عاد مسلسل اختطاف الأجانب ببعثة "اليوناميد" بإقليم دارفور-غرب السودان-على أيدي مجموعات مسلحة، ليطل برأسه من جديد ليزيد الإقليم الملتهب بالنزاعات القبلية توترا، ولم تشفع "القبعات الزرقاء" لحفظة السلام، من منع تلك المجموعات المسلحة من الاستمرار في نهجها في خطف الجنود والمكلفين بالعمل مع البعثة الأممية. ولعل عملية اختطاف الطيارين الروسيين اللذين يعملان بشركة طيران متعاقدة مع البعثة الأممية في مدينة "زالنجي"-عاصمة ولاية وسط دارفور-عندما كانا يستقلان حافلة في أحد شوارع المدينة الأسبوع الماضي، ليست المرة الأولى فقد تعددت حوادث الاختطافات منذ أكثر من سبع سنوات، منذ قدوم البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي التي عرفت اختصارا "اليوناميد"، قدومها لدارفور، استنادا على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1769 يوليو 2007 بلغ عدد المختطفين في دارفور أكثر من 30 مختطفا، وهم يحملون جنسيات مختلفة معظمهم من حلفاء السودان دبلوماسيا وسياسيا "الصين وروسيا". ويرى مراقبون للمشهد السوداني أنه على الرغم من التوتر بين حكومة الخرطوم وبعثة اليوناميد، الذي طرأ على السطح على خلفية أحداث قرية "تابت"-شمال دارفور- والمتعلقة باتهام القوات النظامية بالسودان بارتكاب اغتصاب جماعي لنساء القرية- إلا أن هناك اتفاقا مبدئيا على ضرورة التعاون سويا من أجل إطلاق سراح الرهينتين الروسيين، سواء كان لوجستيا أو معلوماتيا. ويقول وزير الدولة بوزارة الخارجية السودانية السفير كمال إسماعيل-في هذا الصدد- إن الحكومة ترحب بأي تعاون من قبل اليوناميد إن كان سيقود لإطلاق سراحهما، مدينا بشدة الحادثة، وقال "إن هناك جهودا لإطلاق سراح الروسيين غير أن الخرطوم لن تخضع لأي مساومة أو ابتزاز سواء كان فدية أو غيرها"، مدللا في هذا السياق بأن هناك حوادث مماثلة من اختطافات أو غيرها تم إطلاق سراحهم دون أي فدية، بل عبر تكامل جهود السلطات المختلفة. وأشار الوزير السوداني، أن كثيرا من التقارير أكدت ضعف الحركات المتمردة وانحسار نفوذها نتيجة لعملية "الصيف الحاسم" التي أطلقتها القوات المسلحة السودانية، والتي مكنتها من السيطرة على كثير من الجيوب في دارفور الواقعة تحت سيطرة الحركات، ودلل السفير قائلا "إن ضعف وجود الحركات المتمردة بالمنطقة لا يمكنها من أن تكون هناك أسباب سياسية وراء الحادثة"، منبها إلى أن ظروفها لا تسمح لها باختطاف أو غيره. وفي دارفور، كشف جعفر عبد الحكم والي ولاية وسط دارفور- بشأن اختطاف الروسيين-، بأن قوة حكومية خرجت لتعقب الجناة وتعمل الآن على تحديد مكان المخطوفين وإطلاق سراحهما. وترى دوائر دبلوماسية، أنه ربما تكون العلاقات الاستثنائية بين السودان وروسيا من جهة والصين من جهة أخرى، السبب المباشر في استهداف الرعايا الأجانب بدارفور، ففي الخامس والعشرين من ديسمبر العام الماضي، تم اختطاف أربعة من الرهائن الصينيين بولاية شمال دارفور، وتم إطلاق سراحهم وجرى تسليمهم إلى البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بدارفور، غير أن مراقبا في الشأن الأممي استبعد ذلك، مشيرا إلى ضعف الحركات المتمردة، بجانب افتقارها سياسيا وعدم مقدرتها على وضع إستراتيجية أو خطة لاستهداف،وتابع "إن تحركاتها دائما ما تتسم بالعشوائية، فمن تجده أمامها تستهدفه، بجانب أنها تفتقر للفهم المتقدم". وفي السياق، أكد أكاديميون بالجامعات السودانية، إن العصابات والحركات المتمردة أخذت أهدافها في تحقيق الانتصار تتلاشى يوما بعد يوم، وأصبحت تلك الحركات تعمد إلى تعرية "اليوناميد" لإقناع المجتمع الدولي بقوة الحركات نفسها، مما يتيح الفرصة والمجال لدخول قوات أممية خاصة، ولأن الحركات المتمردة تميل لدخول القوات الأممية في دارفور لأنها سند لها في محاولاتها لإدانة الحكومة وتسليط السيف على رقبتها. ويرى بعض المراقبين السياسيين للمشهد الدارفوري، أنه لا مناص من وجود اليوناميد كتجربة أفريقية رائدة لحل القضايا الأفريقية داخل البيت الإفريقي في ظل اعتقاد الغرب أن القوات الأفريقية تحت وصايته، إلى جانب النظرة في أن أي متمرد إفريقي هو "إرهابي" عدا متمردي السودان، الذين ينظر إليهم على أساس أنهم أصحاب قضية، ومقاتلون من أجل الحرية، في حين أنها في السودان تدعم متمردين لزعزعة الدولة، وأكدوا أن "اليوناميد" تسعى لنجاح البعثة لأسباب عديدة، كما أنها لا تريد أن تزج بنفسها في صدام مباشر مع العصابات التي تقوم بعملية العنف بدارفور. ويبقى الوضع الراهن بالإقليم، حيث أنه على الرغم من تأكيدات الحكومة السودانية والبعثة الأممية المشتركة "اليوناميد"، بتحسن الأوضاع الأمنية في دارفور، فضلا عن قرار مجلس الأمن الأخير القاضي بمراجعة وضعية البعثة بعد انقضاء سنوات عملها بدارفور، إلا أن حلقات مسلسل حوادث الاختطاف والقتل في أوساط تلك القوات لم تنته بعد، وظلت ردود فعل قيادة البعثة تجاه الاعتداءات المتكررة، لا تتجاوز حد الإدانة والشجب والمطالبة بضرورة إجراء تحقيق كامل وفوري في مواجهة الجناة وتقديمهم للعدالة.