قبل 11 يوماً من نهار الثلاثاء 2 نوفمبر وشمسه الغائبة في عتمة المجهول.. تترنح عملية انتخاب الرئيس الأمريكي وتزداد عقماً.. يصفها باتريك تايلر في النيويورك تايمز بأنها: "تهوي إلي الحضيض.. ويضربها السلك"! .. والصدق أن سباق الوهن الرئاسي لم يعد صعوداً إلي أعلي يفوز به من يتفوق بمعيار الصلاحية الانتخابية.. وإنما مجرد سقوط إلي أسفل، من يسبق الآخر إلي القاع السحيق، يخسر السباق السلبي لصالح من يمسك بذيله!.. إنه سباق بين السيئ والسيئ جداً، وإن كان العدم لا يقاس ولا يتدرج! في نهاية المناظرة الثالثة التي تمت في مدينة تمب بولاية أريزونا، آخر الأسبوع الماضي، غادر الغريمان القاعة وكل منهما يتبني لنفسه نصراً لا يستحقه.. كارل روف المستشار السياسي الأول لجورج بوش أدعي أن الرئيس حقق تفوقاً واضحاً وحاسماً.. بينما قالت ماري بيث كاهيل مديرة حملة كيري الانتخابية: "كانت المناظرة ذات قيمة عظمي لجون كيري"!. وانطلقا نحو خط النهاية.. عبر زيارات صعبة للولايات صاحبة الأصوات المؤثرة في المجمع الانتخابي، وكأنهما يتقافزان فوق الموانع.. في الطائرة الرئاسية "Air Force One"، زار بوش كابينة الصحفيين في إطلالة نادرة.. قال لهم بتودد: "الآن وقد قال الجميع رأيهم.. النقاد، والأنصار، والغرماء.. لم يبق إلا رأي واحد يجب جميع الآراء ويفوقها.. أعني رأي الشعب الأمريكي يوم 2 نوفمبر"!.. وعلت أصوات الصحفيين تطلب مزيداً من تقويم الموقف.. أجابهم: "أشعر باطمئنان عظيم حول موقفنا الانتخابي الراهن"! وفي مؤتمر انتخابي بمدينة القمار الشهيرة لاس فيجاس نيفادا.. كان جون كيري جارحاً وهو يهاجم غريمه: "بوش أفلس فكرياً Out Of Ideas وفقد لمساته المؤثرة بالنسبة للأسرة الأمريكية.. تجمد الرجل وأصبح لا يقبل التغيير"!. وأضاف متسائلاً: "هل نحن في حاجة إلي رئيس ينحاز إلي الأغنياء، ويهمل الطبقة الوسطي وقيمها المناضلة، ويحجب عنها فرص التوظف والتطور والرفاه؟!".. زأر الحاضرون: "لا.. لا..".. اختتم كيري بلهجة مسرحية: "نحن إذن في حاجة إلي بداية جديدة"! ... وجاءه رجع الصدي من جورج بوش، وهو يخطب في جمهور من ناخبيه بحديقة رينو مدينة الطلاق.. راح يتهكم علي كيري ويعنيه: "الشعب الأمريكي يعرفني.. يعرف أنني لست فظاً عندما أتحدث.. وأنني لا أشوه mangle اللغة الإنجليزية.. ويعرف أيضاً أنني التزم بكلمتي وأقدس قراري"! بوش.. والخطر المحيق! أي المرشحين يسبق الآخر إلي القاع السحيق؟! اختلفت الاجتهادات.. ليندا فيلدمان وسارا ميلر الكاتبتان بالكريستيان ساينس مونيتور، تتفقان علي نظر واحد: أي شيء يمكن أن يحدث.. بوش قد يكسب التصويت الشعبي، ويخسر في المجمع الانتخابي الذي ينتخب الرئيس. كيري كذلك قد يواجه نفس الموقف! وقد يكسب أي منهما بسهولة إذا تحولت إلي صندوقه موجات من الناخبين القابلين للاقتناع في آخر لحظة.. والمقصود بهم: الأصوات العائمة "Floating Votes"! وعلي مستوي الرأي العام الأمريكي، وتحليلات المجمع الانتخابية في جميع الولاياتالأمريكية، فإنه ليس هناك قياس واضح ومحايد يؤكد فرصة أي من المرشحين الغريمين في جمع نصاب النجاح النهائي من الأصوات الانتخابية.. وهو: 270 صوتاً.. تقود صاحبها إلي البيت الأبيض 1600 بنسلفانيا أفينيو بواشنطن العاصمة! ويجمع المحللون للانتخابات الأمريكية علي أن الأمر الوحيد الذي قد يؤثر علي اتجاه الريح في هذا السباق، هو حدث مفاجئ: استمرار التصاعد الجنوني لأسعار البترول. انهيار الأسعار في بورصة وول ستريت إلي ما دون 000.10 نقطة، حدث جلل في العراق، أو حدث جيد، هجوم إرهابي.. وإن كان ستيفن واين عالم السياسة بجامعة جورجتاون يري أن مثل هذه الهجمة سوف تعمل لصالح الرئيس بوش.. في المدي القصير! ويتطوع ستيفن واين بنصيحة لكل من المرشحين الغريمين، قد تفيده في أيامه ال 11 الباقية قبل نهار الانتخاب.. يقول لكيري: "عليك أن تكون أكثر جاذبية Personability فالناخب الأمريكي يزن قبول المرشح وجدارته بالحب، مع قيمه، بصورة أكثر أهمية من مواقفه إزاء القضايا.. أياً كانت"! ويهمس في أذن بوش: "بعض حساباتك أصابها العطب.. لكنه عطب قابل للإصلاح والشعب الأمريكي يفضل رئيساً يعترف بالمشاكل، ولا يراوغ أو يتحمل، وإنما يكون أكثر صراحة More candid"! ويجمع المحللون علي أن انتخابات الرئاسة الجارية تتمتع بطبيعة غير عادية.. الأصل في انتخابات التجديد أن تكون استفتاء علي الرئيس شاغل المنصب "Incumbant".. إلا هذه المرة، فقد تحولت إلي استفتاء علي المرشح المنافس.. بينما تدنت نسبة الموافقة علي أداء الرئيس لمهام منصبه إلي ما دون ال 50%.. وهو إنذار بالخطر المحيق بساكن البيت الأبيض!