تثير اللوحات التشكيلية والأعمال النحتية والمشغولات الفنية لشباب مصري حالة من التفاؤل حيال مستقبل الفن التشكيلي والنحت في بلد انجب فنانين تشكيليين ونحاتين خلدتهم ذاكرة الابداع المصرية والعالمية. وإذ بدأت امس "الأحد" فعاليات معرض لأعضاء هيئة التدريس بقسم المنتجات المعدنية والحلي بكلية الفنون التطبيقية في جامعة حلوان تحت عنوان :"بريق دائم وإبداع مستمر" الذي يستمر بقاعة العرض الكبرى بهذه الكلية حتى العاشر من شهر مايو الجاري فإن الطلاب في جامعة حلوان ايضا كان لهم أن يبرهنوا في معرض خاص بهم على أن مصر حافلة بالمواهب الشابة في مجالات الفنون التشكيلية والأسرية. وجاء المعرض العام الأربعين للفنون التشكيلية والأسرية على مستوى كليات جامعة حلوان بمشاركة نحو 400 طالب وطالبة ليكشف عن طاقات ابداعية حقيقية لشباب مصر بصورة تبعث على التفاؤل خاصة وأن هذا المعرض الذي اختتم مؤخرا تضمن اعمال متسابقين من الكليات المتخصصة في الفنون وكذلك من كليات غير متخصصة بهذه الجامعة المصرية. وتوزعت الأعمال في المعرض الذي يستمر اسبوعا كاملا على عدة اقسام من بينها الزخرفة والتصميم والتصوير الزيتي والجداري والفوتوغرافي والخط العربي والاعلان والجرافيك والأشغال الفنية والنحت ، فيما فازت كلية الفنون الجميلة بالمركز الأول على مستوى الكليات المتخصصة في الفنون بجامعة حلوان ، وفاز "مركز الفنون التشكيلية" بالمركز الأول في مسابقة الكليات غير المتخصصة. وأبدى الدكتور ياسر صقر رئيس جامعة حلوان شعورا بالسعادة حيال النجاح الملحوظ لهذا المعرض الفني الشبابي ، وقالت امل عبد الرحمن مسؤول قسم الزخرفة والتصميم لوكالة انباء الشرق الأوسط إن المعرض هذا العام تميز بالتنوع ويعكس قدرات واعدة للطلاب سواء كانوا يدرسون بكليات متخصصة او غير متخصصة في الفنون. ورأى الدكتور سمير الدمرداش نائب رئيس جامعة حلوان لشؤون التعليم والطلاب أن الطلاب المشاركون في المعرض يعبرون بأعمالهم الفنية ولوحاتهم التشكيلية عن طموحات وتطلعات شباب مصر وهم امل هذا الوطن لعقود قادمة. وفيما دعا الدمرداش لاستحداث لجنة متخصصة في تسعير المعروضات من اجل التحفيز على مزيد من التنافس الابداعي بين الطلاب ، كان من اللافت أن بعض الأعمال المتميزة كانت لطلاب يدرسون بكليات غير متخصصة في الفنون مثل الطالبة فاطمة الزهراء التي تدرس بكلية التجارة ، وهاجر ابراهيم التي تدرس علم النفس ، وميادة عادل التي تدرس بكلية الحقوق ، فضلا عن الطالبة المبدعة محاسن عبد الوريث التي تدرس بكلية التجارة وقدمت لوحات زيتية حظت باعجاب الزوار. وليس من قبيل المبالغة القول إن الفن التشكيلي المصري يمكن أن يقوم بدور كبير ضمن منظومة ادوات القوة الناعمة لمصر في مواجهة مغالطات فجة تتردد احيانا في الخطاب الثقافي والاعلامي الغربي بشأن المشهد المصري. وقد يصل الأمر في هذه المغالطات لتشجيع التصورات الفوضوية التي تناهض فكرة الدولة من الاساس وفي الأصل ، مع أن الغرب لم يسمح حتى الآن على الأقل بازالة او شطب دولة من دوله استجابة لمن يطلق عليهم هناك اسم "الفوضويين" او "الأناركيين"!. ومن هنا تستحق جامعة حلوان الاشادة لمبادراتها بتنظيم معارض للفن التشكيلي تكشف عن مواهب شابة في بلد انجب فنانين تشكيليين خالدين في الذاكرة الثقافية الابداعية لمصر والعالم مثل محمود سعيد ومحمد ناجي وصلاح طاهر وسيف وادهم وانلي وبيكار وحسن سليمان واحمد فؤاد سليم وصولا لمحمد عبلة الذي كان قد حذر مؤخرا من أن تزوير الأعمال الفنية يهدد سمعة الفن المصري. كما لايجوز تناسي الفنان الراحل عبد البديع عبد الحي الذي توفي منذ نحو 11 عاما ، وكان يحول احباطاته وهمومه الحياتية كمواطن مصري بسيط وكادح الى طاقة ابداع تتجلى في أعماله النحتية فيما يعد مثالا لمعنى "الفنان الفطري والانسان المصري المبدع بالسليقة". وقال الناقد الدكتور صبحي الشاروني إن أعظم مايميز اعمال عبد البديع عبد الحي هو احترامه للخامة التي ينحت فيها تمثاله وعمق احساسه بها حتى يشعر المشاهد بمدى تفاعله معها وحبه لها بما يشبه العشق ، فيما حق وصف يد هذا الفنان الذي بدأ حياته "طباخا" بأنها "اليد التي انطقت الحجر". ولئن كانت الكتب تتوالى في الغرب عن الفنانين الأحياء والراحلين مثل ذلك الكتاب الجديد عن الفنان الأسباني الراحل بابلو بيكاسو الذي جاء في صورة سيرة ذاتية مصورة عن سنواته الأولى بفرنسا وتسكعه في حي مونمارتر الباريسي ، فان فنانا كانت حياته بالغة الغرابة حتى لحظة النهاية مثل عبد البديع عبد الحي جدير بكتاب او اكثر . وفي تصريحات تعكس شعوره بأهمية الفن التشكيلي دعا الدكتور عبد الواحد النبوي وزير الثقافة لضرورة العمل فورا من اجل افتتاح كل المتاحف الفنية وتفعيل "المتحف الجوال" وعمل عضوية بالمتاحف لطلاب المدارس والجامعات. كما طالب النبوي مؤخرا بانشاء قاعدة بيانات لقطاع الفنون التشكيلية ، وانتقد خطط التسويق والاعلان عن انشطة هذا القطاع في وزارة الثقافة وقلة عدد الزائرين للمتاحف التابعة للقطاع ، فيما أشارت مدير مركز الجزيرة للفنون ايناس حسني الى خطأ "الاكتفاء بالنظر لأنفسنا من الداخل اكثر من الاهتمام برأي العالم فينا". ولعل الوضع الراهن يؤشر لأهمية منح قطاع الفنون التشكيلية في وزارة الثقافة مايستحقه من اهتمام وبناء علاقات بناءة بين الاجهزة والمؤسسات الثقافية الرسمية وتلك التي تقع خارج الاطر الرسمية لصالح شعب مصر ودفاعا عن قضاياه ودرء شرور الحروب الدعائية - الاعلامية التي تشنها قوى معادية لمصر والمصريين بلا هوادة وعبر اشكال وصيغ مختلفة. ومن الأهمية بمكان في هذا السياق كسر النخبوية المفترضة للفن التشكيلي لتكون لوحاته متاحة لكل المصريين تماما كما هو الأمل المنشود لتجليات ثقافية اخرى كالشعر والموسيقى والرواية ومن اجل تعميق ثقافة الحق والخير والجمال في ارض الكنانة التي تعشق بفطرتها الطيبة كل ماهو جميل. وكان الدكتور شاكر عبد الحميد وزير الثقافة الأسبق قد اكد على ان نجاح عناصر وادوات القوة الناعمة ومن بينها الفنون التشكيلية يرتبط بمدى قربها من الناس ومشاكلهم والا يتم التعامل معها باعتبارها مجرد وسائل للترفيه والرفاهية. واللافت أن بعض اهم رسامي الكاريكاتير في مصر مثل الراحل العظيم مصطفى حسين والفنان الكبير احمد طوغان الذي يوصف عن جدارة "بشيخ رسامي الكاريكاتير في مصر" لهم اسهامات ابداعية هامة في الفن التشكيلي فيما ضمت باقة الفنانين التشكيليين المصريين اسماء خالدة في الحياة الثقافية المصرية مثل الراحل حسن فؤاد صاحب شعار "الفن في خدمة الحياة" والمناضلة انجي افلاطون والمبدع عبد الغني ابو العينين ناهيك عن الأستاذ عبد السلام الشريف. إن الفن التشكيلي المصري مؤهل كتجل اصيل من تجليات الثقافة المصرية لمواجهة الهجمة غير المسبوقة على مصر والعالم العربي ككل وهي هجمة تحمل في ثناياها مآرب من يقف وراءها من اطراف رئيسة وعميلة من قتل للذاكرة واهانة للشعوب وهو ماتؤشر له بوضوح عمليات الاستهداف المتعمد للمتاحف والابداعات الفنية منذ بدء تنفيذ مخطط الفوضى الخلاقة بغزو العراق ونهب متاحف بغداد واعز روائع تراثها. وهكذا عندما تقيم جامعة حلوان معرضا للفنون التشكيلية ويستمر اسبوعا حافلا بابداعات شباب مصر في عشرات اللوحات التشكيلية فهي بذلك تشارك ضمنا في رد الهجمة التي تستهدف معنى الوجود المصري والعربي وتحويل حواضر العرب ومدنهم الزاهرة "للأرض الخراب". ولعل ابتسامة مصر تتسع وهي ترى شبابها يعرضون ابداعات تشكيلية مضمخة بأنفاس مصرية واحلام مصرية وثقافة وطنية تتفاعل مع اخر صيحات الفن التشكيلي في العالم ومدارسه المتطورة بقدر مايشعر المرء بالاعجاب والثقة في قدرات الجيل الشاب خاصة وان عددا لايستهان به من المشاركين في هذا المعرض ينتمون لكليات خارج اطار مايسمى بالكليات المتخصصة في الفنون كالفنون الجميلة والتطبيقية والتربية الفنية كما يوضح الدكتور خالد السحار الأستاذ بكلية الفنون الجميلة. وشباب مصر في جامعة حلوان يسهمون بهذه الابداعات في عملية تحصين الذاكرة الوطنية المصرية بقدر ماينتصرون للجمال كقيمة انسانية ويخاطبون بانتاجهم الثقافي كل من يهمه الأمر في عالم كتب عليه ان يعاني من محاولات اثمة للمحو الحضاري والتجهيل ومسخ الهوية وتحويل الوطن الى سوق "لامكان فيه للذاكرة ولا مكان للأبطال" كما قالها ذات يوم عظيم الرواية المصرية نجيب محفوظ وهو يستشرف المستقبل في مجموعته القصصية "صدى النسيان". ومن نافلة القول إن الفنون التشكيلية بقدر ماتؤثر في اي مجتمع فهي تتأثر بمتغيراته وثوراته كما هو الحال في بلد كمصر تأثرت فيه الفنون التشكيلية بصورة واضحة على ايقاع ثورة 1919 وثورة 23 يوليو 1952 فيما لن يكون من قبيل المفاجأة ان تنجب ثورة يناير - يونيو اسماء جديدة وكبيرة في عالم الفن التشكيلي. تحية لشباب مصري مبدع يرسم النخيل المرابط في ارض الكنانة وهمسة عشق في هودج قمر من مرمر"!..يرسم" احلام الصبا وشموسا تلمع في عينين صافيتين لمهرة مصرية تركض نحو الحلم".