النائب العام يصدر قرارًا بإضافة اختصاص حماية المسنين إلى مكتب حماية الطفل وذوي الإعاقة    "تضامن النواب" توصي عدم الكيل بمكيالين واستخدام حقوق الإنسان ذريعة الأهداف سياسية    النائب العام يقرر إضافة اختصاص حماية المسنين لمكتب حماية الطفل وذوي الإعاقة    رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية: يجب على الشركات المصرية استغلال الصناعات البيلاروسية للتصنيع المشترك    نائب محافظ سوهاج يتفقد سير العمل بالمركز التكنولوجي لخدمة المواطنين    وفاة نجل رئيس مجلس النواب الليبي    القسام تنشر مشاهد لاستهداف جرافة إسرائيلية    تقرير مغربي: عقوبات جديدة ضد اتحاد العاصمة بعد الانسحاب أمام نهضة بركان    تويتر الآن بث مباشر مباراة الهلال والاتحاد في نصف نهائي كأس الملك    خالد الغندور : الأهلي يقترب من حسم صفقة نجم الزمالك    حالة الطقس غدا الأربعاء 1-5- 2024 بوادي النطرون    النزهة الأخيرة.. انتشال جثة طفل غرق أمام أصحابه بمياه النيل في أطفيح    فصول في علم لغة النص، كتاب جديد للدكتور أيمن صابر سعيد    دعاء ياسين: أحمد السقا ممثل محترف وطموحاتي في التمثيل لا حدود لها    جلطات لقاح أسترازينيكا- جمال شعبان: لا تحدث إلا لهؤلاء    الصحة: الانتهاء من مراجعة المناهج الخاصة بمدارس التمريض بعد تطويرها    موعد إجازة عيد العمال وشم النسيم ل القطاع الخاص 2024    15 مايو.. أولى جلسات محاكمة 4 مسئولين كهرباء في حريق ستوديو الأهرام    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    زاهي حواس يوضح سبب تجاهل الفراعنة لوجود الأنبياء في مصر.. شاهد    حفل ختام فعاليات مهرجان الإسكندرية ل الفيلم القصير في الدورة العاشرة    بسبب الأزمة المالية.. برشلونة مهدد بفقدان أحد صفقاته    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الايزو 9001    أمير الكويت يصل مطار القاهرة للقاء السيسي    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    تفاصيل زيارة وفد منظمة الصحة العالمية لمديرية الصحة في أسيوط    غدًا.. «بيت الزكاة والصدقات» يبدأ صرف الإعانة الشهرية لشهر مايو    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    قواعد صارمة من مدرب ليفربول المنتظر بعد أزمة محمد صلاح وكلوب    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    كيف تجني أرباحًا من البيع على المكشوف في البورصة؟    «التنمية الشاملة» ينظم احتفالية لحصاد حقول القمح المنزرعة بالأساليب الحديثة بالأقصر (تفاصيل)    الليلة.. حفل ختام الدورة العاشرة ل مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    سرعة جنونية.. شاهد في قضية تسنيم بسطاوي يدين المتهم| تفاصيل    لحظة إشهار الناشط الأمريكي تايغ بيري إسلامه في مظاهرة لدعم غزة    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    موعد غلق باب التقديم للالتحاق بالمدارس المصرية اليابانية في العام الجديد    عشان تعدي شم النسيم من غير تسمم.. كيف تفرق بين الأسماك الفاسدة والصالحة؟    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    عبدالجليل: سامسون لا يصلح للزمالك.. ووسام أبوعلي أثبت جدارته مع الأهلي    ماذا فعل "أفشة" مع كولر في غرفة الملابس بعد عدم مشاركته؟.. والمدرب يرفض معاقبته    وزير التجارة والصناعة يرافق رئيس الوزراء البيلاروسي خلال تفقد الشركة الدولية للصناعات    وزير التموين يعلن تفاصيل طرح فرص استثمارية جديدة في التجارة الداخلية    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    اليوم.. محاكمة 7 متهمين باستعراض القوة والعنف بمنشأة القناطر    ألقوه من فوق مبنى.. استشهاد فلسطيني على يد قوات الاحتلال في الضفة الغربية    كينيا تلغي عقد مشروع طريق سريع مدعوم من البنك الأفريقي للتنمية    مساعد وزير الصحة: قطعنا شوطًا كبيرًا في تنفيذ آليات مواجهة تحديات الشراكة مع القطاع الخاص    واشنطن: وحدات عسكرية إسرائيلية انتهكت حقوق الإنسان قبل 7 أكتوبر    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    فيديو| مقتل 3 أفراد شرطة في ولاية أمريكية خلال تنفيذ مذكرة توقيف مطلوب    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    حفل زفاف على الطريقة الفرعونية.. كليوباترا تتزوج فى إيطاليا "فيديو"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشّعب يريد تفكيك جمهوريّة البطيخ
نشر في الأيام المصرية يوم 21 - 04 - 2012

قد يكونُ مصطلحُ «جمهوريّة البطيخِ» جديدًا. هذا صحيحٌ. لكنّي لم أجد مصطلحًا أنسب لوصف حقبة حكم العسكر لمصر (1952م-2012م)، إلّا «حقبة البطيخ». بالطّبع نسمع من وقتٍ لآخر عن مقارنات بين فوضى عسكر مصر وما يحدث في «جمهوريّة الموز». ف«جمهوريّة الموز» الّتي لم أتشرّف بزيارتها من قبل، أصبحت رمزًا للمجتمعات المتخلّفة الّتي تعيش بقوانين العصر الحجريّ. لكن «جمهوريّة البطّيخ» تختلف كثيرًا عن «جمهوريّة الموز». وإليكم ببعض ملامح «جمهوريّة البطيخ» هذه:
أسّست عصابة من حثالة الجيش المصريّ «جمهوريّة البطيخ» سنة 1952م، بهدف تحويل الشّعب المصريّ إلى شعب من العبيد والخدم، مَعَ الحرص على استخدام الحيل الشّيطانيّة، والأساليب الميكياڤيليّة، من أجل خداع العباد، وتضليل النّاس. استعبدَ عسكر مصر الشّعب المصريّ ستّين عامًا بالتّمام والكمال. والمصيبة أنّ الغالبيّة العظمى لم تفطن إلى هذه الحقيقة المريرة، إلّا في أيّامنا هذه، أي بعدما أشبعنا مجرمو العسكر: كذبًا، ونهبًا، وتضليلًا، وسرقةً، ونفاقًا، وخيانة. فهل تمكن مجرمو العسكر من تخدير المصريّين ستّين عامًا كاملة؟ هل استطاعوا بالفعل تضليل المصريّين ستّة عقود، بحيث بقيت الغالبيّة العظمى راضية مرضية بكلّ الإهانات، والانتهاكات، والسّرقات، والأضاليل، والأكاذيب، طوال هذه السّنين الطّويلة؟
دناءة عسكر مصر ليست فريدة في نوعها. إذ يبدو أنّ هذا الإجرام قدِ استشرى أيضًا في نظرائهم من العسكر في الدّول الأخرى. فعندما نرى عسكر سوريا يقدمون على تقتيل شعبهم بدم بارد يوميًّا، وعندما نتأمل ما فعلته قوّات القذّافي، وابنه سيف الإسلام بالذّات، في الشّعب اللّيبي الأعزل، عندئذ ندرك أنّ الإجرامَ لا جنسيّة له. بيد أنّ المصيبة في مصرنا أعظم. والأسباب كثيرة. فمصر هي مهد الحضارات، ووطن الأنبياء، وملتقى الدّيانات السّماويّة الثّلاث. ولذلك يتضاعف أثر الصّدمة حين نرى جرائم هذه الفئة الضّالة الّتي اتّخذت من الجيش مطية لها لكي تحقّق أهدافًا دنيئة، ومقاصد وضيعة.
ليس من قبيل المبالغة أن نقول إنّ حقبة حكم العسكر في مصر (1952م-2012م) هي أسوأ حقبة في تاريخ مصر برمّته. يقينًا قد يكون لدينا شباب لا يدركون، أو لم يدركوا بعد، أبعاد ما اقترفه مجرمو العسكر في حقّ هذا الوطن. لكنّي أوجز لكم هذه الجرائم فيما يلي:
بدأت «جمهوريّة البطيخ»، أو حكم العسكر، في مصر، سنة 1952م. وبدأت ألمانيا الغربيّة، حينئذٍ، مرحلة إعادة البناء، بعد الحرب العالميّة الثّانية، سنة 1945م. نحو سبع سنوات فقط فصلتنا عن ألمانيا.
الأوضاع في ألمانيا بعد الحرب العالميّة الثّانية كانت سيئة جدًّا. قال لي سائق سيارة أجرة في فرانكفورت: «الحرب دمّرت هذه المدينة تمامًا. لم ينجُ منها إلّا مبنى واحد»!!
سارع الألمان بوضع حجر أساس الحكم الدّيمقراطيّ، الفيدراليّ، البرلمانيّ. في حين سارع مجرمو العسكر، برئيس عصابتهم عبد النّاصر، بوضع حجر أساس الحكم الاستبداديّ.
وهكذا سار كلّ بلد في طريق مختلف، طريق معاكس. مجرمو العسكر قادوا سفينة مصر نحو الهلاك الحتميّ. ومفكّرو ألمانيا قادوا سفينة بلادهم نحو الرّخاء، والرّفاهية، والتّقدّم.
بعد ستّين عامًا، ها نحن نشاهد الحصيلة:
ألمانيا أصبحت قاطرة الاقتصاد الأوروبيّ. ومصرنا أوصلها مجرمو العسكر إلى الحضيض.
ألمانيا تُصنّع القطارات، والسّيارات، والطّائرات، ومصر العسكر لا تصنع إلّا إرهاب شعبها، وقمعه، وإذلاله، وإملاقه، وتعذيبه.
الشّعب الألمانيّ يتمتّع في غالبيّته بصحّة جيّدة. أمّا مصرنا، فصار شعبها المسكين في معظمه مريضًا.
ألمانيا صارت حلمًا يداعب ملايين العمّال حول العالم. هاجر إليها ملايين الأتراك. أمّا مصر، فصار حلم غالبيّة شعبها هو الفرار من الحياة في ظلّ حكم العسكر.
الألمان الّذين حكموا بلادهم بالدّيمقراطيّة، تمكنوا من فرض احترامهم على جميع دول العالم. المواطن الّذي يحمل جواز سفر ألمانيًّا، يحظى بالاحترامِ في جميع أنحاء العالم. في حين أنّ حامل جواز السّفر المصريّ لا يناله إلّا الاحتقار والمهانة.
المواطن الألماني صار يعيش في وطنه مكرّمًا، وفي غربته موقرًا. أمّا المواطن المصريّ، فأصبح يعيش في بلده ذليلًا، وفي غربته حقيرًا.
ديمقراطيّة ألمانيا قادت إلى تنميتها. واستبداد عسكر مصر أدّى إلي دمارها.
حكّام ألمانيا حرصوا على توفير الحاجات الأساسيّة للمواطنين. أمّا عسكر مصر، فحكموا الشّعب بمبدأ «جوّع كلبك يتبعك».
ديمقراطيّة ألمانيا جعلت حكوماتها تحرص على عدم إهدار طاقات النّاس. أمّا استبداد عسكر مصر، فكان يهدف إلى تدمير البلاد والعباد جميعًا.
المعيار الأساسيّ للحكم في ألمانيا هو، بصفة عامّة، المؤهلات. أمّا معيار الحكم في مصر العسكر، فهو الفساد، والانتماء إلى المؤسّسة العسكريّة أو البوليسيّة.
مجرمو عسكر مصر ضلّلوا شعب مصر تضليلًا شديدًا. اتّخذوا من البدلة العسكريّة مطية ووسيلة للنّصب والسّرقة والنّهب.
حرصوا منذ البداية على حكم البلد بالنّار والحديد. فصارت أغلبيّة المحافظين من العسكر أو من الفسدة التّابعين لهم.
أصحاب المؤهلات في مصر العسكر غير مرغوب فيهم، لأنّ مصر العسكر هي مصر الجهل، والفساد، والكذب، والتّضليل، والفهلوة.
حكم مجرمو العسكر مصرنا بأساليب في غاية التّخلّف، والانحطاط، والفساد، والجهل.
النّتائج المدمّرة لفترة حكم العسكر، سيحتاج الشّعب إلى عقود طويلة لإصلاحها.
وقبل أن يخرج المتفزلكون، وما أكثرهم، ويخلطون بين الجيش والعسكر، نقول لنخرسهم: شعب مصر يعشق جيشه. لكنّ العسكر لا ينتمون إلى هذا الجيش إلّا اسمًا، بل هم عار على جيش مصر. لماذا؟
لأنّ الجندي أو الضّابط المحترم، مستحيل، بل من سابع المستحيلات، أن يترك مجال عمله، وينتقل إلى العمل في السّياسة، إلّا إذا كان نصّابًا، أو فاشلًا، أو أحمقَ.
والتّدقيق في أعضاء ما يسمّى «المجلس العسكريّ» سوف يكشف لنا عن فضائح كثيرة. فجميع أعضاء «المجلس العسكريّ» يمكن اعتبارهم من أفسد عباد اللّه.
هم يحرصون على مشروعاتهم الاستثماريّة، أكثر من حرصهم على تطوير قدرات الجيش المصريّ. يحرصون على النّهب والسّرقة، أكثر من حرصهم على خدمة الوطن.
وهل سمعتم مواطنًا مصريًّا شريفًا يقول: «نحن سنحارب من أجل الحفاظ على المزايا الّتي يتمتع الجيش بها»!!
ليس يقول هذا إلّا فاسد، حقير، دنيء، يعتبر الجيش مغنمة، وفرصة للسّرقة والنهب.
فساد أعضاء المجلس العسكريّ واضح وضوح الشّمس. هم يعملون من أجل مصالحهم الشّخصيّة فقط. والشّعب مازال بالنّسبة لهم يستحقّ الاستعباد!!
ولنتأمل قليلًا ماذا فعلوه بشعب مصر الصّبور منذ اندلاع الثّورة في يناير 2011م:
1- تضامنوا مع المجرم الأكبر حوستي مبارك، عدو الشّعب الأوّل، برغم تفاهته. ولم يقدّموه إلى المحاكمة الهزليّة إلّا بضغط جماهيريّ.
2- قام حقيرهم شاهين بخداع الشّعب، بصياغة ما سمّوه «إعلانًا دستوريًّا»، الّذي كبّل الشّعب بنصوص اشدّ استبدادًا مما عشناه أيّام حوستي.
3- أطلقوا البلطجيّة في كلّ صوب وحدب، وافتعلوا ما يسمّى ب «الانفلات الأمنيّ»، بهدف ترويع الشّعب، وجعل النّاس يلعنون الثّورة.
4- بلغت بجاحتهم ذروتها عندما سمحوا لمجرمهم أحمد شفيق، وصاحبهم الخائن عمر سليمان، بالتّرشّح للرّئاسة!!
5- حرصوا على تعيين شخصيّات في غاية الرّعونة والتّفاهة في منصب رئاسة الوزراء، بعد الثّورة، شرف والجنزوريّ.
6- اعتمدوا على غالبية رموز النّظام السّابق من عسكر وحرامية وشرطة وفسدة من أجل قمع الثّورة بأساليب دنيئة.
7- خدعوا الإخوان المسلمين بلعبة انتخابات مجلس الشّعب، حيث سمحوا لهم بالفوز بأكثريّة، ليكتشف الشّعب بعدها أنّ هذا المجلس مثله مثل عدمه، بدون أي صلاحيات. فما أجرمهم!!
8- لم ينفكّوا يهدّدون الشّرفاء من المصريّين بشتّى وسائل الدّولة القمعيّة المخابراتيّة الحقيرة، مثلما يحاول المجرم عمر سليمان أن يفعل الآن مع الإخوان المسلمين. وهم بذلك يفضحون أنفسهم بأنفسهم: فقد سرقوا أموال الشّعب، لكي يخصّصوا جزءًا منها لقمعه والتّجسّس عليه!! فأيّ دناءة، وأيّ خساسة هذه الّتي يتّصفون بها!!
9- حرص المجرمون على تفتيت قوى الشّعب، وعلى ممارسة ألاعيب سياسيّة قذرة من أجل البقاء في الحكم. ولم يمانعوا من الوقيعة بين القوى المختلفة، أو تأليب النّاس على الإسلاميّين، لكي يصرفوا النّظر عن جرائمهم.
10- واصل المجرمون إذلال الشّعب المصريّ عن طريق افتعال أزمات البوتاجاز، ورغيف العيش، والبنزين، وسرقة البنوك، وتقاعس الشّرطة، وأخيرًا حريق السّويس، وقبله مذبحة بورسعيد. وكلّها جرائم يستحقون عليها الإعدام رميًا بالرّصاص.
11- مازال مجرمو العسكر يتلاعبون بالشّعب المصريّ بحيل دنيئة، بهدف تطويل بقائهم في الحكم أكبر فترة ممكنة. بل وخرج علينا أحدهم، عنتر زمانه، يتوعّد الشّعب الّذي يستعبدونه، بأنّ العسكر لن يتنازلوا بسهولة عن الحكم، وإلّا سوف يحرقون البلد قبلها، وهذا إجرام ليس بعده من إجرام.
12- والأنكى من هذا أنّ هؤلاء المجرمين قد حوّلوا جيش مصر إلى جيش احتلال: ولتتأملوا معي كيف فتحوا «السّجن الحربيّ» على مصراعيه أمام المعارضين، وكيف نصّبوا «المحاكم العسكريّة» لمحاكمة أي شخص لا يروق لهم. إنّ جيش الاحتلال الاسرائيليّ لا يتعامل مع عرب فلسطين بمثل وحشيّة عسكر مصر مع شعبنا الغلبان!! فمنذ متى، وحسب أي دستور في العالم، تكون وظيفة الجيش هي قمع الشّعب؟!! طائفة تأتي بمثل هذه الأفعال لابدّ أن تكون طائفة مجرمة تستحق السّحق والدّحر والإبادة.
13- يستخدم مجرمو العسكر، وقد صاروا مخضرمين في استخدام الحيل الدّنيئة، شتّى الوسائل الملتوية من أجل خداع النّاس، وصرف أنظارهم عن مقاصدهم الحقيرة، وأهدافهم الوضيعة. فتارة يفتعلون «الانفلات الأمني»، وتارة يفتعلون قنبلة «زيارة المفتي للقدس»، والهدف واحد: تلهية النّاس عن جرائمهم!!
14- بعد مرور أكثر من سنة على اندلاع الثّورة، ليس يعبأ مجرمو العسكر باسترداد مليم واحد من ثرواتنا المهرّبة. أتعرفون لماذا؟ لأنّهم هم أنفسهم هرّبوا أضعاف ما هرّبه حوستي مبارك. وزاد الطّين بلّة أنّ عجلة الاقتصاد شبه متوقّفة بسبب رعونتهم، وحرصهم على إذلال المصريّين.
باختصار هذه الفئة المجرمة لابدّ من دحرها فورًا. لابدّ من القبض عليهم ومحاكمتهم، وتخليص مصر، بل الإنسانيّة جمعاء، من شرورهم إلى الأبد.
أمّا شعب مصر الصّبور، فلي ملاحظات عامّة على أدائه منذ اندلاع الثّورة: 1- غالبية المصريّين مازالوا لا يدركون أن العسكر هم أصل كلّ ما تعانيه مصر من بلاء. نتج عن هذه السّذاجة أنّ المصريّين لم يمانعوا في تولّي العسكر السّلطة مؤقتًا، بعد دحر رئيس عصابتهم حوستي. وكانت هذه غلطة شبه قاتلة.
2- عدم الوعي بالتّاريخ، تاريخ الدّيكتاتوريّات في العالم، جعلنا نتصرّف بطريقة شبه ساذجة. فثورة إنجلترا المجيدة عندما قامت، لم يقع الإنجليز فيما وقعنا نحن الآن فيه من أخطاء، برغم مرور أكثر من ثلاثة قرون عليها. لقد كوّنوا وفدًا ذهب إلى الملك وأجبره على التّنازل عن الحكم للشّعب. وهذا بالتّحديد هو مطلبنا الآن: تشكيل وفد من مئة أو مئتي مفكّر مصري يذهب إلى العسكر، ويجبرهم كمجرمين، على ترك السّلطة فورًا.
3- خان الإخوان المسلمون الأمانة حين فضّلوا التّحالف مع العسكر على التّلاحم مع سائر قوى الشّعب. بل ووقعوا في خطأ أكبر حين جعلوا يكابرون، ويدّعون أنّهم لم يعقدوا أي صفقات مع العسكر!! يا عالم، كفاية تضليلًا، باسم الدّين!! إذا كان مجرمو العسكر ينصبون على النّاس بالبدلة العسكريّة، فلا تنصبوا أنتم علينا بالدّين واللّحية!! سذاجة الإخوان جعلتهم يصدّقون مجرمي العسكر. صدموا النّاس حين أيّدوا جميع جرائم العسكر. وافقوا على المادّة 28. وافقوا على الانتخابات أوّلًا، وليس الدّستور. خذلوا الثّوّار. دافعوا عن الجنزوري!! مصائب كثيرة. والعودة إلى الحقّ هي أقلّ ما ننتظره منهم، قبل أن يفقدوا كلّ مصداقيتهم في الشّارع المصريّ!!
4- وقع شباب الثّورة الأبطال في خطأ آخر شبه قاتل، حين تقاعسوا عن تنظيم أنفسهم تحت راية واحدة. كان المطلوب منهم الإسراع بالانضمام إلى حزب العمل، أو تكوين حزب جديد. لكنّهم لم يفعلوا، بل تصارعوا، وتقاتلوا، وتفتّتوا، وجعلونا أضحوكة أمام الأجانب!!
5- دخول مَن يُسمّون «السّلفيّين» السّاحة مثيرًا للقلق، لأكثر من سبب. فهذه الحركة أصلها وهّابيّ، والمذهب الوهّابيّ هو مذهب رجعيّ، ليس له أدنى علاقة بالفهم المتحضّر للإسلام. القضايا الّتي يستبسل السّلفيّون أو معظهم للدّفاع عنها هي قضايا غيبيّة أو هامشيّة أو عباداتيّة أو شكليّة، وهي باختصار قضايا ليس لها أدنى علاقة بطموحات أمّة تريد اللّحاق بحضارة العصر: فهم يكفّرون الشّيعة، دون أن يشيروا بكلمة واحدة إلى الصّهاينة. وهم يكبّلون المرأة، كأن في حبسها حلّ لكلّ مشاكل البشريّة. وهم لا يتحدّثون إلّا عن عذاب القبر. وهم يحرصون على إطلاق اللّحى بصورة قبيحة مقزّزة، دون الحرص على طلب العلم. بل هم من أحفاد من نقلوا عنه القول الشّهير: «من تمنطق تزندق»، أي أنّهم لا يعترفون إلّا بالقرآن علمًا، فكيف نستطيع أن نتقدّم في الطّبّ والهندسة والفضاء والألكترونيّات وسائر العلوم بالاقتصار على تعليم القرآن وتلاوته، بدون حتّى أن نفهمه ونتفقه فيه؟ هذا بالطّبع عبث. هذا فكر انعزاليّ، متخلّف، رجعيّ، حجريّ، ينبغي محاربته، والقضاء عليه، قبل أن يستشري كالسّرطان في مصرنا. أضف إلى هذا أنّ سلفيي عصرنا يذكّروني بمذهب «المرجئة» في العصر الأمويّ. فمعروف أنّ الصّراع بينَ السّياسة والدّين قديم قدم الأديان نفسها. حين انتشرت المفاسد في العصر الأموي، مثلما انتشرت في مصر العسكر، كان على النّاس أن يتّخذوا موقفًا منها. بعضهم فضّل نفاق السّلطة، والبعض الآخر أعلن الحرب على الدّولة، وفريق ثالث حاول اتّخاذ موقف وسطًا. قالت المرجئة إنّ مرتكب الكبيرة - وهو ما يمكن أن نترجمه بلغة عصرنا: الفاسد، ابن الفاسدة، من أمثال عصابة حوستي - هو مؤمن برغم كلّ شيء، لأنّه نطق بالشّهادتين. وحسابه متروك للبارئ يوم القيامة!! وقالت الخوارج: صاحب الكبيرة كافر ينبغي محاربته. وقالت المعتزلة: مرتكب الكبيرة في منزلة بين الإيمان والكفر. حكّام الدّولة الأمويّة أعجبوا بفكر المرجئة جدًّا، لدرجة أنّهم قالوا: «المرجئة هو مذهب الملوك»!! وفي مقابل هذا شنّوا حربًا بلا هوادة على الخوارج بالذّات. سلفيّو عصرنا هم «مرجئة» الأمويّين، لأنّهم يرفضون الخروج على الحاكم!! وقد رأينا مؤخرًا أنّهم كانوا يتواطؤون مع أمن الدّولة، وينصاعوا لأوامره. وأخيرًا فليس ينبغي أن ننقل المذاهب من كلّ صوب وحدب، بدون إعمال للعقل. وإن كان ولابدّ من النّقل، فليكن نقل المفيد، النّافع، الحضاري، وليس المدّمر، المتخلّف، الرّجعي.
6- يخطأ الإخوان المسلمون، وسائر المعجبين بهم أنّ مصر اليوم بحاجة إلى «الإخوان»، ليس لشيء، إلّا لأنّهم «إخوان». هذا خطأ كبير. فمصر بحاجة الآن إلى كوادر وأصحاب مؤهلات، والانتماء إلى الإخوان أو غير الإخوان ليس يجوز أن يكون هو المعيار. المعيار هو الصّلاحيّة، والكفاءة، وليس الانتماء إلى هذا الحزب أو ذاك التّيّار، وإلّا فسوف نرتد من جديد إلى حكم العسكر: حيث يعيّنون المحافظين من لواءات الجيش، برغم عدم صلاحيتهم أن يحكموا حتّى قهوة أو حارة من حارات مصر. هذه الفهلوة ينبغي أن نسدل السّتار عليها إلى الأبد. مصر لم يدمّرها إلّا فهلوة العسكر هذه.
7- فوضى تشكيل اللّجنة التّأسيسيّة للدّستور، وفوضى المرشحين للرّئاسة توحي بغياب النّضج والوعي. فمجرمو العسكر شخبطوا لنا طريقًا حقيرًا، لنسير فيه، كاد يؤدّي بنا إلى الهلاك. فأي طفل في العالم مستحيل أن يقبل بما فرضه علينا مجرمو العسكر: انتخابات الرّئاسة أوّلًا، ثمّ الدّستور!! هذه سخافة لم أرَ مثلها من قبل. والأنكى هو استبسال الإسلاميّين في الدّفاع عن هذه السّخافات الّتي نكتوي الآن بنارها. لجنة كتابة الدّستور ينبغي أن تضمّ نخبة المجتمع المصريّ من المفكريّن وفقهاء الدّستور الشّرفاء، لأنّ عصر العسكر أصاب القضاء المصريّ أيضًا بفساد شديدٍ. إذا تكوّنت اللّجنة وتركنا لأعضائها حقّ استشارة من يرونه أهلًا لذلك، فيمكن، وينبغي أن يكون في مقدورنا صياغة دستور محترم خلال فترة وجيزة. وقصّة التّرشيح للرّئاسة ينبغي أن نسارع فيها بالاستفادة من خبرات الآخرين: لماذا لا نقوم أوّلًا بتشكيل ثلاثة أحزاب رئيسيّة: يمين ووسط ويسار، أو أكثر، ثمّ نترك كلّ حزب يتقدّم بمرشح واحد، مثلما يحدث في الدّول المتقدّمة؟ وأملى هو أن يكون التّصويت إجباريًّا، وأن نفرض عقوبة غليظة على شراء الأصوات، وأن ندعو المفكّرين إلى تطوير هذا النّظام، حتّى لا نكون مجرّد مستهلكين لأنظمة الآخرين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.