ما إن تولي محمد مرسي رئاسة الجمهورية حتي بدأت حركة محمومة واسعة النطاق ?لأخونة? مختلف مؤسسات الدولة من خلال فرض وجود آلاف من كوادر?الجماعة? في المناصب القيادية بمختلف الوزارات والهيئات والمؤسسات وأجهزة الدولة وسلطات الحكم المحلي... إلخ سواء بترقيات غير معقولة إطلاقاً لأشخاص موجودين من صغار الموظفين المنتمين إلي الجماعة أو بجلب أشخاص من الخارج سواء كمستشارين أو أصحاب مناصب تنفيذية، دون أن يكون لهؤلاء أو لأغلبيتهم الساحقة علي الأقل خبرة ذات قيمة بمجال تعيين أو بمستواه القيادي أو حتي دون أن تكون له أدني علاقة بهذا المجال وبعد مرور ستة أشهر أو أكثر قليلاً من السنة التي قضاها محمد مرسي في الحكم بلغ عدد هؤلاء حوالي ?13000? موظف قيادي في مختلف المواقع حسب البيانات التي جمعها?حزب النور? بالتفصيل وقدمها إلي محمد مرسي!! ويمكننا دون حشيعة الوقوع في المبالغة، أن نقدر زيادة العدد خلال الشهور التالية من حكم مرسي إلي أكثر من عشرين ألف!!. نعم.. لقد كان واضحا لكل ذي عينين أن?الجماعة? تسعي ليس إلي السيطرة علي مفاصل الدولة فحسب.. بل إلي غزو شامل لكل مواقع المسئولية التي يمكن الاستيلاء عليها!!. وظهرت?أخونة? الدولة المصرية جليا في اختيار القيادات القريبة من الإدارة العليا في الدولة بما يضمن بقاء المصالح علي سبيل المثال اختيار قيادات الإدارة العليا وحركة المحافظين ونوابهم علي نحو يضمن الولاء للجماعة. إن الاستراتيجية التي اتبعتها جماعة الاخوان المسلمين لترسيخ اقدامها من الممكن تحديد معالمها في الوقت الراهن وان كانت بعض المؤشرات تلمح إلي مساع للحفاظ علي السلطة لأكبر وقت ممكن بما يعوض طول فترة الاضطهاد السياسي الذي عانوه في الماضي.. الحقيقة أن الاخوان المسلمين في مصر كانوا في سباق مع انفسهم أكثر من أي شئ أخر وذلك خشية انكشاف امرهم عند توصل الشعب المصري إلي الحقيقة المرة بأن تنظيم الاخوان الحاكم يفتقر إلي أي برنامج سياسي أو اقتصادي للحكم باستثناء البرنامج الاجتماعي المستند إلي تطبيق أحكام الشريعة. ويبدو أن المؤسسة العسكرية المصرية كانت علي وعي وإداراك كاملين بأن انقضاض مؤسسة الرئاسة الاخوانية عليها هو قضية وقت اذ لايمكن استكمال عملية?اخونة? الدولة المصرية دون اخونة المؤسسة العسكرية او السيطرة عليها بطريقة أو بأخري، وهكذا كان الاستقطاب الحاد بين القوي المدنية داخل المجتمع المصري من جهة والاخوان المسلمين من جهة اخري يخفي في حقيقته التوتر الصامت المتفاقم بين المؤسسة العسكرية المصرية وحركة الاخوان المسلمين كما تمثلها مؤسسة الرئاسة. كان السباق مع الزمن يخفي تخوف الكثيرين من احتمال نجاح الاخوان المسلمين في اخونة الدولة المصرية كون ذلك كان سيقضي وبشكل نهائي علي الديمقراطية من خلال تحويلها إلي?ديمقراطية إسلامية? علي النسق الايراني اي حصر الديمقراطية في الاحزاب الدينية التي يوافق عليها المرشد العام وهذا يعني خلق مرادف سني في مصر للنموذج الاسلامي الشيعي في ممارسة الحكم والديمقراطية المعمول به في ايران مع استبدال ولاية الفقية الشيعية بولاية المرشد العام السنية وبذلك يتم تحويل قضايا التحالف او الصراع في المنطقة من قضايا وطنية إلي قضايا دينية، ويصبح الصراع السني الشيعي هو أساس التحالفات والصراعات السياسية في المنطقة عوضا عن الصراع العربي الاسرائيلي مثلا وهو بالضبط ماتسعي اليه امريكا وتتمناه اسرائيل التي سوف تجد شرعيتها المفقودة في هذا الوضع الذي يستند إلي الهوية الدينية عوضا عن الهوية الوطنية التي ينفي وجودها اساسا اي شرعية للدولة اليهودية ويعزز من وضعها كبورة للتوتر ومحور للصراع في الاقليم باعتبارها كيانا غاصبا مصطنعا. إن مانراه من أخونة الدولة هو سيطرة الاخوان المسلمين علي كل الوظائف القيادية بدءا من رئيس الجمهورية ثم رئيس الوزراء ثم الوزراء والمحافظين، فمن الواضح أن تولي المناصب لأهل الثقة والحظوة والمقربين وليس أهل الخبرة أما عن تطبيق مشروع النهضة وفكر الاخوان وفقد أدي انشغال حكومة الاخوان بالسيطرة السياسية واقصاء الآخر إلي إغفال حياة الناس وتردي الوضع الاقتصادي وتدهور الجنيه المصري امام العملات الاجنبية وتراجعت معدلات العمالة والاستثمار وحدثت أزمة حادة في البترول والكهرباء أرجعها الشعب إلي الوزراء الجدد الذين تولوا المناصب دون خبرة لمجرد أنهم من جماعة الاخوان ولم يقدروا بل لم ينشغلوا بحل الازمات ولقد تبني العقلاء الدعوة لحوار وطني يخرج مصر من الاستقطاب والصراع ولكن حكومة مرسي رفضت الحوار، لقد بني الاخوان المسلمون استراتيجيتهم علي استحالة تدخل الجيش وعلي مقدرتهم علي التضليل بأنهم يمثلون الشرعية رغم مافعلوا بالدستور!!. ورغم تدفق أمواج الجماهير الهادرة إلي شوارع وميادين مصر بأكثر من ثلاثين مليون متظاهر يطالبون بالإطاحة بحكم الإخوان، تحت شعار ?يسقط حكم المرشد?!! وبعد انتصار ثورة 30 يونية كان طبيعياً أن تتم إقالة أو استقالة الوزراء وكبار مساعديهم ومن في حكمهم، وكذلك المحافظين ونوابهم من ?الإخوان?..غير أن الأغلبية الساحقة من الموظفين القياديين الأقل مستوي بقوا في وظائفهم حتي تشكلت الحكومة الجديدة، وبدأت عملية تطهير الوزارات وأجهزة الدولة من (الغرباء) الذين تم فرض وجودهم بصورة غير مشروعة خلال حكم مرسي.. وقد حققت هذه العملية قدرا كبيرا من أهدافها في عدد من الوزارات في مقدمتها التربية والتعليم، والأوقاف، والشباب، والصحة، والتموين، وهي الوزارات التي كانت قد تعرضت للآثار السلبية (للإخوان) بدرجة أكبر من غيرها علي الأرجح. لكن ما ذكرناه لا ينفي حقيقة بقاء أعداد لا يستهان بها من الذين تم تعيينهم أو ترقيتهم بصورة غير مشروعة في تلك الوزارات نفسها كما أنه لا ينفي أن حركة إزالة أثار الأخونة تسير بصورة غير مرضية في بقية الأجهزة والمؤسسات من بينها ومن أهمها بالطبع، وزارة الإعلام خصوصا مبني ماسبيرو الذي عين فيه الوزير السابق صلاح عبدالمقصود عددا كبيرا من كوادر جماعته.. وكان من نتاج هذا الوجود مثلا جريمة تسليم سيارات البث التليفزيوني الحكومية إلي قيادات ?الإخوان? المعتصمين في رابعة العدوية، حيث استخدمت هذه السيارات للبث لحساب ?الجزيرة? وغيرها من القنوات المعادية لمصر وشعبها. وهناك أيضا اختراقات واسعة نسبيا ?للأخونة? في وزارات كالتنمية المحلية، والتضامن الاجتماعي، والمالية، والعدل. وليست الدعوة لإزالة آثار الأخونة دعوة لاقصاء أي موظف حتي لو كان قياديا ينتمي إلي ?الإخوان? أو اضطهاده بأية صوره من الصور.. ولكن المطلوب اتخاذ اجراءات ضد أولئك المنتمين إلي الإخوان الذين تقلدوا مناصب في مؤسسات الدولة دون وجه نكرر: الذين تقلدوا مناصبهم دون وجه حق استنادا إلي انتمائهم للجماعة أو قربهم منها.. وعلي حساب كفاءات موجودة فعليا وجديرة بمسئولياتها القيادية ولكنها من غير أعضاء الجماعة. والواقع أن إنجاز هذه المهمة وفي إطار القانون ليس أمرا مهما من أجل إحقاق الحق واحترام سيادة القانون فحسب.. ولكن، وربما بالدرجة الأولي، لمنع هؤلاء ?الإخوان? من ممارسة التخريب والإفساد والاضرار بالأمن القومي.. خاصة في الظروف بالغة الحساسية التي تمر بها البلاد، والتي يري الجميع كيف تحاول ?جماعة الإخوان? وحلفاؤها مفاقمتها بكل السبل بوسائلهم الإجرامية والارهابية.. حفظ الله مصر من كل سوء.. * خبير في القانون العام ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والاقتصادية والقانونية