لقد أعلن الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى أحد خطاباته «أننا نشهد نهاية عقد من الحروب التقليدية وأن إخضاع الشعوب سيكون عبر التدمير الذاتى لهذه الشعوب». فى واقع الأمر إن مناخ الاحتقان المجتمعى والسياسى والدينى هو المناخ الطبيعى والحاضن الخصب لحروب الجيل الرابع والخامس، فاستنهاض الإرادات المهيضة والتلاعب بنقاط الضعف المجتمعى واستخدام الدين والهوية والعرق والفئوية والمذهبية والطائفية هو مناط الركوز وحجر الزاوية. علينا أن نغرس ثقافة وقائية تعى أن اللعب على أوتار الإقصاء والتهميش الحقيقى والمفتعل واستنهاض المنظمات الدولية والجمعيات والجماعات الدينية والحقوقية بل إن استبقاء حالة التوتر كلما بدت ملامح الاستقرار، هو محرك تروس كرة النار، فعلينا أن نوئد الفتنة من مرقضها من خلال استبصار جوهر الحدث وليس فقط نبذه، بل تصويبه بإيجابية المحارب. وهو الأمر الذى يعد واجبا وطنيا وفرضا دينيا، فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وحصول النفع العام هو الركن الركين. علينا أن ندرك دور شبكات التواصل الاجتماعى عبر الإنترنت والتى نتنفسها وتخالجنا مدفوعين بشغف المعلومة وحرية التعبير والإحساس الواهم بالمشاركة فى صناعة الحدث من خلال إعلام المواطن، أنها قد لعبت ولم تزل تمارس دورا للدعاية الرمادية والتى تخلط الأوراق وتطمس الفواصل بين الحقيقة والشائعة وبين الرأى والخبر، ليستبيح من يستبيح فى عرض الوطن، وليسخر من يسخر من إنجازات الوطن وليقزم من يقزم من حجم وهيبة الوطن، لتكون المحصلة الطبيعية لثقافة العبث عبر الفيسبوك وتويتر هى أن تهتز ثقة المجتمع بنفسه وقادته وجيشه وقضاته فى مناخ متذبذب يرجعنا ونحن فى منتصف يونيو 2015 إلى الحالة الصفرية منزوعة الهوية التى لفظناها طواعية منذ ثورة 30 يونيو 2013. فعلينا أن نعلم خطورة استقاء المعلومة السياسية عبر المضمون المراوغ من خلال شبكات التواصل الاجتماعى السوشيال ميديا، ولنتذكر أن تلك المعلومة قد صنعت فى مناخ مراوغ تتحرك فيه قوى المعارضة والمنظمات الحقوقية الممولة من الخارج والداخل لينحت الجميع بإزميل التسلية والتنوير دائرة التفريغ الناعمة على الجدار الثقافى للوطن. علينا الحذر من الإعلام المؤدلج وهو الأيديولوجى والذى يحمل شعارات جذابة لكل ما هو أيديولوجية (من أجل الإسلام، من أجل الشرعية، من أجل الحرية ففيه سم قاتل). فالاستخدام المتفاوت الإيقاع للقوة الناعمة والخشنة فى إطار مخطط طويل الأمد يفرض تلقائيا وتدريجيا واقعا جديدا متناهى الهشاشة حينها يستيقظ العدو ميتا. علينا أن ندرك أن استهداف المدنيين وزعزعة الثقة هى من أهداف حروب الجيل الرابع فى سياقها الطبيعى. بينما تأتى حروب الجيل الرابع فى سياقها المتقدم من خلال تزايد محاولات، النيل من الجيش ابتدائا من السخرية فتفقد الدولة هيبتها ثم الإنهاك المتسمر من خلال الميليشيات المسلحة ذات الطابع المذهبى، فتفقد الدولة قدرتها على السيطرة وتتشتت القوى ويختزل الدور التاريخى فى مكافحة الإرهاب فقط، وهو ما يطلق عليه فى عرف الحروب الهجينة وميليشيات الرعب بشوكة النكاية والإنهاك حتى تقع الدولة فى دائرة التوحش، وهى الفوضى الموحشة لتدار من قبل الميليشيات المذهبية ولنا فى دول الجوار العبر الحارقة. ومن خلال ما تقدم نستطيع القول إن خارطة الطريق الإعلامية والثقافية، قد حملت على عاتقها حمل الاعتمادية المفرط، خاصةً فى أجواء الأزمات، وأن أجندة الخطاب الإعلامى قد قدمت قدرًا عظيمًا من اليقظة والإيجابية وبث غراس التنوير فيما قبل الثورة وبعدها فى ذات الوقت التى قد ضلت وأضلت خارطة الطريق بدافع السبق فى إشعال حالة من التذبذب من خلال البث المباشر العشوائى للتظاهرات والاحتجاجات أو بدافع استعراض عضلات الحرفة فى غيبة الضابط الأمنى والسياسى. فإننا وفى ظل هذا الموقف العصيب نحتاج إلى استراتيجية وطنية حقيقية لوسائل الإعلام تتوافق مع إيقاع حروب الأجيال والتى تتخذ من القوة الناعمة ستارا لتهدم الدولة تستخدم الإعلام سلاحها ليكون السقوط لا قدر الله بأيدينا. نحن نحتاج إلى التصويب الحقيقى لمؤشرات الأداء لملاءمة حرج المرحلة والحفاظ على الأمن القومى المصرى والحفاظ على الأرض، بل واستشراف أثر الخطاب الإعلامى على العامة والخاصة والنخب حتى نستطيع أن نخرج من إعلام اللحظة والسبق إلى إعلام المرحلة. نحن نحتاج إلى فكر استرتيجى قومى وطنى على مستوى الجيش يحرك مفاصل الدولة لإرساء التماسك الوطنى والانتماء للأرض. أظننا نحتاج إلى إعلام الأرض وثقافة الأرض ورائحة الأرض وعشق الأرض أكثر مما نحن فيه، تلك الأرض التى رويت بدماء الشهداء المسلمين والمسيحيين من أبناء قوات الأمن وقواتنا المسلحة الباسلة، والتى تقف وحدها لتدفع هذا الهم العام والبلاء المدبلج عن حياة المصريين بل حياة الوطن العربى. استفيقوا يرحمكم الله.. استفيقوا فمصر تستحق الكثير والكثير.. علينا إدراك الخطر، فنحن نحتاج لمحو الأمية الإعلامية من خلال وسائل التواصل الاجتماعى السوشيال ميديا، حيث تصوب تلك العشوائية الممنهجة فى اختلاق الأزمات وإثارة النعرات وخلق الاحتشاد الأجوف حول بعض القضايا الحقوقية الحقيقى منها والمفتعل. digital literacy نحن نحتاج إلى إعلام يغرس ثقافة إنسانية وطنية إيجابية تحقق الانتماء وتلفظ تلقائيا الشائعة والفتنة والتمذهب. نحتاج إلى إعلام الأرض الذى يعلى من شأن الأرض لتتجذر الهوية المصرية وعشق الأرض فى قلب وعقل الإنسان المصرى الذى علم الدنيا وأنقذ وطنه من لهيب أجيال الحروب، ولكن ما زال الخطر قائما والخطط تتبدل. علينا أن تكون لنا خطة للبناء على نفس حماس القيادة وليست منفصلة أو متربصة وعلى مستوى الحدث بل على مستوى الخطر المحدق. يا أيها المصري أعد أولادك على مستوى الخطر.. ويا أيها المعلم أعد العقول والنفوس على مستوى الخطر.. ويا أيها الإعلامى أعد الجميع على مستوى الجيش والقيادة.. وتذكروا من كان بلا خطة فهو ضمن خطة الآخر. وللحديث بقية