إعداد: إسلام الخياط وأسامة علاء وفاطمة جابر ورامي السيد وأيمن عبد العزيز وإسلام نبيل ومحمود عبدالعال تحولت إلى «سبوبة» ليس لجنى الأرباح فقط، بل لجنى الأرواح، دون البحث عن طريق آمن لهؤلاء الصغار الذين سهروا ليلًا طويلًا يحلمون بتلك الرحلة التي أعلنت عنها إدارة مدرستهم، حلموا وهم يلعبون ويلهون فرحًا هنا وهناك مع زملائهم. ولم يكن يعلم عدد منهم أن تلك الفرحة التي حلموا بها هذا الليل الطويل ستتحول إلى «مأتم» وحفرة يدفنون بداخلها مع ظلمة الليل دون ونيس. لم يراع مسئولو الرحلات داخل المدارس أنه ربما يكون وسط هؤلاء الأطفال ولد وحيد لأسرة عاشت سنين من أجل إنجابه، أو ربما هناك أسرة كانت تعيش على أمل أن يكبر هذا الطفل ليعوضها عن مشقة الحياة وتعبها. نعيش أزمة حقيقية امتدت جذورها منذ أعوام، وراح ضحيتها أطفال عدة، ولكن أغلقت القضية وحفظت في أحد أدراج مكتب مسئول كبير في الدولة دون أن يلتفت لها، وفجرتها الحادثة الأخيرة التي راح ضحيتها 7 طلاب صغار أبرياء من مدرسة «المدينةالمنورة»بالغربية والتي لم يكن لها نصيب من اسمها. لنجد أنفسنا أمام ثلاثة متهمين على التوالى، وهم مسئول رحلات المدارس وإدارة المدرسة ووزارة التربية والتعليم، ليكون القاسم المشترك بينهم هو عدم المراقبة هي الجانى الحقيقى..فالحل والعلاج الحقيقى هو الرقابة على الكل. الرحلات المدرسية.. من جنى الأرباح إلى حصد الأرواح فتحت حادثة مدرسة المدينة الخاصة بطنطا التي راح ضحيتها أكثر من 7 طلاب جراء الرحلة المشئومة، التي تم تنظيمها دون الحصول على التصاريح والموافقات، التساؤل الذي يطرح نفسه، ما الدافع وراء عدم التزام تلك المدارس بالقوانين الخاصة بالرحلات الترفيهية التي تنظم في تلك المدارس الخاصة، وهل هناك استفادة من جراء مُخالفة تلك اللوائح؟ بعض المدارس تنظم رحلة كل أسبوع، فتلك المدارس تنظم قرابة 18 رحلة في العام الدراسى الواحد، وبالطبع فإن اشتراك الرحلة في المدارس الخاصة لن يكون مساويا للرحلات في المدارس الحكومية، بل يتجاوز عشرات الأضعاف. إيمان الوردانى، أخصائية اجتماعية بإحدى المدارس الخاصة، قالت: إن قيمة اشتراك رحلة القاهرة في المدرسة التي تعمل بها هو 250 جنيها للفرد، وهو رقم يتجاوز ما يتم دفعه في المدارس الحكومية بأضعاف كبيرة، وبالتالى فإن ذلك الفرق يوضح أن الأمر ليس مجرد نشاط مدرسى، بل هو نشاط تجارى بحت، فأغلب تلك الرحلات يكون أقل عدد لها تقريبا ما بين 75 إلى 100 شخص، وتقوم أتوبيسات تلك المدارس بنقل التلاميذ إلى الأماكن المستهدفة أي بمنطق «زيتنا في دقيقنا»، ويكون صافى الرحلة الواحدة ما بين 15 إلى 20 ألف جنيه، بإجمالى أرباح شهرية 70 ألف جنيه، وكلها تذهب بالطبع إلى جيوب أصحاب تلك المدارس. بينما قال طلعت الحسينى، أخصائى اجتماعى في مدرسة خاصة بطنطا: إن نشاط الرحلات قانونا لا يجب أن يزيد عن 5 رحلات في العام الدراسى مكتملا، بشرط إلا يقل عدد طلاب تلك المدرسة عن 1200 طالب، وإذا قل العدد عن ذلك فإن الرحلات تكون ب 3 رحلات طوال العام الدراسى، وإذا كانت المدرسة للتعليم الابتدائي فلا يجوز أن تخرج الرحلة عن حدود الإقليم أي المحافظة التي تتبعها المدرسة، وهو ما تتم مُخالفته في 90٪ من مدارس التربية والتعليم، بما فيها المدارس الحكومية. وقال أحمد طه فكرى، وكيل وزارة التربية والتعليم بالغربية: إن هناك نوعا من التراخى حدث على مدى العقود الماضية في شئون تنظيم الرحلات المدرسية، وهو ما جعل أغلب المدارس تعتبر تلك الموافقات غير لأزمة أو ضرورية. تعليم القليوبية تواجه سائق أتوبيس «رحلة الموت» التركة الثقيلة التي ورثتها ألفت فرغلى، وكيلة وزارة التربية والتعليم بالقليوبية، دفعتها إلى إلقاء عدد من الأحجار في المياه الراكدة، بفتح عدد من الملفات الشائكة، منها وضع ضوابط صارمة للرحلات المدرسية، واتخاذ عدد من القرارات التي أصبحت «سبوبة» لبعض المدارس، ورحلات للموت يسقط فيها العشرات من الضحايا جميعهم من الطلاب، ولعل آخرها ما حدث مع «أتوبيس الموت» بمحافظة الغربية. ولعل سقوط إسراء محمد عزت، الطالبة بالمرحلة الإعدادية بمدرسة عمر الفاروق الخاصة، في أتوبيس إحدى الرحلات التابعة للمدرسة، والتي لقيت مصرعها في الحال، أثناء الذهاب لرحلة مدرسية، لزيارة القرية الكونية بالسادس من أكتوبر، دفعت الإدارة التعليمية بالمحافظة إلى التحقيق في ملابسات الحادث، حيث كشفت تحقيقات النيابة، أن رخصة القيادة الخاصة بسائق الأتوبيس منتهية، ولم يجددها في موعدها، ووجود عطل فنى بباب الأتوبيس يمنع غلقه بإحكام، مما تسبب في الحادث. ويقول «إبراهيم محمد»، ولى أمر: إنه فوجئ بقيام المدارس بعمل رحلات، والأغرب قيام المشرفين باصطحاب ذويهم وأبنائهم وأسرهم في الرحلات والانشغال بهم عن باقى الطلاب. وتضيف تهانى إبراهيم، ولى أمر، تلاحظ قيام بعض المدارس بالاستعانة بالأتوبيسات الرخيصة والشركات غير المُرخصة، والتي لا تتوافر فيها اشتراطات السلامة والأمانة، الأمر الذي يهدد حياة الطلاب المشاركين في الرحلات، لذا يجب وضع ضوابط صارمة لمواجهة مافيا الرحلات ومتابعة الشركات العاملة في ذلك المجال، حتى لا يصبح كبش الفداء دائما عامل المزلقان أو سواق الأتوبيس. من جانبها، وجهت ألفت عبد الرحيم فرغلى، وكيل وزارة التربية والتعليم بالقليوبية، تعليمات مشددة لمديرى الإدارات التعليمية التابعة للمديرين وموجهى عموم التربية الاجتماعية ومديرى إدارات الأمن بالمديرية والإدارات التعليمية، بتقنين أوضاع الرحلات المدرسية التي تنظمها المدارس بالمحافظة. مدارس أسيوط خارج «نطاق» الرحلات قرار وزارة التربية والتعليم بمنع تنظيم الرحلات المدرسية خلال يوم الجمعة والإجازات الرسمية، لم يأت بجديد في محافظة أسيوط، فمدارس المحافظة لا تنظم رحلات سواء في أيام الدراسة أو الإجازات الرسمية، وذلك لغياب تطبيق البرنامج الترفيهى للمدارس، نتيجة عدم المتابعة من قبل المسئولين في التربية والتعليم. الطلاب: لا تعليم ولا ترفيه.. المدرسة أصبحت «مقبرة» «لا تعليم ولا ترفيه دى مبقتش مدرسة.. دى مقبرة».. هذه الكلمات كانت لسان حال عدد كبير من طلاب مدارس محافظة الدقهلية، بعد قرار مديرية التربية والتعليم بالدقهلية إلغاء نشاط الرحلات لجميع المدارس إلى أي مكان ترفيهى، خاصة أن مدارس الدقهلية كانت بوصلتها تتجه صوب الأماكن التاريخية بالقاهرة والإسكندرية. أولياء الأمور يمنعون أبناءهم بسبب التحرش الرحلات المدرسية لطلاب محافظة البحيرة محفوفة بالمخاطر، وتحولت إلى سبوبة لمشرفى الرحلات، وإدارات المدارس التي تنظم الرحلات دون إخطار أمن الإدارات التعليمية. «البوابة» رصدت المخالفات في الرحلات الطلابية، خاصة بعد حادث مدينة الشروق بطريق القاهرةالإسماعيلية الذي راح ضحيته 7 أطفال وإصابة العشرات، إثر اصطدام أتوبيس رحلات بقطار. وأكدت أمل خليفة، ولى أمر ومقيمة في مدينة دمنهور، أن ظواهر التحرش وعمليات الخطف التي انتشرت في الفترة الأخيرة، جعلتنا نحجم عن إرسال أبنائنا في الرحلات المدرسية، حيث تغير مفهوم الرحلات عن الماضى، ولم تعد مفيدة علميا وثقافيا للطلاب، إضافة لسوء حالة الطرق والحوادث المتكررة. فيما فجرت مشرفة رحلات بإحدى المدارس الثانوية مفاجأة، حيث قالت: إن الرحلات تتم بدون إذن من أمن الإدارات التعليمية، للاستفادة من عمولات السمسرة مع الشركات السياحية. مدارس قنا تضرب بتعليمات الوزير عرض الحائط.. والمديرية: سنحيلهم للتحقيق لم يمنع قرار وزير التربية والتعليم بوقف الرحلات المدرسية، القائمين على مدارس محافظة قنا من تنظيم الرحلات المدرسية خلال أيام الخميس والجمعة، بالمخالفة لقرار الوزير، حيث رصدت «البوابة» قيام عدد من المدارس بمخالفة التعليمات بشكل علنى، وقال شريف دياب، ولى أمر أحد الطلبة: إن المدرسة المشتركة الابتدائية في مدينة نجع حمادى شمال محافظة قنا أعلنت أمس عن رحلة مدرسية لزيارة متحف الأقصر، يومى الخميس والجمعة من الأسبوع المقبل، تشمل طلاب جميع المراحل الابتدائية بالمدرسة، وعلى الفور أقبل التلاميذ على الاشتراك في الرحلة، لأنها تعتبر أولى رحلات هذا العام الدراسى. وأوضح دياب أن إدارة المدرسة لم تعرف شيئًا حتى الآن عن قرار وزارة التربية والتعليم بوقف الرحلات المدرسية، ولن تعترف به لأنها تعتبر أن محافظات الصعيد ليس بها أي أضرار من الرحلات، ولم تحدث أي وقائع لحوادث بين طلاب المدارس في قنا من قبل. من جانبه، قال وكيل وزارة التربية والتعليم في قنا، عماد شاكر: إنه إذا ثبت قيام عدد من المدارس بتنظيم رحلات مخالفة للتعليمات التي أصدرها وزير التربية والتعليم ستتم إحالة المسئولين عن العملية التعليمية بالمدرسة للتحقيق، وذلك لمخالفتهم التعليمات، مطالبًا أولياء أمور الطلبة بتقديم شكاوى ضد المدارس التي تخالف التعليمات. رحلات المدارس بين خوف أولياء الأمور وحب استطلاع الطلاب سادت حالة من القلق بين أولياء الأمور في محافظة سوهاج بعد حادثة مدرسة المدينة والتي راح ضحيتها 7 تلاميذ وإصابة 14 آخرين والذي ترتب عليه عدم مشاركة أولياء الأمور لأبنائهم في أي رحلة خوفًا عليهم. وتقول إيمان رمضان طالبة في الصف الأول الثانوى بمدرسة الثانوية بنات بسوهاج إن المدرسة كانت بصدد تنظيم رحلة إلى محافظة الأقصر ولكن خوف أولياء الأمور على أبنائهم، دعاهم إلى إلغاء الرحلة لعدم اكتمال العدد. وفى نفس السياق يقول الطالب «أحمد السيد» في الصف الثانى الإعدادى إن المدرسة لديهم مقصرة في عمل الرحلات والأنشطة الترفيهية، كونها في قرية بعيدة خارج المدينة، ويقول إننا نحب الرحلات لما فيها من فوائد عدة وتعرفنا على معالم المحافظة. فيما طالب أولياء الأمور باتخاذ إجراءات رادعة ضد إدارات المدارس غير الملتزمة بضوابط الأمن والسلامة في حماية الطلاب، ومواجهة إهمال بعض إدارات المدارس في التواصل مع أولياء الأمور، فيما يتعلق بتنظيم الرحلات وضرورة صدور موافقة كتابية من ولى الأمر، داعين إلى تشديد الرقابة على توافر عناصر الأمن والسلامة في المدارس لحماية الطلاب. وأشاروا إلى أهمية تأهيل المشرفين لمتابعة الطلاب خلال الرحلات وأثناء تنقلهم من وإلى المدرسة، وأكدوا أهمية اتخاذ الإجراءات العقابية اللازمة ضد الإدارات المخالفة، والتي لا تلتزم بمعايير السلامة حماية لأبنائنا، داعين إلى ضرورة التواصل بين إدارات المدارس وأولياء الأمور، فيما يتعلق بالأنشطة المدرسية وشرح أهدافها ووضع جدول زمنى دقيق لها. ويقول «أحمد عرفة» اخصائى نفسى إن الرحلات والزيارات تؤديان إلى تغيير إيجابي لدى الطلبة، وتثيران حب الاكتشاف والاستطلاع لديهم، وتكشف عن طاقاتهم المبدعة ويكتسب الطلبة خلالها الخبرات إلا أنها لا تجدى نفعًا إلا إذا حددت أغراضها التربوية مسبقًا، واتخذت في سبيل إنجاحها جميع التدابير اللازمة تخطيطًا وتنفيذًا وتقويمًا. من النسخة الورقية