قبل 8 أيام من تبنى مجلس الأمن قرارًا تاريخيًا - تقدمت به الولاياتالمتحدةالأمريكية - يتعلق بالتجاوزات الجنسية التى ارتكبها جنود بعثات حفظ السلام، كانت الأممالمتحدة قد أصدرت تقريرها السنوى حول الاعتداءات الجنسية للبعثات عن العام 2015. وينص القرار الذى اقترحته السفيرة الأمريكية فى الأممالمتحدة، سامنثا باورز، بأنه فى حال اتهام أحد مبعوثى حفظ السلام بانتهاكات وإذا لم تتخذ بلاده تحركاً إزاء ذلك وإذا لم تعلم الأمين العام للأمم المتحدة بالإجراءات التى اتخذتها، فإن الأمين العام يستطيع أن يستبدل جنودا آخرين من دولة أخرى بتلك الفرقة التى ارتكب أحد أفرادها الانتهاك، أى إعادة وحدات بأكملها إلى بلدانها فى حال الاشتباه بحدوث انتهاكات جنسية أو استغلال جنسي، وفى حال لم يتخذ بلد ما أى إجراء ضد جنوده المذنبين، فيمكن استبعاده تمامًا من عمليات حفظ السلام. بحسب تقرير الأممالمتحدة الصادر عن مكتب الأمين العام، بان كى مون، فقد سُجل 99 ادعاءً جديدًا لاستغلال أو اعتداء جنسى بحق موظفيها العام الماضى مقارنة ب80 ادعاء فى 2014، و66 حالة فى 2013. غالبية هذه الادعاءات - 69 ادعاء - تشمل أفرادًا فى 10 بعثات ل«حفظ السلام»، بينما البقية تشمل 30 من أفراد الأممالمتحدة ممن لا يعملون مع البعثات متهمين بالاستغلال أو الاعتداء الجنسي، لم يحدد التقرير جنسياتهم. واعتمدت الأممالمتحدة فى السنوات الأخيرة سياسة جديدة بخصوص العاملين ببعثات حفظ السلام تتمثل فى نشر تقرير سنوى بشأن الاتهامات الموجهة لأفراد هذه البعثات فى أعقاب سلسلة من مزاعم الاغتصاب والاعتداء الجنسى بحق جنود دوليين فى جمهورية إفريقيا الوسطى. وكانت الأممالمتحدة قد كشفت فى وقت سابق عن فضيحة لقوات بعثة حفظ السلام فى إفريقيا الوسطى، إذ تورط عدد من أفرادها فى جرائم استغلال جنسى واغتصاب. بحسب المنظمة فإن 5 من الضحايا كانوا من القاصرين، وتعرضوا للإساءة الجنسية، والمتورطون من جمهورية الكونغو، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وقد تم إخطار الحكومتين بهذه الادعاءات، وطلب منهما البدء فى التحقيقات، مع إعادة 120 جنديًا من جمهورية الكونغو، بين 17 سبتمبر و14 ديسمبر 2015. وكانت هناك مزاعم ضد جنود وأفراد شرطة من بوروندي، وألمانيا، وغانا، والسنغال، ومدغشقر، ورواندا، وجمهورية الكونجو (الكونغو برازافيل)، وبوركينا فاسو، والكاميرون، وتنزانيا، وسلوفاكيا، والنيجر، ومولدوفا، وتوجو، وجنوب إفريقيا، والمغرب، وبنين، ونيجيريا، والجابون، وكندا، والكونغو الديمقراطية. وعلاوة على جمهورية إفريقيا الوسطى شملت الادعاءات بعثات حفظ السلام فى دول مثل هايتي، ومالي، وجمهورية الكونجو الديمقراطية (زائير)، وساحل العاج. ومن أصل 69 اتهاما بحصول اعتداء أو استغلال جنسي، 38 منها (أى 55٪) سجلت لدى اثنتين من مهمات الأممالمتحدة ال16 لحفظ السلام فى العالم: 22 فى إفريقيا الوسطى، و16 فى جمهورية الكونغو. وفى الإجمال، تشمل الاتهامات جنودا أو شرطيين من 21 دولة فى مقدمتها جمهورية الكونغو (7 حالات) والمغرب وجنوب إفريقيا (4 حالات) تليها الكاميرونوالكونغو برازافيل ورواندا وتنزانيا (3 حالات فى كل منها)، بينما سجلت حالتان فى بنين وبوركينا فاسو وبوروندى وكندا والجابون. ومنذ أشهر يواجه جنود حفظ السلام الدوليون اتهامات بارتكاب أعمال اغتصاب واستغلال جنسى خصوصا فى إفريقيا الوسطى حيث نشرت الأممالمتحدة 12 ألف عنصر فى العام 2014. هذه معلومات ضرورية قبل أن نشتبك مع موضوعنا الأساسى. فى الثانى عشر من مارس الجارى كانت السفيرة الأمريكية فى الأممالمتحدة، سامنثا باورز، تتقدم بمشروع قرار لمجلس الأمن يقضى بأنه فى حال اتهام أحد مبعوثى حفظ السلام بانتهاكات و/أو إذا لم تتخذ بلاده تحركاً إزاء ذلك و/أو إذا لم تعلم الأمين العام للأمم المتحدة بالإجراءات التى اتخذتها، فإن الأمين العام يستطيع أن يستبدل جنودا آخرين من دولة أخرى بتلك الفرقة التى ارتكب أحد أفرادها الانتهاك. وفازت مصر بعضوية غير دائمة بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعامى (2016-2017)، بعد تصويت سرى أكتوبر الماضى. ما الذى فعله مندوب مصر فى الأممالمتحدة؟ تقدم السفير عمرو أبو العطا، مندوب مصر الدائم لدى الأممالمتحدة، مشروع قرار بديل للتصويت يقضى بحذف «أو» بما يعنى أنه لا بد من اجتماع الشروط الثلاثة حتى يكون من حق الأمين العام تنفيذ الجزاء المذكور. هل مصر تقف ضد إدانة الاعتداءات الجنسية لقوات حفظ السلام؟ الدبلوماسية المصرية عبرت عن «إدانتها بلا لبس» للانتهاكات الجنسية، لكنها رأت أن القرار يفرض «عقوبة جماعية» على جرائم يرتكبها «بضع عشرات» ممن يخالفون النظام والأعراف أو ينتهكونها. وإذا عدنا إلى تقرير الأممالمتحدة فإنه لا ذكر لتورط أى جندى مصرى مشارك فى بعثات حفظ السلام ب«جرائم الاعتداء الجنسي»، وبالتالى لا مصلحة مصرية مباشرة فى وقف القرار. بحسب السفير المصرى، عمر عبداللطيف أبوالعطا، فإن المقاربة التى يقوم عليها القرار قد يكون لها أثر خطر على معنويات القوات وتلطيخ سمعة بلدان تمد الأممالمتحدة بجنود لقوات حفظ السلام. وكانت 4 بلدان هى روسيا والصين وفنزويلا وأنجولا، دعمت أولاً طلب التعديل المصرى قبل أن تؤيّد المشروع الأمريكى فى نهاية الأمر. إذن هى اختلافات على التفاصيل وليس على القرار ذاته، لا خلاف على مسألة إدانة الاعتداءات الجنسية وإنما على كيفية تطبيق هذا القرار. ماذا حدث بعد ذلك؟ تم التصويت لصالح المشروع الأصلى بواقع 14 صوتا من 15 صوتا هم أعضاء مجلس الأمن، أما مندوب مصر فقرر الامتناع عن التصويت. تبع ذلك هجوم حاد على الموقف المصرى بدعوى أن تورط جنود مصريين فى هذه الاعتداءات وراء القرار، بينما تقرير الأممالمتحدة يحدد الدول المتهمة أصلًا. بعد الجلسة خرجت السفيرة الأمريكية ونشرت «تغريدة» عبر حسابها على «تويتر» تضم أسماء الدول التى كانت تعارض مشروع قرار مواجهة الاعتداءات الجنسية ومن بينها مصر واكتفت بكتابة كلمة SAD وتعنى حزينة. تدخل المتحدث باسم الخارجية المصرى، أحمد أبوزيد، للرد على السفيرة ب«تغريدة» قائلًا: «المحزن حقا هو أن تقوم سفيرة دولة دائمة فى الأممالمتحدة بفرض مشروع قرار يهدف لتحقيق الدعاية والطموح الشخصي». هل من تفسير ل«الطموح الشخصى»؟ وفق «أبوزيد» فإن المندوبة الدائمة للولايات المتحدة «ليست دبلوماسية وجاءت من منظمات حقوقية ولها طموحات مستقبلية معروفة لدى الجميع».