يذكر الكاتب إبراهيم عبدالعزيز فى كتاب «توفيق الحكيم» ورسائله الخاصة قصة مقال كتبه ب5 آلاف جنيه، يقول: حين جلس حسنين هيكل، وكان رئيسا لتحرير الأهرام، ذات يوم مع توفيق الحكيم، وجلال الدين الحمامصى، وكان يومه فى الأهرام أيضا، جاء ذكر إسماعيل.. فقال هيكل للحكيم: «هل تعرف إن ابنك إسماعيل يعزف الموسيقى فى الأندية الليلية؟». قال الحكيم: «إن هذا من عجاب الدهر.. فحين كنت شابا كان أبى وهو قاض يريدنى أن أدرس القانون لأكون قاضيا محترما.. وفعلا دخلت كلية الحقوق، ولكن بعد التخرج وقفت وقلت لأبى: أنا لا أريد أن أكون قاضيا وحين سألنى: وماذا تريد أن تكون؟ لم أستطع أن أقوله له: إننى أريد أن أدرس الفن. لأن كلمة الفن كانت سيئة السمعة. فقلت له: أريد أن أدرس الأدب. واستدركت قبل أن يهاجم الأدب: أريد أن أكون مثل لطفى السيد. لأنى أعرف أن أبى صديقه، ولطفى السيد كان أيضا من دارسى القانون لكن أبى قال لى: وهل أفلح لطفى السيد حتى تختار طريقه؟!». وقال الحكيم لهيكل: «هكذا يعيد التاريخ نفسه، كان أبى يريد منى أن أكون قاضيا، واخترت أنا طريق الفن، وكذلك كنت أريد من ابنى إسماعيل أن يكون مهندسا محترما لكنه اختار طريق الفن على الرغم منى». وسأل هيكل الحكيم: «وهل رأيته وهو يعزف؟». قال له: «وكيف أراه وأنا أنام فى الحادية عشرة مساء، بينما هو يبدأ العزف فى هذا الموعد، ويظل إلى أن يقترب الصباح». وهنا اقترح جلال الدين الحمامصى على توفيق الحكيم أن يذهب إلى الملهى ويشاهد ابنه ويكتب مقالا عنه. وتحمس هيكل للفكرة وأخذ يزينها له، وأخيرا قال له: «هل تعرف كم سأعطيك ثمنا لهذا المقال؟.. سوف أدفع لك خمسة آلاف جنيه». ولم يصدق توفيق الحكيم لأن خمسة آلاف جنيه فى ذلك الوقت من عام 1969 كان مبلغا كبيرا جدا. فقال لهيكل: «وهل معقول أن تدفع خمسة آلاف جنيه فى مقال؟». قال هيكل: «أنا راجل تاجر وعارف كم يستحق هذا المقال». ولم يستطع أن يقاوم إغراء الخمسة آلاف جنيه فى مقال واحد. لكنه قال: «يارب ماذا أقول فى هذا المقال؟ وماذا أفعل؟ وكيف أذهب إلى أندية ليلية؟. وسهل له هيكل المسألة فقال له: «لن تذهب وحدك.. سوف يذهب معك الفنان صلاح طاهر ويوسف إدريس». وبالفعل، ذهب توفيق الحكيم بصبحة صديقيه إلى حدائق «ميدلاند» بمصر الجديدة، وجلس يستمع للمرة الأولى والأخيرة إلى عزف ابنه إسماعيل، الذى كان يراقب آباه ويتأمله، وقد كادت الدموع تظفر من عينيه. وبعده هذه التجربة قال الحكيم لنفسه: «لا قيمة فى مقال أكتبه عن ابنى فلأجعله مقالا عن صراع الأجيال». وإن كان توفيق الحكيم قد نشره بعنوان «تلاقى الأجيال».