لا شك أن تقرير المحكمة المحكمة الدستورية الأخير قد أثار العديد من الإشكاليات والاعتراضات وجعل المحكمة فى مرمى القذف النيرانى التى كانت بعيدة عنه لسنوات طويلة، وكذلك جعلها وكأنها فى حالة حرب مع التيار الإسلامى. وربما تصور البعض على غير الحقيقة أن اعتراض الإسلاميين راجع إلى أن هاتين المؤسستين الجيش والشرطة اللتين تم استعداؤهما على مدى العقود فى حرب مفتعلة مع التيار الإسلامى لازالتا على ولائهما القديم لتلك المعاداة، وهو أمر فى غاية الخطأ ولا يعبر إلا عن أوهام حطمتها ثورة الخامس والعشرين من يناير. بل يجب أن يعلم المتابع الجاد أن هاتين المؤسستين حال إقحامهما فى عالم السياسة فإنهما ستكونان من أخصب التجمعات والشرائح التى ستتجاوب مع الدعوة الإسلامية وطرح الأحزاب الإسلامية بالشكل الذى ربما يفزع منه من هللوا لهذا التقرير، وساعتها سيتمنون أن لو كان التقرير نسياً منسياً. كما أن الحقيقة الأخرى التى يجب ألا تغادر هذا المشهد هى أن حظر العمل أو الانشغال بالسياسة فى هاتين المؤسستين كان ينصب بالأساس على حرمان الإسلاميين من التأثير عليهما، وهو بالتأكيد ما لم ترغب فيه أنظمة الاستبداد التى كانت تريد أن تحتكر السلطة إلى يوم القيامة!! ولا تريد لها بحال أن تقع فى أيدى الإسلاميين لأن ذلك أيضا كان هو أحد الشروط الدولية لبقاء القوى العلمانية فى الحكم!! فالحقيقة التى يجب أن تكون واضحة أن القوات المسلحة هى جزء أصيل من المجتمع المصرى، وأنها تسرى عليها ما يسرى على هذا الشعب، فإذا كانت الغلبة للتيار الإسلامى فى الشارع وجدنا أثر ذلك فى داخل المؤسسات العسكرية وليراجع من أراد أن يراجع مدى تغلغل النفوذ الإسلامى داخل المؤسسات العسكرية خلال عقد السبعينيات من القرن الماضى، وكيف أن نظام مبارك شغل فى فترات حكمه الأولى باستبعاد كل العاملين داخل القوات المسلحة الذين ظهرت عليهم أمارات أو علامات التأثر بالصحوة الإسلامية. وإذا كان الأمر كذلك فلماذا انتفض الإسلاميون غضبا لما اعتبر إقحاما للعسكريين فى الشأن السياسى؟ هنا لا بد أن نلاحظ أن الخلفية التى ظهر فيها هذا التقرير جاءت فى وقت احتدم فيه الصراع بين السلطة القضائية السلطة التشريعية بسبب مناقشة مجلس الشورى لقانون السلطة القضائية، وهو ما لا يحملنا على أن ننظر للأمر نظرة بريئة بل يجعلنا نحاول أن نحمله على كل الوجوه المحتملة التى من بينها قطعا استعمال قضية المشاركة السياسية للعسكريين كوسيلة ضغط أو ورقة تفاوض. والأكثر غرابة وربما الأكثر طرافة أن يصدر التقرير بعد إعلان الفريق السيسى عن موقف القوات المسلحة الرافض للمشاركة فى الحياة السياسية لأسباب تتعلق بالدور الجوهرى المنوط بها، وكذلك لأن المهام الجسام المتعلقة بالأمن القومى، ومنها ما ظهر بعد ذلك بعدة أيام -الشروع فى بناء سد النهضة فى إثيوبيا- تستدعى تفرغاً كاملاً للقوات المسلحة لهذه الأدوار الجوهرية والمحورية. وأيضاً فإننى لا يمكننى الفصل بين إصرار بعض القوى السياسية على استدعاء الجيش للحياة السياسية فى تحرك كيدى واضح الهدف وبين هذا التقرير الذى تصور أنه يكيد الحكم ومن ورائه الإسلاميين جميعاً وفى ذات الوقت يرد على ممارسة المجلس التشريعى لصلاحياته بالشروع فى مناقشة قانون السلطة القضائية. والحقيقة التى يجب أن تكون حاضرة ونحن نناقش أوضاعنا السياسية بشكل مفتوح لم يسبق له مثيل فى تاريخنا السياسى، أن إقحام المؤسستين العسكريتين فى الحياة السياسية -وخاصة القوات المسلحة- فى هذه المرحلة لن تفيد منه هاتان المؤسستان بل سيكون وبالا على الحياة السياسية بكاملها، ويكفى أن ندلل على ذلك بالتجاذب والاستقطاب الذى تشهده الساحة السياسية الحالية لو تصورنا أنه قد انتقل إلى داخل المعسكرات والوحدات العسكرية!!