حريق يلتهم 4 أفدنة قمح في قرية بأسيوط    متحدث الصحة عن تسبب لقاح أسترازينيكا بتجلط الدم: الفائدة تفوق بكثير جدًا الأعراض    بمشاركة 28 شركة.. أول ملتقى توظيفي لخريجي جامعات جنوب الصعيد - صور    برلماني: مطالبة وزير خارجية سريلانكا بدعم مصر لاستقدام الأئمة لبلاده نجاح كبير    التحول الرقمي ب «النقابات المهنية».. خطوات جادة نحو مستقبل أفضل    ضياء رشوان: وكالة بلومبرج أقرّت بوجود خطأ بشأن تقرير عن مصر    سعر الذهب اليوم بالمملكة العربية السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الأربعاء 1 مايو 2024    600 جنيه تراجعًا في سعر طن حديد عز والاستثماري.. سعر المعدن الثقيل والأسمنت اليوم    تراجع أسعار الدواجن 25% والبيض 20%.. اتحاد المنتجين يكشف التفاصيل (فيديو)    خريطة المشروعات والاستثمارات بين مصر وبيلاروسيا (فيديو)    بعد افتتاح الرئيس.. كيف سيحقق مركز البيانات والحوسبة طفرة في مجال التكنولوجيا؟    أسعار النفط تتراجع عند التسوية بعد بيانات التضخم والتصنيع المخيبة للآمال    رئيس خطة النواب: نصف حصيلة الإيرادات السنوية من برنامج الطروحات سيتم توجيهها لخفض الدين    اتصال هام.. الخارجية الأمريكية تكشف هدف زيارة بليكن للمنطقة    عمرو خليل: فلسطين في كل مكان وإسرائيل في قفص الاتهام بالعدل الدولية    لاتفيا تخطط لتزويد أوكرانيا بمدافع مضادة للطائرات والمسيّرات    خبير استراتيجي: نتنياهو مستعد لخسارة أمريكا بشرط ألا تقام دولة فلسطينية    نميرة نجم: أي أمر سيخرج من المحكمة الجنائية الدولية سيشوه صورة إسرائيل    جونسون: الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين داخل الجامعات الأمريكية نتاج للفراغ    قوات الاحتلال تعتقل شابًا فلسطينيًا من مخيم الفارعة جنوب طوباس    استطلاع للرأي: 58% من الإسرائيليين يرغبون في استقالة نتنياهو فورًا.. وتقديم موعد الانتخابات    ريال مدريد وبايرن ميونخ.. صراع مثير ينتهي بالتعادل في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    معاقبة أتليتيكو مدريد بعد هتافات عنصرية ضد وليامز    موعد مباراة الأهلي والإسماعيلي اليوم في الدوري والقنوات الناقلة    عمرو أنور: الأهلي محظوظ بوجود الشناوي وشوبير.. ومبارياته المقبلة «صعبة»    موعد مباريات اليوم الأربعاء 1 مايو 2024| إنفوجراف    ملف رياضة مصراوي.. قائمة الأهلي.. نقل مباراة الزمالك.. تفاصيل إصابة الشناوي    كولر ينشر 7 صور له في ملعب الأهلي ويعلق: "التتش الاسطوري"    نقطة واحدة على الصعود.. إيبسويتش تاون يتغلب على كوفنتري سيتي في «تشامبيونشيب»    «ليس فقط شم النسيم».. 13 يوم إجازة رسمية مدفوعة الأجر للموظفين في شهر مايو (تفاصيل)    بيان مهم بشأن الطقس اليوم والأرصاد تُحذر : انخفاض درجات الحرارة ليلا    وصول عدد الباعة على تطبيق التيك توك إلى 15 مليون    إزالة 45 حالة إشغال طريق ب«شبين الكوم» في حملة ليلية مكبرة    كانوا جاهزين للحصاد.. حريق يلتهم 4 أفدنة من القمح أسيوط    دينا الشربيني تكشف عن ارتباطها بشخص خارج الوسط الفني    استعد لإجازة شم النسيم 2024: اكتشف أطباقنا المميزة واستمتع بأجواء الاحتفال    لماذا لا يوجد ذكر لأي نبي في مقابر ومعابد الفراعنة؟ زاهي حواس يكشف السر (فيديو)    «قطعت النفس خالص».. نجوى فؤاد تكشف تفاصيل أزمتها الصحية الأخيرة (فيديو)    الجزائر والعراق يحصدان جوائز المسابقة العربية بالإسكندرية للفيلم القصير    حدث بالفن| انفصال ندى الكامل عن زوجها ورانيا فريد شوقي تحيي ذكرى وفاة والدتها وعزاء عصام الشماع    مترو بومين يعرب عن سعادته بالتواجد في مصر: "لا أصدق أن هذا يحدث الآن"    حظك اليوم برج القوس الأربعاء 1-5-2024 مهنيا وعاطفيا.. تخلص من الملل    هل حرّم النبي لعب الطاولة؟ أزهري يفسر حديث «النرد» الشهير (فيديو)    هل المشي على قشر الثوم يجلب الفقر؟ أمين الفتوى: «هذا الأمر يجب الابتعاد عنه» (فيديو)    ما حكم الكسب من بيع وسائل التدخين؟.. أستاذ أزهرى يجيب    هل يوجد نص قرآني يحرم التدخين؟.. أستاذ بجامعة الأزهر يجيب    «الأعلى للطرق الصوفية»: نحتفظ بحقنا في الرد على كل من أساء إلى السيد البدوي بالقانون    إصابات بالعمى والشلل.. استشاري مناعة يطالب بوقف لقاح أسترازينيكا المضاد ل«كورونا» (فيديو)    طرق للتخلص من الوزن الزائد بدون ممارسة الرياضة.. ابعد عن التوتر    البنك المركزي: تحسن العجز في الأصول الأجنبية بمعدل 17.8 مليار دولار    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    "تحيا مصر" يكشف تفاصيل إطلاق القافلة الإغاثية الخامسة لدعم قطاع غزة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط.. صور    أفضل أماكن للخروج فى شم النسيم 2024 في الجيزة    اجتماعات مكثفة لوفد شركات السياحة بالسعودية استعدادًا لموسم الحج (تفاصيل)    مصدر أمني ينفي ما تداوله الإخوان حول انتهاكات بسجن القناطر    رئيس تجارية الإسماعيلية يستعرض خدمات التأمين الصحي الشامل لاستفادة التجار    الأمين العام المساعد ب"المهندسين": مزاولة المهنة بنقابات "الإسكندرية" و"البحيرة" و"مطروح" لها دور فعّال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النفي والقتل.. نهاية أليمة لمعركة التشدد الديني مع التنويريين
نشر في البوابة يوم 14 - 04 - 2015


إعداد: زياد إبراهيم
إشراف: سامح قاسم
فتحت حادثة حرق الكتب في إحدى مدارس محافظة الجيزة- أمام التلاميذ بذريعة أنها تحض على التشدد والكراهية، من قبل حفنة من الموظفين غير المطلعين- الباب واسعًا للحديث عما يقترفه المتشددون دينيا ضد المبدعين والمثقفين، خاصة أنه كان من أبرز العناوين التي حرقت كتاب "الإسلام وأصول الحكم" للمفكر الكبير الراحل علي عبدالرازق.
ولو علم الموظفون بالمدرسة أهمية هذا الكتاب ما حرقوه أمام التلاميذ، وكان الحال هو العكس تمامًا، ويأمل موقع البوابة في أن يلتفت السادة القائمين على العملية التعليمية في مصر وتقرير هذا الكتاب على طلاب المرحلة الثانوية، كنوع من رد الاعتبار للمفكر الراحل علي عبدالرازق.
وأعادت عملية حرق الكتب إلى الأذهان صور محاكم التفتيش التي كانت في العصور الوسطى، وحرق كتب المؤلفين ولعل من أبرزهم الفيلسوف ابن رشد الأندلسي الذي أجبروه على مشاهدة حرق كتبه في ساحة إشبيلية أمام العامة بدعوة أنها تحرض على الفسق والفجور.
وعادة ما يتعرض المفكرون أصحاب الرسالات إلى حرق كتبهم أو قتلهم أو نفيهم من أوطانهم أو عزلهم من وظائفهم، ودعونا نستعرض بعض أشهر المشاكل التى وقعت في مصر في الفترات الماضية خاصة من مشارف القرن العشرين حتى نهايته.
ونبدأ بعرض سريع لكتاب الإسلام وأصول الحكم للمفكر الكبير علي عبدالرازق ثم ننتقل في رحلة سريعة وقراءة متأنية لأزمة طه حسين في كتابه "الشعر الجاهلي" ومنه ننتقل إلى الفيلسوفة الملقبة ب" سيمون دي بوفوار العرب" نوال السعداوي، ثم فرج فودة ونصر حامد أبوزيد، وأخيرًا نجيب محفوظ.
البداية: الإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرازق
الناشر: ثلاث طبعات فى القاهرة 1925، وفى بيروت 1966 ، وفى مجلة الطليعة المصرية عام 1971 ، وفى بيروت مرة رابعة 1973 ، وفى القاهرة عام 1993 ضمن سلسلة "المواجهة والتنوير".
تضمن الكتاب هجومًا على مؤسسة الخلافة، لأنها ليست أصلا من أصول الحكم في الإسلام بل طرأت عليه في عصور متأخرة وأن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة لم يتطرقا لموضوعها أو هى ليست حكما من أحكام الدين الإسلامي وإن اتفاق المسلمين لم ينعقد قط على خليفة.
وقال الكتاب أيضاً: إن الملك فؤاد فى وقت كان يتطلع إلى الخلافة وسط سباق محموم بين أمراء المسلمين للحصول على مركز الخلافة لأنفسهم، ولأن الخلافة فى رأى المؤلف ليست أصلا من اصول الدين فلا داع لوجود خليفة، وبالتالي لا داع لأن يترشح الملك فؤاد للخلافة.
كما اعتقد المؤلف أن كل ما جاء به الإسلام من عقائد ومعاملات وآداب وعقوبات إنما هو شرع ديني خالص لله ولمصلحة البشر الدينية لا غير.
وبالجملة فقد أراد المؤلف أن يضع أساس عزلة القداسة عن الحكومات والأئمة والحاكمين تأسيساً عن أن الخلافة نظام سياسي وليست من أصول الدين، وبذلك وضع أساساً لمحاسبة المحكومين للحاكمين.
وأدى ظهور هذا الكتاب- الإسلام وأصول الحكم- إلى حال غير عادية في مصر وأثار رجال الدين ورجال القانون، وفى الحيز الديني كان هناك رأيان متباينان يرى أحدهما -ويمثله علماء الازهر- إفراطا في حرية الرأي وخروجًا عن حد المعتقدات، استحق المؤلف بسببهما محاكمته أمام هيئة كبار العلماء الأزهريين وإخراجه من زمرتهم، بينما رأى آخرون من طبقة المتعلمين والمفكرين أنه مجرد بحث اجتماعي بريء سلك مؤلفه فيه منهجًا استقرائيًا جديدًا.
ومن الجهة القانونية، أدى ظهور الكتاب ومحاكمة مؤلفه إلى خلاف بين عبدالعزيز فهمى باشا وزير الحقانية، ورئيس حزب الأحرار الدستوريين، يحيى إبراهيم باشا رئيس الوزراء بالنيابة، ورئيس حزب الاتحاد، فرأى الأول أن ما ذهب إليه الشيخ عبدالرازق خطأ في رأي ديني قد لا يستلزم إخراجه من وظيفته القضائية، وأن هيئة كبار العلماء غير مختصة بالنظر فى مثل هذا الحال، أما الثاني فيرى رأى هيئة كبار العلماء في أنه أخطأ في رأي ديني يبعده عن منصة القضاء الشرعي.
وقد هاجم الكتاب والمؤلف صحف البلاغ والأهرام والمقطم ومجلة المنار، التي اتهم صاحبها محمد رشيد رضا المؤلف بالزندقة والإلحاد، ووصفه الشيخ محمد قنديل في البلاغ بأنه "نار محرقة"
وفى المقابل تصدى أنصار حرية الفكر للدفاع عن الكتاب وعن حرية التفكير والرأي المكفولة في الدستور وأبرزهم عباس العقاد وسلامة موسى وأحمد حافظ عوض ود. منصور فهمى.
غير أن الكتاب اثار جدلاً من نوع آخر، حين أعلن الشيخ أحمد حسن مسلم، عضو مجمع البحوث الاسلامية في 1989 بما أسر له به الشيخ على عبد الرازق من أن المؤلف الحقيقي للكتاب هو د. طه حسين وليس على عبد الرازق، وكان ذلك فيما بين 1942 ، 1948، ولأن الشيخ مسلم رجل لا غبار عليه فقد أثارت شهادته الأوساط الثقافية والدينية، وشككوا في هذه الشهادة على الرغم من وجود خبر أن الشيخ على عبد الرازق قد تراجع عما جاء في كتابه قبل وفاته والذى نفته قطعا ابنته د.سعاد على عبد الرازق، مؤكدة أن والدها لم يتراجع وإنه يملك من الشجاعة ما يجعله يواجه الناس بتراجعه ويعلن موقفه الجديد على الملأ.
وفى يونيو 1966 وقبل وفاة الشيخ على عبدالرازق بشهور قليلة ذهب إليه الاستاذ محمود أمين العالم يستأذنه فى إعادة طبع كتابه فكان سعيدًا وحريصًا على أن يؤكد له أنه ما تخلى ولن يتخلى عن كتابه أبداً، وكان الحديث عن إعادة طبع الكتاب قد أثارت في نفسه الجرح القديم فقال له: لم أعد احتمل مغامرة جديدة، اطبعوا الكتاب على مسئوليتكم ولا تطلبوا منى إذنا بغير ضمان أكيد اطمئن إليه.
وهذا معناه أن الشيخ على عبد الرازق قد وافق على إعادة طبع الكتاب|، ومعناه أنه لم يتراجع عن أفكاره وتبقى قضية نسبة الكتاب إلى طه حسين وشهادة الشيخ مسلم في ذلك لغزاً ربما تنجلي أسبابه يوما ما.
ثانيًا: المفكرون على درب طه حسين "في الشعر الجاهلي"
كتب الدكتور طه حسين كتابه "في الشعر الجاهلي"، وهي قضية قديمة لم يعشها جيلنا كله، ولا حتى جيل آبائنا، ولولا ولع الكاتب الكبير خيري شلبي، بالكتب القديمة، وأمهات الكتب التي سار يبحث عنها في كل مكتبات مصر، لكان جيلنا الآن لا يعرف عن تلك القضية إلا القليل.
فقد وجد الأديب الراحل خير شلبي كُتيباً كان يصفه بأنه «كتيب صغير جدًا لا يزيد عن ملزمة واحدة، أشبه بإمساكية رمضان، مطبوعة على ورق أصفر قديم، ومكتوب على غلافه.. قرار النيابة في الشعر الجاهلي، بإمضاء محمد نور، النائب العام الذي حقق مع طه حسين.
تعود وقائع القضية إلى تاريخ 30 مايو سنة 1926 حيث تقدم في هذا التاريخ الشيخ خليل حسنين الطالب في القسم العالي في الأزهر، إلى النائب العام العمومي، يتهم فيه طه حسين، وكان يعمل حينها أستاذاً في الجامعة المصرية، بالطعن الصريح في القرآن الكريم.
وفي 5 يونيو سنة 1926م، أي في خلال أسبوع من البلاغ الأول، أرسل شيخ جامع الأزهر إلى النائب العام، تقريراً رفعه علماء الأزهر عن كتاب "في الشعر الجاهلي"، يتهمون طه حسين بالافتراء على النبي الكريم، وكَذب فيه القرآن صراحة، وجاء فيه بما يخل بالنظم العامة، ويدعو فيه الناس إلى الفوضى.
وفي تاريخ 14 سبتمبر من العام نفسه، تقدم «عبدالحميد اللبنان»، عضو مجلس النواب حينها، إلى محمد نور النائب العام ببلاغ آخر، يتهم فيه الدكتور طه حسين، بنشر وتوزيع كتاب «في الشعر الجاهلي»، تعدى فيه على الدين الإسلامي.
وأشار محمد نور في كتابه "قرار النيابة في الشعر الجاهلي"، إلى أن البلاغات التي تلت البلاغ الأول كان يقف خلفها شخص واحد تقريباً، وقد ركزت البلاغات في مجملها على تكفير طه حسين وحساسية موقفه كأستاذ جامعي له على طلابه، وبالتالي لا بدّ من تجريده من جميع الشهادات العلمية التي حصل عليها، ولو كانت زوجته السيدة سوزان طه حسين مصرية مسلمة لرفعوا ضده الأمر إلى المحكمة مطالبين بتطليقها منه.
وكتب محمد نور في كتابه الذي وثق فيه التحقيق: اتضح من أقوال المبلغين أنهم ينسبون للمؤلف أنه طعن على الدين الإسلامي في مواضع أربعة:
أولاً: إن المؤلف أهان الدين الإسلامي بتكذيب القرآن الكريم في أخباره عن إبراهيم وإسماعيل حيث ذكر في ص 26 من كتابه "للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضاً، ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي".. ونحن مضطرون إلى أن نرى في هذه القصة نوعاً من الحيلة في إثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة، وبين الإسلام واليهود والقرآن من جهة أخرى" إلى آخر ما جاء في هذا الصدد.
ثانيًا: ما تعرض له المؤلف في شأن القراءات السبع المجمع عليها والثابتة لدى المسلمين جميعاً وأنه في كلامه عنها يزعم عدم إنزالها من عند الله، وأن هذه القراءات إنما قرأتها العرب حسب ما استطاعت، لا كما أوحى الله بها إلى نبيه.
ثالثًا: ينسبون للمؤلف أنه طعن في كتابه عن النبي صلى الله عليه وسلم طعناً فاحشاً من حيث نسبه فقال في ص 72 من كتابه: "ونوع آخر من تأثير الدين في انتحال الشعر وإضافته إلى الجاهليين وهو ما يتصل بتعظيم شأن النبي من ناحية أسرته ونسبه إلى قريش، فلأمر ما اقتنع الناس بأن النبي يجب أن يكون صفوة بني هاشم وأن يكون بنو هاشم صفوة بني عبدمناف، وأن يكون عبدمناف صفوة بني قصي، وأن يكون قصي صفوة قريش، وقريش صفوة مضر، ومضر صفوة عدنان، وعدنان صفوة العرب، والعرب صفوة الإنسانية كلها.
رابعاً: أن المؤلف أنكر أنّ للإسلام أولية في بلاد العرب وأنه دين إبراهيم حيث يقول في ص81: «وشاعت في العرب أثناء ظهور الإسلام وبعده فكرة أن الإسلام يجدد دين إبراهيم، ومن هنا أخذوا يعتقدون أن دين إبراهيم هذا قد كان دين العرب في عصر من العصور».
ولكن هذه النصوص التي ورد فيها الاتهام كانت مجتزأة، جزءاً من فقرة من صفحة، وهذا ما اكتشفه النائب العام محمد نور الذي لعب دوراً هاماً في هذه القضية.
وجاء في قرار النائب العام: "إن العبارات التي يقول فيها المبلغون أن طه حسين طعن فيها على الدين الإسلامي، إنما جاءت في سياق الكلام متعلقة بالغرض الذي ألف من أجله الكتاب، ومن أجل الفصل في هذه الشكوى لا يجوز انتزاع تلك العبارات من موضوعها والنظر إليها منفصلة، ولكن الواجب تقديرها ومناقشتها في السياق الذي وردت فيه.
وفي رأي القانون يشير إلى المادة 12 من الأمر الملكي رقم 42 لسنة 23 التي نصت على وضع نظام دستوري للدولة قائم على أن حرية الرأي مكفولة، ولكل إنسان الإعراب عن فكره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو بغير ذلك في حدود القانون، ثم المادة 149 منه نصت على أن الإسلام دين الدولة فلكل إنسان حرية الاعتقاد بغير قيد ولا شرط وحرية الرأي موجودة في القانون.
وفي النهاية يصدر محمد نور القرار وحيثياته في مارس 1927: "ومما تقدم يتضح أن غرض المؤلف لم يكن مجرد الطعن والتعدي على الدين بل إن العبارات الماسة بالدين التي أوردها في بعض المواضع من كتابه إنما قد أوردها في سبيل البحث العلمي مع اعتقاده أن بحثه يقتضيها، وحيث إنه من ذلك يكون القصد الجنائي غير متوفر، فلذلك تحفظ الأوراق إدارياً".
وقد رأى النائب العام أن توثيق حيثيات الحكم في كتاب، يحسمها لصالح الديمقراطية.
وما أشبه الليلة بالبارحة، إن ما تعرض له طه حسين، لا يختلف نهائياً عن ما يتعرض له مفكرو اليوم، ولكن «طه حسين» كان محظوظًا ب"محمد نور".
وفي نهاية الأمر، ولتهدئة الأمور، قام طه حسين بنشر الطبعة الثانية منه منقحة، وحذف منها فصلاً، وأضيفت إليها عدة فصول، وغير عنوانه إلى "في الأدب الجاهلي".
نوال السعداوي تشعل الحرائق وتعالج بالصدمات:
بشرة سمراء عنيدة، لها شعر أبيض، وضحكة ساخرة، أعين مفتوحة لرؤية العالم بوضوح، تريد أن تمتلك حريتها كاملة، انها الدكتورة والكاتبة نوال السعداوي، أحد أقطاب المدافعين عن حقوق الإنسان والمرأة، والتى دفعت ثمنا غاليا لهذه الحرية، بما فيها السجن وتشويه السمعة والتهديد بالموت.
تنوعت ألقابها، بداية من "سيمون دي بوفوار العرب"، إلى "المرأة الحديدية" وصولاً إلى "الساحرة الشمطاء"، وذلك بناء على تنوع الآراء فيها وفي شخصيتها وأفكارها.
وتتبنى الكاتبة أسلوب الصراحة الصادمة في كل كتاباتها، ونستعرض هنا 6 كتب كمثال لأساليب المنع التي يتعرض لها الكاتب:
– كتاب "أوراق حياتي" وهو عبارة عن مذكراتها الشخصية، تجدها محاطة منذ طفولتها بأحاديث وحكايات وإرث زاخر بالجنس والعلاقة بين المرأة والرجل، حتى إنها اتهمت جدها في هذا الكتاب بالتحرش بها وهي صغيرة.
وتحكي نوال تجارب أزواجها الثلاثة، فهي تلقي بجمل وعبارات من عينة «كنت قد تزوجت للمرة الأولى تحت اسم الحُبِّ الكبير، قصة طويلة بدأت وأنا في العشرين من العمر فتاة عذراء، وانتهت وأنا في السادسة والعشرين، زوجة عذراء تحولت إلى أم عذراء، ثم تحررت بالطلاق.
– رواية "سقوط الإمام" التي منعها الأزهر، تقول السعداوي إن الإمام هنا، هو الزعيم السياسي الذي يستخدم الدين ويوظفه لأغراض سياسية، والإدانة تلحق بكل من كانوا على شاكلته، وحتى فى أمريكا وأوروبا هناك استغلال للدين فمثلا بوش نفسه يستند لقوة مسيحية أصولية يمينية متطرفة وخطيرة وكذلك شارون مثله وسط اليهود المتطرفين.
– رواية "الحب في زمن النفط" تم منعها من التوزيع في معارض القاهرة وتونس، وهي رواية عن امرأة خرجت في إجازة، تحاول باستمرارية الهروب ودائمًا محاولاتها فاشلة، حتى استطاعت في آخر مرة الخروج ولم تعد، رواية صودرت واتهمت مؤلفتها بالردة، لأنها طالبت بتحرر المرأة من القيود المجتمعية، استنكرت فيها رغبة الرجل في السيطرة واستسلام المرأة.
– كتاب "الوجه العاري للمراْة العربية" تهاجم فيه قهر المرأة وتقول: إن الثقافة الإسلامية أو العربية ليست هي الثقافة الوحيدة التي حولت المرأة إلى سلعة أو عبدة، ولكن الثقافتين الغربية والمسيحية أيضاً فعلتا ذلك، بل إن قهرها للمرأة كان أشد وأفدح، وإن اضطهاد المرأة لا يرجع إلى الشرق أو الغرب أو الإسلام أو الأديان، ولكنه يرجع أساساً إلى النظم الطبقية الأبدية في المجتمع البشري كله.
– رواية "امرأة عند نقطة الصفر" وهي من كتب نوال السعداوي المثيرة للجدل أيضًا، نجدها تحكي عن فردوس المرأة الخاضعة المظلومة من أب يعيش الازدواج .. وحياة تشوبها الخطيئة والأحلام والصدق والانهزام الأنثوي، امرأة حكم عليها بالإعدام بتهمة قتل رجلين، لا تأكل ... لا تنام .. وتنعزل عن المسجونات وتبحر في فضاء خيالها الصامت وترفض بشدة لقاء أحد، وبعد محاولات كثيرة وجدت نفسها أمام الطبيبة النفسية.
– كتاب "المرأة والجنس" الذي أثار ضجة كبيرة، لكشفه بعض الحقائق المجتمعية التى لا نقوى على الاعتراف بها، تحدثت فيه عن الانحرافات الجنسية للرجال، وتذكر نوال "أن الأزواج الرجال لا يؤرقهم أو يخيفهم أن يطردوا من أعمالهم أو يجوعوا أو يتعروا ولكن يؤرقهم دائما أن يفقدوا قوتهم الجنسية يوماً ما وذلك لأن هذا العجز يعنى أن زوجته سوف تبحث عن رجل آخر وليس هناك رجل في العالم يتخيل أن تذهب زوجته لرجل آخر لتستمتع بين أحضانه".
نشرت نوال هذا الكتاب الذي كتبت فيه ضد المحظورات والمحرمات السائدة ومنها ختان المرأة، كما ربطت المشاكل الجنسية بالقمع السياسي والاقتصادي، ولكن منع توزيعه من قبل السلطات السياسية والدينية، ولم تسلم نوال لا من السلطة ولا من الجماعات المتطرفة، فواجهت أصعب أيام حياتها.
ففي عام 1972، فقدت وظيفتها في وزارة الصحة المصرية بسبب كتاب المرأة والجنس، وفي عام 1973، أغلقت الحكومة مجلة الصحة، التي أسستها، وكانت تحررها لأكثر من 3 سنوات، ثم اعتقلت في عام 1981 لمعارضتها اتفاقية السلام مع إسرائيل، وأطلق سراحها في نهاية نوفمبر 1981، بعد شهرين من اغتيال السادات، ودونت كتابها "مذكراتى فى سجن النساء" على لفة من ورق تواليت وقلم حواجب تم تهريبها إلى زنزانتها من قبل امرأة، وبداية من 1988 نهاية إلى 1993، ظهر اسمها على قوائم الإعدام الخاصة بالمنظمات السياسية والدينية المتعصبة.
وأغلقت الحكومة مجلة "نون" التى كانت هي رئيس تحريرها، وتصدر عن جمعية تضامن المرأة العربية التي كانت ترأسها، وبعدها ب6 أشهر وفي يوم 15 يونيو 1991، أصدرت السلطة مرسومًا لإغلاق جمعية تضامن المرأة العربية.
وفي عام 2001 ، تم منع 3 كتب لها في معرض القاهرة الدولي، واتهمت بالردة عام 2002 من قبل محام أصولي، ورفع دعوى قضائية ضدها لتطلق بالقوة من زوجها الدكتور شريف حتاتة، ولكن فازت بالقضية بسبب التضامن المصري والعربي والدولي.
لم تدخل نوال السعداوي أي حزب سياسي، وذهبت كمتطوعة للأردن في معركة الكرامة، تدربت على السلاح وحاربت مع الفدائيين.
كانت وما زالت ترى أنه ما دامت الكتابة تتدفق، والأفكار تهز المياة الراكدة، فلماذا نبالي بالحرائق التى يشعلونها من حولنا؟ّ، حقًا إنها نوال السعداوي المرأة التى تشعل الحرائق وتعالج بالصدمات.
رابعاً: فرج فودة أزاح ستار الجهل.. فقتلوه:
توقفتُ كثيراً أمام الحالة الإنسانية التي وثقها الكاتب الكبير فرج فودة، في إهدائه كتاب "نكون أو لا نكون" – كتابنا الأول – ، والذي ناقش فيه أسباب ظهور الإرهاب.
والحالة باختصار شديد أن كاتبنا كان يحتفل بعيد ميلاد ابنه أحمد، ولكن رفض زملاء ابنه الحضور لأن آباءهم قالوا عنه: إنه كافر.
وكان نص الإهداء: "إلى زملاء ولدي الصغير أحمد، الذين رفضوا حضور عيد ميلاده، تصديقاً لمقولة آبائهم عني.. إليهم حين يكبرون، ويقرأون، ويدركون أنني دافعت عنهم وعن مستقبلهم، وأن ما فعلوه كان أقسى عليَّ من رصاص جيل آبائهم".
وكل ما يرفضه الكاتب هو الفهم السطحي للدين، وخاصة استعداد العقل للتسليم بالقصص الخرافية، دون التأكد من صحة الواقعة.
فيروي الكاتب، عن حادثه شهدها وهو طفل في العاشرة من عمره، حيث حضر جنازة لرجل اسمه "أبوسماعين" – نعم بالنون -، وكل ما شاهده أن بعضاً من السذج أخذوا يهتفون دون سبب حول النعش «طاوعنا وروح المدفن»، وتحول الأمر إلى أن من في آخر الجنازة صاح "إن النعش يطير"، وازداد صياح الناس حول النعش، وتحول الأمر فجأة إلى حالة من الفوضى، إلى أن هتف أحدهم «روح المدفن وسنبني لك مقاماً»، فطاوعهم النعش وذهب، ودفن، ولكن فرج فودة يقول إنه لم ير نعشاً يطير ولا يحزنون.
وبُني المقام، وأصبح طيران النعش حقيقة لا يختلف عليها اثنان الآن، وبعضهم أقسم أن النعش بعد أن طار سار فى جميع طرقات البلدة وحده، ثم عاد وحده إلى مدفنه.
والآن، يقام سنوياً أكبر مولد في البلدة للشيخ أبوإسماعين، الذي أصبح مقامه أكبر المقامات في مدافن البلدة، والذي لا يسأل أحد عن أصله وفصله، ويكتفي الجميع بترديد قصة طيرانه.
ويروي فرج فودة حادثة أخرى عن مولد يقام في بلدته لشيخ يسمى "سيدي الأحباس"، وهو شخصية اختلقها فودة بنفسه مع أصدقائه في مرحلة الصبا، وادعى حينها أن تلك الشخصية زارته في المنام، وأمرته بإقامة مولد لها، فصدقهم رجل ممن يهوون الخرافات، وبالفعل أصبح لسيدي الأحباس مولد.
بل ويزيد فودة ويقول: "والأكثر طرافة أن بعض من شاركوني في اختلاق القصة، شاركوا في سنوات تالية بحماس في الاحتفال بالليلة الكبيرة للقطب العظيم سيدي الأحباس".
وأرجع فودة أحد أهم أسباب انتشار الإرهاب إلى التهجير العشوائي الذي يحدث من أهل القرى إلى المدن الكبرى كالقاهرة خلال النصف الثاني من القرن العشرين، بحملهم ثقافة التدين السطحي، حيث أصبحت المناطق العشوائية المحيطة بالمدن الكبرى والتي تنتمي للمدن جغرافياً وإدارياً، وللريف اجتماعياً وحضارياً، هي مناطق توريد التطرف والإرهاب السياسي الديني.
وهو ما عده النتيجة العكسية للهدف الرئيسي من التنوير المتمثل في "تمدين الريف"، أي نشر التفكير العلمي المعمق لجوهر الدين، بدلاً من التفكير الخرافي المؤدي إلى التدين السطحي، وصناعة الإرهاب.
وكانت بداية الصِّدام الحقيقي مع الجماعات المتطرفة، حين طالب فودة علانية بعلمانية الدولة في كتابه الثاني "حوار حول العلمانية".
وكتب فودة في تعريف لمصطلح العلمانية: "إن تعريف العلمانية يشوبه الكثير من الغموض، مما ساعد أنصار الدولة الدينية على إشاعة أنها مفهوم إلحادي يتراوح بين الكفر الضمني إلى الردة التي لا شبهة فيها".
"وفي المقابل، فقد تراجع أنصار الدولة المدنية من الحزب الحاكم أو المعارضة المدنية عن إعلان اللفظ أو التمسك به، إما تخوفاً أو طمعاً في الأصوات الانتخابية".
ويتحسر فرج فودة في نفس مقاله: "نجد أقواماً يخيرون الشعب بين الإسلام والعلمانية، وكأنهما طرفا نقيض، أو كأن المسلم لا يكون علمانياً، وأنّ العلماني ليس مسلماً".
وهنا وضع فودة نفسه وجهاً لوجه أمام الجماعات المتطرفة دون حماية من السلطة الطامعة في الأصوات الانتخابية، والتي تساعد بشكل أو بآخر في تنمية التيار المتطرف.
وفي كتابه الثالث "الإرهاب" يوثق فودة فترة تاريخية من عمر مصر شهدت حدة من عمليات العنف باسم الدين، بل ويصفها ويحللها موثقاً آراءه بشواهد من عصره وبشواهد من تاريخ مصر القريب.
وعندما تقرأ عن هذه الفترة من عمر مصر – أواخر الثمانينيات – ستجد بذور أو جذور أزمة نعيشها نحن اليوم، أو ربما كانت أزمة الحاضر، وهي تكرار صورة طبق الأصل من أزمة الماضي.
شعرت بعدها الجماعات الدينية المتطرفة بخطورة أفكار كاتبنا، وفي 8 يونيو عام 1992 قبيل أيام من عيد الأضحى، انتظر شابان من الجماعة الإسلامية، هما: أشرف سعيد إبراهيم، وعبدالشافي أحمد رمضان، على دراجة بخارية أمام "الجمعية المصرية للتنوير"، وعند خروجه من الجمعية بصحبة ابنه أحمد وصديق، انطلق أشرف إبراهيم بالدراجة البخارية وأطلق عبدالشافي رمضان الرصاص من رشاش آلي، أثناء توجههم لركوب سيارة فرج فودة، فأصابه إصابات بالغة بينما أصاب صديقه وابنه إصابات طفيفة، وانطلقا هاربين.
وحملت سيارة إسعاف فرج فودة إلى المستشفى، حيث قال وهو يحتضر: "يعلم الله أنني ما فعلت شيئاً إلا من أجل وطني".
والمأساة الحقيقة كانت في التحقيق مع عبدالشافي رمضان أحد قاتليه، والذي أعلن أنه قتل فرج فودة بسبب فتوى الدكتور عمر عبدالرحمن مفتي الجماعة الإسلامية، وبسؤاله: أي من كتبه عرفت أنه مرتد، فأجاب بأنه لا يقرأ ولا يكتب.
قتل فرج فودة على إثر اتهامه بالكفر والإلحاد، وتحول الإهداء الذي كتبه إلى طوق أمانة في رقاب جيل رفض حضور عيد ميلاد ابنه.
يذكر أن فرج فودة ولد في 20 أغسطس 1945 في قرية الزرقا في محافظة دمياط، وهو حاصل على ماجستير العلوم الزراعية ودكتوراه الفلسفة في الاقتصاد الزراعي من جامعة عين شمس، طالب كثيراً في مقالاته بفصل الدين عن السياسة، وليس فصل الدين عن الحياة.
خامسًا: نصر حامد أبوزيد عاش غريبا ودُفن غريبا:
نصر حامد أبو زيد: من مواليد مدينة طنطا عاصمة محافظة الغربية عام 1943، حصل على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية من قسم اللغة العربية عام 1972، عمل في آخر أيامه أستاذاً زائراً في جامعة لايدن في هولندا.
أفلت من محاولات عديدة لقتله معنوياً، ورفض تصنيم النصوص، حيث كان أبوزيد يمثل فكراً تنويرياً يستند إلى قاعدة علمية وفكرية وإيمانية صلبة.
دافع عما يؤمن به خاصة مبدأ إثارة التساؤل، وكان يرى أن خير الحوار ما كان جماعياً، وأن طرق البحث والتحليل هي المطلوبة دائماً.
– الكتاب الأول: "دوائر الخوف في خطاب المرأة"، صدر عام 1999 عن المركز الثقافي العربي، وهو من الكتب الممنوعة حينها، واتُخِذ هذا الكتاب دليلاً على ارتداد المؤلف عن دينه.
في هذا الكتاب لن يجد القارئ سوى اجتهادات في فهم القرآن الكريم، وتعاليم النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم، وذلك لفهم واحدة من أهم القضايا المجتمعية المطروحة للنقاش دائمًا وهي قضية المرأة.
سعى أبوزيد للبحث في النص القرآني، وفق مفهوم أن الإسلام أجاز الاجتهاد، وكان يرى أن الاجتهاد كان خاضعاً دائماً لظروفه التاريخية، وأن التفسير ارتبط بحاجات كل عصر وثقافته، مستنداً في ذلك إلى الموروث الثقافي والاجتماعي.
– الكتاب الثاني: "الخطاب والتأويل" صدر عن المركز الثقافي العربي عام 2000، وقع في 268 صفحة، حيث أخذنا الراحل في هذ الكتاب في رحلة فكرية تقارن الخطاب السلفي بداية من أبي حامد الغزالي، وانتهاءً بالخطاب المستنير الذى أصله ابن رشد وسار على دربه مفكرو الاستنارة "علي عبد الرازق، وطه حسين".
حاول أبوزيد في هذا الكتاب استحداث نهج جديد يعمق علم تحليل الخطاب نظرياً وتطبيقياً لأنه كان يرى أن الخطابات تستعير أدوات بعضها بعضاً، وتسمح لنفسها أحياناً باستعارة مقولات الخطاب الخصم وتعيد تأويلها حتى تتمكن من توظيفها في سياقها الخاص.
– الكتاب الثالث: "فلسفة التأويل.. دراسة في تأويل القرآن عند محي الدين بن عربي"، يتناول الكتاب أول دراسة من نوعها لكتاب بن عربي والذى منع من التوزيع في العالم العربي، يقع الكتاب في 426 صفحة.
– الكتاب الرابع: "نقد الخطاب الديني"، ويرى أبو زيد في هذا الكتاب أن التكفير سمة أساسية من سمات الخطاب الديني، وهي سمة لا تفارق الخطاب سواء وصفناه ب"الاعتدال" أو ب"التطرف"، كما يعتمد هذا الخطاب على آلية النقل دون تدبر وتفكر، مفتقداً إلى أبسط آليات التفكير العقلي.
– الكتاب الخامس: "التفكير في زمن التكفير"، ويروي أبو زيد في هذا الكتاب قصته مع عبد الصبور شاهين، الذي اتهمه بالكفر.
ويقول أبو زيد في كتابه عن هذه الواقعة: "هذا الرجل يعني عبد الصبور شاهين، الذي يشع نوراً وتقوى، وتدمع عيناه وهو يصف أحوال المسلمين وتخلفهم الفكري، يلجأ إلى سلاح العجزة من الجهال والصبية .. سلاح التكفير، ولأن شاهين ليس فردأ بل مؤسسة، فقد تداعى إلى نداء التكفير كل صبيانه، ومكمن الخطورة هنا أن يبارك أساتذة جامعيون ممارسة الاختلاف الفكري في قاعة المحكمة بدلاً من منابر الفكر".
يذكر أن نصر أبوزيد في ذلك الوقت كان أستاذاً مساعداً في هيئة تدريس جامعة القاهرة، كلية الآداب، قسم اللغة العربية، وقد تقدم حينها برسالة عنوانها نقد الخطاب الديني من أجل حصوله على ترقية علمية ليحصل على لقب أستاذ، لكن تقريراً تقدم به د.عبد الصبور شاهين، رئيس لجنة الترقيات، فجّر القضية، إذ تحولت القضية من مجرد رفض للترقية إلى اتهام بالردة.
وعلى إثر هذا التقرير نشأت معركة فكرية واسعة، بين أنصار أبو زيد، وبين المؤيدين لتقرير عبد الصبور شاهين، بل تطور الأمر إلى رفع مجموعة من المحامين دعوة حسبة، تطالب بالتفريق بين نصر وزوجته ابتهال يونس، ودارت مساجلات قانونية وفقهية طويلة انتهت بهجرة نصر حامد وزوجته من مصر، والعمل بالتدريس في إحدى الجامعات الهولندية.
حتى مرض ليضع حداً لمشروعه المميز، وهو في عز العطاء، وفارق الحياة صباح الاثنين 5 يوليو 2010 في التاسعة صباحاً في مستشفى زايد التخصصي، ودفن في مقابر أسرته في منطقة قحافة في مدينة طنطا بعد صلاة العصر، وأصبحت كتبه الآن هي الكتب الأكثر مبيعاً في الوطن العربي.
سادسًا: نجيب محفوظ عاش كل العصور في زمن واحد:
عاش ببساطة في قلب الحارة المصرية، جلس على المقهى بين البسطاء والأعيان، وبلغة سهلة تواصل مع كل الأطياف، وعلى الورقة كان صديقًا للوصف الدقيق،إنه نجيب محفوظ.
وُلد الروائي المصري الكبير نجيب محفوظ في حي الحسين بالقاهرة عام 1911، وهو ابن الموظف (عبد العزيز إبراهيم أحمد الباشا) الذي لم يكن يقرأ في حياته غير القرآن الكريم، وكان نجيب أصغر أشقائه، وكان الفرق بينه وبين أقرب أشقائه عشرة سنوات، وهو الأمر الذي الذي جعله وحيداً يتأثر بحكايات الماضي.
عاش في حي الجمالية أول تسع سنوات من عمره، ثم انتقل إلى حي العباسية، وحصل على ليسانس الفلسفة من جامعة القاهرة، وشرع بعدها في إعداد رسالة الماجستير عن الجمال في الفلسفة الإسلامية، لكنه عدل عن قراره وركّز على الأدب، عمل سكرتيراً برلمانياً في وزارة الأوقاف (1938 – 1945)، ثم مديراً لمؤسسة القرض الحسن في الوزارة حتى 1954، ثم مديراً لمكتب وزير الإرشاد، ثم انتقل إلى وزارة الثقافة وعمل مديراً للرقابة على المصنفات الفنية، وآخر منصبٍ حكومي شغله كان رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للسينما (1966 – 1971)، وتقاعد ليصبح أحد كتاب مؤسسة الأهرام.
بدأ نجيب الكتابة في منتصف الثلاثينيات وكانت تنشر قصصه في مجلة الرسالة عام 1939، حيث كانت روايته الأولى تحمل اسم (عبث الأقدار).
ويعتبر العنوان عند نجيب محفوظ هو أهم هذه العتبات في دائرة البدايات الأولى لمحور النص وخطوطه الأساسية، وهو أيضا رأس النص ومفتاحه الأساسي، ومن ثم فهو يرتبط بباقي جسم النص، وداخل النص تجد أن الروح والوجدان لصاحب نوبل تشرّبت بروح القاهرة القديمة وحي الحسين بالحواري والأزقة والمساجد والأضرحة، بأناسه رجالًا ونساء، ومجاذيب وشحاذين، ويظهر تعلق نجيب محفوظ بالمكان في أعماله الأدبية بداية من عنوان العمل، مثل زقاق المدق، رادوبيس، كفاح طيبة، القاهرة الجديدة، خان الخليلي، ثلاثية القاهرة: بين القصرين، قصر الشوق، السكرية، قشتمر.
ترك حي الجمالية داخل نجيب محفوظ أثرًا كبيرًا، لاختلاط قدسية المكان بالواقع المعاصر المحافظ على ملامحه وتاريخه القديم، وكأنك تعيش أكثر من عصر في زمن واحد.
ويقول نجيب محفوظ عن هذا الحي: «منذ مولدي في حي سيدنا الحسين وتحديداً في يوم الإثنين 11 ديسمبر عام 1911 ميلادية، وهذا المكان يسكن في وجداني، عندما أسير فيه أشعر بنشوة غريبة جداً أشبه بنشوة العشاق، كنت أشعر دائماً بالحنين إليه لدرجة الألم، والحقيقة أن الحنين لم يهدأ إلا بالكتابة عن هذا الحي، حتى عندما اضطرتنا الظروف لتركه والانتقال إلى العباسية، كانت متعتي الروحية الكبرى هي أن أذهب لزيارة الحسين، وفي فترة الإجازة الصيفية أيام المدرسة والتلمذة كنت أقضي السهرة مع أصحابي في الحسين، ونقلت عدوى الحب لهذا الحي إلى أصدقائي، فتحت أي ظرف لابد أن تكون السهرة في الحسين، وحتى لو ذهبنا لسماع أم كلثوم وتأخرنا إلى منتصف الليل لا نعود إلى منازلنا إلا بعد جلسة طويلة في (الفيشاوي) نشرب الشاي والشيشة ونقضي وقتا في السمر والحديث».
أفضل كتاباته كانت عن الحارة المصرية، حتى حين اختار مكاناً بديلاً للدنيا في رواية «أولاد حارتنا»، كانت الحارة أيضاً، والفتوة من أبرز رموز الحارة، الذي استعمله نجيب محفوظ كغطاء لمعان أخرى مثل الحاكم أو الغازي، أما الحرافيش في أعمال نجيب محفوظ كانت البذرة التي يخرج منها الفتوة، أي حين يفسد الحرافيش يفسد معها الفتوة والعكس صحيح.
نجيب محفوظ: "رأيت من شرفة المنزل ثورة 1919 ومعركة بين فتوات الجمالية":
جاءت كتاباته الأولى كالقاهرة الجديدة وزقاق المدق وخان الخليلي وبداية ونهاية والثلاثية، معبرة عن الفترة الزمنية التى عاشت فيها مصر بعد الحرب العظمى الأولى وما قبل ثورة 1952، وتنبأ بالسقوط والانهيار في رواية ثرثرة فوق النيل، وجاءت ملحمة الحرافيش وهي أحد أهم أعمال الأديب المصري «نجيب محفوظ» غير محدّدة الزمان ولا المكان بدقة، فأصبحت مادة رائعة للسينما والدراما التلفزيونية على حد سواء، حيث تمثلت في أكثر من فيلم سينمائي منها «الحرافيش»، و«المطارد» و«شهد الملكة» و«الجوع» و«التوت والنبوت»، إلى جانب مسلسل الحرافيش في أجزائة الثلاثة، كما لم تبتعد رواية الحرافيش كثيراً عن منحى الوجودية الذي انتحاه نجيب محفوظ في الكثير من رواياته رغم اكتسائها الطابع الاجتماعي.
رمزية أولاد حارتنا كادت تقتله:
اتجه نجيب محفوظ إلى الرمزية في روايته «أولاد حارتنا» التي سببت ردود فعلٍ قوية، وكانت بداية نشرها مسلسلة في جريدة الأهرام عام 1950، ثم توقف النشر في 25 ديسمبر من العام نفسه، بسبب اعتراضات هيئات دينية، ولم تُنشر الرواية كاملة في مصر في تلك الفترة، واقتضى الأمر ثماني سنوات أخرى حتى تظهر كاملة في طبعة دار الآداب اللبنانية التي طبعت في بيروت عام 1967، التي لم يكن ينوي طبعها في مصر إلا بعد الحصول على تصريح من الأزهر بنشرها، إلا أنها طبعت في لبنان وهُرّبت منها بعض النسخ إلى مصر، وفي أكتوبر 1995، طُعن نجيب محفوظ في عنقه على يد شابٍ كان يريد اغتياله لاتهامه بالكفر والخروج عن الملة بسبب هذه الرواية، ولم يُتوفّ نجيب محفوظ إثر تلك المحاولة، وأعيد نشر «أولاد حارتنا» في مصر عام 2006 عن طريق دار الشروق.
نتيجة إسهاماته البارزة تحصّل نجيب محفوظ على جائزة نوبل للآداب، وهي أعلى جائزة عالمية في ذلك المجال، ويعدّ نجيب العربي الوحيد الحائز عليها عام 1988.
وفي أغسطس 2006 تُوفي نجيب إثر قرحة نازفة بعد عشرين يوماً من دخوله مستشفى الشرطة في حي العجوزة، بعد أن أثرى الحياة الأدبية ب39 رواية، و19 مجموعة قصصية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.