قال المهندس أحمد بهاء شعبان، أمين عام الحزب الاشتراكى المصرى، إن الشعب المصرى بنتائج الانتخابات، وبما وجهه من صفعات قاسية لحزب النور، أنهى فكرة الدجل باسم الدين أو التجارة باسم الدين، وتحرر تمامًا من هيمنة وسطوة واغتصاب التيارات المتأسلمة للعقل المصرى طوال القرون الماضية، مشيرًا إلى أن هذا الأمر لا يعنى أن الموضوع تم إنهاؤه تمامًا، وأنه ما زال يحتاج إلى عمل مكثف على مستوى تغيير الخطاب الثقافى والدينى والإعلامى.. وإلى نص الحوار. ■ فى البداية.. كيف تابعت الانتخابات البرلمانية؟ - بداية هذه الانتخابات على درجة بالغة من الأهمية لأنه من المفترض أن نستكمل من خلالها الاستحقاق الثالث من خارطة المستقبل، وننهى هذه الفترة القلقة من تاريخ مصر، وننطلق إلى وضع برامج حقيقية لتطوير المجتمع وحل مشكلاته والتقدم خطوات إلى الأمام. وبالتالى هذه الخطوة مهمة جدًا بصرف النظر عن النتائج، حتى لو كان البرلمان الذى سيأتى معيبًا، وأيًا كان شكل البرلمان فمن المؤكد أن مصر ببرلمان أيًا كانت تحفظاتنا عليه أفضل بكثير من عدم وجود البرلمان، لأن عدم وجوده يعنى بوضوح تركيز السلطة التشريعية فى يد السلطة التنفيذية، وفى كل الحالات مهما كانت درجة ثقتنا فيها الوضع غير مناسب ولا يمكن المراهنة عليه. ■ وماذا عن انخفاض نسبة التصويت؟ - نسبة التصويت فى المرحلة الثانية أعلى نسبيًا من نسبة التصويت فى المرحلة الأولى، لكن هناك ملاحظة كبيرة وقد لاحظها كل المهتمين السياسيين والمحللين أن هناك عزوفا كبيرا من قطاعات فى المجتمع وبالأخص قطاعات الشباب. لا بد وأن ندرك جيدًا أن هناك شرخًا فى العلاقة ما بين الشباب والدولة، بسبب أن الشباب شعر أن حلم التغيير والثورة التى قامت فى 25 يناير قد تم إجهاضه بفعل فاعل، وأن حلم الثورة تم اغتصابه، كما أن هناك تحايلًا على حقه فى التغيير، وتضحياته التى قدمت، بالإضافة إلى عودة الثورة المضادة ومحاولة إعادة النظام الأسبق والترويج له، وهذه الأمور كلها أثرت سلبًا وجعلت الشباب يتخذ موقفًا معارضًا للنظام، وأدار ظهره للعملية الانتخابية ككل، وإلى كل ما يحدث فى مصر. وهذه الفجوة خطورتها أنها تفتح طريقًا أمام القوى المضادة للشعب وجماعات الإرهاب للعب على هذا التناقض واستغلاله، ودفع الشباب للصدام مع الدولة، وهذا أمر لا نريده ونسعى لتجنبه بكل السبل. ■ كيف ترى النخبة السياسية فى المرحلة الحالية؟ - النخبة السياسية الحالية والحياة السياسية المصرية بكاملها غير قادرة على تحمل مسئوليات المجتمع والنهوض بأعباء بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة، وكانت هناك فرصة ذهبية لتجديد دماء هذه النخبة ومدها بروح جديدة من خلال الثورة، وما أفرزته من خلال انفتاحها على قطاعين أساسيين فى المجتمع، قطاع الشباب والمرأة المصرية. ولم يتغير شيء يذكر فى النخبة السياسية عما كانت عليه قبل 25 يناير، بالعكس، حتى أن هذه النخبة افتقدت بعض الكفاءة والتماسك الأخلاقى والسياسى الذى كان قائمًا قبل 25 يناير، والآن انفرط عقد النخبة وتم تقسيمها أو توزيعها على مجموعات مصالح فى الأساس. ■ وماذا عن الأحزاب المدنية؟ - فكرة خلط الدين بالسياسة واستخدام الدعاية الدينية للتدليس على المواطن المصرى سقطت، وقضى عليها بالضربة القاضية فى هذه الانتخابات، فى الحقيقة أنها قد سقطت فى 30 يونيو، وكانت هذه الانتخابات إعلان نهاية سيطرة وهيمنة التيارات الدينية وسقوط فكرة خداع المصريين باسم الدين ولم يعد هذا الأمر مطروحًا. الشعب المصرى بنتائج الانتخابات وبما وجهه من صفعات قاسية لحزب النور أعتقد أنه أنهى فكرة الدجل باسم الدين، لكن هذا الأمر لا يعنى أن الموضوع تم إنهاؤه تماما لأن الأمر ما زال يحتاج إلى عمل مكثف على مستوى تغيير الخطاب الثقافى والدينى والإعلامى. ■ هل يخضع البرلمان المقبل لسيطرة المستقلين؟ - البرلمان المقبل سيكون صراعًا بين كتلتين أساسيتين بينهما توافق فى بعض المناطق والتناقض فى مواضع أخرى، هاتان الكتلتين كتلة الأحزاب الرأسمالية الكبيرة التى دفعت مئات الملايين فى المعركة الانتخابية، وهذه الأحزاب ترى أن الدولة لا بد أن تخرج تماما من العملية الإنتاجية فى المجتمع، وأن تسلم البلد على طبق من فضة للرأسمالية العائدة بقوة لكى تحتل صدارة المشهد، لأن اللى دفع الملايين دى مش جاى يهزر. أما الكتلة الأخرى فهدفها هو تغيير الدستور ومنح الرئيس سلطات أكثر على حساب سلطات البرلمان، كما أنها تريد أن تمرر كل القوانين التى تم طرحها خلال المدة الفائتة، وهذا هو هدفها الأساسى، وأنا أعتقد أن الاتجاهين يدفعان المجتمع إلى أزمة مجتمعية خانقة. بالإضافة إلى أن هناك 70٪ من المصريين تحت حد الفقر، وأغلب المجتمع فقير، هذا المجتمع لن يجد تمثيلًا له فى البرلمان المقبل، وستتسابق الكتل الأساسية فى البرلمان للعمل كمراكز ضغط للدفاع عن مصالح ممثليها، وبالتالى سيغيب فى هذا البرلمان ممثلو الطبقة الشعبية من عمال وفلاحين وفقراء المدن والعاطلين، وهذه كتلة كبيرة لا يمكن إهمالها، وتصورى أن البرلمان بهذا الشكل سيكون جزءًا من المشكلة بدلًا من أن يكون جزءًا من الحل. ■ ماذا عن عودة رموز نظام مبارك فى الانتخابات؟ - قوى الثورة لم تكن منظمة بالقدر الكافى الذى يسمح لها أن تستفيد من نتائج الثورة، وتطور الموقف، فسمحت الأوضاع بتآمر أطراف داخلية وخارجية لدفع الإخوان إلى قمة السلطة لقطع الطريق على الثورة وإجهاضها وتفريغها من مضمونها. كل من نجح من الحزب الوطنى شخصية مستفزة للمجتمع المصرى وكل الرموز التى نجحت باستخدام أموالها شخصيات مستفزة للشعب المصرى. هذا البرلمان سيبدأ بمشكلة كبيرة مع المجتمع إذا لم يعِ بشكل واضح أن وصولهم إلى البرلمان حالة استثنائية واستمرارهم فى احتقار الشعب وامتهانه وتصور القدرة على خداعة قد يؤدى إلى وضع غير محسوب النتائج فى المستقبل. ■ ماذا عن حزبى المصريين الأحرار ومستقبل وطن؟ - حزب المصريين الأحرار حزب واضح التوجهات والتشكيل هو حزب الرأسمالية الكبيرة، الذى يرى أن ما حدث فى مصر من تحولات اقتصادية واجتماعية طوال القرون الماضية يسير باتجاه الاقتصاد الحر «المعولم» أو الاقتصاد الذى يرفض تمامًا أى وجود لسلطة الدولة فى العملية الاقتصادية ويطالب بحرية كاملة، إن هذه التحولات تمهد الأرض لحكم الطبقة الرأسمالية الصريح، بعد أن كانت مشاركتها فى السلطة تتم من خلال بيروقراطية الدولة. أما عن حزب مستقبل وطن فحقيقة يجب أن يدرس فى المعاهد السياسية كيف تفسد السلطة الأجيال الجديدة، وكيف كان يجب ألا تصنع أى سلطة إذا كانت حريصة على المستقبل، ونحن أمام حزب أخطر ما فيه أن رئيسه محمد بدران يظهر فى كل المناسبات فى مقدمة الصفوف، وهذا الحزب كان سيتم قبوله لو اعتمد على الشباب، ولكنه اعتمد على رموز الحزب الوطنى المنحل، ومن الغريب أنه مارس العملية الانتخابية بكل السمات التى نرفضها جميعا ومنها شراء الأصوات والبحث عن أى وسيلة ينجح بها فى الانتخابات، وهذا أمر خطير ومضر للأجيال الجديدة ونموذج سيئ لا يمكن أن يقدم كقدوة للشباب. هذا الطموح مقبول من الشباب وليس مرفوضًا بشرط أن يكون هناك استحقاق وليس لأنه كان رئيسًا لاتحاد طلاب الجمهورية هذا لا يجعله يتقلد منصبًا مثل هذا. ■ دور المال السياسى فى الانتخابات؟ - دوره فى الانتخابات أفضح مما كان يمكن احتماله وسيكون «كعب أخيل» الذى ستوجه عبره السهام إلى البرلمان القادم، لأن الوضع يتطلب برلمانًا يستطيع حشد الإجماع الشعبى من خلف الدولة وهى تخوض معركة حياة أو موت ضد الإرهاب وضد المؤامرات الخارجية والأجنبية، الواقع أن هذا البرلمان بامتياز هو برلمان رجال المال والأعمال، سواء كانوا من الحزب الوطنى أو من الرأسمالية الجديدة أو من المرتزقة، بينما يغيب عن هذا البرلمان ممثلو كل طبقات الشعب الكادحة. ■ دعوات تتردد عن احتمالية حل البرلمان.. كيف تابعتها؟ - هناك شخصيات متربصة بالبرلمان، وهناك قوى كثيرة متوقعة جدا أن هذا البرلمان لن يستمر بسبب مشاكل كثيرة بسبب قانون الانتخابات وقانون تقسيم الدوائر، وفى الانتخابات نفسها، كما أن هناك طعونًا ستقدم وأنا أتمنى ألا يحل هذا البرلمان لكى لا ندخل فى مرحلة جديدة من مراحل عدم الاستقرار السياسى. وانا غير متفائل بسبب إصرار قطاعات من الطبقة الحاكمة على تحدى مشاعر الناس وتصور أن نجاحها فى البرلمان هو تفويض ليها بتحقيق مصالحها المطلقة على حساب المصالح العليا للملايين من أبناء الشعب. ■ ماذا عن رئاسة البرلمان المقبل؟ - سيأتى من خلال الشخصيات الفائزة بعضوية البرلمان وعلى رأسها قائمة فى حب مصر والأحزاب التى فازت بنصيب الأسد فى المقاعد، أتمنى أن يأتى على قمة البرلمان شخصية لديها من الخبرة والمرونة ما يسمح لها بقيادة سفينة البرلمان وسط عواصف عاتية ستهب عليها من كل جانب. ولا أعتقد أن من المفيد أن يُفرض على البرلمان رئيس من خارجه لأن هذا الأمر قد يؤدى إلى حدوث مشكلات كبيرة ويصعب السيطرة عليها، وإلى الآن لا أرى حتى هذه اللحظة من العناصر صاحبة الصوت الجهور من يصلح أن يكون رئيسًا له، وإن كنت أتمنى أن يكون هناك من يملك قيادة هذا البرلمان فى هذه المرحلة العصيبة حتى يخرج به فى التحديات القادمة بأقل الخسائر فى المستقبل. ■ وماذا عن دعوات تعديل الدستور كيف تقيمها؟ - أنا أرفض تماما هذا الأمر هذا الدستور لم يطبق لكى نسعى إلى تعديله، فهو إلى الآن حبر على ورق، مطلوب الآن تفعيل بنود هذا الدستور واختباره فى الواقع وبناء عليه من الممكن بعد فترة مناقشة ما يحتاج إلى تعديل أو تصويب أو تعميق من الاقتراحات. أما اقتراح تعديل الدستور فيفتح الباب أم الصراعات السياسية والاجتماعية ويدفع البلاد إلى حرب ضارية بين الأطراف، ويهدد ببناء دولة استبدادية قائمة على العبث بالدستور، الذى هو أرقى الوثائق بالمجتمع بدلًا من الحفاظ عليها. ■ كيف ترى مستقبل اليسار فى مصر؟ - اليسار المصرى فى مرحلة دقيقة جدًا من وجوده، ولديه فرص ضخمة جدا، وأمامه تحديات كبيرة للغاية، الفرص تأتى من أن المجتمع يعانى من أزمات اجتماعية وسياسية واقتصادية شرسة جدا على كل المستويات وهذا يمنح اليسار المصرى الفرصة لتفاعل إيجابى مع الشعب لمحاولة حل هذه المشكلات. ■ ماذا عن تقييمك لحكومة المهندس شريف إسماعيل؟ وهل كنت تؤيد إقالة حكومة محلب وتشكيل حكومة جديدة فى الظروف الحالية؟ - لا أحبذ تشكيل حكومة جديدة لأنه من المنطقى أنه بعد البرلمان سيتم تشكيل حكومة جديدة، وكنت أرى أنه كان يتوجب الانتظار لحين بدء جلسات البرلمان ولا يوجد اختلاف بين الوزارة الجديدة والقديمة ولا يوجد تغير كيفى فى العمل، والوزارة الحالية منزوعة السياسة وهى أقرب ما تكون سكرتارية للرئيس. ■ كيف ترى مسار العلاقات المصرية - الأمريكية حاليا؟ - مما لا شك فيه أن الولاياتالمتحدةالأمريكية غير راضية عن الخطوط التى تتحرك فيها الدبلوماسية المصرية فى الفترة الأخيرة، وبالأخص اقترابها من روسيا ومن الصين، وغير راضية أساسًا عن إسقاط دولة الإخوان، وهو الأمر الذى أدى إلى توتر فى العلاقات، سقوط الإخوان هو سقوط المشروع الأمريكى فى المنطقة.