للعام الثالث على التوالى، يشهد معرض القاهرة الدولى للكتاب إقبالا شديدا من الزوار، تحديدا منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011، والإقبال فى ازدياد مستمر.. الأمر نفسه ينطبق على الدورة السابعة والأربعين له.. طوابير طويلة تنتظر الدخول، إلى عالم المعرفة والثقافة، من خلال عالم الكتاب الورقى الحميمى، فبرغم ثورة التكنولوجيا والمعلومات وانتشار الكتاب الإلكترونى، فإنه ما زال للكتاب الورقى عبقه وعشاقه ومريديه، تلك الطوابير ومشاهد الأسر الكاملة التى تصطحب أطفالها فى رحلة سنوية متكررة إلى محراب الثقافة والمعرفة، تعكس سلوك المصريين الحضارى، وبرغم الظروف الاقتصادية المتردية التى يعيشها الشعب المصرى فإنها لم تمنعه من الحج السنوى لأرض المعرض بمدينة نصر ولو من باب «الفسحة». منطق رب العائلة الذى يتخذ من معرض الكتاب مكانا للتفريج عن عائلته لهو فى حد ذاته قمة الحضارة، وبحسب قانون الاحتمالات فلا بد من أن يصاب واحد أو اثنان من أفراد تلك العائلة يوما ما بشغف المعرفة، وهو ما يتشابه كثيرا مع ظاهرة الإقبال على مسارح الدولة أيام الأعياد والمناسبات، وأن يكون المسرح قبلة يستهدفها المصرى ولو من باب النزهة، أو لأن أسعاره متاحة لظرفه الاقتصادى. شهدت دورة هذا العام من معرض القاهرة الدولى للكتاب، زيادة فى الدول المشاركة، حيث بلغت 34 دولة، بواقع 21 دولة عربية وإفريقية و13 دولة أجنبية، منها الصينوروسيا بزيادة 6 دول عن العام الماضى. كما يشارك 850 ناشرا منهم 50 ناشرا أجنبيا، و250 ناشرا عربيا، و550 ناشرا مصريا، بالإضافة إلى 118 كشكا بسور الأزبكية. جاءت دورة هذا العام تحت شعار «الثقافة فى المواجهة»، لتعكس الدور التنويرى للثقافة وصدارتها فى الحرب على الإرهاب والأفكار المتطرفة الظلامية، التى اندلعت نيرانها فى العالم شرقه وغربه، ولم تستثن أحدا من شرورها، وحول المحور الرئيسى للمعرض دارت مناقشة قضايا تضع مفردات الثقافة فى المواجهة، مثل الدولة المدنية والتفكير العلمى والتعليم والتفكير والجامعة والجمال، وذلك من خلال اللقاء الفكرى الذى خصصت له القاعة الرئيسية لتدور فيها اللقاءات الفكرية، والتى شارك فيها نخبة من ألمع الشخصيات الفكرية والعلمية والإبداعية، منهم حلمى النمنم وزير الثقافة الذى شارك فى العديد من اللقاءات الفكرية والمناقشات الثقافية بصفته ككاتب، ومن الصين كل من: يان شان هونج، تشانج وى وى، ووشيايو، وليو جين يون، والبروفسيور وانج آى واى، ومن السودان حيدر إبراهيم، ومن إيطاليا الكاتب كارلو روفايلى، ومن روسيا الكاتب ألكسى فارلاموف، ومن المغرب الكاتب أحمد المدينى، والكاتب مبارك ربيع، والدكتور حسن أوريد، ومن البحرين التى تمثل ضيفة الشرف لدورة هذا العام، الشيخة مى بنت محمد آل خليفة وزيرة الثقافة والآثار بمملكة البحرين، ومن فرنسا الكاتب جان بيير فيليو، ومن تونس شكرى المبخوت، ومن لبنان الكاتب جورج قرم، والسفير الدكتور خالد زيادة، ومن ألمانيا شتيفان جوت، بجانب العديد من المثقفين والمفكرين المصريين والشخصيات الدينية، منها الدكتور حسن حنفى، والدكتور حمدى زقزوق وزير الأوقاف الأسبق، والمهندس هانى عازر، والدكتور جابر نصار، والدكتورة آمنة نصير، والدكتور يحيى الرخاوى، والدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق، وسعيد الكفراوى، وسلوى بكر، ومحمد سلماوى. مظاهر إيجابية لهذا العام من أهم الملامح المشرقة التى شهدتها دورة معرض القاهرة الدولى للكتاب هذا العام، الأعداد الهائلة من الشباب المتطوعين للعمل فى تنظيم المعرض بلا مقابل، خصوصا فى تطبيق «عم أمين» الذى يجرى به العمل للعام الثانى على التوالى، وفرته اللجنة العليا المنطمة للمعرض لإرشاد الزائرين لأى جناح أو صالة عرض، أو الخيم المختلفة التى تعقد فيها الفعاليات واللقاءات الفنية والفكرية والإبداعية. كما سجل المعرض أكبر عدد للزوار على مستوى العالم فى المعارض الدولية ومعارض الكتاب، حيث بلغ عدد زوار المعرض يوم الجمعة الموافق 31 يناير 300 ألف زائر من جملة مليون ونصف المليون زائر للمعرض حتى تاريخ كتابة تلك الكلمات، كما شهدت دور النشر الحكومية التابعة لوزارة الثقافة إقبالا وزحاما شديدين من قبل الزوار، سواء أجنحة المركز القومى للترجمة أو جناح مكتبة الأسرة والهيئة العامة للكتاب، حيث خصص المركز القومى للترجمة خصما وصل إلى 70٪ لطلبة وأساتذة الجامعات، بالإضافة إلى خصم 30٪ للزوار العاديين، كما خصصت هيئة الكتاب خصما وصل إلى 20٪ مع تنوع فى المنتج الثقافى المطروح والعناوين التى تعددت بين العلوم البحتة والعلوم الإنسانية. أما عن اللقاءات الفكرية والمناقشات داخل القاعة الرئيسية التى خصصت بعضها لشخصية المعرض الروائى الراحل جمال الغيطانى، أو المحور الرئيسى للمعرض «الثقافة فى المواجهة»، فقد سجلت انتظاما فى الحضور من قبل الضيوف المحاضرين، بلغت نسبتها 95٪، أما ال5٪ فكانت اعتذارات لظروف طارئة. كما شهد المعرض حتى الآن 300 فعالية ما بين فعاليات فنية وثقافية وفعاليات المقهى الثقافى وفعاليات الأطفال التى شهدت هى الأخرى إقبالا ورواجا كبيرين بين الزائرين، حيث شارك قطاع الفنون التشكيلية بأربعة معارض وورش رسم على الأسفلت، وجرافيتى بجانب ورش الخزف والرسم والمشغولات اليدوية. من الظواهر اللافتة أيضا فى المعرض هذا العام الزحام الشديد فى نسبة حضور ندوة المهندس هانى عازر، للدرجة التى وصلت إلى وقوف حضور الندوة خارج القاعة، لمتابعة الندوة عبر شاشات عرض كبيرة. أما فعاليات مسرح الشارع التى شارك فيها عدد من الهواة والفنانين المستقلين من مسرح الشارع، والتى عرضت على المسرح المكشوف وشهدت تفاعلا ملحوظا من الجمهور ورواد المعرض، وهو ما شهدته الخيمة الفنية التى غاصت بالحضور خلال عرض قدمته أوبرا القاهرة السيمفونى، مما يعكس تعطش الجمهور المصرى للعروض الفنية الراقية حبيسة الأوبرا المتعالية على ذلك الجمهور. أما فيما يتعلق بالشائعات التى تروج عن بطء إجراءات دخول الزوار، أو المعاملة السيئة التى يلاقونها فهى عارية تماما عن الصحة، وهو ما رصدته «البوابة» طوال أيام المعرض، وإن كانت الطوابير تبدو تسير ببطء، نظرا لطولها وكثرة عدد الرواد فى بضعة أيام قليلة لم تزد على الثلاثة أيام، وذلك لقلة توافر البوابات الإلكترونية التى صارت منتشرة فى كل مكان، نظرا للظروف الأمنية، وتحسبا لأى أعمال إرهابية قد تستهدف المعرض، وعندما توجهنا إلى المسئول عن أمن المعرض، أشار إلى عدم وجود بوابات إلكترونية، للاستعانة بها، وفتح عدد أكبر من بوابات المعرض أمام الزائرين. وفيما يخص الهجمة الشرسة على وزير الثقافة، بخصوص عرض كتب شيعية، فهى الهجمة نفسها التى شنت العام الماضى على الدكتور جابر عصفور، تحت دعاوى عرض كتب سيد قطب والقرضاوى، والرد عليها ببساطة بأن الفكرة تواجه بالفكرة، أما المنع فلا يلجأ إليه سوى الديكتاتوريين ممن يفرضون الوجهة الأحادية وكتالوجاتهم على الحياة وعلى البشر. فى سياق متصل، أغلقت إدارة المعرض أربعة أكشاك فى سور الأزبكية، بعدما ثبت بالمحاضر أنها تعرض كتبا مزورة، وتم إصدار قرار بحرمانها من المشاركة فى الدورات القادمة من المعرض، إلا بعد المصالحة مع دور النشر والمؤلفين الذين زورت كتبهم مع دفع حقوق تلك الدور والمؤلفين.