مثلما نقول في أمثالنا الشعبية "لقد نجحت العملية والمريض مات" كذلك فإننا يمكننا القول بأن قمة شرم الشيخ التي تمت برعاية مصرية نجحت بينما المريض الذي هو الاتفاق الذي انتهت إليه في طريقه إلي الموت. وقف إطلاق النار علي الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي الذي أسفرت عنه القمة تم اختراقه، باغتيال ثلاثة من الفلسطينيين علي أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلية بعد أقل من 48 ساعة علي انتهاء القمة، ثم أعقب ذلك قيام كتائب عز الدين القسام التابعة لحركة حماس بالرد بإطلاق صواريخ القسام علي المستوطنات الإسرائيلية. وأسفر الاختراق الإسرائيلي لوقف إطلاق النار، ورد فعل الفصائل الفلسطينية عن توقف المباحثات الأمنية بين الجانبين، ولهذا فإن الحذر وعدم الإفراط في التفاؤل كان هو الموقف السليم من قمة شرم الشيخ، التي بذلت الدبلوماسية المصرية جهودا كبيرة لإنجاحها.. وحاولت أن تسهم مع الأردن في توفير المناخ الصحي لإنجاحها، بسرعة عودة السفيرين المصري والأردني إلي تل أبيب، كنوع من إثبات حسن النوايا من الجانب العربي الذي لم يقابل للأسف حتي الاَن ولم يترجم بمواقف من الجانب الإسرائيلي. ويبدو أن الفائز الأول حتي الاَن من القمة هو مدينة شرم الشيخ نفسها، التي حظيت بسمعة عالمية كمكان لعقد المؤتمرات والاجتماعات الدولية وكمدينة راعية للسلام. الاَن فقط نستطيع بعد أكثر من أسبوع من عقد القمة أن نقول لقد تكشفت نوايا الطرف الإسرائيلي من وراء قول ارييل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن وقف العمليات العسكرية سيتم في مقابل وقف "العنف" الفلسطيني. وأكد علي أن نجاح قمة شرم الشيخ وما أسفرت عنه من اتفاق أمني يتوقف علي الجانب الفلسطيني وعلي تحويل الكلام إلي فعل. ارييل شارون الذي لم يلتزم بأي وعد أو عهد قطعه علي نفسه في السابق، هو الذي يعلن هذا الكلام.. ثم جاء تصريح مستشاره السياسي ليكشف الغطاء عن مفهوم إسرائيل للاتفاق الذي أبرم مع محمود عباس "أبو مازن" رئيس السلطة الفلسطينية بقوله: إن وقف العمليات العسكرية لا يعني منع إسرائيل من مطاردة الفلسطينيين.. وهذا ما حدث بالفعل بعد ساعات من انتهاء القمة. وشارون الاَن يعلق المسئولية في رقبة السلطة الفلسطينية ويطلب منها اتخاذ إجراءات أشد ضد الفصائل الفلسطينية التي اخترقت قرار الهدنة علي حد زعمه. والفلسطينيون كان معهم الحق في الحذر الشديد من نتائج القمة.. فالتجارب المريرة السابقة علمتهم الانتظار حتي يروا النتائج علي أرض الواقع.. ما الذي تم تنفيذه منها.. وما الذي لم يتم تنفيذه. بينما محمود عباس في موقف لا يحسد عليه، فهو لا يشير إلي الاختراق الإسرائيلي لقرار الهدنة، لكنه يريد محاسبة الفصائل الفلسطينية علي قيامها بالرد واستفزاز إسرائيل ومنحها الذرائع للعدوان علي المدن الفلسطينية واجتياحها. وشارون لن يكتفي بوقف ما أسماه بالعنف الفلسطيني، بل سيطلب من السلطة الفلسطينية ومن رئيسها محمود عباس تفكيك البنية التحتية للفصائل الفلسطينية وتجريدها من سلاحها، ولن يتخلي شارون عن هذا الموقف. في حين يري محمود عباس أن وقف العنف علي الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي هو نقطة البداية للدخول في مفاوضات جادة حول قضية الأسري الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، والانسحاب من المدن الفلسطينية.. وقضية الجدار العازل، تمهيدا للدخول في مفاوضات الحل النهائي.. القدس واللاجئين.. والمستوطنات والحدود والمياه والدولة الفلسطينية. لكن يبدو أن إسرائيل لا تريد الذهاب إلي هذا الطريق.. وكل ما تطرحه هو خطة الانسحاب من غزة، وأجزاء من مدن الضفة الغربية، بعيدا عن خريطة الطريق وعن الحل النهائي للقضية الفلسطينية. إن نجاح قمة شرم الشيخ يتوقف علي ما يريده كل طرف من الاَخر. ماذا يريد الإسرائيليون من الفلسطينيين؟ وماذا يريد الفلسطينيون من الإسرائيليين؟ وكل الجهود الأخري المبذولة.. الأمريكية والمصرية والأردنية هي عوامل مساعدة فقط.. لكنها لن تغير من طبيعة هذه المطالب التي يريدها كل طرف من الاَخر. إن شارون في كلمته أمام قمة شرم الشيخ أكد علي أن ما يجري هو فرصة للسلام يجب اقتناصها.. لكنها لن تكون فرصة بالنسبة للفلسطينيين إذا لم تستجب للحد الأدني من المطالب والحقوق الفلسطينية، التي يصعب علي السلطة الفلسطينية تقديم تنازلات عنها، وإذا لم يغير شارون من استراتيجيته الرامية إلي تحقيق "الأمن" لإسرائيل علي حساب المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني وألا تختصر تلك المطالب في الإفراج عن بضع مئات من الفلسطينيين أو في التخفيف من قبضته علي الفلسطينيين.