فى مايو 2014، ظهرت مجموعة من طلاب إحدى جامعات إندونيسيا يرتلون آيات من القرآن الكريم، خلال حفل تخرجهم، الأمر عادى، ويحدث سنويا فى مختلف جامعات البلدان الإسلامية، لكن المختلف هذه المرة أن «التلاوة» كانت مصحوبة باستخدام آلات موسيقية، ما أثار تساؤلاً حول جواز «تلحين القرآن وغنائه»، واستدعى عرض نماذج من التاريخ عن مقرئين وشيوخ بدأوا حياتهم مطربين وموسيقيين. نبدأ من عند الشيخ طه الفشنى، ذلك القارئ الذى استطاع توظيف وتطويع «المقامات الموسيقية» المختلفة فى قراءة القرآن وإنشاد التراتيل. بمجرد تركه قريته بمركز «الفشن» ومجيئه إلى القاهرة، التقطته بعض شركات الأسطوانات الأجنبية، واتفقت معه على تسجيل وإنتاج بعض الأغانى التى كان يطلق عليها آنذاك «طقاطيق». وبالفعل، سجل «الفشني» أسطوانتين، زخرتا بمجموعة من «الطقاطيق» الغنائية، كما روى مؤرخو «دولة التلاوة» مشاركته فى إحياء حفل زواج الملك فاروق بالغناء، بجانب كوكب الشرق أم كلثوم، وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب. ورغم أن النزعة الدينية غلبت «طربه»، وآثر الابتعاد متجهًا إلى الإنشاد وقراءة القرآن، إلا أن ذلك لم يمنعه من التعامل مع موسيقيين كبار هم: «درويش الحريري، إسماعيل سكر، سيد شطا، مرسى الحريري، محمد عبدالوهاب»، بجانب زكريا أحمد الذى كان ضمن أحد أفراد بطانته للإنشاد، ولحن له عدة قصائد دينية أهمها: «ما شممت الورد إلا زادنى شوقا إليك». قديما لحن القارئ الشيخ «حسن المناخلي» قصيدتين، قيل إنهما من أجمل ما تم إبداعه بمكتبة الموسيقى الشرقية، هما: «يا قوتى الشفتين فالج السنتين، كالبدر ليلة التمام»، وفى فلسطين حاصرت مجموعة من الجنود الإنجليز الشيخ كامل يوسف البهتيمى عام 1944، وطلبوا منه الغناء ظنا منهم أنه مطرب، رفض فى بادئ الأمر، ومع تهديدهم إياه لبى طلبهم وغنى لهم حتى تركوه. الشيخ أحمد ندا أول من التفت لموهبة أم كلثوم، وتوقع شهرتها الواسعة، وكان يطرب لصوتها، وهى لم تخف إعجابها بطريقة تلاوته للقرآن، بل أحيت حفل زفاف ابنه دون مقابل، كما كان الشيخ محمود على البنا ملمًا بفنون الموسيقى، وأدى عددا من الموشحات القديمة عازفا على العود، وكان يرى ضرورة توظيف المقامات الموسيقية وأهمها «الصبا والنهاوند» فى قراءة القرآن. وكان الشيخ عبد الباسط عبد الصمد يهوى «العزف» على العود، ودرس علم الموسيقى، وهناك صورة شهيرة منتشرة يظهر فيها عازفا على العود مرتديا «الجبة والقفطان»، ومن أقواله الشهيرة: «القرآن موسيقى الروح وتلاوته تحتاج إلى التلون النغمي». وعشق «الشيخ عبد الباسط»، موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، لا سيما أغنيته: «فايت على بيت الحبايب»، وكان يرى أن العندليب عبدالحليم «مش بطال»، وأن «أم كلثوم» معجزة لن يجود بها الزمان مرة أخرى، فهى فى الطرب معجزة كما هو محمد رفعت فى التلاوة. وفى فترة الستينيات، طلب أحد الموسيقيين من الشيخ محمد صديق المنشاوى «تلحين» القرآن، قائلًا له: «أنت الوحيد الذى سيقبل صوتك الموسيقى»، فرد «الشيخ المنشاوي»: «يا سيدى لقد أخذت الموسيقى من القرآن الكريم، فكيف تلحن أنت القرآن بالموسيقى؟». أما الشيخ عبد الفتاح الشعشاعى، فبدأ طريقه نحو «الصيت والشهرة» بين جنبات «دولة التلاوة» بتأسيس فرقة «تواشيح دينية» ضمت فى بطانتها «أسطورة التلحين» زكريا أحمد، وهو صاحب اقتراح إقامة حفل دينى أول كل شهر عربى، يبث عبر الإذاعة، ويشارك فيه كبار القراء، لمنافسة حفلات «أم كلثوم» الشهرية. ولحن العظيمان «بليغ حمدى وسيد مكاوي» إبداعات الشيخ سيد النقشبندي، فالأول لحن إلى جانب الأنشودة الخالدة: «مولاى إنى ببابك» تواشيح: «أشرق المعصوم، أى سلوى وعزاء، أنغام الروح، رباه يا من أناجى، يا ليلة فى الدهر، أيها الساهر»، فيما لحن الثانى: «أسماء الله الحسنى، فايت على الورد» وغيرهما الكثير. ورغم رفض «النقشبندي» تلحين «مولاي» فى بادئ الأمر، وقال للإذاعى الكبير وجدى الحكيم بعدما طلب منه ذلك باقتراح من الرئيس الراحل محمد أنور السادات: «ماينفعش.. ألحان بليغ راقصة، على آخر الزمن يا وجدى عايزنى أغنى»، وافق بعد سماعه اللحن، وقال للحكيم: «بليغ ده جن!»، كما أنشد «النقشبندي» بعض الأجزاء من «رباعيات الخيام» التى شدت بها «أم كلثوم»، بجانب أدائه لأحد مقاطع قصيدة «سلو قلبى». ومن أكثر الحكايات التى ترتبط بقصة حياة «الشيخ الحصري» اتجاه ابنته «إفراج»، التى عرفت فيما بعد باسم «ياسمين الخيام» إلى الغناء، وعدم قدرته على منعها من الاتجاه لهذا المجال، وقال حينها: «كيف لابنة خادم للقرآن أن تتجه للغناء؟»، بجانب رفضه محاولات ابنته تسجيل القرآن الكريم بصوتها، وقال لها: «أنا بحفظك القرآن للتدبر فقط»، أما الشيخ محمد الطبلاوى فلم يخف استماعه لغناء: «أسمهان، وأم كلثوم، وسعاد محمد»، وعشقه لموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب.