15 جامعة مصرية في تصنيف QS العالمي لعام 2024    بإجمالي 37.3 مليار جنيه.. هيئة قناة السويس تكشف ل«خطة النواب» تفاصيل موازنتها الجديدة    الأكبر سنا والمربع السكني.. قرارات هامة من «التعليم» قبل التقديم للصف الأول الابتدائي 2024    «الأزهر» يطلق صفحة مستقلة ب «فيسبوك» لوحدة بيان لمواجهة الإلحاد والفكر اللاديني    لليوم ال22 على التوالي.. «التموين» تواصل صرف مقررات مايو    برلماني: قانون منح التزام المرافق العامة يساهم في تطوير المنظومة الصحية    وزير الإسكان يُصدر قرارا بإزالة مخالفات بناء في الساحل الشمالي    يغادر خلاله 6 آلاف حاج.. استعدادات مكثفة بميناء نويبع لبدء موسم الحج البري    توريد 209 آلاف طن قمح لشون وصوامع البحيرة    الإسكان تنفي ما تردد عن تأسيسها شركة لتأجير الوحدات السكنية الشاغرة    أسعار التكييفات فى السوق المصرى.. 1.5حصان يبدأ من 16ألف جنيه    إنفوجراف| دول أعلنت الاعتراف بفلسطين    حكومة مالطا: نستعد للاعتراف رسميا بدولة فلسطين مثل إيرلندا والنرويج وإسبانيا    إقامة صلاة الجنازة على رئيسي وعبداللهيان في طهران    رئيس حزب الجيل: فخور بموقف مصر الحاسم تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة    الدوري الأوروبي| نهائي ساخن بين أتالانتا وليفركوزن الطامحين للقب الأول    جوميز: عبد الله السعيد مثل بيرلو ويمكنه اللعب في أكثر من مركز    إبراهيم عبدالله: كاف يتحمل المسؤولية الكاملة عن تنظيم نهائي الكونفدرالية    رئيس إنبى: عقد زياد كمال مع الزمالك به 6 أو 7 بنود امتيازات مادية    أهداها لكلوب.. جوارديولا المدرب الأفضل في البريميرليج    مهاب ياسر: لا يهمنا اسم منافسنا في السوبر الإفريقي.. وسنلعب من أجل الفوز فقط    مدير تعليم العاصمة يتابع ختام امتحانات الشهادة الإعدادية    خلال 24 ساعة.. تحرير 480 مخالفات لغير الملتزمين بارتداء الخوذة    المشدد 7 سنوات لعاطل في التنقيب عن الآثار بعين شمس    شاب ينهي حياته شنقا بعد عامين من قطع شرايين يده بعين شمس    غرق 3 أطفال في النيل خلال محاولتهم الهروب من حرارة الطقس بكفر الشيخ    «اعرف حظك».. توقعات الفلك والأبراج اليوم | الأربعاء 22 مايو 2024    ورش عمل فنية للأطفال ب«القومي للحضارة» احتفالًا باليوم العالمي للمتاحف    جامعة القاهرة تحصد المركزين المتميز والأول في مسابقة «جسر اللغة الصينية»    فدوى مواهب تخرج عن صمتها وترد على حملات المهاجمين    لمدة يومين.. انطلاق قافلة طبية إلى منطقة أبوغليلة بمطروح    التكييف في الصيف.. كيف يمكن أن يكون وسيلة لإصابتك بأمراض الرئة والتنفس؟    الصحة: برنامج تدريبي لأعضاء إدارات الحوكمة في مديريات الشئون الصحية ب6 محافظات    سعر الذهب اليوم الأربعاء 22 مايو 2024 وأخبار السوق العالمي    لأول مرة .. انعقاد مجلس الحديث بمسجد الفتح بالزقازيق    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 22-5-2024 في المنيا    تعديلات جديدة على قانون الفصل بسبب تعاطي المخدرات    لقاءات على هامش القمة    طلاب جامعة الإسكندرية في أول ماراثون رياضي صيفي    «الصحة»: ورشة عمل حول تأثير تغير المناخ على الأمراض المعدية بشرم الشيخ .. صور    الترسانة يستضيف حرس الحدود في افتتاح مواجهات الدورة الرباعية المؤهلة إلى الدوري الممتاز    دار الإفتاء توضح أفضل دعاء للحر.. اللَّهُمَّ أَجِرْنِى مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ    هكذا تظهر دنيا سمير غانم في فيلم "روكي الغلابة"    استطلاع رأى 82% من المواطنين:استكمال التعليم الجامعى للفتيات أهم من زواجهن    فصائل فلسطينية: استهدفنا ناقلة جند إسرائيلية جنوب شرق مدينة رفح    على البساط الوردى «فرانكلين» و«دوجلاس» فى كان!    طلاب الشهادة الإعدادية في الإسكندرية يؤدون امتحان الهندسة والحاسب الآلي    51 مباراة دون هزيمة.. ليفركوزن يسعى لمواصلة كتابة التاريخ في موسم استثنائي    دبلوماسي سابق: الإدارة الأمريكية تواطأت مع إسرائيل وتخطت قواعد العمل الدبلوماسي    طريقة صنع السينابون بالقرفة.. نكهة المحلَّات ولذَّة الطعم    شاهد.. حمادة هلال ل إسلام سعد: «بطلت البدل وبقيت حلاق»    مأساة غزة.. استشهاد 10 فلسطينيين في قصف تجمع لنازحين وسط القطاع    اليوم.. ختام مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة بحضور إلهام شاهين وفتحي عبد الوهاب    افتتاح أول مسجد ذكي في الأردن.. بداية التعميم    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    الأرصاد: الموجة الحارة ستبدأ في الانكسار تدريجياً يوم الجمعة    أبرزهم «الفيشاوي ومحمد محمود».. أبطال «بنقدر ظروفك» يتوافدون على العرض الخاص للفيلم.. فيديو    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الهتيفة 2-3»: "كايروكي" و"زاب ثروت".. المعارضة ب"الراب" و"الروك"!
نشر في البوابة يوم 23 - 01 - 2015

وسط هوجة الغناء السياسي، المنتشر بعد ثورة 25 يناير، والمختلف تماما عن فكرة الغناء الوطني، في التوجه وكذلك في الموسيقى، تحول الأمر إلى غناء بشكل آخر، بعيدا عن الغناء ذي الصبغة والتوجه السياسي، حتى وإن قدم في لون وطني، ولكن طريقة أقرب إلى غناء "المطالب السياسية"، أو كما ذكرنا "هتافات المظاهرات"، التي تحولت بأيدي موسيقيين ثائرين إلى "موجة غنائية"، فبعد تجربة رامي عصام، جاءت تجارب أخرى في "غناء المظاهرات"، أو "المطربون الهتيفة"، الذين تفرغوا لصياغة وتطويع الهتافات والشعارات، في ألحان ومنتجات موسيقية.
وباستمرار تلك الموجة، بدأ البعض في الانحراف عن المسار، وشق طرق مختلفة في الغناء، والسعي نحو الجماهيرية والانتشار، وإثبات الافضلية والاختلاف، والبعض الآخر حاول تقديم تجارب موسيقية مختلفة، أو استغلال انفتاح الذوق العام، وكسر التقليدية، في إنتاج ما كان يقدمه قبل الثورة مرة اخرى، في ظل حالة تقبل الجماهير لأي منتج من هؤلاء، لأجل خاطر "الثورة"، في ذلك الوقت.
الجماهيرية.. توافق سياسي أم فني؟
الأمر المشترك في علاقة معظم الفرق الموسيقية، بجمهورهم بعد الثورة، هو توحد الأهداف السياسية والرؤى بينهم، وأكاد أجزم أن معظم "التراس" أو جمهور تلك الفرق، بدأت في التعرف والاستماع ومن ثم التعلق بها، بعد التأكد أولا من تماشي أهدافهم وآرائهم السياسية معهم، ربما كان ذلك في بداية الأمر، قبل أن تتحول العلاقة بينهم إلى علاقة طبيعية، تنظر للمنتج وتتفاعل معه أو تتجاهله وتنقده.
وفي هذه الأثناء ظهرت عدة تجارب موسيقية، متأثرة بشكل واضح في نشأتها وتكوينها و رؤيتها الموسيقية، بالموسيقى الغربية، والفرق الموسيقية خاصة، وبشكل محدد في "بينك فلويد"، "البيتلز"، و "كولد بلاي"، ويبدو أن هؤلاء الشباب مروا بتجارب موسيقية عديدة قبل الثورة، لم تكلل بالظهور والنجاح، وربما لاقوا معاملة سيئة وتعنت من الجهات المسيطرة على السوق أو المنتجة.
يرجع تاريخ تأسيس نصف هذه الفرق إلى قبل الثورة، ولكن بالطبع الجميع انتشر بفضل الثورة، باستثناء قلة، مثل فرقة "وسط البلد"، الأكثر انتشارا وثباتا في المستوى الفني والجماهيري، وربما كانوا من الملهمين لصعود عدد كبير من هؤلاء المطربين والفرق، أبرزها "كالروكي"، "أسفلت"، "مسار إجباري"، "سلالم"، وغيرهم، بالإضافة إلى مطربي الراب مثل "زاب ثروت"، الأشهر في ذلك المجال.
بداية من "كالروكي"، المنطلقة منذ عام 2008 تقريبا، والمكونة من 5 شباب، أمير عيد "مطرب الفرقة"، شريف الهواري وآدم الألفي "إليكترك وباص جيتار"، وأخيرا تامر هشام "درامز"، أكثر الفرق الحالية شهرة، ولن استطيع أن أقول "جماهيرية"، ولكنها دائما في المقدمة عند المقارنة أو ضرب المثل، والأكثر نشاطا على المستوى الفني، سواء في الحفلات والألبومات والجوائز والإعلانات وغيرها من الأنشطة.
صوت حاد يقود الفرقة
وبإيجاز بدأ الأصدقاء الخمسة في الظهور، في عام 2008، بعد أن اعتزموا الغناء في 2005، وأطلقوا مع المخرج عمرو سلامة أول تجاربهم المصورة بأغنية "كل الناس"، والتي بدا موضوعها الرئيسي عن "الحب"، إلا أن طريقة تصويرها بعرض بعض عناوين الصحافة عن الأحداث السياسية، ولقطات من المظاهرات حول العالم، كشف نوايا الفرقة، واهتماماتها السياسية في المقام الأول، قبل أن يتبعوها بأغنية "حلمي أنا"، في 2009، لتظهر اهتماماتهم أكثر، بالدعوة للثورة والسلام العالمي وغيرها من المعاني الحالمة والمثالية، على الأقل في ذلك الوقت.
تستطيع أن تميزهم من شيئين، صوت الإلكتريك جيتار، وصوت أمير عيد، أشهر أعضاء الفرقة، صاحب الصوت الغريب على الساحة الفنية وأذن الجمهور المصري بشكل عام، ربما كان ذلك السبب في نجاح الفرقة وتميزها، صوت أمير عيد، قيل عنه الكثير وانتُقد وبُرر وسُخر منه أيضا، ولكن بمبدأ أحقية أي شخص أن يغني، إلا أن صوت أمير عيد وحده يحتاج لإعادة نظر من الفرقة، وقد يصبح عائقا في تجربتهم الاحترافية، فللأمانة، رغم ما يسبب صوته أحيانا إزعاجا وتشويشا على الموسيقى الرائعة التي تؤديها الفرقة، وعدم ألفته معها، إلا أنني اقتنعت أن أمير عيد ما زال يصلح أن يكون مطربا، ولكن كمطرب راب أو كمشارك لأحد في الغناء أو ككورال للفرقة.
رغم الملاحظات العديدة على ما تنتجه الفرقة، والذي يرجع إلى نفس الأزمة، بتقييمهم سياسيا وليس فنيا، بسبب غنائهم السياسي و"الهتافي"، الذي وصل إلى حد مهاجمة الأغلبية، وقطاعات من الشعب، بخلاف الدولة والأنظمة وكذلك الفكرة التشاؤمية واليائسة التي بدأت الفرقة في تبنيها بعد الثورة.
عداء الأغلبية
الغناء في الغرف المغلقة والغناء ضد الأغلبية، هي عقدة "كايروكي"، فالغالب أن أي مطرب أو صاحب مضمون فني، يسعى للجماهيرية والانتشار وإرضاء أكبر فئة ممكنة، كي يسوق منتجه، وهي القاعدة، التي رفضها كايروكي وكذلك "زاب ثروت"، سواء في تصريحاتهم الإعلامية أو في أغانيهم، كما جاء في أغنيتهم "أنا مش منهم": "بيقولوا الأغلبية هما الصواب.. قريت التاريخ وفهمت الدرس المستفاد.. الأغلبية كانت دايما صوت السكوت.. والغش والنفاق دايما حاضر موجود.."، وامتلأت الأغنية بمشاعر الغضب واللوم، وكذلك استمروا في نقد الأغلبية وتغليب السياسة على نجاح الأغنية، ففي أغنية "اثبت مكانك"، التي تقول كلماتها: "إنت بتقول كرامة وهما يردوا بمهانة.. إنت بتقول العدل ويقولوا عنك ندل.."، قبل أن يرد رفيقهم زاب ثروت: "مطلوب منك السكوت.. تكون إنسان بديل.. مطلوب تسكت تموت أو تعيش أسير.. الولاء للماضي.. أفكار لينا صديقة.."، إلى باقي الأغنية التي تبث روحا تشاؤمية، مع ظهور لبعض الشخصيات السياسية والإعلامية في الفيديو الكليب، مثل بلال فضل وريم ماجد ويسري فودة وغيرهم.
المعارضة بطريقة "طلبات الأطفال الساذجة"
الأغنيتان وكلماتهما، بالإضافة إلى أغنية "مات الكلام"، التي عبارة عن لحظة غضب لأمير عيد، تحولت لهتاف أشبه بزعيق يقول فيه: "أحسنلي إني أموت ولا إني أعيش معاكو أحسنلي أقطع رجلي قبل ما تمشي على هواكم.. طظ في كلامكو.. طظ في أيامكم.."، ويستكمل: "احنا التجارة وانتو الشطارة.. احنا البداية وانتو النهاية.. ويمين شمال هنكمل الحكاية.."، تعبر عن ضيق شديد في فكر الفرقة، وبالمثل لزاب ثروت، باستخدامهم المشاعر الوقتية الساذجة، وكذلك المباشرة، والتوجيه الواضح لكماتها، بخلاف الجماعية في الحديث سواء عنهم أو عن الطرف الآخر.
يقال إن الفن ينتعش إذا تم وضع قيود عليه، ويصبح أكثر ابتكارا وإبداعا، لملامسته المناطق الشائكة، بطريقة غير مباشرة، بالترميز والتدليل، وبمهارة، وهو النظرية التي التصقت بما كان يقدمه محمد منير وعلي الحجار، قبل الثورة، وما تفعله "كايروكي"، لا أدري كيف يندرج تحت هذه النظرية؟ فما تقدمه الفرقة سواء قبل أو بعد الثورة، قد لا يصنف من الأساس كحالة غنائية، وللتدقيق قد يوصف بأنهم فئة لها مطالب سياسية واضحة وكذلك تحيز ورؤية اجتماعية محددة، تقدمها بشكل مباشر، يصل إلى حد "الأوامر"، في خطاب مصحوب بأصوات الجيتار والكيبورد.
وقعت الفرقة في نفس الأزمة التي وقع فيها زميلهم رامي عصام، في طغيان السياسية، و"الكلمة"، على اللحن والموسيقى، مثل زجهم بمصطلحات "عدالة اجتماعية.. حقوق إنسان.. الورد اللي فتح الجناين"، في أغانيهم، حتى لو كانت على حساب اللحن والوحدة الإيقاعية، فطبيعي أن يغيب الاهتمام الفني على ما يقدموه، مقابل الاهتمام بالكلمات وما تحتويها من مطالب وأوامر وهتافات، وهو ما استمر بشكل واضح في آخر أغانيهم "ناس بترقص وناس بتموت"، والتي يدل عنوانها على ما سيأتي في الأغنية، من لغة ولهجة سياسية، أشبه بما يتداوله النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، مع مواصلة الهجوم على الفئات الكبيرة عمرا، على النحو: "يا أهلينا المستقبل لينا.. متبقوش انتو والزمن علينا.. جيلكم ساكت ولا عمره اتكلم.. دلوقتي جاي ينظر ويعلم.. آن الأوان الراية تتسلم"..
كايروكي "مبتقولش لأ"!
تناقضات عديدة وقعت فيها الفرقة بسبب سياستها، رغم تصريحاتهم وأغانيهم المؤكدة لرفضهم للأغلبية، وعدم رغبتهم في الغناء لها، وعدم سعيهم للانتشار، واعترافهم برداءة صوت أمير عيد، ولكن في نفس الوقت، تحرص الفرقة كل فترة، أن تنفي تماما أنهم ينتمون إلى "الأندرجراوند"، وهذا يعكس رغبتهم في "الانتشار والتجارية"، وعدم وقوعها عائق امام الحفلات الضخمة، بعديا عن مسارح وسط البلد، بالإضافة إلى المجال الجديد للفرقة، بتقديم الإعلانات، والدعاية لمختلف الشركات -ولا تنسى أنهم لا يعترفون بالأغلبية- وصار صوت أمير عيد، دلالة على قوم شهر رمضان، ولا تستطيع أن تحدد السلعة التي يسوق لها بصوته، لسيطرتهم على سوق الإعلانات، بمبدأ إعلانهم الشهير "متقولش لأ"!.
وفي نفس السياق، بدأت الفرقة في الفترة الأخيرة، في تعديل أدائها، وطغا الجانب "الشعبوي"، على أغانيهم وأدائهم، خاصة على خشبة المسرح، فالفرقة ذات الميول الغربية، والتي بدأت الغناء باللغة الإنجليزية، بدأت في "الالتصاق بالشعبية"، وبالرجوع إلى أول أغنية للفرقة، "كل الناس"، وطريقة إدائهم للأغنية، وهيئتهم، حتى في ملامحهم ومظهرهم، تشعر أنك أمام شباب من "الطبقة الأرستقراطية"، متأثرة بشكل واضح بأسلوب عدد من الفرق الغربية، قبل أن تعبر بالزمن إلى 2014، وتسمع أمير عيد وهو يقول في إحدى أغنياته: "قول يا أبو شريف قول.."، ويردد على خشبة المسرح، بأداء شعبي "ولاااا"، بدلا من آهاته الحادة الشهيرة.
وبالأخص في حفلتهم مع فرقة "وسط البلد"، "ساوند كلاش"، التي استضاف فيها الفرقتين، حكيم وأحمد عدوية، مما يبرز ميلهم تجاه الشعبية، في أغانيهم وأدائهم، قبل أن يتطور ذلك التعاون، إلى طرح أغنية شعبية في ألبومهم الأخير "السكة الشمال"، مع المطرب الشعبي عبدالباسط حمودة، باسم "غريب في بلاد غريبة"، وكانت المرة الأولى التي قد تسمع فيها كايروكي خارج الغرف المغلقة، أو بمعنى أدق في "الميكروباصات"، و"التكاتك".
زاب "ثروت"
وبالعودة إلى رفيقهم شبه الدائم، زاب ثروت، الذي يزيد الطين بلة، في أغانيهم، فعندما تبدأ في استساغة وتقبل حدتهم، ونشازهم، وأوزانهم المكسورة، وفوضى وحدتهم الإيقاعية، وغيرها من المشكلات التي يعانون منها، تفاجأ بصوت زاب ثروت، لتنهي آمالك في الاستمتاع بما كان ستقدمه الفرقة.
ففي أغنيتهم "اتجنن"، التي جاءت لصالح إحدى شركات المياه الغازية، بمشاركة عايدة الأيوبي، تشعرك الأغنية بالسعادة والفرح، من خلال كلماتها ولحنها، وصوت جيتار الهواري، الذي ينطلق في صولو مبهج ومميز، يجبرك على أن تغمض عينيك، وتتخيل كيف سينتهي بك، قبل أن يقف فجأة على صوت مقلق، حاد، نشاز عن الحالة المبهجة، يقطع استمتاعك: "نفض أي زعل أو هم عن هدومك.. ارسم ابتسامة حلوة ابدأ بيها يومك.."، لا أعلم لماذا زاب ثروت في هذه الأغنية؟ ولماذا يقحم زاب ثروت من الأساس في أغانيهم؟
زاب ثروت، هو مهندس وكاتب وشاعر، كما يدعي، وكذلك مطرب، ويعرف نفسه أيضا، بصاحب موهبة موسيقية متفردة، ترك الهندسة، واتجه لتحقيق حلمه في الغناء، والتعبير عن قضايا بيئته وعن مآسيه، بالراب، على اعتبار أنه أكثر الفنون الغنائية تعبيرا عن حالة الغضب بالكلمات القوية والعنيفة، كما كان يفعل السود في أمريكا للتعبير عن قضيتهم، ودرء الممارسات العنصرية ضدهم، وكان لهم الفضل في انتشار "الراب"، منهم إلى باقي الطبقات المهمشة والضعيفة والمظلومة.
إلى هذا الحد، يبدو الأمر طبيعيا، قبل أن تطبق ذلك الجزء النظري، وتبدأ في اكتشاف موهبة زاب المتفردة، في "تلزيق القوافي"، بطريقة الشعراء المبتدئين، والتي ينطقها بمخارج حروف مصطنعة، وباستفزاز "متعمد"، وأصوات أنفاسه في نهاية كل جملة، التي تشعرك بالإرهاق، أو الإشفاق عليه، وعلى كل حال، زاب ممن أطلق عليهم لقب "مطرب الثورة"، رغم أنه ليس مطربا من الأساس!
بإيجاز، زاب عبارة عن واحد من آلاف الشباب، الذي يرى في نفسه موهبة الكتابة، ولكن طموحه كان أكبر من ذلك، فابتكر طريقة جديدة لنشر كتاباته، بعيدا عن طرق النشر التقليدية التي لجا لها زملاؤه، فبدأ في قراءتها وتصويرها، كما جاء في أول كليباته "حصار"، "كاتب لبكرة جواب"، وتطور الأمر بعد ذلك في استخدام خلفية موسيقية، وربما يكون قد حاول الغناء، ووجد أن صوته لا يصلح لذلك، فقرر الاتجاه "الراب"، تقليلا للضرر والخسائر.
مهندس وكاتب وخطيب!
تناول زاب في كلماته، عددا من القضايا الاجتماعية والسياسية، وشارك زملاءه "كايروكي"، هجومهم على الأغلبية والظروف والدولة، وكل شيء، وزاد عليهم بمحاربة التحرش والتطرف وإسرائيل وأمريكا وكذلك المخدرات، بخلاف كل ذلك، لا تعتبر تجربة زاب موسيقية أو طريقة القاء، إنما هي طريقة للتعبير عن منتجاته فقط، كأي شخص يستخدم "سوشيال ميديا"، للتعبير عن آرائه وطلباته وأمنياته، حتى وإن كانت ساذجة وعادية، كما في أغنيته قبل الثورة، "مين المقصود"، مع فرقة "أسفلت"، والتي قالوا فيها: "القدس عربية.. وغزة عربية.. الضفة عربية.. وحيفا عربية.. وعار عليك يا عربي.. توافق عالهوان.. وتسيب أمور حياتك بين إيدين الأمريكان.."، والتي تتخيل من كلماتها وأدائها، مجموعة أطفال يرددون هذه الشعارات الركيكة، في حوش المدرسة!
قد يظن زاب، أو تقتصر معرفته بالراب، بأنه وسيلة للتعبير وتفريغ شحنة غضبه في وجوهنا فقط، ولا يدري أنه مر بمراحل تطور، وامتزج بالألوان الغنائية الأخرى، وكذلك الموسيقى والإيقاع، لا يمكن الاستغناء عنهما، إذا اراد أن يكون احترافيا، ولن أضرب المثل بمشاهير الراب في العالم، ولكن بالنظر إلى التجارب المحدودة، للراب في مصر، خاصة تجربتي أحمد مكي وأحمد الفيشاوي، ستكتشف أن زاب ثروت ليس له موقع من الإعراب في جملة الموسيقى، حتى وإن كانت تجارب هؤلاء ساخرة أو كوميدية، ولكن كانت تحمل عبارات متماسكة، طيعة، موسيقية، خاصة في أغنية "اسمع مني"، لأحمد مكي مع فاطمة عيد، و"دور جوه نفسك"، وألبومه "أصله عربي"، وأغنية "ورقة شفرة"، لأحمد الفيشاوي.
وبالمقارنة بين ما أنتجه زاب ومكي في قضية واحدة وبشكل غنائي واحد، تجاه المخدرات، تكتشف كيف يفكر الثنائي، ويتضح الفرق بين الخطابية والتعبيرية الموسيقية، فأغنية مكي "قطر الحياة"، من أكثر الأغاني المؤثرة، والإيجابية في تلك الحملات، خاصة مع طريقة تصويرها، رغم الصورة الذهنية الكوميدية عن مكي، بينما اتجه زاب إلى الاستعانة بمحمود العسيلي، في "كام واحد"، التي يقول فيها للشباب: "أبواب كتير بتتفتح لكني وبصراحة.. خفت الغيامة تبعد واخسر الدنيا الجميلة.. وارجع لحالي اللي كاره وشخصيتي البديلة.. ففضلت ماسك في السيجارة.. حابب اللي فيها.. وعرفت كل حاجة حلوة بتبتدي بعديها.. متبقاش ملك حاجة.. أحلامك المحتاجة.. خليك واعي وامسك الزمام.."، واعتقد أن بعد هذه الكلمات والطريقة الخطابية الساذجة، لن يكف ويندم المدمنون على الإدمان، بل سيندمون على سماعهم زاب ثروت!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.