قال الدكتور عبد الرحيم ريحان، مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بوجه بحري وسيناء في وزارة الآثار، أن قناة السويس الجديدة تعيد لمصر مكانتها كمركز وملتقى لثقافات وحضارات العالم. وأكد ريحان أن كتابات المفكر والفيلسوف المصري الراحل جمال حمدان ترصد ملامح شخصية مصر، موضحا أن مصر قلب العالم العربى وتقع واسط العالم الإسلايى وحجر الزاوية في العالم الإفريقي. وأوضح ريحان أن مصر أمة وسطا بكل معنى الكلمة في الموقع والدور الحضارى والتاريخى والسياسة والحرب والنظرة والتفكير ووسطا بين خطوط الطول والعرض وبين المناطق الطبيعية وأقاليم الإنتاج بين القارات والمحيطات حتى بين الأجناس والسلالات والحضارات والثقافات فهى حلقة الوصل بين المشرق والمغرب. وأشار ريحان، في تصريح صحفي اليوم الجمعة، إلى أن كتابات العالم جمال حمدان أوضحت أن البعد الإفريقى لمصر مصدر الحياة والماء والسكان، والبعد الآسيوى مصدرالدين والحضارة والثقافة، ومثلت سيناء جسرا بريا إلى آسيا هيأته الطبيعة بكثبانها الرملية وبما تختزنه من مياه الأمطار. وقال إنه لذلك أصبحت سيناء المدخل الشرقى لمصر ومفتاحها الأم ودخلت مصر عن طريق شريط سيناء الشمالي من ناحية ووادي الحمامات من ناحية أخرى في دائرة الحلقة السعيدة وهى تلك الحلقة من الأراضي الخصبة أوالأكثر غنى التي تحيط بالجزيرة العربية تلك الحلقة التي كانت تجرى فيها تيارات التاريخ والحياة بلا انقطاع. وأضاف أن مصر كانت قطبا أساسيا في أقطاب هذه الدائرة ولهذا كانت تقف على بوابة أفريقيا وتنظر إلى نافذة آسيا ويعتبر الإطار العربى لمصر هو خامة الجسم وكيان جوهر في ذاته والبعد المتوسطي لمصر تمثل في علاقات مصر القديمة الحضارية والتجارية بكريت المينوية ثم باليونان وروما. وتابع أن مصر رأس مثلث الأديان باعتبارها طرفًا في قصة التوحيد بفصولها الثلاثة فمواطن الأديان التوحيدية في سيناء وفلسطين والحجاز ترسم فيما بينها مثلثًا قاعدته في سيناء التي كانت لنبى الله موسى عليه السلام قاعدة ومنطلقًا ولنبى الله عيسى عليه السلام ملجأً وملاذًا وكانت لخير البشرية محمد عليه الصلاة والسلام هدية ومودة. وأكد أن مصر هي بوابة أفريقيا منذ رحلات قدماء المصريين إلى بلاد بنت وهى في رأى الكثير من الباحثين تشمل المناطق الأفريقية والآسيوية المحيطة بباب المندب وعلى محور الصحراء الكبرى وجدت أدلة على المؤثرات الحضارية المادية والثقافية بين بعض قبائل نيجيريا وغرب إأفريقيا وبين القبائل النيلوتية في أعالى النيل. وأشار ريحان إلى محور شمال أفريقيا، حيث دخلت مصر مع الليبيين في احتكاك بعيد المدى وامتد النفوذ السياسي المصرى إلى برقة أيام البطالسة والعرب وكانت مصر بوابة التعريب بالنسبة للمغرب العربي كله، وتواترت العلاقات المتبادلة في العصور الوسطى والذي أسهم في ازدهارها طريق الحج إلى مكةالمكرمة وانتشرت على طول الساحل الشمالي الغربي لمصر، وقلب الدلتا الأضرحة التي تشكّل جزءًا لا يتجزء في الوجدان المصري، ومنها كما هو معروف سيدى برانى وسيدى المرسي أبو العباس والسيد البدوى ويؤكد هذه العلاقة التي وصلت إلى قمتها قيام الدولة الفاطمية في مصر. وعن البعد المتوسطى لمصر، أوضح ريحان، أن الإسكندرية ودمياط ارتبطت مع موانئ البندقية وجنوة وبيزا بعلاقات تجارية وامتد بينهم جسر بحري وفى العصر المملوكى كانت الإسكندرية والقاهرة موطنًا دائمًا لتجار نشطين من تجار المدن الإيطالية، وبالمثل كانت علاقات مصر مع بلاد الشام عن طريق البحر المتوسط، وفى العصر العثمانى انتقل كثير من مهاجري سواحل البلقان واليونان وألبانيا إلى مصر وأقاموا بها ومنهم الإنكشارية، والألبان وبقيت أسماؤهم المعرّبة تكشف عن أصلهم أحيانًا مثل الدرملى من مدينة دراما والجريتلى من كريت والأزميرلى من أزمير، والمرعشلى (مرعش) والخربوطلى (خربوط) ثم جاءت قناة السويس فأعادت تأكيد البعد المتوسطى في كيان مصر. وتأتى قناة السويس الجديدة لتعيد كل هذا التواصل الحضارى وتعيد لمصر مكانتها كمركز وملتقى لثقافات وحضارات العالم.