ولد الشيخ مصطفى عبد الرازق عام 1888 في قرية "أبو جرج" التابعة لمركز بني مزار بمحافظة المنيا، وكان ابنًا لأسرة عريقة، اشتهرت بخدمة القضية الوطنية المصرية ونشأ في معيّة أبيه حسن عبد الرازق، أحد مؤسسي جريدة "الجريدة"و حزب الأمة، وقضى طفولته في قريته، حيث تعلم مبادئ القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم، وانتقل في العاشرة إلى القاهرة، والتحق بالأزهر ليحصل العلوم الشرعية واللغوية، حيث درس الفقه الشافعي، وعلوم البلاغة والمنطق والأدب والعروض والنحو وغيرها. وفي سن الرابعة عشرة بدأ عبد الرازق يتردد على دروس الإمام محمد عبده في الرواق العباسي، فتأثر بشيخه وأفكاره الإصلاحية، وتوثقت الصلة بينهما، وصار من خاصة تلاميذه وأقربهم إليه، على الرغم من قِصر المدة التي جمعتهما، وكذلك درس أصول الفقه على يد الشيخ أبي الفضل الجيزاوي، والمنطق على يد الشيخ حسنين مخلوف، وبعد حصوله على العالمية عام 1908 بدأ خوض الحياة العامة، واختير رئيسا للجمعية الأزهرية التي أنشأها محمد عبده، والتي عنت بإصلاح التعليم في الأزهر. وعلى خطى النهضة التي بدأها الخديو إسماعيل، سافر عبد الرازق عام 1911 إلى باريس لاستكمال دراسته العليا، فالتحق بجامعة السربون لدراسة الفرنسية، وحضر دروس الفلسفة، ودرس الاجتماع على يد الفيلسوف دوركايم، وتلقى دروسا في الأدب وتاريخه، ثم تحول إلى جامعة ليون ليدرس أصول الشريعة الإسلامية على يد أستاذه إدوارد لامبير، وفي أثناء إقامته هناك أعد أطروحته لنيل درجة الدكتوراة وكانت بعنوان "الإمام الشافعي أكبر مُشرّعي الإسلام"، وعاد إلى مصر عقب نشوب الحرب العالمية الأولى عام 1914. تدرّج عبد الرازق في العديد من النواحي، فعُيّن عام 1915 موظف بالمجلس الأعلى للأزهر، وترقى إلى وظيفة سكرتير المجلس، ثم انتقل إلى القضاء الشرعي عام 1920، حيث عمل مُفتشًّا بالمحاكم الشرعية، وساهم في تأسيس حزب الأحرار الدستوريين وإن اكتفى بنشر مقالاته في صحيفة الحزب المعروفة باسم "السياسة"، وحين تحوّلت الجامعة الأهلية في مصر إلى جامعة حكومية انتقل إليها عام 1927 كأستاذ مساعد للفلسفة بكلية الآداب، وكان أول مصري يُلقي محاضرات في الفلسفة الإسلامية بالجامعة المصرية حتى أُختير وزيرا للأوقاف عدة مرات، وكان أول أزهري يتولى الوزارة في مصر، ومُنح الباشاوية، ولكنه فضّل لقب الشيخ، ولم يخلع عمامته طوال حياته. كان عمل الشيخ عبد الرازق بالفلسفة نقطة تحول في تاريخ دراسة الفلسفة الإسلامية، حيث قدّم تصوره في نشأة الفكر الفلسفي الإسلامي لم يُسبق إليه فأكّد على المكانة الرفيعة التي يتبوأها العقل في الإسلام، من خلال دراسته للنظر العقلي في الفكر الإسلامي، مُدعّمًا بالنصوص القرآنية والأحاديث النبوية، وتحليله لمكانة الرأي في الفكر الإسلامي. قدّم الشيخ عبد الرازق عدد من المؤلفات، وكان "تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية" أشهر كتبه وأهمها، وكذلك كتاب "الشيخ محمد عبده"، الذي ركز فيه على الجانب الإصلاحي والفلسفي من حياة الإمام، وأيضًا ترجم "رسالة التوحيد" لمحمد عبده إلى الفرنسية بالاشتراك مع برنار ميشيل، وكان قد أُختير عضوا في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وأيضًا في السابع والعشرين من ديسمبر عام 1945 تم تعيينه شيخا للأزهر خلفًا للشيخ المراغي، ولكن مشيخته لم تطل، حيث توفى في الخامس عشر من فبراير عام 1947.