وفد قطري يزور اتحاد القبائل العربية لبحث التعاون المشترك    سعر الدولار مقابل الجنيه بعد قرار البنك المركزي تثبيت أسعار الفائدة    "بوليتيكو": إدارة بايدن تدرس تعيين مستشار أمريكي في غزة بعد الحرب    خبير سياسي: اللوبي الصهيوني حول العالم يمول الإعلام الغربي    تعرف على المنتخبات المتأهلة للمربع الذهبي لبطولة إفريقيا لكرة القدم للساق الواحدة    في مباراة مثيرة، فيورنتينا يهزم كالياري بالدوري الإيطالي قبل نهائي دوري المؤتمر    سقوط سيارة ملاكي في ترعة بطريق "زفتى - المحلة" (صور)    المعمل الجنائي يفحص آثار حريق داخل محطة تجارب بكلية الزراعة جامعة القاهرة    مقتل مدرس على يد زوج إحدى طالباته بالمنوفية: "مش عايزها تاخد دروس"    "اعترافات صادمة.. أب ونجله يقتلان صهرهما ب17 طعنة دفاعًا عن الشرف"    موعد ومكان صلاة الجنازة على شقيق الفنان مدحت صالح    هشام ماجد: "هدف شيكابالا ببطولة أفريقيا اللي الأهلي بياخدها"    هشام ماجد ل«نجوم FM»: الجزء الخامس من «اللعبة» في مرحلة الكتابة.. وأصور حاليا «إكس مراتي»    إخفاء وإتلاف أدلة، مفاجأة في تحقيقات تسمم العشرات بمطعم برجر شهير بالسعودية    بركات: مواجهة الترجي ليست سهلة.. ونثق في بديل معلول    خالد جلال: مدرب الترجي يعتمد على التحفظ    بوقرة: الأهلي لن يتأثر بغياب معلول في نهائي دوري أبطال إفريقيا    استقالة عمرو أنور من تدريب طنطا    «الوضع الاقتصادي للصحفيين».. خالد البلشي يكشف تفاصيل لقائه برئيس الوزراء    أسعار اللحوم اليوم الجمعة 24 مايو 2024 في محلات الجزارة    يمن الحماقي: أتمنى ألا أرى تعويما آخرا للجنيه المصري    نداء عاجل من غرفة شركات السياحة لحاملي تأشيرات الزيارة بالسعودية    افتكروا كلامي.. خالد أبو بكر: لا حل لأي معضلة بالشرق الأوسط بدون مصر    هيثم عرابي يكشف تعليمات طلعت يوسف للاعبي فيوتشر قبل مواجهة الزمالك    "فوز الهلال وتعادل النصر".. نتائج مباريات أمس بالدوري السعودي للمحترفين    «صحة البرلمان» تكشف الهدف من قانون المنشآت الصحية    الجيش الإيراني يعلن النتائج الأولية للتحقيق في حادثة مروحية رئيسي    مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: الحصول على العضوية الكاملة تتوقف على الفيتو الأمريكي    حزب الله اللبناني يعلن استهدف جنود إسرائيليين عند مثلث السروات مقابل بلدة يارون بالصواريخ    إصابة فتاة إثر تناولها مادة سامة بقنا    خبطة في مقتل.. تفاصيل ضبط ترسانة من الأسلحة والمخدرات بمطروح    قرار عاجل ضد سائق أوبر المتهم بالتحرش بالفنانة هلا السعيد    قرار يوسع العزلة الدولية.. ماذا وراء تصنيف الحكومة الأسترالية لميليشيات الحوثي كمنظمة إرهابية؟    سعر سبيكة الذهب بعد تثبيت الفائدة.. اعرف بكام    مياه الشرب بالجيزة.. كسر مفاجىء بمحبس مياه قطر 600 مم بمنطقة كعابيش بفيصل    حظك اليوم برج الحوت الجمعة 24-5-2024 مهنيا وعاطفيا.. فرصة للتألق    حظك اليوم برج الجدي الجمعة 24-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    حظك اليوم برج القوس الجمعة 24-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    أسعار الدواجن البيضاء في المزرعة والأسواق اليوم الجمعة 24-5-2024    طريقة الاستعلام عن معاشات شهر يونيو.. أماكن الصرف وحقيقة الزيادة    لمستخدمي الآيفون.. 6 نصائح للحفاظ على الهواتف والبطاريات في ظل الموجة الحارة    عاجل.. الموت يفجع الفنان مدحت صالح في وفاة شقيقه    مدحت صالح ينعى شقيقه: مع السلامة يا حبيبي    5 شهداء وعدد من الجرحى في قصف شقة سكنية وسط حي الدرج بمدينة غزة    «فيها جهاز تكييف رباني».. أستاذ أمراض صدرية يكشف مفاجأة عن أنف الإنسان (فيديو)    انتهاء فعاليات الدورة التدريبية على أعمال طب الاسرة    جيش الاحتلال يتصدى لطائرتين مسيرتين فوق إيلات    انطلاق المؤتمر السنوي ل «طب القناة» في دورته ال 15    لجنة سكرتارية الهجرة باتحاد نقابات عمال مصر تناقش ملفات مهمة    محمد نور: خطة مجابهة التضليل تعتمد على 3 محاور    الفريق أول محمد زكى: قادرون على مجابهة أى تحديات تفرض علينا    رئيس الوزراء يناقش سبل دعم وتطوير خدمات الصحفيين    ما هي شروط الاستطاعة في الحج للرجال    بالفيديو.. خالد الجندي: عقد مؤتمر عن السنة يُفوت الفرصة على المزايدين    قبل قصد بيت الله الحرام| قاعود: الإقلاع عن الذنوب ورد المظالم من أهم المستحبات    وزارة الصحة تؤكد: المرأة الحامل أكثر عرضة للإصابة بفيروس نقص المناعة البشرى    ما حكم سقوط الشعر خلال تمشيطه أثناء الحج؟ أمين الفتوى يجيب (فيديو)    رجل متزوج يحب سيدة آخري متزوجة.. وأمين الفتوى ينصح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثورة علي جمعة

يعد فهم التراث من المسائل الشائكة التي تتطلب معرفة حقيقية بقواعد وأصول ذلك المنهج موضع النقد والتجريح، لفهم معانيه قبل الخوض في إنكاره أو الاعتراف بصلاحيته، ولعل هذا ما ذكره الدكتور على جمعة، مفتى الديار الأسبق، من خلال القول بأن كثيرا من الناس يرفضون التراث رفضا تاما، من خلال الرفض الوجدانى أو القبول التام للتراث من قبيل القبول الوجداني، لكن الأخير من وجهة نظره أفضل من الرفض التام، لأنه ينتمى إلى آبائه الصالحين وإلى سلفه الأماجد.
ويشير جمعة إلى أن التراث يتطلب خلال الحكم عليه سلوكا وطرائق، ونظريات وأفكارا، وأساليب معينة في التفكير والتحليل، أشبه ما تكون بالتعامل مع الشفرة. وعدد جمعة أسباب الجهل بالتراث المكتوب التي وضع في مقدمتها فقدان التصور الكلى لدى القارئ المعاصر، وغفلته عما كان شائعا عند الكاتبين للتراث عبر الزمان والمكان، والتي تتضمن الإدراك التام للتصورات الكلية التي كانت في ذهن هؤلاء.
كما أشار إلى وجود غفلة لدى المعاصرين في فهم النظريات الكلية التي حكمت الذهن العلمى عند إنشاء تلك العلوم، والتغافل عن قضية المصطلحات التي بدورها كانت سببا من أسباب عدم فهم التراث من وجهة نظر مفتى الديار الأسبق، إلى أن قال بأن لكل عصر ولكل مذهب، ولكل علم مصطلحاته الدقيقة التي إذا ما فقدها القارئ المعاصر أو طالب العلم فإنه لا يدرك كثيرا مما أمامه. كذلك أشار إلى الغفلة عن دور العلوم الخادمة في صياغة النص التراثى المكتوب، مختتما بدور الصياغة اللغوية والمنطقية التي تتطلب إدراك الفلسفة اللغوية وعلاقتها بما في الأذهان.
ومن خلال التعريف بالمذاهب الأربعة قدم جمعة ترجمات لإعلام كل مذهب من المذاهب الأربعة وشيوخهم والعصور التي وجدوا فيها، إضافة إلى الأسس التي اعتمدوا عليها في صوغ منهجهم، متطرقا إلى المصطلحات التي اختص بها كل مذهب عن سابقه ولاحقه.
وضعوا تعريفًا جامعًا للشريعة الإسلامية
الفقهاء الأربعة.. إجماع على «المفاهيم» واختلاف في «التفسير»
اعتمد الفقهاء الأربعة خريطة للمفاهيم والمصطلحات المعتمدة لديهم، لبيان ما اعتمدوا عليه في التعامل مع النصوص الثابتة والمستجدات من الأمور المعاصرة التي لا وجود لها في النص الصريح أو التأويل المباشر، إذ اصطلح أصحاب المذاهب الأربعة وغيرهم من علماء الحديث على جملة من الاختصارات المتعارف عليها فيما بينهم من خلال اختصار كلمتين أو أكثر في كلمة واحدة كقولهم (رح) والتي تعنى رحمه الله، (صلعم) وتعنى صلى الله عليه وسلم، مكتفين بتلك الاختصارات على الكتابة دون النطق، مع قولهم بكراهيته حين الصلاة والسلام على النبى.
وظهر النحت لديهم على درجات، منها ما شمل كتب الحديث، ومنها ما اختص به علماء كل مذهب، تيسيرا على الكاتب وخشية الملل، حيث يقول (ح) وتعنى تحويل الإسناد، ومنها رموز جعلوها لرواة الحديث كالرمز بالبخارى ب(خ)، ومسلم (م)، والنسائى (ن)، متفق عليه (ق).
كما وضع الأئمة تعريفا جامعا للشريعة الإسلامية يقصد به وضع القواعد وبيان النظم التي تسير عليها الأفراد والجماعات، لتأكيد أن الشريعة الإسلامية تشريع سماوى، مفرقين بينها وبين التشريعات الوضعية التي ليست دينا يُمتثل لأوامره المرء بطاعة يثاب لأجلها، أو ينتهك نواهيه فتعد معصية يعاقب عليها، وجزاء هذه المخالفة قد تتقرر له عقوبات دنيوية، إلا أنه في الثواب والعقاب مرتبط بالآخرة في حين أن التشريع الوضعى لا يتعلق بما في القلوب، موضحين علاقتها بغيرها من الشرائع حيث جاءت الشريعة الإسلامية ناسخة لسابقيها في جانبها الفقهى، وأقرت الحق الموجود في تلك الشرائع في جانبه الاعتقادى وبينت مدى انحراف هذه العقائد المختلفة. وأجمع الأئمة على جعل القرآن الكريم على رأس تلك المصادر المعتمدة في التشريع الإسلامي كونه كلام الله المنزل على رسوله المعجز بأقل سورة منه، المنقول إلينا بين دفتى المصحف، وهو دليل قطعى الثبوت قطعى الدلالة في معظم آياته ظنى في بعضها، يتبعه في الاعتماد السنة النبوية والتي تعد مصدرا ثانيا من مصادر الشريعة وهى الصادرة عن النبى من غير قرآن سواء قولا أو فعلا أو تقريرا، وهى في مجملها التطبيق المعصوم من النبى للوحى، وتقسم أحكامها إلى أربعة أنواع سنة مؤكدة للقرآن، مبينة ومفصلة له، مقيدة لمطلق القرآن، متضمنة لأحكام جديدة لم يذكرها القرآن.
كما اعتمد الفقهاء على الإجماع كمصدر ثالث من مصادر التشريع، حيث اصطلحوا على أن اتفاق المجتهدين من الأمة في عصر من العصور على أمر من الأمور الشرعية يعمل على إزالة احتمال من الاحتمالات مدعوما بالأدلة مستندين بالقول المروى عن النبى بأن الأمة لا تجتمع على خطأ. كما ينظر إلى القياس كواحد من مصادر التشريع وهو عندهم إثبات حكم معلوم في معلوم آخر لاشتراكهما في سبب الحكم عند المثبت، وتهدف الشريعة في مقاصدها إلى تهذيب النفس وإرساء الآداب والأخلاق التي أمر الله نبيه باتباعها ونبذ الخلق السيئ، كما اصطلح الفقهاء على منهج عرف فيما بينهم بالتقعيد الفقهي ويقصد به وضع حكم كلي في قاعدة فقهية يستعان بها في الحكم على أمور جزئية وفرعية تندرج تحتها.
وقد رد بعض المذاهب كالشافعية إلى أربع قواعد منها «اليقين لا يزول بالشك» قياسا على قول النبي: «إن الشيطان ليأتي أحدكم وهو في صلاته فيقول له: أحدثت فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا»، «المشقة تجلب التيسير» لقوله تعالى «وما جعل عليكم في الدين من حرج»، «الضرر يزال» لقوله صلى الله عليه وسلم «لا ضرر ولا ضرار»، العادة محكمة لقوله صلى الله عليه وسلم «ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن»، وقد ضم إلى تلك القواعد الأربع قاعدة خامسة عرفت ب«الأمور بمقاصدها» استنادا إلى القول ب«إنما الأعمال بالنيات».
أبوحنيفة.. إمام ديمقراطي.. سجل مذهبه ب«الشورى الجماعية»
يعد الإمام أبو حنيفة أبرز الأئمة الأربعة وأكثر مذاهبهم انتشارا بين أهل العراق، والمعروف بإمام أصحاب الرأي وفقيه أهل العراق، يقول الدكتور علي جمعة، مفتى الديار المصرية السابق، ترجمة بالقول: هو الإمام البارع أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطى المولود 80 هجريًا، والمتوفى ببغداد 150 هجريًا، عاصر أربعة من الصحابة لم يرو عن أحد منهم، أبرزهم أنس بن مالك، وسهل بن سعد، وأبو الطفيل، تتلمذ على يد حماد بن أبى سليمان، وعطاء بن أبى رباح، وأبى إسحاق السبيعى، ومحارب بن دثار.
تفرد إسناده في الفقه بالأخذ عن الصحابة الذين نزلوا بالكوفة، ومن بعدهم علمائها، وكان ألزم بمذهب إبراهيم النخعى، عظيم الشأن في التخريج على مذهبه.
كما أورد عدة ترجمات لثلاثة من إعلام المذهب الحنفى، وفى مقدمتهم الإمام أبو يوسف القاضى، والإمام محمد بن الحسن، والإمام زفر، مشيرًا إلى أنه رغم اختلافهم مع أبى حنيفة إلا أنهم أعدوا ضمن مدرسته.
تميز المذهب الحنفى بالشورى الجماعية فيما يقول به أصحاب المذهب، حتى روى المغيرة بن حمزة أن أصحاب أبى حنيفة الذين دونوا معه الكتب أربعون رجلا من كبراء الكبراء، ووضع أبو حنيفة مذهبه شورى بين أصحابه، لم يستبد فيه بنفسه دونهم اجتهادا منه في الدين، ومبالغة في النصيحة لله ولرسوله والمؤمنين. امتاز أبو حنيفة بالفقه التقديرى في مسائل لم تقع ويفرض وقوعها، متخذا من الكتاب والسنة أصولا ثابتة، فإن لم يجد بحث في أقوال الصحابة، ثم التفضيل بين الآراء المتباينة للصحابة، ثم الاجتهاد بعد ذلك، والإجماع، والقياس، وأخيرا العرف.
كان أبو حنيفة يفرق بين الأمر الثابت بالقرآن ذى الدلالة القطعية، والثابت بالسنة ذي الدلالة الظنية، مقدما القرآن في كل أقواله، حتى وصفه البعض بمخالفة السنة، لكنه كان يرى أن النص القرآنى بدلالته فرض، والنص النبوى وجوبى، كما اعتمد أبو حنيفة الأحاديث المتواترة ولم يكن ينكر أيا منها.
في الوقت الذي نعانى فيه من ديكتاتورية الرأى، ونسب تلك الديكتاتورية للدين، لاسيما مع تصدير كل عالم لرأيه على أنه الصحيح، أورد الدكتور على جمعة في كتابه «نموذج لمفهوم الشورى في الإسلام»، الذي يعد ردًا على المتشككين في التراث الإسلامى كله، والداعيين إلى هدمه، وهو الطريقة التي اعتمد عليها الإمام أبو حنيفة في تدوين مذهبه.
وكان أبو حنيفة يسأل أصحابه في المسألة قبل أن يرجح أحد الأقوال بالأدلة الشرعية، حيث يقول الشيخ الكوثرى: إنه خالف زفر بن الهذيل وأبى يوسف ومحمد ابن الحسن أبا حنيفة في مسائل أصلية وفرعية، كما هو ظاهر من كتب المذاهب في الأصول والفروع، ومع ذلك دونت آراؤهم مع آراء أبى حنيفة في كتب المذهب، وعدها الجميع من مذهب أبى حنيفة مع هذا التخالف، بل نصوا على أن الفتوى في المذهب على رأى أبى حنيفة مرة، وعلى رأى أحد من أصحابه مرة أخرى، حتى سأل أمير مكة الشريف سعد بن زيد قائلًا: ما تقولون في مذهب أبى حنيفة، وصاحبيه أبى يوسف ومحمد، فإن كل واحد منهم مجتهد في أصول الشرع الأربعة: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، وكل واحد منهم له قول مستقل غير قول الآخر في المسألة الواحدة الشرعية، وكيف تسمون هذه المذاهب الثلاثة مذهبا واحدا، وتقولون: إن الكل مذهب أبى حنيفة، وتقولون على الذي يقلد أبا يوسف في مذهبه، أو محمدا إنه حنفى، وإنما الحنفى من قلد أبا حنيفة فقط فيما ذهب إليه؟ فكان جواب أحد شيوخ الحنفية عبد الغنى النابلسى أن آراءهما روايات عن أبى حنيفة، فتكون أقوالهما من أقوال أبى حنيفة، فيكون عدها في مذهب أبى حنيفة صحيحا، واستند في ذلك إلى أقوال مروية عن الإمامين في ذلك.
الشافعي.. خالف أستاذه في الاستعانة بإجماع أهل المدينة
يعد الشافعى أبرز المذاهب التي وجدت من الأراضى المصرية مجالا خصبًا للانتشار، حيث يعتبر المذهب الشافعى المعمول به في الآراء الفقهية والمعتمدة في مصر، ويقول عنه الدكتور على جمعة، مفتى الديار المصرية السابق هو الإمام محمد بن إدريس الشافعي المولود بغزة 150 ه، والمتوفى بمصر 204 ه، موضحا النشأة اليتيمة في كنف والدته، وإتمامه لحفظ القرآن في سن السابعة من عمره، من شيوخه وفى مقدمتهم إسماعيل بن قسطنطين الذي عرف بشيخ أهل مكة، وسفيان بن عيينة إمام أهل الحديث، ومسلم بن خالد الزنجى فقيه مكة، وسعيد بن سالم القداح، والإمام الليث بن سعد.
مراحل تطور المذهب الشافعى ولعل أبرزها مرحلة الإعداد والتكوين والتي بدأت بعد وفاة الإمام مالك 179 واستمرت فترة طويلة مستغرقة ستة عشر عاما، إلى أن قدم الشافعى إلى بغداد، ومن ثم ظهر المذهب القديم، أعقبها النضج والاكتمال لمذهبه الجديد والذي بدأ مع قدومه مصر 199 ه حتى وفاته بها 204 ه.
هذه المراحل الثلاث أعقبها مراحل أخرى بعد وفاة الشافعى منها طور التخريج والتذييل الذي قام به أصحاب الشافعى حتى القرن الخامس أو السابع على أقصى التقديرات، قبل أن تختتم المراحل بطور الاستقرار الذي رجحت فيه أقوال المدرسة الشافعية. ولعل من الأسس التي اعتمدها الشافعى في مذهبه أقوال الصحابة فيما جعلوه حجة، ثم العمل على ترجيح الأقوال حال اختلافها، ثم العمل على تقديم القول الآحاد على القياس، وكان منهجه في القياس خلاف مالك وأبو حنيفة، حيث سلك مسلكا وسطا وجعله مرادفا للاجتهاد، حيث قال الاجتهاد القياس، ثم اعتبار الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يكن هناك نص بالتحريم، مقرا العمل بالاستصحاب وهو ثبوت الأمر في الزمان الثانى بناء على ثبوته في الزمان الأول.
كما اعتمد الشافعى فكرة الاستقراء من خلال تتبع الأمور الجزئية والحكم عليها من خلال الحكم الكلى أو الجزئى للمسألة، والأخذ بأقل ما قيل في المسألة إذا كان الأقل جزءا من الأكثر ولم يجد دليلا غيره.
واستبعد الشافعى بعض الأدلة التي قال بها غيره من الأئمة ومنها المصالح المرسلة التي كان يقول به مالك، إضافة إلى مبدأ الاستحسان الذي يقول به أبو حنيفة، إجماع أهل المدينة الذي اعتبره مالك حجة، والاحتكام إلى شرع من سبقنا.
مصطلحات الشافعية ضمت القول بالإمام ويقصد به إمام الحرمين الجوينى ابن أبى محمد، أما القاضى والقاضيان فيُقصد القاضى حسين، والقاضيان الرويانى والماوردي، بينما الشارح وهو الجلال المحلى شارح المنهاج، أما الشيخان فهما «الرافعى والنووي».
مالك.. جعل إجماع أهل المدينة أصلًا في التشريع
يعد المذهب المالكى من المذاهب الفقهية المنتشرة بالوطن العربى، حيث يمثل 35٪ من إجمالى المسلمين مرتكزا في شمال أفريقيا وصعيد مصر، وقد وضعه الدكتور على جمعة في المرتبة الثالثة من كتابه «المدخل إلى دراسة المذاهب الفقهية»، حيث بدأ بترجمة الإمام مالك من خلال القول بأنه إمام دار الهجرة أبو عبدالله مالك بن أنس بن أبى عامر بن عمرو بن الحارث بن غيمان، أحد أئمة المذاهب المتبوعة، وهو من تابعى التابعين، قال عنه البخارى: أصح الأسانيد: مالك عن نافع عن ابن عمر، وقيل في موطأ: ما في الأرض كتاب من العلم أكثر صوابا من موطأ مالك.
وأوضح أن «مالك» أخذ العلم عن تسعمائة شيخ منهم ثلاثمائة من التابعين، وستمائة من تابعيهم، توفى بالمدينة عام 179 ه، ذاكرا من إعلام مذهبه أبو الحسن الشاذلى أبو بكر بن العربى.
وقد اعتمد مالك في مدرسته على سبعة عشر أساسا في مقدمتها نص الكتاب وظاهره ودليله، مفهومه وشبهه، كذا الأمر مع السنة في معرفة ظاهرها ودليلها ومفهومها وشبهها، ثم الإجماع والقياس، وعمل أهل المدينة، قول الصحابى، الاستحسان، سد الذرائع، الاستصحاب.
وكان للإمام مالك منهج في الاستنباط الفقهى لم يدونه كما دون بعض مناهجه في الرواية، ولكن مع ذلك صرح بكلام قد يستفاد منه بعض منهاجه، فقد ألمح إلى ذلك وهو يتحدث عن كتابه «الموطأ»: «فيه حديث رسول الله وقول الصحابة والتابعين ورأيى، وقد تكلمت برأيى، وعلى الاجتهاد، وعلى ما أدركت عليه أهل العلم ببلدنا، ولم أخرج من جملتهم إلى غيره».
ولعل أبرز مصطلحات المذهب المالكى استعمال لفظة المشهور وهو ما قوى دليله وكثر قائله، الشاذ- المنكر وهو مقابل المشهور، كذا المعروف وهو مرادف للمشهور، وقد يأتى بالأصح تعبيرا عن المشهور.
ابن حنبل.. قال بعدم التعارض المطلق بين القرآن والسنة
يعد الأمام أحمد ابن حنبل أحد الأئمة الأربعة المعتمدين لدى أهل السنة من حيث المذاهب الفقهية، إلا أن المشهور عن مذهبه التشدد في إصدار الأحكام مخافة مخالفة الشرع، ويترجم له مفتى الديار الأسبق قائلًا: «الإمام البارع المجمع على جلالته وإمامته وورعه وزهادته وحفظه، ووفور علمه أبو عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل، ولد ببغداد 164 ه، وتوفي 241 ه، من شيوخه سفيان بن عيينة، إبراهيم بن سعد، يحيى القطان، هشيم، ووكيع، ويقول عنه الشافعى: ما رأيت أعقل من أحمد بن حنبل، وسليمان بن داود الهاشمي».
ويعتمد ابن حنبل في مذهبه على خمسة أصول، أبرزها النص والمتمثل في القرآن والسنة، ثم ما أفتى به الصحابة، التخيير من بين أقوال الصحابة ما توافق مع النص القرآنى والسنة، ثم الاستعانة بالمرسل والحديث الضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه، ثم الارتكاز على القياس إذا وجدت ضرورة ملحة للاعتماد عليه.
ويعد النص صاحب المكانة الرفيعة عند ابن حنبل ما دامت نصوصه ثابتة وصحيحة، مرتأى في السنة البيان والتوضيح للقرآن فلا تقدم نصوصها على القرآن ولا يرى في نصوصهما تعارض ظاهريا كان أو خفيا، جاعلا الوقوف عند ظاهر النصوص أمرا ملزما إلا إذا وجد دليلا يوجب الصرف.
كما يتفق الحنابلة مع الجمهور في القول بحجية مفهوم الموافقة، أما مفهوم المخالفة فيقر بحجيته حتى إن لم يوافق البعض على ذلك، جاعلا رد المتشابه إلى المحكم في حكم الوجوب كون النصوص توافق بعضها بعضا ولا يؤخذ المتشابه على ظاهره دون النظر في كل الأدلة.
ويرى أحمد أن السنة مقدمة على ظاهر الآيات كونها مبينة للقرآن تقييدا مطلقا وتخصيصا لعامه وبيانا لمجمله، متخذا من تفسير الصحابة مرجعا في فهم معانى القرآن شرط عدم تعارضها مع النص القرآنى أو السنة، جاعلا من تفسير التابعين موضعا للتخيير بين الأخذ به أو الرفض.
وهو مع الجمهور في القول بوجوب العمل بالخبر الواحد، وأن الخبر المتواتر لا يولد العلم بنفسه بل يقع العلم عنده بفعل الله، وكذا القول بقبول العمل بقول الواحد في الحدود.
وفند جمعة ما يتردد على لسان الإمام أحمد من رفض القول بالإجماع قائلا: أما الإجماع فهو حجة عند الإمام أحمد وأصحابه، ويتفرد أحمد بالقول بسد الذرائع.
من المصطلحات التي اعتمدها المذهب الحنبلى ما هو صريح، ظاهر، مجمل، ما دل سياقه على معناه، ومنها القول بأهل الرأى ويقصد به أبوحنيفة والأشعرى، أهل السلف السنة ما عليه الصحابة والتابعون وأئمة الدين ممن شهدوا له بالإمامة دون من رمى ببدعة كالخوارج والروافض والقدرية والمرجئة والمعتزلة وغيرهم.
كذا القول ب«الشارح»، «الشرح» ويقصد بالأولى الشيخ شمس الدين عبدالرحمن ابن الشيخ أبى عمر محمد بن أحمد المقدسى، والشرح أي كتاب «شرح المقنع».
يقول جمعة: إن المرجح في معرفة الصحيح والترجيح في المذهب يرد إلى أصحابه، وقد حرر ذلك الأئمة المتأخرون، حيث اعتمدوا في معرفة الصحيح على ما قالوه، وفى مقدمتهم الشيخ الموفق في الكافى والنجم المسدد والشارح والشيخ تقى الدين، والشيخ زين الدين ابن رجب، وبين أن المقدم في الترجيح عند الاختلاف بينهم إلى ما قاله الشيخان الموفق والمجد، ثم ما وافق رأى أحدهما مقدمين الموفق على المجد، ثم ينظر فيمن شاركهما من الأصحاب لاسيما تقى الدين أو ابن رجب، مستشهدا في ذلك بما قاله ابن رجب في طبقاته حيث يقول: «وأهل زماننا ومن قبلهم يرجعون في الفقه من جهة الشيوخ والكتب إلى الشيخين الموفق والمجد».
من النسخة الورقية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.