يكتب:الكتابة الساخرة لا تعني الشتم والقذف أصعب أنواع الكتابة هي الكتابة الكوميدية، وهناك فرق كبير وعميق بين الكوميديا وبين الاستظراف أو استظهار خفة دم غير موجودة في كاتب النص الكوميدي أو الممثل الكوميدي، أو الصحفي الساخر، ورحم الله رواد الكوميديا في التمثيل الذين أضحكونا وابكونا على حد سواء ومنهم نجيب الريحاني وعبد الفتاح القصري وعلي الكسار وعبد المنعم إبراهيم وغيرهم كثيرون، على العكس من البعض الموجود على الساحة الفنية لا يعرفون من الكوميديا إلا "التنطيط" والرقص والغناء وتمطيط الشفاه والشقلبة في الهواء لاستدرار عطف الجمهور وسحب الابتسامة أو الضحكة منه بالعافية، رغم وجود فنانين في الكوميديا حاليا ينتظمون في الصفوف الأولى لسابقيهم ومنهم على سبيل المثال الفنان محمد صبحي وعادل إمام رغم مواقفه السياسية التي نختلف عليها معه. وإذا كانت الكوميديا أصعب الفنون التمثيلية، فإن الكتابة الصحفية الساخرة هي الأخرى أصعب أنواع الكتابة، وهي بحاجة إلى شخص يمتلك حس الفكاهة ويستطيع بمهارته وخبرته أن ينقلها للقارئ بخفة دم طبيعية لا أن يقحم من لا يمتلك هذه الأدوات نفسه في كتابة تحتاج إلى جهد وإلى امتلاك مقومات لهذه الكتابة، كما يمتلك رسام الكاريكاتير أدوات صنعته من موهبة وتدريب وتأهيل، فليس كل من قال نكتة عابرة أو استظرف دمه وتطاول على خلق الله فأضحك مجموعة من زملائه وأصدقائه رأى نفسه ملك الكتابة الساخرة، وكأنه يعقوب صنوع زمانه أو محمود السعدني أو محمد عفيفي رحمهم الله جميعا أو حسب نفسه في صف واحد مع لينين الرملي ويوسف عوف ويوسف معاطي أو المتألق دائما جلال عامر، وخلال الأيام السابقة قرأت كثيرا من المقالات التي يريد أصحابها أن يكونوا ضمن كتيبة الكتاب الساخرين إلا أن أفكارهم خانتهم وأقلامهم ضحكت عليهم وسخرت منهم، فبدلا من أن يكتبوا شيئا مفيدا وفي ذات الوقت ساخرا لجذب القراء والتخفيف عنهم وإفادتهم وتنويرهم، وجدنا أنهم لا يهدأ لهم بال ولا يستريح لهم ضمير إلا بتشريح مخالفيهم في الرأي وشتمهم بعبارات يمكن أن توصلهم لو كنا في بلد حر وديمقراطي إلى أبواب المحاكم والوقوف أمام قاضيه الطبيعي لا العسكري -حتى لا يغضبون مني- لا إلى المجد والشهرة في عالم الكتابة الساخرة أو تقديم استقالتهم والانسحاب من الحياة الصحفية كرسالة اعتذار منهم للقراء على ما بدر منهم. لم تقف عدوى الشتم على حدود الكتاب "غير الساخرين" فقط بل انتقلت إلى القراء المتفاعلين مع مقالاتهم فتراهم يردون على هؤلاء الكتاب بنفس أسلوبهم في الكتابة فتصل بهم إلى حد شتم كاتبهم وقذفه بالألفاظ وأتخيل لو أنه معهم في مكان واحد أو تحت سقف واحد لقذفوه بالبيض، ثم بقدرة قادر تتحول الشتائم من القراء إلى زملائهم القراء، فيرد بعضهم على بعض بكلمات قاسية كحد السيف وكله بفعل سحر الكاتب الظريف الذي يريد أن يُري مالك جريدته أن نسبة من يردون عليه أو يعلقون على مقالته كبيرة جدا ومن ثم فإن الإعلانات ستنزل "ترف" على الجريدة ولا عزاء للكتابة الساخرة الحقيقية والطبيعية وليست الاصطناعية. [email protected]