في سوريا ورفضها الصارم عدم السماح للأكراد بحكم ذاتى، قد يكون مقدمة للانفصال عن الدولة السورية، بإعلان دولة للأكراد في الشمال على الحدود التركية السورية، وكانت عين العرب «كوبانى» نموذجًا للرفض التركى في السماح للأكراد على الحدود التركية، بعدم تقديم المساعدة أثناء محاولات تنظيم داعش الاستيلاء عليها في حرب على المدينة استغرقت أشهرًا قليلة استطاع الأكراد ووحدة حماية الشعب، طرد تنظيم داعش بعدما دمرت المدينة بالكامل، كونهم يتمددون على معظم الحدود مع تركيا ومن الحدود العراقية حتى منطقة عين العرب. ومن المؤكد أن التصريحات الروسية أعطت الاكراد زخمًا كبيرًا للحراك وهو ما أعرب فيه نائب وزير الخارجية الروسى سيرجى ريابكوف عن أمل بلاده في أن يتوصل المشاركون في المفاوضات السورية بجنيف إلى فكرة إنشاء جمهورية فيدرالية..فيما اعتبر النظام السورى الخطوة الكردية «غير قانونية»، وأن تشكيل النظام الفيدرالى الكردى لن يكون له أي «تأثير سياسي ويخالف الأنظمة والدستور».. فيما يرى مدير المركز الكردى للدراسات نواف خليل أن طرح الأكراد للفيدرالية، يقطع الطريق على خطط تقسيم سوريا. كما أعلنت الولاياتالمتحدة الأربعاء الماضى أنها «لن تعترف بمناطق ذات حكم ذاتى في سوريا، وهو ما أشار إليه المتحدث باسم الخارجية الأمريكية مارك تونر، أن واشنطن لن تعترف بأى إعلان أحادى الجانب بشأن حكم ذاتى أو مناطق شبه مستقلة بسوريا، مؤكدا أن أي تصريح أو إعلان سياسي من طرف أي جهة خارج نطاق مفاوضات جنيف لن تعترف به الولاياتالمتحدة». ومثلما أصابت الحرب الدولة السورية في مقتل، أصابت النظام أيضا في مقتل، بما لحقه من خسائر ضخمة سواء على مستوى العائلة أو على مستقبل النظام ومصيره في أعقاب إعلان موسكو انسحاب معظم قواتها العسكرية من سوريا، بما رآه الكثير من المراقبين تخليًا عن النظام وعن الرئيس الأسد، رغم تجديد الرئيس فلاديمير بوتين دعمه وتأييده للنظام إذا ما استدعت الضرورة ذلك.. أيضا جاءت تصريحات وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف مخيبة لآمال النظام، عندما أضفى على المعارضة السورية في جنيف امتنان موسكو بها، والتي تشكلت في العاصمة السعودية الرياض، لكونها جادة في البحث عن حلول وسط للأزمة السورية، معتبرا أن مجموعة الرياض على خلاف المجموعة التي تشكلت في شهر يناير الماضى، وانضمامها بشكل جاد إلى العملية السياسية.. وهو ما اعتبره بعض المراقبين، مؤشرا على عزلة نظام بشار الأسد وأكثر اقترابًا للرياض. وقد جاءت خسائر النظام الذي استمر في الحكم قرابة الخمسين عامًا مثلت فترة الأب حافظ الأسد الثلاثين عامًا، والابن بشار منذ عام 2000 وحتى الآن، تمكن النظام من بسط سيطرته المطلقة على الدولة السورية عبر أجهزة أمنية متعددة تجاوزت ال 17 جهازًا أمنيًا، إضافة إلى الأجهزة الاستخباراتية المتعددة الوظائف والمهام، في إطار شبكة أمنية معقدة نتيجة التشابك فيما بينها، نسجها الرئيس حافظ الأسد وأمسك بخيوطها كاملة وإدارةا بشكل ملفت للجميع، بل والتحكم في تفاصيل التفاصيل فيها بالشكل الذي تصل إليه جميع المعلومات من مختلف الأجهزة الأمنية رغم تناقض مهامها ووظائفها، الأمر الذي لم تتعرض له الدولة السورية لمطبات أمنية أو أخطار تهدد أمن وسلامة الدولة في نظام وصف من قبل كل المراقبين بأنه نظام أمنى حديدى ليس من الصعب فقط اختراقه بل معرفة كيف يدار ومن أين وإلى أين؟ كان من أبرز الخسائر التي لحقت بأسرة رأس النظام بشكل مباشر خلال السنوات الخمس الأخيرة من عمر الحرب الأهلية، تعرض أفرادها المقربون لعمليات قتل سواء في معارك القتال أو من خلال تفجيرات ضخمة أبرزها عملية تفجير ما سمى بخلية الأزمة التي هزت العاصمة دمشق في انفجار مبنى الأمن القومى في 18 يوليو 2012 من أبرزهم آصف شوكت نائب وزير الدفاع السورى، وصهر بشار الأسد، إضافة إلى مقتل وزير الدفاع داود عبدالله راجحة ورئيس مكتب الأمن القومى هشام بختيار ورئيس خلية الأزمة حسن تركمانى وزير الدفاع الأسبق، ورئيس الأركان، وإصابة وزير الداخلية محمد إبراهيم الشعار الذي نجا من حادث التفجير لينجو مرة أخرى في محاولة ثانية لاغتياله باستهدافه بسيارة مفخخة في 31 ديسمبر 2012 أمام مبنى وزارة الداخلية في كفر سوسة بقلب العاصمة دمشق، بما شكل مرحلة جديدة أكثر فتكًا من الحرب الأهلية السورية سمحت للنظام للتمسك بالسلطة.. علاوة على مصرع قيادات أمنية وعسكرية أبرزهم رئيس شعبة الأمن السياسي العميد رستم غزالة رجل سوريا الشرس في لبنان، وجرى تعيينه في أعقاب انفجار ما يسمى بخلية الأزمة في ظروف غامضة في إبريل 2014 بعد خلافات جرت بينه وبين رفيق شحادة رئيس الأمن وإقالة شحادة على خلفية ذلك الشجار. كما لقي ابن عم بشار الأسد هلال الأسد قائد قوات الدفاع الوطنى مصرعه في اللاذقية خلال اشتباكات جرت في بلدة كسب الحدودية مع تركيا في إبريل 2014 وكان رئيسًا للشرطة العسكرية في الفرقة الرابعة للدفاع وأيضا مصرع قائد المنطقة الوسطى اللواء حسن على عمار مؤخرًا بعد مقتله خلال معارك مع تنظيم داعش بريف حمص، إضافة إلى مقتل المئات من الضباط.