تحيى الكنيسة في الجمعة الحزينة مثلما يطلق عليها المسيحيون، ذكرى موت السيد المسيح على الصليب بالجسد، فتعيش على مدى 12 ساعة متواصلة من الصلاة حالة محاكاة للأحداث التي مرت بالمسيح خلال هذا اليوم، وتطفئ الأنوار استعدادا للترنم بالألحان الكنسية الملكية. وتبدأ الاحتفالات بمحاكاة تسليم يسوع والقبض عليه، ومحاكمته أمام رؤساء كهنة اليهود وصلبه وأخيرا دفنه. ويعد يوم الجمعة العظيمة من أقدس الأيام وأهمها في العقيدة المسيحية، حيث يرسخ لأساس العقيدة المسيحية التي تؤمن بفداء المسيح للبشرية بآلامه وموته على الصليب مفتديًا العالم بدمه ورافعًا عنه حكم الموت، وقد عبر عنه الرسل في أكثر من موضع في الإنجيل منها: «أَنَّ إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ لِيُبْطَلَ جَسَدُ الْخَطِيَّةِ، كَيْ لاَ نَعُودَ نُسْتَعْبَدُ أَيْضًا لِلْخَطِيَّةِ» رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية إصحاح 6». وتزخر الكنيسة بالطقوس الروحية التي تحمل كل منها تشبيهات عميقة خلال هذا اليوم، حيث تقف عند عدة محطات في آخر 12 ساعة من حياة المسيح وتشمل البدء بقراءات نبوات العهد القديم «التوراة»، التي تشير إلى صلب المسيح وأن القادم سيأتى «المسيح المنتظر»، كما يقرأ الأقباط رواية الصلب في إنجيل العهد الجديد بحسب ما كتبه الرسل الأربعة. وتستمر القراءات لأحداث استجواب بيلاطس ليسوع مرتين وإرساله إلى هيرودس حاكم الجليل، الذي عبر صراحة أنه لا يجد فيه ذنبًا ماعدا أن الأحبار اتهموه بالثورة على الحكم كما أدانوه، لكون التجديف عقوبة لا يلحظها القانون الروماني. وتُقرأ أيضًا من الإنجيل فقرة جلد بيلاطس ليسوع وتخيير الشعب بين أن يطلقه أو يطلق باراباس اللص، ومن ثم وتحت ضغط رؤساء الكهنة سلّمه ليصلب، حتى خرج يسوع حاملًا صليبه من دار الولاية إلى تل الجلجثة، ولم يستطع أن يكمل الطريق لأن الآلام أنهكته، نتيجة الجلد بالسوط الثلاثى وما استتبع ذلك من إهانات وتعذيب من قبل الجند الرومان كوضع تاج من شوك على رأسه. وتتم قراءة فقرات صلب يسوع مع لصين ورفضه شرب خل ممزوج بمر لتخفيف الآلام التي يعانيها، في حين وضعت فوقه لافتة تتهمه بوصفه «ملك اليهود»، واستمرّ نزاع يسوع على الصليب ثلاث ساعات، تفصّل الأناجيل أحداثها كالحديث مع اللصين المصلوبين معه وحواره مع أمه ويوحنا الإنجيلى واستهزاء المارة به واقتسام الجند لثيابه، وأخيرًا مات يسوع، وتزامن موته بحوادث خارقة في الطبيعة إذ أظلمت الشمس وانشق حجاب الهيكل كما أعلن قائد المئة إيمانه به، وفى هذا التوقيت تحديدًا وعند عبارة «ومن وقت الساعة التاسعة أظلمت الشمس»، «والتي توافق الحادية عشرة» تقوم الكنيسة بإطفاء الأنوار كناية عن محاكاتها لتلك اللحظات. وقبل بداية مساء الجمعة وهو بداية سبت اليهود، انزل يسوع عن الصليب بناءً على طلب يوسف الرامى ودفن في قبر جديد في بستان الزيتون وكانت بعض النسوة اللواتى تبعنه حتى الصليب ينظرن موقع دفنه أيضًا. ومن الألحان التي تحمل دلالات مهمة وتقال في هذا اليوم «لحن أمانة اللص» الذي يشير إلى اعتراف اللص به وتوبته، ولحن «غولغوثا» الذي يقال في نهاية الدفن وهو لحن مصرى قديم كان يقال للملوك أخذته الكنيسة مع تغيير الكلمات للدلالة على اعترافها بقوة المسيح رغم آلامه. من النسخة الورقية