خمسة أشهر مرت على تصريح أشرف سالمان، وزير الاستثمار بتصفية أزمة الأراضى الصناعية بشكل نهائى من خلال فكرة إنشاء بنك للأراضى الخاصة بالاستثمار دون أن يتحقق شيء. وليس أدل على ذلك من تكرار طرح أزمة الأراضى فى كُل مُلتقى للصناعيين خاصة أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة منهم. فى الأسبوع الماضى تحديدًا وفى اجتماع غرفة الصناعات الكيماوية برئاسة الدكتور شريف الجبلى طرح عدد من المُستثمرين استمرار أزمة الأراضى. وناقشت الغرفة شكاوى من بعض المصانع تُفيد تقدمها بطلبات لإنشاء مصانع جديدة أو توسعات صناعية لها، دون الحصول على قرارات تخصيص، فضلًا عن عدم وجود مرافق فى بعض الأراضى المطروحة، وارتفاع أسعارها. الأزمة لا تقتصر على الصناعات الكيماوية، وإنما تمتد لباقى الأنشطة الصناعية، وتؤثر بشكل مُباشر على الاستثمارات الأجنبية التى تفشل فى الحصول على أراضٍ مُرفقة. وليس سرًا أن شركات أجنبية عديدة تخلت عن مشروعات كانت تدرس تنفيذها فى مصر بسبب مشكلة الأراضى. وكان أشرف سالمان، وزير الاستثمار، قد أعلن خلال شهر أكتوبر الماضى عن إنشاء وحدة جديدة لتخصيص الأراضى، وقال الوزير وقتها إنه «سيتم تسمية تلك الوحدة ببنك الأراضى من خلال قيام جميع الجهات التى تتبعها الأراضى فى الدولة بإعداد قاعدة بيانات كاملة عن الأراضى التابعة لولايتها وإرسالها إلى هيئة الاستثمار، والتى ستقوم بعد ذلك بعمل إحصاء للأراضى التى ليس عليها أى تعدد ولاية بين الجهات وتضع قائمة بها. ثم تأتى المرحلة التالية وهى عرض الأراضى على المستثمرين المتقدمين بطلبات لإنشاء مشروعات جديدة ليختار كل مُستثمر المشروع والمكان الذى يريده». والفكرة، رغم تحمس كثير من الاقتصاديين لها، تعثرت مرة أخرى بسبب صراع الجهات والهيئات التى لها حق التخصيص، ما أدى إلى تكرار الشكوى من جانب المُستثمرين المصريين والأجانب على السواء، وهو ما دفع وزيرًا من وزراء المجموعة الاقتصادية، وهو المهندس طارق قابيل، وزير التجارة والصناعة، أن يُصرح باستعداد وزارته التنازل نهائيا عن حق تخصيص الأراضى الصناعية وتوحيد تلك المهمة فى جهة واحدة، إن كان ذلك سيؤدى إلى توفير أراضٍ للمشروعات الجديدة. طبقًا لمُسلسل معروف لدى كُل مُستثمر فإن أى صاحب مشروع جديد يطلب أرضًا فى مدينة ما لإقامة مشروع عليها لا يعرف بشكل قاطع لمن يتقدم، خاصة أن هناك بعض الأراضى تخضع لولاية جهات متعددة فى نفس الوقت. والمعروف أن الجهات التى لها حق الولاية على الأراضى فى مصر هى هيئة التنمية الصناعية، وهيئة التنمية الزراعية، وهيئة المجتمعات العمرانية، وهيئة التنمية السياحية، وهيئة الآثار، والمحليات، والقوات المسلحة. ويضطر المستثمر إلى مخاطبة كل جهة من تلك الجهات منفردة حتى يحصل على شهادة تفيد عدم خضوع قطعة الأرض الخالية لها. وجزء من المُشكلة أن خرائط الأراضى فى مصر غير مكتملة، وهُناك تداخل فى إشراف بعض الجهات على بعض الأراضى ما يؤدى إلى صعوبة شديدة لدى أى مستثمر للحصول على أرض لإقامة مشروعه. وطبقا للدكتور وليد هلال، رئيس جمعية الصناعيين، فإن قضية الأراضى لا تزال أخطر معوق لجذب استثمارات جديدة فى مصر، فهى من جهة نادرة، وغير مرفقة، وتستغرق عملية التخصيص مدى زمنيًا طويلًا. وفى رأيه فإن مقارنة بسيطة بالتيسيرات التى تقدمها الدول العربية الأخرى أو الدول المشجعة للاستثمار تصل إلى حد تخصيص الأراضى بالمجان إن كان الغرض من المشروع صناعيًا، وإن كانت هناك فرص عمل ناتجة عنه. ويقول إنه عانى شخصيا بسبب أزمة الأراضى فى مزاد عام تم خلاله طرح أراضٍ فى عدد من المدن الصناعية الجديدة ضمت بدر والعاشر من رمضان وخليج السويس وبرج العرب وتجاوز عددها 523 قطعة أرض، وكان من الغريب طبقًا لروايته أنه تم طرح 340 قطعة أرض فى مدينة العاشر من رمضان، وفوجئ المتقدمون للحصول على الأراضى لعمل توسعات صناعية بأسماء غريبة لشخصيات مجهولة لا تمت للصناعة بأى صلة يتم إعلان فوزها. والأغرب أن كثيرًا من الذين فازوا فى القرعة كانوا من السيدات اللاتى لا علاقة لهن بأى مشروعات فعلية، وهو ما دفع كثيرًا من المستثمرين للتقدم ببلاغات إلى الجهات الرقابية. ويضيف «هلال» أنه لم يمر أسبوع واحد على إعلان نتيجة قرعة أراضى العاشر حتى فوجئ المستثمرون بالمدينة بسماسرة العقارات يعلنون عن بيع عقود التخصيص الفائزة فى المزاد الأخير بفارق مائة جنيه للمتر الواحد، وبالفعل اضطر كثير من طالبى الأراضى إلى الشراء من السماسرة بأسعار تزيد على الأسعار المعلنة، وهو ما حقق مكاسب مالية ضخمة لأفراد مجهولين. الحكاية تؤكد أن هناك مافيا مُنظمة تتحكم فى عمليات تخصيص الأراضى وتستفيد بشكل كبير من تفرق مسئولية تخصيص الأراضى بين عدة جهات، ويهمها استمرار الوضع الحالى بما عليه من ضعف، وتطفيش للمستثمرين الجادين. المهندس هانى عزالدين، أحد المستثمرين فى مدينة بورسعيد، يرى أن توحيد جهات تخصيص الأراضى فى مصر ضرورة ملزمة، مؤكدًا أن أى مصنع يحقق نموًا ويتقدم بطلبات لعمل توسعات أو إضافة خطوط إنتاج جديدة فى حاجة إلى أراضٍ مُرفقة، وهو أهم حافز للاستثمار. ويرى أن عدم وجود أراضٍ كفيل بتطفيش كثير من أصحاب المشروعات الجادين. ويطالب «عزالدين» بضرورة تقنين عملية تخصيص الأراضى الصناعية وتوفيرها للصناع الجادين من خلال منظومة كاملة. وفى رأى محمود سليمان، رئيس لجنة الاستثمار باتحاد الصناعات، فإن الحكومة مطالبة بتعديلات سريعة وحاسمة لوضع آليات واضحة وبناءة لحل أزمة الأراضى، ويؤكد أن الأراضى الصناعية فى كثير من دول العالم يتم تخصيصها مجانًا بنظام حق انتفاع وتسحب من المستثمرين غير الجادين. ويقول إننا كمستثمرين لا يهمنا جهة تخصيص الأراضى بقدر ما يهمنا توافر أراض بشروط ميسرة وإجراءات سهلة تُحفز المستثمر الجاد على مزيد من التشغيل والإنتاج.