تحيي منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة "فاو" يوم 21 مارس الجارى اليوم الدولي للغابات والأشجار 2015 تحت شعار "الغابات وتغير المناخ" حيث تسلط الضوء على الحلول القائمة على الغابات لمعالجة التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه، وعلى نطاق أوسع الغابات والتنمية المستدامة. وتلعب الغابات دورا مركزيا بينما يواجه العالم تحديات تغير المناخ ونقص الطعام وتحسين موارد الرزق لأعداد متنامية من السكان. إذ تستوعب الغابات نحو 15% من انبعاث غازات الدفيئة في العالم وتوفر خدمات ضرورية لقطاعات الزراعة والطاقة والمياه والتعدين والنقل والتنمية الحضرية ، وتساعد الغابات على الحفاظ على خصوبة التربة، وحماية مستجمعات المياه، والتقليل من مخاطر الكوارث الطبيعية كالفيضانات والانهيارات الأرضية. كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدت في قرارها (67/ 200) الصادر في 21 ديسمبر عام 2012، يوم 21 مارس من كل عام للاحتفال باليوم الدولي للغابات اعتباراً من عام 2013. وتمثل الغابات شبكة أمان مهمة لسكان الريف في زمن الإجهاد الاقتصادي والزراعي. ويعتمد حوالي 350 مليون شخص ممن يعيشون داخل الغابات الكثيفة أو بالقرب منها عليها في معيشتهم ودخلهم، ومن هؤلاء يعتمد نحو 60 مليون شخص (لا سيما الشعوب الأصلية) اعتمادا كاملا على الغابات، وهي تقوم بدور الحارس لما تبقى من غابات طبيعية أصلية في العالم. وتعد الغابات أيضا من السلع الاقتصادية إذ توفر فرص عمل لسكان الريف في الغالب ممن لديهم خيارات ضئيلة خلاف العمل في الزراعة. ويقدر عدد الوظائف في قطاع الغابات الرسمي بنحو 14 مليون وظيفة حول العالم في حين يصل إلى 10أمثاله في القطاع غير الرسمي. وتسهم الصناعات الحراجية بنحو 1% من إجمالي الناتج المحلي العالمي في حين أنه أعلى كثيرا في بعض المناطق والبلدان مثل أفريقيا جنوب الصحراء يصل إلى 6 %. وتمثل الغابات مصدرا مهما للطاقة في كثير من البلدان، إذ يأتي نحو 65 % من مجموع إمداد الطاقة الأولي في أفريقيا من الكتلة الإحيائية الصلبة مثل حطب الوقود والفحم النباتي. ومازال الوقود المعتمد على الحطب يمثل مصدرا أساسيا للطاقة في البلدان المنخفضة الدخل ويعد بشكل متزايد بديلا للوقود الأحفوري مراعيا للبيئة في البلدان المتقدمة. وتلعب الغابات دورا مركزيا بينما يواجه العالم تحديات تغير المناخ ونقص الطعام وتحسين موارد الرزق لأعداد متنامية من السكان. إذ تستوعب الغابات نحو 15 % من انبعاث غازات الدفيئة في العالم وتوفر خدمات ضرورية لقطاعات الزراعة والطاقة والمياه والتعدين والنقل والتنمية الحضرية. وتساعد الغابات على الحفاظ على خصوبة التربة، وحماية مستجمعات المياه، والتقليل من مخاطر الكوارث الطبيعية كالفيضانات والانهيارات الأرضية. وفي الوقت ذاته، فإن إزالة الغابات وتدهورها يسهمان إسهاما ضخما في انبعاثات غازات الدفيئة ، وتتعرض كثير من غابات العالم الباقية لتهديدات متنامية بسبب الأنشطة البشرية وتغير المناخ. ورغم أن وتيرة إزالة الغابات قد تراجعت في العالم منذ التسعينات، فمازالت مرتفعة إذ تبلغ نحو 13 مليون هكتار سنويا (إجمالا). ويعوض هذا بشكل جزئي زراعة الغابات ، ما يجعل صافي الغطاء الحراجي المفقود 5.6 مليون هكتار سنويا وهي مساحة تعادل مساحة كوستاريكا. وما يقدر بمليار هكتار من أراضي الغابات التي تضيع أو تتدهور نوعيتها كانت قابلة للاستعادة والإصلاح. وإذا تم إصلاح هذه الأراضي لتصبح أنظمة إيكولوجية منتجة وتؤدي وظائفها، فقد تساعد في تحسين معايش أهل الريف والأمن الغذائي وزيادة القدرة على الصمود تجاه تغير المناخ وتخفيف انبعاث غازات الدفيئة، مع الحد من الضغوط على الغابات البكر. أن الغابات والأشجار تحافظ علينا وتحمينا بطرق لا تقدر بثمن ، فهي توفر الهواء النقي الذي نتنفسه والمياه التي نشربها. وتستضيف وتصون التنوع البيولوجي للنباتات ، وهي خط دفاعنا الطبيعي ضد تغير المناخ ، وبفضل الغابات والأشجار أصبحت الحياة على الأرض ممكنة ومستدامة. وتشير تقارير منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة "الفاو" إلي إرتباط تغير المناخ وبيئة الغابات إرتبطاً لا ينفصِم. فمن جانب يجهِد التغير المناخي الغابات وبيئتها من خلال ارتفاع متوسط درجات الحرارة السنوية، وبفعل تبدل أنماط سقوط المطر وتكرر أحداث الطقس الأشد تطرفاً. وفي الوقت ذاته فأن للغابات والأخشاب وظيفة أساسية في ابتلاع وخزن ثاني أكسيد الكربون مما ينهض بدور رئيسي في التخفيف من ظاهرة تغير المناخ. أما الوجه الآخر فيتضح في أن تدمير الغابات أو استغلالها فيما يفوق طاقاتها الطبيعية يمكن أن يجعل منها مصدراً متواصلاً لإطلاق غاز الدفيئة أي ثاني أكسيد الكربونِ. وقد أكدت الفاو تكراراً أن ثمة إجراءات لا بد أن تتخذ اليوم لإدارة هذه العلاقات المعقّدة والمتكافلة فيما يراعي طبيعتها الشمولية. وأشار الخبير "فولف كيلمان" بوصفه رئيساً لمجموعة العمل المعنية بتغير المناخ لدى المنظمة، أن ثمة حاجة قاطعة للكف عن إزالة الأشجار وتوسيع نطاق المناطق المغطاة بالغابات، وأضاف لكننا نحتاج أيضاً إلى إستبدال الوقود الأحفوري بموارد الوقود الحيوي ( مثل الأخشاب الموردة من الغابات المدارة إدارة مسؤولة) كي ما نخفض انبعاثات الكربون. كما ينبغي زيادة استعمال الخشب في المنتجات الأكثر تعميراً لإبعاد خطر إطلاق الكربون المحتجز، إلى الأجواء لأطول فترات ممكنة من الوقت. فحين يحرق الوقود الأحفوري يطلق ثاني أكسيد الكربون في الجو، فيساهم في زيادة تركزات هذه المادة المعروفة باسم غاز الدفيئة، مما يساهم تباعاً في ارتفاع درجات الحرارة أو ما يعرف باسم "الإحترار" ويفاقم من تغير المناخ. وتساعد الأشجار والغابات على تخفيف هذه التغيرات بامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الجو وتحويله، من خلال عملية التمثيل الضوئي إلى كربون مختزن على هيئة خشب ونباتات ، ويطلَق على هذه العملية تسمية "ابتلاع الكربون". وتتألف الأشجار عموماً من نحو 20 % كربوناً في تكوينها ، وبالإضافة إلى الأشجار ذاتها فأن الكتلة العضوية الحية للغابات تؤدي أيضاً دور "بالوعة للكربونِ". فعلى سبيل المثال، تؤدي المادة العضوية في تربة الغابات ( كالدبالِ المنتج طبيعياً بفعل تحلل المادة العضوية) وظيفة مخزنِ للكربون أيضاً. وكنتيجة لذلك تخزن الغابات كميات هائلة من الكربون. وطبقاً لدراسات الفاو تخزن غابات العالم وتربة الغابات أكثر من تريليون طن حالياً من الكربون- أي ضعف الكمية الطليقة في الأجواء. ولكي تكون الغابة رئة حقيقية سليمة وتقوم بدورها البيولوجي على أكمل وجه يجب أن تتعامل مع هواء الشهيق والزفير والغازات الأخرى، وهذا ما تقوم به الغابات فعلا، فقد أوضحت القياسات أن 1 كم2 من الغابة الإستوائية يطلق في اليوم الواحد حوالي 10 أطنان من الأكسجين، ويمكن لنا أن نتصور مدى نقاء الهواء الجوي في مناطق الغابات الاستوائية حيث يطلق الكيلومتر المربع الواحد حوالي 3650 طنا من غاز الأكسجين في السنة الواحدة. أما في غابات المناطق المعتدلة فتتراوح كمية الأكسجين المنطلقة إلى الجو من 1 الى 3 أطنان في اليوم الواحد من الأكسجين، ولو بدت هذه الأرقام قليلة مقارنة مع الغابة الاستوائية. ولكن الأثر البيئي الإيجابي الذي تتركه الغابة لا يتوقف على كمية الأكسجين المنطلقة إلى الجو إذا ما قورنت الغابة بمناطق الرعي مثلا، أو الطافيات النباتية في المحيطات المائية أو مناطق زراعة المحاصيل الحقلية، ولكن تضاف للغابات ميزة انخفاض درجات الحرارة في محيطها الحيوي، الأمر الذي يعطي لعمل هذه الرئة الرائعة بعدا ثالثا فيزيائيا وبيولوجيا غير امتصاص غاز الكربون وإطلاق غاز الأكسجين، وهذا البعد يجعل الغابات أكثر فاعلية بيئية ويجعل ملايين السكان يتجهون إليها صيفا وشتاء لاستنشاق الهواء العليل. وتتسبب ظاهرة الدفيئات في فيضانات وكوارث وأمطار حامضية وغبار وزوابع غبارية وكوارث بيئية متعددة. وللأشجار دور كبير في درء أخطار هذه الظاهرة، فمن المعروف أن الغطاء النباتي بشكل عام والأشجار بشكل خاص تمتاز بقدرة كبيرة على ترسيب الغبار والأجزاء المعلقة في الهواء على أوراقها، وتبين من الدراسات أن كمية الغبار المتراكمة حول جذوع الأشجار الكبيرة تزيد من 5 إلى 10 مرات عن الكمية المترسبة في الأراضي غير المشجرة، ويترسب حوالي 9 أطنان حول جذوع أشجار لكل هكتار من الغابة مما يؤدي إلى خفض نسبة الغبار بحوالي 30 إلى 40% في جو الغابة عن الحقول المجاورة. ويعود ذلك إلى كبر مساحة المسطح الورقي الذي يتراوح بين 50 إلى 150 ألف متر مربع/هكتار. كما بينت الملاحظات الميدانية أن بعض الأنواع أكثر قدرة على ترسيب الغبار. وأثبتت الأبحاث ترسيب حوالي 5،2 طن غبار/هكتار/سنة على أشجار البتولا،و30 طن/هكتار/سنة على أشجار السرو،و50 طن/هكتار/سنة على أشجار الصنوبر، وأكثر من 50 طن/هكتار/سنة في غابة زان كثيفة . غير أن تدمير الغابات من جانب ثان يضيف تقريباً 6 مليارات طن من ثاني أكسيد الكربونِ إلى الأجواء كل سنة. وتشير الفاو إلى أن منع هذه الكميات من الكربون المختزن من الإنطلاق تستحس أهميته على الموازنة العامة للكربون في البيئة مثلما يؤدي دوراً حيوياً في صون النظام الايكولوجي عموماً. ويمكن إنجاز ذلك ليس فقط بالحيلولة دون إزالة الغابات، بل وأيضاً من خلال أعمال التشجير (زرع أشجار جديدة)، وإعادة التحريج أي إعادة الغرس في المناطق المقطوعة الأشجار في نطاق الأراضي غير المشجرة ، وعلى الأخص في المناطق المدارية حيث تنمو النباتات بمعدلات سريعة وبذلك تزيل الكربون من الجو بسرعات أعلى ، ويستطيع غرس الشجيرات امتصاص كميات كبيرة من الكربون من الهواء في أمد فترات قصيرة نسبياً. وبوسع الغابات في إطار هذه البيئة أن تختزن ما يصل إلى 15 طناً من الكربون لكل هكتار سنوياً في كتلتها العضوية وقوامها الخشبي. وتقدر الفاو وغيرها من الخبراء أن احتباس الكربون على صعيد الكوكب بفعل الحد من إزالة الأشجار، وزيادة إعادة التحريج، ونمو الغابات وتوسع المزارع الحرجية يمكن أَن تعوض مجتمعة في سياق مواز عن نحو 15 % من انبعاثات الكربون من الوقود الأحفوري على مدى السنوات 50 القادمة. وتؤدي الأخشاب المحصودة أيضاً دور "بالوعة للكربون"، حيث يختزن الخشب المستخدم في أعمال البناء أَو صنع الأثاث الكربون لقرون بأسرها. كذلك تتطلب مواد البناء المستهلكة للطاقة والمستخدمة عوضاً عن الخشب مثل البلاستيك أو ألالمنيوم أَو الأسمنت، كميات كبيرة من الوقود الأحفوري في سياق التصنيع ، مما يعني أن استبدالها بالأخشاب سيحقق فوائد إضافية بمقياس الحد من انبعاثات الكربون. وعلى نفس النحو، فإن استخدام حطب الوقود بدلا من النفط والفحم والغاز الطبيعي يتيح إمكانية التخفيف من تغير المناخ كحقيقة واقعة. فحتي مع التسليم بأن حرق الخشب والكتلة العضوية الحية هو عملية تصدر ثاني أكسيد الكربون في الأجواء، فإن استقدام ذلك الوقود من غابة مدارة إدارة مستدامة يمكن في تلك الحالة أن يوازن انبعاثات الكربون في سياق مواز لإعادة غرس الأشجار. ففي الواقع إن أديرت على النحو الأمثل بوسع الغابات عملياً أن توفر كميات مستمرة من الوقود الحيوي بلا إضافة إى كميات من غاز الدفيئة إلى أجواء الكرة الأرضية. وتفيد الفاو بأن الظروف المناخية الجديدة ، وتغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة، يمكن أَن تبدل مجتمعة التوزيع الطبيعي للغابات في أنحاء العالم كافة، رهناً بقدرة الأنواع الشجرية للتكيف العام إزاء تلك المستجدات. و يعتمد المدى الإقليمي لأي نوع نباتي إلى درجة كبيرة على أنماط الأمطار ودرجات الحرارة، وعلى ذلك فأن التغير المناخي إذ يعدل درجات الحرارة وأنماط تساقط الأمطار من المفترض أن يغير توزيع الأنواع الشجرية. وطبقاً لدراسة أعدتها "الفاو" ، تميل الأنواع الشجرية إلى الانتقال إلى أعلى بمقاييس خطوط العرض والارتفاعات كاستجابة لتزايد درجات الحرارة العام. وفي ظل هذا السيناريو، فإن المجموعات الشجرية في نصف الكرة الأرضية الشمالي قد تتوسع بمقدار 100 كم شمالاً، بينما قد تتراجع المجموعات الواقعة في أقصى الجنوب بنفس المقدار لكل درجة تدفئة أعلى فيما وراء درجات الحرارة الإقليمية الحالية. وعلى نفس النحو ، يتوقّع العلماء طبقاً لدراسة الفاو أن غابات الصنوبر اللولوبي ، بوصفه نوعاً حرجياً صناعياً هاماً في المنطقة الجنوبيةالشرقية للولايات المتحدة ، يمكن أَن يتحرك بحدود 350 كم شمالاً كاستجابة لزيادة 3 درجات إضافية في مستويات حرارة أجواء الكرة الإرضية. ومثل هذه التبدلات في توزيع الغابات لوحظت في حالات سابقة ، ففي السويد خلال النصف الأولِ من القرن 20، تحركت مجموعات غابات البتولا شمالاً في منطقة التندرا القطبية كاستجابة لآثار الدفيِئة. بالإضافة إلى التحرك شمالاً، يمكن أَن تنتقل أنواع شجرية إلى ارتفاعات أعلى نتيجة لارتفاع درجات الحرارة العام. وتدرج دراسة الفاو بحوث بعض العلماء في مناطق جبال الألب النمساوية، وقد وجدت تلك أن أنواع النبات الألبية هاجرت نحو ارتفاعات أعلى فيما تراوح كنسبة من دون 1 متر إلى 4 أمتار تقريباً كل عام خلال القرن الماضي. وخلال تلك الفترة سجلت جبال الألب المركزية إرتفاعا بمقدار 0.7 درجة مئوية. وفي جميع الأحوال، فمن شأن مثل هذا الإتجاه أن يجعل العديد من الأنواع الشجرية أشد عرضة للضغوط الوراثية والبيئية نظراً إلى أن البيئة الجبلية محدودة الحجم بطبيعتها، وهو ما قد يستتبع تراجع عشرات الأنواع ومعه تناقص مجموعات التنوع الوراثي المتاحة من الأشجار. وتلاحظ الفاو أن ليس جميع الأنواع الشجرية ستستجيب بانتقال مجموعاتها في نطاق جديد. إذ أن بعضها قد يملك قدرة أعلى على التكيف للظروف المناخية الجديدة ويمكن أن تواصل احتلال مناطق توزيعها الحالية مع بعض التغيرات الطفيفة. غير أنه في حالة بعض الأنواع الأخرى فقد يتجاوز تغير المناخ قدرة التكيف، مما سيؤدي إلى انقراضها، وفي الواقع تحذر الفاو من أن تغير مناخ الكرة الأرضية في القرن المقبل يمكن أن يتجاوز في سرعته قدرة العديد من نظم الغابات الأيكولوجية على التكيف وإعادة التواؤم لظروف المناخ المستجدة موضعياً، مما يفرض شبح الانقراض على مناطق واسعة من الغابات، وعلى أنواع شجرية وحرجية بأكملها.