قال المدير العام لمركز القدس للدراسات السياسية في الأردن عريب الرنتاوي اليوم السبت إن الجغرافيا والتاريخ فرضت على المملكة وضعا فريدا جعلها في بؤرة الأزمات المشتعلة والتى تحيط بها من الجهات الأربع ولكل منها تداعياتها وآثارها السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية على البلاد واستقراره وهويته ورفاه أبنائه". وأضاف الرنتاوي في كلمة ألقاها أمام مؤتمر (الأردن في بيئة إقليمية متغيرة..سيناريوهات المرحلة المقبلة) الذي نظمه مركز القدس بالتعاون مع جامعة العلوم التطبيقية اليوم السبت بعمان ويستمر لمدة 3 أيام أن مبادرة تنظيم هذا المؤتمر نبعت من اشتداد حدة وخطورة التطورات التي تعيشها المنطقة والتي تنذر بعدة تهديدات أبرزها الانقسام والتقسيم وتفاقم التهديد المتأسس على تفشي التطرف والغلو والإرهاب وحروب الطوائف والمذاهب في منطقة اشتهرت تاريخيا بكونها مهدا للديانات والرسالات السماوية". وأردف قائلا "على حدودنا الغربية مع فلسطين (أم القضايا العربية ومحورها تاريخيا) تبدو الصورة شديدة الصعوبة والتعقيد ، حيث تزداد دولة الاحتلال والاستيطان والعنصرية شراسة في الإطباق على أرض الفلسطينيين وحقوقهم ومقدساتهم ويتفاقم انزياح مجتمع المستوطنين نحو عنصرية يمينية استئصالية ويتعزز يوما بعد آخر نفوذ وتأثير قوى اليمين القومي والديني ويتخذ منحى إلغائيا يتهدد البقية الباقية من أرض الفلسطينيين وحقوقهم وإرثهم وذاكرتهم كما يتهدد بصورة لا تقل خطورة الأردن وطنا وكيانا وهوية ومصالح حيوية". وشدد الرنتاوي على أن ما يجري اليوم في القدس والأقصى والمقدسات ليس سوى تجسيدا سافرا لتنكر دولة الاحتلال والاستيطان والعدوان لكل المعاهدات والمواثيق..لافتا إلى أن الانقسام الفلسطيني الذي أكمل أعوامه الثمانية العجاف يبدو مرشحا للاستطالة والتمديد من دون أن تلوح في النفق الطويل بارقة أمل بنهاية الانقسام لا بل أن التطورات الأخيرة ترجح احتمال المضي في تكريسه. وقال "إن التهدئة المستدامة التي تسعى أطراف إقليمية ودولية لإنجازها بين حماس وإسرائيل يراد لها وبها أن تؤسس لاستمرار الانفصال والتباعد بين شطري الوطن المحتل والمحاصر .. كما يراد لها من قبل بعض الأطراف إعادة تأهيل حماس وتعميم تجربة حكمها على الضفة الغربية من ضمن مشروع إقليمي لم تعد عناصره خافية على أحد". أما على الحدود الشمالية مع سوريا قال الرنتاوي "إنه وبعد سنوات خمس عجاف من الحرب في سوريا ، أدارت خلالها الدبلوماسية هذا الملف بكثير من الحذر والتوازن فرضته حالة الاستقطاب القصوى التي عاشتها المنطقة وتعيشها فكانت بحق دبلوماسية في حقل من الألغام غلب على أدائها الطابع الوقائي والاستباقي ومن ضمن رؤية واضحة تضع محاربة الإرهاب في صدارة الأولويات وتعظم خيارات الحل السياسي وحفظ مؤسسات الدولة السورية برغم الضغوط متعددة الاتجاهات والأهداف والأجندات التي تعرض لها صانع القرار في الدولة الأردنية". وأضاف "أننا مازلنا في قلب دائرة الخطر والتهديد ، فسوريا تحولت إلى ملعب وساحة آمنة لكل جماعات الإرهاب والتطرف ، والحروب المتنقلة الدائرة على أرضها وألحقت أفدح الضرر بالبشر والشجر والجحر، ويتواجد على الرقعة الأردنية ما يقرب من مليون ونصف المليون سوري .. كما أن الجهود الرامية لإنجاز حل سياسي لسوريا مازالت تواجه الكثير من المصاعب والعراقيل". وتابع الرنتاوي "أما على حدودنا الشرقية، فإن الوضع في العراق مازال يبعث على القلق، لأن تنظيم داعش الإرهابي يسيطر على نصف بلاد الرافدين بل ولأن النصف الأخر من تلك البلاد يدار بالأزمات بعد أن أثبت نظام المحاصصة الطائفية عجزا مطلقا في حماية أمن البلاد والمواطنين وتوفير الخدمات الأساسية ومحاربة الفساد المستشري وبناء توافقات وطنية عريضة حول قواعد اللعبة السياسية، الأمر الذي جعل من هذا البلد نهبا للأطماع والتدخلات الإقليمية الضارة وبصورة هددت وتهدد وحدته وسيادته وسلامة حدوده". وأشار إلى أن الأردن ساند العملية السياسية التي انطلقت في العراق بعد العام 2003، وشجع الحكومات العراقية المتعاقبة للعمل على تجاوز حالة التهميش التي تعرض لها المكون العربي السني ، وأبدى حرصا شديدا على تطوير علاقاته مع مختلف المكونات العراقية من موقع الإدراك التام بأن مصالحه في العراق لا يمكن حفظها أو تطويرها إلا بالانفتاح على الجميع وتطوير أوثق العلاقات مع مؤسسات الدولة والمجتمع العراقيين. وحول إيران ، قال الرنتاوي إن إيران جارة الأمة العربية وشريكتها في صياغة تاريخ هذه المنطقة وحضارتها ، تقف اليوم على عتبات لحظة تاريخية فارقة سيكون لها ما بعدها، بعد أن أنجزت اتفاقا مع المجتمع الدولي حول برنامجها النووي..مضيفا "وإننا كما الكثيرين غيرنا في هذه المنطقة ، نتطلع لطي صفحة من الخلاف والاختلاف ، وفتح صفحة للأمن والتعاون بين دول الإقليم". وفيما يتعلق بالحرب على التطرف والإرهاب..قال مدير مركز القدس "إنها حربنا جميعا ومازلنا نخوض معاركها الأولى فقط ..وإذا كان الأردن قد انخرط مبكرا في ساحات القتال ضد داعش والإرهاب أو انهمك في حروب جانبية إلا أن الأداء على المستوى الداخلي ما زال متلعثما ومترددا" ،وإذا كان الشباب هم وقود الجماعات الإرهابية المتطرفة وأدواتها لنشر الموت والفكر الظلامي فإن كسب المعركة عليهم (الشباب) هي المهمة الأولى بالرعاية من قبلنا دولة ومجتمع".