حقا إنها لحظات تاريخية، بكل ما تعنيه الكلمة، تلك اللحظات التي بدأنا فيها نحن المصريين البعيدين عن وطننا الحبيب الإدلاء بأصواتنا، لنختار الرئيس الذي سيحكم مصر في أخطر مرحلة من تاريخها، مرحلة تثبيت الديموقراطية، والانتقال بثقة واطمئنان إلى الدولة الثالثة في تاريخ مصر الكنانة. لقد اختلطت مشاعرنا، وهاجت أحاسيسنا ونحن نمارس هذا الحق لأول مرة في حياتنا، شأننا في ذلك شأن المصريين في الداخل، فقبل ذلك لم يكن ثم انتخابات حقيقية، بل كانت استفتاءات معروفة النتيجة، التي تأتي غالبا بنسبة 99.9%، والمرة الوحيدة التي جرت فيها انتخابات رئاسية كانت - كما شاهدنا - انتخابات ديكورية، لتجميل وجه النظام القبيح ورئيسه الخائن المخلوع، عليه من الله ما يستحق. أقول لقد غمرتنا مشاعر متنوعة بين السعادة والتفاؤل والشعور بالعزة والشموخ، لما تحققه هذه الانتخابات وما يصاحبها من فعاليات سياسية لمصر وللمصريين من مكانة وسمعة، تجعل مصر وشعبها في الداخل والخارج حديث العالم بأسره، بجانب ما يترقبه العالم من وراء هذه الانتخابات، من نتائج يقوم فيها الشعب المصري بإسناد قيادته إلى من يرضاه ويختاره، اختيارا حرا، لا عبث فيه ولا التفاف عليه. إن وراء ما نشعر به من الزهو والفخر عدة أسباب، أذكر منها ما يلي: أولا: ذلك الجو الديموقراطي الحر، وتلك الإرادة الواعية، التي يمارسها المصريون، وذلك الاختلاف والتنوع الجميل، الذي يحصل منهم عند التصويت أو أثناء النقاش، فهذا يؤيد الدكتور محمد مرسي، وذلك يؤيد الدكتور أبو الفتوح، وثالث يؤيد الدكتور العوا، ومنهم من يؤيد صباحي، يحدث هذا في جو من الود والاحترام المتبادل، دون تجريح أو تشنج، ونتمنى - من أرض الغربة - أن يسري هذا الجو الدافئ الحاني بين أبناء الوطن بالداخل، وقد سعدنا كثيرا عندما تواترت إلينا الأخبار بأن الحملات الانتخابية للمرشحين تقوم بالترحيب ببعضها، مما يدل على أن شيئا جديدا يسري في نفوس المصريين، يكشفون به عن معدنهم، ويترجمون به عن أخلاقهم، ويعلون به من قيمهم الدينية، ويقودون به الأمتين العربية والإسلامية نحو التغيير السلمي الناجح. ثانيا: أننا ولأول مرة لا نستطيع أن نتوقع لمن سيكون الفوز، ومن الذي سيحظى بشرف خدمة الشعب المصري، وهو شعور جديد لذيذ، لم نعتد عليه، ولذا فنحن في قمة السعادة بسببه. ثالثا: ذلك الحراك السياسي والاجتماعي الذي دب في أوساطنا، وجعلنا نقترب من بعضنا وزاد من تواصلنا، ووحد همنا وكلامنا، ووحد كذلك دعاءنا لمصرنا بأن يحفظها الله تعالى من كل مكروه وسوء، وأن يولي عليها أفضل أبنائها...، كما كشف عن انتماء أصيل، وحب عميق، وعشق راسخ في قلوب المصريين لوطنهم، مهما تباعدت الأماكن، وكثرت الشواغل. رابعا: أن مصر بذلك تتبوأ المكانة الحقيقية لها، من حيث إنها مرشدة وقائدة ومعلمة في محيطها العربي والإقليمي، ويقيني بأن نجاح التجربة المصرية بما لها من زخم، وبما يصاحبها من فعاليات سيجعل لمصر ولرئيسها القادم قدرا من الهيبة والتوقير والتقدير لم يحدث من قبل. ويبقى أملنا قائما وحلمنا متواصلا في أن يحترم المصريون جميعهم ما ستسفر عنه نتائج الانتخابات القادمة، وألا يعترضوا عليها لمجرد الاعتراض، وأن يلتفوا حول رئيسهم من أول يوم يقوم فيه بمهام وظيفته، وأن يكونوا له عونا وساعدا، وأن يوصي بعضهم بعضا بالدعاء له. كما آمل أن يكون الرئيس القادم - أيا كان توجهه - رئيسا لكل المصريين دون تفريق بينهم، يسعي لتحقيق مصالحهم، ويجد في خدمتهم، ويسهر على راحتهم، يراقب الله فيهم، ويعدل بينهم، حتى يظله الله بظله يوم لا ظل إلا ظله، وحتى لا يفسد عرسنا، ولئلا تتحول فرحتنا إلى حزن، وزهونا إلى انكسار، ويفرح فينا الشامتون، ويتندر بنا المتندرون، وهو ما نرجو من الله ألا يكون. [email protected]