يقفون فى صفوف، مُرتدين زيهم الموحد ل«الكريسماس»، بألوانه الأحمر والأخضر، ينشدون بأصوات عذبة ترانيم وأغانى حفظوها منذ الصغر، تروى الموسيقى قصصا مسيحية تعلموها فى طفولتهم: «منذ القدم فى قرية من أصغر البلاد، قد ولد الطفل يسوع فى ليلة الميلاد».. أغنية ينشدها أحد أعضاء «كورال تسبيح السماء»، الخاص بكنيسة العذراء والأنبا إبرام فى احتفالية يوم رأس السنة. «الكورال» ركن أساسى فى الاحتفالات الكنسية غير الرسمية بالأعياد، يشارك به شباب وبنات، أغلبهم لم يدرس الموسيقى، ولكنهم تعلموا الغناء والعزف داخل الكنيسة، وتقول ميرنا عماد 23 سنة المسئولة الحالية عن الكورال: «علاقتى بالموسيقى بدأت منذ المرحلة الابتدائية، بحب أغنى وأعزف، وانضميت للكورال فى 2007»، وترفض «ميرنا» تصنيف دورها كالمسئول الأول فحسب بقولها: «كل واحد هنا بيعمل اللى يقدر عليه، أنا مهمتى الأولى توزيع وترتيب الأصوات». يستمع الحضور للألحان القبطية وهى الأغنيات غير المعزوفة التى تتلى باللغة القبطية فى القداسات المُقامة تحت إشراف الكهنة، وبصوت الشمامسة، أما ما يقدمه الكورال فيختلف، فهى أغان مسيحية كُتبت أغلبها باللغة العربية وتوارثتها الأجيال فى الكنيسة، ويُنتج كل عام عدداً من الترانيم الجديدة يستمع إليها الشباب ويحفظونها، وتقول ميرنا: «الترانيم هى أغان بتتكلم عن الله أو عن حبه وقدرته وعظمته، وإحنا بنختار الهدف اللى عايزين نقدمه، وعلى أساسه بنختار اللى هنغنيه مع مراعاة إنه يكون مناسبا لأصواتنا». تدريبات مُكثفة فى قاعات الكنيسة وخارجها قبل حفلات العيد، يقول مينا يوسف أحد عازفى الكورال وأعضائه: «إحنا بنقدم 3 عروض أو خدمات أساسية فى عيد الميلاد، وعيد القيامة، وفكرة جديدة من اختيارنا بنقدمها فى الصيف، بالإضافة لمشاركة الكنيسة فى الاحتفالات السنوية، وقبل ده طبعًا بنكثف التدريبات». ويجلس «يوسف» أمام الأورج، يعزف واحدة من الترانيم، وهو يعطى إشارات بيديه لباقى العازفين، وأمامه تقف «ميرنا» تُصحح للمُرنمين ما يقولونه، تفتح فمها وتطلب منهم محاكاة أدائها، تحرك يديها على الأنغام الموسيقية، وتصفق بإيقاع حفظته وأتقنته، فيتبعها الجميع مستمعين لها: «لازم نتدرب على المقاطع الصوتية وتنظيم النفس بشكل مستمر فى البيت لوحدنا، ومع بعض، وكل واحد قبل الحفلة بفترة كافية بياخد تسجيل للترنيمة، ويسمعها كويس قبل ما نقولها سوا»، تقول «ميرنا». فى الكورال وجد الشباب ضالتهم المفقودة، ملاذهم للتعبير عن مواهبهم وآرائهم، دون قيود طالما ما يقدمونه له هدف مسيحى، مينا سامى يدرس الهندسة، ولكنه يهوى الغناء والتأليف، كتب ترنيمته الأولى منذ شهور، ولكن لم يشأ القدر أن تُلحن، وقبل احتفالات أعياد الميلاد، كتب الثانية، وقرر أن يلحنها بنفسه للمرة الأولى، يقول «مينا»: «كنت بفكر إن أكتر رمز فى الكريسماس هو الشجرة، فكتبت تحت شجرة الكريسماس فى الشتا متجمعين، مستنيين سنة جديدة فيها مع المسيح مكملين»، يكثف الشاب تدريباته ويُعدل من كلماته، ولحنه باستمرار حتى وصل لصيغة ترضيه وترضى أعضاء الكورال، فحسب قوله: «أنا بقدم ترانيمى وكلماتى لربنا فمينفعش تكون مش لايقة أو فيها حاجة غلط». الكورال ليس حكرًا على أصحاب الأصوات الغنائية العذبة فحسب، فالكل يقدم ما يستطيع تقديمه، طالما فى إطار الكنيسة، مايكل سامى لا يتقن الغناء، ولا يعرف شيئًا عن الموسيقى، ومع ذلك فهو عضو أساسى فى الفريق، يقول «سامى»: «آخر حاجة كنت أتخيلها إنى أشارك فى كورال، لكن أنا دورى هو تقديم الرسالة الروحية والكلام عن ربنا لأعضاء الفريق فى التدريبات، والربط بين الترانيم بكلمات نثر فى الحفلات عشان نوصل للناس الهدف كاملا»، يشارك «سامى» فى اختيار المواضيع، ولكنه لا يتدخل فى اختيار الترانيم والأغانى. تحمل حفلة الميلاد هذا العام اسم «أبيض غامق»، تحكى «ميرنا» عن ذلك قائلة: «الهدف اللى عايزين نقوله للناس هو القيمة الحقيقة للميلاد أن حياتنا المفروض تكون بيضاء ومنورة طول الوقت، متكونش أبيض غامق»، وفى الخلفية ينشد أعضاء الكورال دعاءهم إلى الله قائلين : «تشفى برحمة القلوب، وتشدد عزم الضعاف، وسنين أكلها الجراد هتعوض عنها أضعاف». لا يعارض الشباب المسيحى انضمام أحد للغناء خارج الكنيسة، ولكن الوضع فى الداخل يختلف تمامًا، تقول «ميرنا»: «أنا مش ضد المشاركة بره لكن مجتليش فرصة، والكورال بالنسبالى إنى بستخدم الموهبة اللى ربنا إدهالى عشان أوصل بيها رسالة أو أشكره بطريقة مختلفة عن المعتاد»، أما مينا مجدى، أحد أعضاء الفريق الذين شاركوا فى حفلات أغان غير مسيحية يقول: «أنا بحب أشارك هنا عشان أتعلم كلمات صلاة جديدة وأدعية أقولها لربنا طول الوقت». ترانيم وأغان مسيحية يتخللها كلمات نثرية أو «تأملات»، كما يُطلق عليها فى الكنيسة، يختمها أعضاء الكورال منشدين: «فى كل عيد ميلاد بنحب نقولكم كل سنة وأنتم طيبين»، فينشد معهم الحضور مصفقًا ومبتهجًا بالفقرة الموسيقية فى احتفال رأس السنة بالكنيسة، تقول «كريستين صابر»، إحدى أعضاء الكورال: «أكتر وقت الخدمة فيه نجحت والناس عجبتها الرسالة، كنا حاسين إننا مش متدربين كويس، لكن دايما ربنا هو اللى بيساعدنا»، مؤكدة ذلك «ميرنا» التى تقول: «كل ما بتظهر صعوبات أكتر، بنحس أكتر إن ربنا بيساعدنا، وده المميز عن الغناء فى أى مكان تانى».