قبل مرور مائة يوم على توليه حكم مصر وتحديدًا في نهاية أغسطس 2014، خلال كلمته في اجتماع اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة الفساد، بمناسبة احتفال هيئة الرقابة الإدارية باليوبيل الذهبى، قال الرئيس عبد الفتاح السيسى: «مكافحة الفساد لا تكون إلا بالقضاء على الفقر والمحسوبية وترسيخ العدالة»، قالها فكانت إشارة البدء في عمل الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، التي كلف الرئيس المسئولين الرقابيين بتنفيذها، وهى التي تنفرد «البوابة» بنشر فصول منها، خاصة أنها أول تفعيل لاتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد التي وقعتها مصر عام 2003، وصدقت عليها عام 2005. أفردت الخطة مساحة واسعة لأسباب الفساد في مصر، وبدأتها بالأسباب الاقتصادية التي فصلتها في انخفاض مستوى الدخول والمبالغة في الإنفاق الحكومى، والتوسع في إنشاء الصناديق الخاصة وصعوبة حصرها، وهو ما أدى إلى وجود مجال خصب لجرائم الفساد. أما الأسباب الإدارية فتمثلت في وجود قصور في الهياكل التنظيمية للجهاز الحكومى والإدارى للدولة والبيروقراطية الحكومية، وتعقد الإجراءات، وضعف الرقابة الداخلية، وهو ما يؤدى إلى زيادة وقوع الممارسات الفاسدة وانتشارها، وكذلك القصور في نظم التعيين والترقية في الوظيفة العامة، إضافة إلى نظم المرتبات والأجور التي تعانى قصورًا واضحًا، كما أكدت الخطة، ثم انتهت الأسباب الاقتصادية بضعف مهارة الإدارة، حيث يؤدى عدم توافر مهارات إدارية مناسبة لدى القائمين على إدارة بعض الأجهزة الحكومية إلى تفشى ظواهر التسيب والإهمال واللامبالاة وإتاحة الفرصة للتلاعب والتربح والاستيلاء على المال العام. أما الأسباب القانونية فكانت «ضعف حماية الشهود والمبلغين، وطول إجراءات التحقيق والتقاضى، ثم ضعف العقوبات المقررة على بعض جرائم الفساد، أما الأكثر تفصيلًا في الخطة فكان تعدد العقوبات واللوائح المنظمة لعمل الجهات الحكومية وتؤدى إلى وجود الثغرات التي ينفذ منها الفاسدون، وضعف الشفافية ومخالفة ذلك للمعايير الدولية بسبب العديد من القيود التشريعية. وتحدثت الخطة عن الأسباب التي تتعلق بالإطار المؤسسى لمكافحة الفساد، ومنها ضعف الصلاحيات الممنوحة لبعض جهات الرقابة الخارجية، وكذلك ضعف أو غياب التنسيق بين الجهات الرقابية المختلفة ثم عدم توافر الوعى الكافى لدى المواطنين بالجهات المعنية بمكافحة الفساد في مصر. وعن الأسباب الاجتماعية قالت الخطة إن التراجع في القيم والعادات السلوكية من أهمها، إضافة إلى ضعف القيم الدينية، وكذلك انخفاض المصداقية وانتشار قيم الفهلوة والرغبة في الكسب السريع غير القائم على اعتبارات تكافؤ الفرص، وانخفاض الثقة في الحكومات المتعاقبة والميل للفردية وعدم تحمل المسئولية المجتمعية، ثم القبول الاجتماعى للفساد الصغير. فضلا عن الأسباب الأخرى من بينها تواضع الدور الإعلامي في توعية المواطنين بعناصر مشكلة الفساد، وغياب مشاركة مؤسسات المجتمع المدنى في التعريف والتوعية بالمشكلة، وأخيرًا إحجام المواطنين عن ممارسة الدور الرقابى على أداء الوحدات الإدارية للدولة بعدم الإبلاغ عن وقائع الفساد خشية تعرقل مصالحهم الشخصية أو التعرض لردود أفعال انتقامية. اعتمد بناء هذه الإستراتيجية، على دراسة لأهم أسباب الفساد في مصر، فضلا عن تحليل نقاط القوة والضعف المتمثلة في البيئة الداخلية، والفرص والتهديدات المتمثلة في البيئة الخارجية، لمنظومة مكافحة الفساد في مصر، وهو ما تم على أساسه وضع محاور تمثل اتجاهات عامة للإستراتيجية، مع تحديد أهداف رئيسية لكل محور تتفرع إلى أهداف فرعية لمكافحة المناحى المختلفة لظاهرة الفساد، وكما يقول تقديم مقترح الإستراتيجية فإنها تعد إطارًا عامًا للخطة الوطنية المقترحة لمكافحة الفساد للسنوات 2014 -2018، كما تتبنى العديد من المبادئ من أهمها ترسيخ مبدأ المساءلة والمحاسبة، دون أي مجاملة أو تمييز وإعطاء رسالة قوية، مفادها أن محاربة الفساد والوقاية منه مسئولية مشتركة لكل السلطات في الدولة، تحتاج إلى تكاتف الجهود لتحقيق التوعية اللازمة والوقاية ثم الردع، أما أهم مستجدات الإستراتيجية فكان قولها: «إن من حق المواطنين التعرف على الجهود المبذولة أولًا بأول، وأن مشاركتهم في مكافحة الفساد واجب وطنى، بما يحقق التنمية المستدامة للوطن والرفاهية للشعب». تشكلت خطة بناء الإستراتيجية من عدة نقاط بدأت بتحديد أسلوب البناء وأسسه وآلياته،.. حيث اعتمدت في أسلوب بنائها على التعرف على أسباب الفساد الحقيقية، ووضع الأهداف والسياسات والبرامج والآليات التي تعزز مبادئ الشفافية والنزاهة والمساءلة دون مجاملة أو تمييز، وتساهم في الوقاية منه ومحاربته من خلال تكاتف جهود كل أطراف لمكافحة الفساد وتحديد أدوار كل منها. أما الأسس فتم تحديدها في 8 نقاط أولها «رصد أهم مظاهر الفساد، ثم التشخيص الدقيق لمشكلة الفساد للوقوف على أسبابه، وكذلك تحديد أهم نقاط القوة والضعف في منظومة العمل لمكافحة الفساد في مصر، وتحديد أهم التهديدات التي تواجهها منظومة العمل لمكافحة الفساد في مصر والفرص التي يمكن استغلالها لدعمها، ثم التحديد الدقيق للأهداف مع مراعاة تحقيقها عبر الأمد القريب والبعيد والمتوسط،، وكذا تحديد السياسات الواجب اتباعها لتحقيق الأهداف ومعالجة الظواهر المسببة للفساد، وتحديد الإجراءات المطلوبة للمشاركة الفاعلة في مكافحة الفساد من كل الجهات المعنية، وعلى رأسها الأجهزة الرقابية وجهات إنفاذ القانون والأجهزة الحكومية ومنظمات المجتمع المدنى، وأخيرًا وضع آليات لتنفيذ الخطة الوطنية لمكافحة الفساد، وهو البند الذي لم تحدد فيه هذه الآليات -على الأقل خلال بدايات الخطة التي بين أيدينا». أما آليات البناء فجاءت في ثمانى نقاط أيضًا، حيث بدأت بتطوير العمل على نحو يحقق مكافحة الفساد، ثم المشاركة الفعالة بين كل الجهات المعنية في بناء جبهة موحدة لمكافحته، وتفعيل آليات هذه المكافحة (ترشيد الهياكل التنظيمية وتنمية الموارد البشرية وتطبيق مبادئ الشفافية والنزاهة، ووضع الأهداف القريبة والمتوسطة المدى مع إمكانية تحقيق الهدف بما لا يتعارض مع الأهداف الأخرى، وكذا توفير كل الموارد البشرية والمادية لتنفيذ الإستراتيجية، وتوزيع المهام والمسئوليات في ضوء تطوير الإستراتيجية، ووضع آليات بديلة عند الضرورة لتحقيق المرونة اللازمة لمواجهة أي متغيرات قد توجه التنفيذ، وأخيرًا وضع مؤشرات وطنية لمتابعة التنفيذ». وحددت الأوراق الهدف من وضع الإستراتيجية في جملة واحدة قالت كلماتها: «الحد من مظاهر الفساد بالمجتمع المصرى من خلال وضع السياسات والبرامج والآليات التي تكفل محاصرة الظاهرة، وتقويم سلوك الأفراد للارتقاء بالأداء المؤسسى». كما قالت الأوراق أن قياس الفساد وتقدير حجم الدخول غير المشروعة في مصر يقاس بطريقتين أولاهما: «تستخدم البيانات الاقتصادية الكلية وتعتمد على تقدير حجم ظاهرة الاقتصاد الخفى كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى GDP الرسمى وأن الاقتصاد الخفى يشتمل على أنشطة عديدة منها ما هو مشروع ومنها ما غير ذلك، وأن الدخول غير المشروعة تمثل نسبة محددة من حجم الاقتصاد الخفى»، وثانيهما: «تستخدم البيانات المجمعة بواسطة مؤسسات الضرائب وجهات إنقاذ القانون عن الجرائم المسجلة مثل جرائم الأموال العامة وغسل الأموال وغيرها، وكما أكدت الخطة فإن الفساد يعتبر من أهم العوائق التي تواجه التنمية الاقتصادية الشاملة في مصر إلا أنه يؤثر سلبًا على جذب الاستثمارات الخارجية إلى مصر إلى جانب التأثير على ثقة المواطنين في أجهزة الدولة مما يؤثر سلبًا على إنتاجيتهم وإفساد العلاقة بين الدولة والمواطن». عرضت الخطة أهم أبعاد الفساد في مصر، فقد أظهر المسح الذي أجراه أحد المراكز البحثية المهمة، أن 94 ٪ من أفراد العينة التي أجرى عليها البحث يعتبرون أن الفساد من أهم المشاكل التي تواجه مصر، ووفقًا لتقرير دراسة الشركات الصغيرة والمتوسطة الصادر عام 2009، فإن نتائج استطلاع الرأى لعدد من هذه الشركات تشير إلى أن ما يقرب من نصفها وجد صعوبة شديدة لدى التعامل مع الأجهزة الحكومية لاتخاذ إجراءات التأسيس، وذكر العديد منها أنه اضطر لدفع رشاوى لإنهاء هذه الإجراءات. أما على المستوى الدولى فقد احتلت مصر وفقًا للخطة في درجة الإدراك العام لمستوى الفساد على مستوى العالم في عام 2010 المركز رقم 98 من عدد 178 دولة، إلا أنه في عام 2011 تراجعت مصر إلى المركز 112، فيما تراجعت إلى المركز 114 من 177 دولة في 2013.