موجود منذ أسبوعين بالولاياتالمتحدة ولم أجد مظاهرة واحدة في واشنطن يهتف فيها الناس "نحن نحب أمريكا"، ولم أر شخصا أو اتجاها يتهم غيره بأنه خائن، ولم أسمع كلمة واحدة ضد أمريكي من أي أمريكي آخر، وطبعا يناقشون البطالة التي صارت ملمحا عاما في البيوت الأمريكية، وطبعا هناك ضيق بالغ من البنوك التي استولت علي بيوت اشتراها أصحابها بعد ترويج شديد الوطأة بالإعلانات والتيسيرات، وطبعا هجم الكساد فعجز أصحاب البيوت عن سداد أقساطها، وكانت النتيجة الطرد إلي الشارع، وصار هناك مطلب بوجود ملاجئ للأسر، وطبعا ليست ملاجئ من النوع الذي تقيمه محافظات مصر لمن تقع بيوتهم في الدويقة أو في عمارات الاسكندرية التي تم بناؤها دون ترخيص، ولكنها ملاجئ تليق بحياة البني آدمين، وطبعا لا تعجبهم تلك البيوت، ويطالبون بأن تعوضهم البنوك عن الأقساط التي دفعوها قبل طردهم، وطبعا البنوك ترفض فكيف تلقي الحدأة كتاكيت؟ خصوصا والحدأة تؤمن حتي النخاع بالرأسمالية التي تقدس الربح قبل كل شيء. وكثيرة هي المشكلات الصعبة ولكن تلك المشكلات لا تجعل أحدا يندفع إلي مظاهرة تقول "نحن نحب أمريكا"، ولكن ان جاءت لأحدهم فرصة عمل ولو تركيب شباك أو باب، فهو يندفع إلي هذا العمل ليؤديه بإتقان، ومن الملاحظ أنك لن تجد أي باب أو شباك في الولاياتالمتحدة وهو غير محكم، وأسأل أصدقائي "ألا توجد مظاهرات تصرخ بحب أمريكا؟" ويضحك الصحاب "الوطن يتم التعبير عن حبه باتقان ما في يديك من عمل، ولعل تلك هي "الإمام الغائب" في ثقافتنا المصرية، فليس من المتخيل أن تحب غيرك دون أن تحب ما تعبر به عن نفسك، فالعمل هو البطاقة الشخصية التي يراها غيرك وليست هي الورقة المستخرجة من وزارة الداخلية. هل أقول إن عشقهم لبلادهم أرقي بكثير من عشقنا لبلدنا؟ دعوني أكتب ذلك وأنا في حسرة، لكني أتمني أن نقلل من الهتاف بعشق مصر، وأن نعبر عن كرامة الواحد منا بإتقان ما يفعل.