تشهد العلاقات (المصرية - الروسية)، زخما كبيرا في الآونة الأخيرة، وخاصة بعد تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي رئاسة البلاد في شهر يونيو من العام الماضي، حيث لا يمر أقل من شهر إلا وتتبادل الزيارات بين مسئولي الدولتين على أعلى المستويات. زخم تعكسه الإرادة السياسية في كل من القاهرةوموسكو وكللتها زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى القاهرة قبل أسابيع قليلة والاستقبال الحافل الذي أهداه له الشعب المصري وكذا الاستقبال الرسمي الذي احتفى به بالعاصمة المصرية. وأيضا زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى "سوتشي" في 12 أغسطس الماضي، التي عكست الزيارة حرص البلدين على تبادل الدعم السياسي على المستوى الإقليمي والدولي في ظل ما يواجهه الطرفان من تحديات خارجية وداخلية تستهدف النيل من الاستقرار السياسي وتهديد الأمن القومي لكليهما وتشاركهما في رؤية موحدة في مواجهة الإرهاب، وتحقيق مصلحة مشتركة في دعم النمو الاقتصادي في البلدين والفرص الاقتصادية التكاملية المتوافرة في العلاقة بين البلدين، التي من شأنها خدمة الأمن القومي بتعزيز قوة الدولة من خلال تقوية وضعها الاقتصادي وقوة مصالحها الاقتصادية مع الأطراف الخارجية، إضافة إلى تعزيز التعاون العسكري الأمني في ضوء اتفاق رؤى الطرفين حيال العديد من القضايا الإقليمية والدولية واشتراكهما في مواجهة تحديات مشتركة، وفى ضوء سعى مصر إلى تحقيق التوازن في علاقاتها الخارجية. وتنظر روسيا لمصر على اعتبارها مركز صناعة القرار في الشرق الأوسط والبقعة الجيوستراتيجية الأساسية في المنطقة، رافضة كل مساعي نقل مركز الثقل التقليدي للمنطقة إلى الأطراف الأخرى، وهي تؤكد هذه النظرة في كل المناسبات. الروابط بين القاهرةوموسكو عكسها أيضا موقف روسيا المؤيد لثورة 30 يونيو وما تلاها من تطورات بما في ذلك كل محطات خارطة الطريق، كما أكد بوتين في مناسبات عديدة احترامه الشديد للرئيس السيسي ودوره التاريخي في مصر. وتأتى زيارة وزير الخارجية سامح شكري التي يستهلها في وقت لاحق اليوم الأربعاء إلى العاصمة الروسية موسكو حيث سيجرى مباحثات مع نظيره الروسي سيرجى لافروف في الإطار ذاته.. فمصر وروسيا تربطهما علاقات تاريخية عميقة ليس هذا فحسب بل مستقبل واعد للبلدين، فمصر أكبر دولة عربية وروسيا من بين أكبر الدول في العالم بخلاف عضويتها الدائمة في مجلس الأمن الدولي. ومع اشتعال الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط كان واضحا ضرورة تنسيق المواقف بين القاهرةوموسكو خاصة فيما يتعلق بالملفات الساخنة كالأزمة السورية وأيضا الأوضاع المتدهورة في ليبيا وانتشار واستشراء الجماعات الإرهابية والمتطرفة في عدد من بلدان المنطقة. روسيا كانت ولاتزال صديقة للبلدان العربية وتهتم بصفة خاصة بالقضية الفلسطينية وعملية السلام في الشرق الأوسط وحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة وهى المواقف التي تثمنها مصر لموسكو. ويأتى مكافحة الإرهاب والتنظيمات المتطرفة أيضا في قائمة أولويات التنسيق المصري الروسي حيث سيبحث شكري خلال زيارته إلى موسكو مع لافروف. الزيارات المتبادلة بين الجانبين تؤكد على الطفرة التي شهدتها العلاقات السياسية عقب ثورة الثلاثين من يونيو والتي بدأت في زيارة وزيري الخارجية والدفاع الروسيين إلى مصر يوم 14 نوفمبر 2013، وزيارة وزيري الخارجية والدفاع المصريين إلى روسيا يومي 12 و13 فبراير 2014، حيث تم عقد المباحثات السياسية بصيغة "2+2"، بما يجعل مصر هي الدولة العربية الوحيدة التي تبنت موسكو معها هذه الصيغة التي تتبناها روسيا مع خمس دول أخرى هي الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة واليابان، بما يدلل على إقرار روسيا بالأهمية الإستراتيجية التي تحظى بها مصر في سياستها الخارجية. العلاقات بين الجانبين لا تقتصر فقط على الشق السياسي ولكن تمتد لتشمل الجانب الاقتصادي حيث وصل حجم التبادل التجاري خلال عام 2013 إلى قرابة ثلاثة مليار دولار، مثلت الصادرات المصرية منها 441 مليون دولار فقط والواردات 2.503 مليار دولار..وشهدت الصادرات المصرية إلى روسيا خلال عام 2013 ارتفاعا بلغت نسبته نحو 29% مقارنة بعام 2012 بسبب الارتفاع في تصدير الفواكه والخضروات. وتمثل المنتجات الزراعية نحو 70% من حجم التجارة بين مصر وروسيا، حيث تمثل الموالح والبطاطس نحو 75% من هيكل الصادرات المصرية إلى روسيا، في حين تمثل الحبوب (ولاسيما القمح) والأخشاب نحو 65% من هيكل الواردات المصرية من روسيا، وقد بلغت الصادرات المصرية لروسيا من البطاطس خلال الموسم الماضي قرابة 330 ألف طن، وهو ما تقدره سلطات الحجر الزراعي بقرابة المليار جنيه. وتؤكد وزارة الخارجية أن عدد المشروعات التي تم إنشاؤها باستثمارات روسية في مصر يبلغ 363 مشروعا بإجمالي رأسمال مستثمر يقدر بنحو 148.74 مليون دولار، وتركزت أغلب هذه المشروعات على قطاع السياحة والخدمات (143 مشروعًا)، تلاها قطاع الإنشاءات (38 مشروعا)، فقطاع الصناعة (27مشروعًا) ثم قطاع الزراعة (13 مشروعا) وأخيرا قطاع الاتصالات (5 مشروعات) والقطاع التمويلي (3 مشروعات)، في حين تبلغ الاستثمارات المصرية في روسيا 450 مليون دولار أغلبها استثمارات في مجال صناعة الطائرات وبعض الاستثمارات العقارية. وتكتسب العلاقات السياحية بين البلدين أهمية كبيرة في ضوء الأعداد الكبيرة للسياح الروس الذين يزورون مصر سنويا، حيث جاءت روسيا في المرتبة الأولى بالنسبة للسياحة إلى مصر على مدى الأعوام الخمسة الماضية، وتشير آخر الإحصائيات إلى أن حجم السياحة الروسية لمصر خلال عام 2013 قد بلغ 2.4 مليون سائح ومن ثم تهتم مصر بالتعاون مع روسيا في مجال السياحة في ضوء كون السياحة الروسية تمثل ما يقرب من 20% من مجموع السياحة الوافدة إلى مصر، وتعمل على تخطى الأزمة التي يشهدها هذا القطاع على خلفية انخفاض سعر الروبل وإلغاء السائحين الروس خلال الموسم الشتوي الحالي لحجوزاتهم في منتجعات جنوبسيناء، وهو ما يعود له التراجع في عدد السياح الروس في عام 2014.