اشتراك 1000 متسابقة مع «بنات الأحواش» لاختيار 50 منهن لجنة تحكيم من فنانين وشخصيات عامة والجائزة «سكن مناسب» مشتركات ل«البوابة»: «طوق نجاة» للخروج من «جيرة الجثث» من رحم الموت تولد الحياة، ومن بين رفات الجثث تنبعث الفرحة.. هكذا كان المشهد الواقعى الذى عشناه بكل تفاصيله، تلك التفاصيل التى استعصت على خيال كتاب السيناريو وصناع الدراما، القصة فى مجملها قائمة على التناقض.. مسابقة لملكة جمال ساكنى المقابر. يبدأ المشهد من لحظة السعادة الغامرة التى رأيناها فى عيون أولئك البسطاء الذين لم يتخيلوا أننا جئنا لنشاركهم فرحتهم وننقل صوتهم إلى سكان الفيلات والقصور، هو مشهد إنسانى بامتياز، صاغته أذهان مجموعة من الشباب القائمين على حملة «مين بيحب مصر» الذين فكروا فى تنظيم مسابقة لملكات جمال سكان القبور، كنوع من المشاركة ومحاولة لإدخال البهجة على قلوبهم ولو للحظات. قد يكون الرقم صادما لبعضنا لكنها الحقيقة، يبلغ عدد سكان القبور نحو 6 ملايين نفس، يعيشون حياة أقل من عادية، بعد أن تحولت المناطق التى يقطنون بها إلى بؤر إجرامية تهدد أمن المناطق المجاورة، وربما كان هذا سببا فى أن تهدف الحملة للتنبيه إلى خطورة سكنى القبور، والدعوة إلى القضاء على ظاهرة العشوائيات فى مصر. سيتم اختيار الفائزة من بين الفتيات المشاركات بناءً على مستوى تعليمها وثقافتها وقدرتها على تحدى ظروف المعيشة القاسية، فسكان المقابر يتراوح متوسط إنجابهم ما بين 7 و 10 أطفال، لأنهم يستخدمونهم كمصدر للرزق عن طريق التسول أو العمل بالمهن الحرفية، الأمر الذى يجعل فرص حصولهم على تعليم مناسب وظروف معيشة جيدة ضئيلة جدا، وهنا يأتى التحدى فى اختيار الفتاة المناسبة. الناس هنا تجبرهم الظروف على أن يتزوجوا من أقاربهم، وذلك لخجل الفتيات من الإشارة إلى مكان سكنهن أو عناوين بيوتهن، مما يقلل فرص الزواج بشخص من خارج الأحواش، أما فيما بينهم فهم دائما يشيرون إلى المنطقة التى يقع فيها الحوش، حتى يتمكنوا من تكوين صداقات وعلاقات قوية، شبكة العلاقات فى عالمهم الخاص رغم قسوتها إلا أنها أرحم كثيرا من نظرة احتقار فى عيني شخص يأتى من خارج هذا العالم. خلال زيارة «البوابة» إلى المقابر بمنطقة سيدى جلال بالدراسة، لاحظنا أن كل «حوش» عبارة عن مقبرة كبيرة لها باب تضم حجرة دفن خاصة بأفرادها وفناء، وطرقنا أحد أبواب الأحواش لمقابلة الفتيات المشاركات فى المسابقة. الاشتراك فى مسابقة كتلك ليس نوعا من الترف كما قد يتصور البعض والتفسير عند «بدرية»، 20 عاما، وهى إحدى المشاركات فى المسابقة تقول: «أنا حاصلة على دبلوم فنى وأعيش مع والدتى داخل إحدي المقابر، حيث انفصلت عن أبى وأنا صغيرة»، مضيفة: «لم أخبر خطيبى بأنى أعيش بين المقابر حتى لا يسخر منى أو يعايرنى فى المستقبل، فهو يفهم أننى أعيش مع خالتى فى منطقة دار السلام». وأشارت «بدرية»، إلى أنها شاركت فى المسابقة بعد أن سمعت عنها من خلال الحملة، فالمسابقة بالنسبة لها ليست للرفاهية، بل تعتبر طوق نجاة من الواقع المرير الذى تعيشه بين المقابر: «نحن أحياء أموات ونعيش مع الخوف والفقر، فطبيعة الحياة فى الحوش لا تمنحنى حق الخروج نهارا أو ليلا نظرا لانتشار البلطجية ومتعاطى المخدرات والمتسولين واللصوص فى المكان باستمرار». فى ظل ظروف كهذه ما الذى يدفع فتاة لأن تتعلم فى ظل المصير المحتوم؟ الإجابة جاءت على لسان «آية»، 14 عاما والتى تسكن على مقربة من مسكن «بدرية» فى منطقة «الحلبى» وهى تعيش مع والدتها المطلقة وأخت أصغر منها بالصف الثانى الابتدائى، وأخ عمره 5 أعوام. تقول آية: «أتمنى الفوز فى المسابقة لإكمال تعليمى وأدرس التمريض لأعمل وأستطيع إخراج أسرتى من الخنقة والحبسة إلى مكان آدمى، وأن يصبح جيراننا من الأحياء»، مضيفة: «حتى الآن زملائى فى المدرسة لا يعرفون محل سكنى ولا أستطيع إخبارهم أنى أسكن بجانب الأموات». تم اختيار «أسماء عاطف عبدالله» من قرية الحصانة التابعة لمركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية كضيف شرف فى مسابقة ملكة جمال البساطة، وجاء الاختيار لتكريمها عن رحلة كفاحها، حيث تحملت مسئولية الأب والأم منذ المرحلة الإعدادية حيث توفيت والدتها فى عام 2009 أثر إصابتها بالسرطان. وفى محاولة من الأب – سائق بشركة المقاولون العرب - مساعدة أسرته، طلب الحصول على إجازة من العمل للسفر للخارج لتوفير احتياجات أسرته، واضطر للعودة مجددا لظروف صحية، ووجد أن الشركة فصلته لعدم دفعه الضرائب المستحقة عليه. تحملت «أسماء» وهى الابنة الوسطى فى تربية إخوتها حتى تخرج شقيقها فى كلية الهندسة فى العام الماضى بتقدير جيد جدا، وتكمل الآن المسيرة مع أختها الصغرى أميرة بالفرقة الأولى بكلية الصيدلة، وأخيها الأصغر «محمد» الطالب بالمرحلة الثانوية، فقد كانت أسماء تعمل ليل نهار لرعاية إخوتها الثلاثة إلى جانب دراستها بكلية التربية، فبالرغم لترتيبها الأوسط بين أشقائها فهى تعتبر الأب والأم. جاءت الفرصة ل«فاطمة محمد سيد على» التى تبلغ من العمر 13 عامًا فى الصف الأول الإعدادى وهى إحدى المشتركات فى المسابقة لتروى قصتها فقالت: «أريد أن أساعد أبى الذى أراه يعمل ليلا ونهارا، لكى يكفى احتياجاتنا، وعندما أنظر إلى عينيه ألاحظ عليه علامات الحزن وكأنه يقول لى أنا وإخوتى: سامحونى فلم أعد أعرف أن ألبى لكم أقل احتياجاتكم، وهو العيش فى مكان آدمى لكى تنعموا فيه». وتضيف: «قررت أن أشارك فى مسابقة ملكات جمال المقابر، كى أثبت للناس أننى أفخر بكونى ابنة هذا الرجل الذى يعود كل يوم من عمله متعبا من أجل توفير الراحة لنا». وبالرغم من صغر سن هذه الفتاة التى كنا نتحدث إليها، وكأنها سيدة فلا يصدق أحد أن مثل هذا الكلام يخرج من طفلة لا يتجاوز عمرها 13 عاما ولكن ظروف الحياة التى تعيشها هى التي جعلتها تتكلم بهذه الطريقة، فكل عام يمر على سكان المقابر وكأنه ب5 أعوام. من جانبه، يقول الحسين حسان، مؤسس الحملة: جاءتنى الفكرة لتخفيف الأعباء عن سكان المقابر، ولكى ندخل الفرحة إلى قلوبهم، وذلك بعمل مسابقة لاختيار ملكة جمال المقابر، والتى ترشح لها 1000 متسابقة من قاطنى المقابر لمختلف المحافظات، وفى النهاية سنقوم باختيار 50 متسابقة وذلك من خلال حفل كبير، يضم جميع المتسابقات تحت إشراف لجنة تحكيم لاختيار الأنسب للفوز بالمسابقة والأغلبية العظمى من المتسابقات من قاطنى مقابر (باب النصر-المجاورين-الإمام الشافعي-الخفير). وأضاف حسان، أن لجنة التحكيم تضم مجموعة من الفنانين والشخصيات البارزة فى المجتمع، مشيرا إلى أنه تم عقد اجتماع مغلق لبحث تنظيم المسابقة التى ستنعقد فى شرم الشيخ، مضيفا أن الفائزين فى مسابقة ملكة جمال المقابر سوف يوفر لها سكن مناسب من خلال التنسيق مع بعض من الشركات الكبرى ورجال الأعمال الذين رحبوا بهذه الفكرة والتعاون مع سكان العشوائيات، وخصوصا سكان المقابر وسوف تشترك «البوابة» معهم فى فرحتهم فى اختيار ملكات جمال المقابر وتنقل للناس هذا الحدث الذى قد يخفف بعضًا من معاناة سكان هذه المناطق.