مع انتهاء الانتخابات التشريعية والرئاسية بالسودان، التي اكتسح خلالها حزب المؤتمر الوطني "الحاكم" برئاسة الرئيس عمر البشير، مقعد الرئاسة لفترة جديدة، وأغلب المقاعد التشريعية والولائية بالبلاد، استأنفت آلية الحوار الوطني السوداني المعروفة اختصارا ب"7+7"، اجتماعاتها من جديد، والتي شهدت مطالبات حزبية وسياسية متزايدة، بضرورة التمسك بأن يكون الحوار الوطني سودانيا خالصا بعيدا عن الاستقطاب الخارجي الذي تسعى إليه بعد القوى والرموز السياسية، والذي وصفته آلية الحوار الوطني بأنه انعكس سلبا على وحدة الهدف والمصير، وتعددت بسببه الاختلافات في الآراء والتوجهات السياسية ذات الأجندات الخاصة التي لا تخدم معظمها المصالح العليا للسودان. وبرزت الدعوة لحوار وطني سوداني خالص- بشكل لافت - عقب الاجتماع الأخير لآلية الحوار الوطني، بقاعة الصداقة بالخرطوم أمس السبت، الذي جاء بعد توقف بسبب الانتخابات، حيث اتضح تناغم مواقف أعضاء الآلية لأول مرة من أعضاء بحزب حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وحكومة الخرطوم، وكذلك أحزاب المعارضة المشاركة في الآلية، مشددة على حوار داخلي بعيدا عن حالة الاستقطاب الخارجي. ومع استئناف اجتماعات الحوار الوطني، تمهيدا لعقد المؤتمر العام الذي ترك للرئيس السوداني عمر البشير تحديد موعده، شددت قيادات سياسية على حوار "سوداني - سوداني"، يتجنب محطات الحوار الخارجية، تجنبا لأي تدخلات من شأنها أن تعيق مسيرة الحوار. واعتبرت تلك القيادات تنشيط عمل الآلية خطوة مهمة على طريق الحوار الوطني، الذي وصفته "بالوعاء الجامع"، مشيدة بالطرح البناء لرؤية توافقية جديدة عقب الانتخابات، كما اعتبرت المرحلة الحالية مناسبة ومهيأة أكثر من ذي قبل لتكثف الآلية مساعيها لإشراك القوى السياسية الممانعة للحوار والحركات التي مازالت تحمل السلاح. ويقول كمندان جودة رئيس حزب الحركة الشعبية المتحد "إن بعض القوى الداخلية تقوت بالدور الخارجي لفقدانها الثقة.. فالوقت الراهن مهيأ أكثر من ذي قبل في بناء توافق سوداني - سوداني موحد دون لأطماع الخارجية وأجندتها، كما انتقد الأصوات التي ظلت تنادي بصبغة خارجية للحوار الوطني منذ انطلاقه في يناير 2014، مناهضة بذلك مرتكزاته الأساسية التي تدعو إلى أن يكون الحوار سودانيا خالصا بمشاركة كل القوى السياسية والفعاليات لمكونات الشعب السوداني عبر حوار وطني ومجتمعي من دون تدخلات خارجية. في حين تنادي قيادات أخرى مشاركة في آلية الحوار الوطني بأن يتمحور الدور الخارجي في تشجيع كل الأطراف وصولا للسلام خاصة حاملي السلاح، باعتبار أن طريق الحوار هو الدال إلى النهايات المبتغاة. كما ترى قيادات حزبية أنه من الممكن تجاوز الدور الخارجي في الحوار وترك سلبياته فقط، إذا ما بنيت الثقة وتوافرت الضمانات الداخلية لتكون الفرصة مواتية أمام السودانيين في تقديم نموذج آخر في القدرة على الإرادة وبناء الصف الوطني. وكان الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل رئيس القطاع السياسي لحزب المؤتمر الوطني "الحاكم" بالسودان - عضو الآلية - قد أكد أهمية المضي قدما في استكمال مسيرة الحوار الوطني بالبلاد، وجدد الدعوة لكل القوى والأحزاب السياسية والحركات المسلحة الممانعة والمعارضة للانضمام إلى مسيرته. وأشار إسماعيل إلى أن آلية الحوار وقفت على نتائج اجتماعاتها السابقة وكذلك اللجان الست المنبثقة عنها، بشأن استئناف اجتماعاتها واستكمال نشاطها، مؤكدا تمسكها بخارطة الطريق وتفصيلاتها والتزامها بما تم الاتفاق عليه، مبينا في هذا الصدد أن الآلية سترفع تقريرها للرئيس السوداني عمر البشير "رئيس الآلية" لتحديد موعد انطلاقة الحوار. ويرى المتابعون للمشهد السياسي الراهن بالسودان أن التوجه لرفض التدخلات الخارجية في الحوار الوطني باعتباره شأنا داخليا سودانيا، سيواجه بانتقادات من قوى المعارضة الموقعة على وثيقة "نداء السودان" والرموز والأحزاب السودانية الأخرى الموقعة على "إعلان باريس"، مع الجبهة الثورية المعارضة، التي تتوجه دائما إلى منابر تفاوضية خارجية بعيدا عن الخرطوم، مما خلق نوعا من عدم الثقة المتبادلة في التوجهات والأهداف المتعلقة بوحدة الصف السوداني.