مما لاشك فيه أن قضية التعليم في مصر تفرض نفسها علي جميع المثقفين والمهتمين بمستقبل هذا البلد، حيث إن رياح التغيير تتلاحق ولن تترك شيئاً علي حاله، فإما أن نرتفع ونحلق معها أو أن تعصف بنا وتدمرنا، وها هي نواقيس الخطر تدق وتنذر بأن التعليم في مصر يعاني من مشكلات حادة يتعثر فيها. والتعليم في مصر حالياً يجذبه تياران متناقضان: التيار الأول وهو اتجاه الحكومة إلي النظر للمستقبل بدفع التعليم إلي الأمام دون النظر إلي جذور المشكلات التي تمسك بتلابيبه وتمنعه من الانطلاق، أما التيار الثاني فهو المشكلات التي تحيط بالتعليم والتي تدفع به إلي غياهب الظلام والتخلف، الأمر الذي قد يؤدي إلي الإطاحة بكل الإنجازات التي حققتها الدولة خلال الفترة الماضية. لذلك فانه رغم المجهودات الحثيثة التي تقوم بها الدولة من أجل رفع كفاءة مستوي التعليم في مصر إلا أنه يتدهور من سيئ إلي أسوأ بل إن هناك اتفاقاً عاماً علي أن نظام التعليم في مصر هو نظام قليل العائد ولا يمكنه إعداد القوي العاملة التي تستطيع أن تواجه احتياجات سوق العمل، خاصة أن العالم يشهد حالياً ثورة هائلة من التكنولوجيا والمعلومات والتقدم العلمي بحيث أصبح التنافس بين القوي في العالم يركز أساساً علي القوي الاقتصادية والقدرات والإمكانات العلمية والتكنولوجية، والمشكلة الحقيقية أن التعليم في مصر يركز علي الحفظ والتلقين والحصول علي الشهادة وليس علي تكوين الخبرات اللازمة لإعداد المواطن للعمل المنتج كما افتقد التعليم الفكر الابتكاري والرغبة الحقيقية في التعليم. وقبل أن نغوص في مشكلات التعليم في مصر يجب أن نتذكر أن التعليم يعتبر أحد أهم عناصر التنمية البشرية التي أصبحت هدفاً رئيسياً للتنمية الاقتصادية، فالتعليم يجعل البشر أكثر إنتاجية وصحة وأكثر قدرة علي الابتكار كما أن التعليم يساعد الأفراد علي تحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية ويسمح لهم بمشاركة أكثر فاعلية في عملية التنمية. ومشكلة التعليم لها أبعاد متعددة، وسوف نحاول التعرض إلي أهم تلك الأبعاد وهي: أولاً: مشكلة الأمية: لاشك أن جهوداً عظيمة قد بذلت في علاج مشكلة الأمية في مصر حيث انخفضت نسبة الأمية في مصر من 65% عام 1970 إلي 6.49% عام ،1986 ثم وصلت إلي حوالي 30% حالياً، إلا أن وجود تلك النسبة حتي الآن يعتبر قيداً خطيراً علي زيادة الإنتاجية في الاقتصاد المصري، كما أن هناك تفاوتاً في نسبة الأمية علي مستوي المحافظات، فنجد أن هذه النسبة تكون حوالي 30% في كل من محافظات بورسعيد والقاهرة والسويس والإسكندرية، في حين تصل إلي 65% في محافظات الوجه القبلي. وتأخذ مشكلة الأمية في مصر الآن موقفاً خطيراً إذا نظرنا إلي الأمية بمفهوم القرن الحادي والعشرين حيث لم يعد الأمي هو من يجهل القراءة والكتابة ومبادئ الحساب فلقد تجاوز عصر المعلومات والتكنولوجيا هذه الأمية بمفهومها التقليدي. كما أن مشكلة الأمية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمشكلة التسرب من التعليم الأساسي، فعلي الرغم من الجهود الحقيقية التي تبذلها الدولة للقضاء عليها، إلا أن مشكلة التسرب من التعليم الأساسي مازالت مستمرة وهذا الأمر واضح بصورة جلية لكل من يري عمالة الأطفال التي تنتشر في جميع الورش والمصانع في جميع أنحاء الدولة الأمر الذي يتطلب حلاً جذرياً لتلك المشكلة. ثانياً: مشكلة التعليم الأساسي: يكتسب التعليم الأساسي أهمية خاصة لأية دولة خاصة بالنسبة للدول النامية حيث إن التعليم يعتبر عاملاً أساسياً للقضاء علي الفقر لأن الفقير لا يملك سوي قدرته علي العمل وهذه القدرة تتوقف علي ما يحصل عليه الفرد من التعليم، وكلما زادت درجة التعلم والقدرة علي استيعاب معلومات ومهارات جديدة يحتاج إليها سوق العمل يصبح من السهل علي الفرد أن يجد العمل المناسب وأن يتلاءم مع جميع المتغيرات، كما أن العائد الاقتصادي للتعليم هو عائد عال حتي إذا نظرنا إليه من وجهة نظر استثمارية.