الخطأ والخطيئة، والإفراط والتفريط.. هي مصطلحات يجب أن يعيها صانع القرار السياسي كان أو الاقتصادي ولأن إدراك ذلك يعني جلب المنافع العامة من القرار ودرء المفاسد فالمصطلحات السابقة يفصل بينها شعرة لكن الأهم هو التدارك هذا ما ينطبق علي قضايا "قيمة الجنيه" التي أثيرت الأسبوع الماضي واليوم تنطبق علي طباعة النقود وزيادة النقد المتداول فطبع النقود إحدي الوسائل المتبعة في الأزمات لكسر شح السيولة وتحريك الأسواق في أوقات الانكماش الاقتصادي وبالتالي ليست خطأ ولكن الخطيئة أن ينفي ذلك. قال البنك المركزي في تصريحات سابقة "لم نطبع النقود منذ 9 سنوات، كما أن طباعتها تخضع لمعايير دولية، منها أن يكون للنقد الجديد غطاء من الذهب لدي البنك المركزي، وأن يتناسب مع معدلات النمو الحقيقية للدولة، وأن يتساوي مع حجم الأموال المسحوبة لإعدامها" والرئيس المصري ووفقا لما أفاده به البنك المركزي قال بعد خطبة الجمعة قبل الماضية: "زيادة الانتاج هي السبيل الوحيد لتحسين مستوي العاملين بالدولة وزيادة الأجور" وأضاف أنه من غير المعقول أن تغلق مجموعة من العاملين أبواب المصانع والشركات والأماكن التي يعملون بها ويريدون زيادة في الأجور والمكافآت، مشيرا إلي أن الدولة لا يمكن أن تلجأ لطباعة النقود حتي لا ترتفع الأسعار لكن السؤال الذي يطرح نفسه إذا كان هدف السياسة النقدية منذ عام 2005 هو استهداف التضخم فكيف تكون السياسات معاكسة لذلك؟ وتعالوا في البداية نتحدث بالأرقام! تؤكد أرقام البنك المركزي ووفقا للدراسة التي أعدها المصرفي أحمد آدم غير ذلك حيث أكدت الدراسة التي حملت عنوان "إهدار قيمة الجنيه المصري" أن البنك المركزي المصري كثف وبشكل غير مسبوق من طباعة النقدية بعد الثورة، ففي شهر فبراير فقط تم طبع 22 مليار جنيه ويستمر النقد المصدر والمطبوع في الزيادة وبشكل كثيف حتي بلغ نهاية ديسمبر الماضي 1.190 مليار جنيه بينما بلغ في يناير 2011 ما قدره 156،2 مليار جنيه أي أن طباعة البنك المركزي لأوراق نقد وبدون غطاء قد زادت معها النقدية المصدرة والمتداولة خلال عام 2011 (عام الثورة) وبمقدار 34 مليار جنيه. وأشارت الدراسة إلي استمرار البنك المركزي في طباعة نقدية أيضا خلال عام 2012 وبلغ ما تمت طباعته من نقدية خلال نصف العام الأول من هذا العام 17 مليار جنيه ليبلغ إجمالي النقد المصدر خلال عام ونصف العام 51 مليار جنيه وقد أدي هذا التصرف لزيادة كبيرة في أسعار السلع شكلت ضغطًا علي جميع المواطنين بصفة عامة وعلي المواطن البسيط بصفة خاصة ولم لا والزيادة في قيمة النقد المصدر والمتداول في عام الثورة بلغت 53% من قيمة الزيادة التي تمت في عهد حكومة نظيف والتي امتدت لأكثر من 6 سنوات وهو أمر في منتهي الخطورة يجلعنا نعرض لأسبابه الفعلية والتي تتمثل في ضياع الفوائض المالية التي كانت موجودة بالبنوك المصرية وحتي نهاية 2008 في تمويل عجز الموازنة والتالي فأي طلب علي تمويل يقابل بطبع نقدية من قبل البنك المركزي. وأوضحت أن الوصول إلي هذا الوضع غير المسبوق جاء نتيجة لإدارة سيئة وغير مسئولة للسياسة النقدية من قبل البنك المركزي المصري أدت لأن يظل سعر الفائدة سلبياً ولأكثر من خمس سنوات متتالية أمام معدلات التضخم وهو ما أدي لتآكل ودائع العملاء فانخفضت معدلات نموها بدءاً من عام 2009 وبشكل ملحوظ لما دون 9% في المقابل زادت وبشكل كبير معدلات نمو الديون المحلية بدءاً من ذات الفترة (عام 2009) وزادت لأعلي من 14% نتيجة للزيادة المتتالية لعجز الموازنة ومع قيام البنوك بتمويل معدلات نمو الديون المحلية (العجز في الموازنة) عن طريق استثمارها في أذون وسندات الخزانة التي تطرحها وزارة المالية ومع عدم سداد الحكومة للمستحق من هذه الأذون والسندات وقيامها بسداد أذون وسندات مستحقة الدفع بطروحات أخري جديدة من الأذون والسندات فقد نضبت السيولة الموجودة بالبنوك ووصلت لأدني مستوياتها وهي وضع مخيف قد يؤدي وفجأة لانكشاف وتتساءل الدراسة حول من أعطي الإذن للبنك المركزي المصري بطباعة النقدية؟ وهل أطلع البنك المركزي المصري من استأذنه في طباعة نقدية علي الوضع الحقيقي لمالية مصر؟ الوضع لم يتوقف عند ذلك فالتقارير الرسمية التي أوردتها جريدة "الشرق الأوسط" أفادت بأن البنك المركزي قد طبع نحو 5 مليارات جنيه في أول شهور تولي الدكتور محمد مرسي رئاسة الجمهورية وفقا "لجريدة الشرق" الأوسط، إن تقريرا صادرا عن البنك قال إنه قام بطباعة 5 مليارات جنيه خلال شهر يونيو وحتي نهاية يوليو لتصبح قيمة النقد المصدر 212،673 مليار جنيه بعد أن كانت 207،473 مليار جنيه. مسئولوا المركزي ورغم نفيهم ذلك وأنهم لا يطبعون نقودًا دون غطاء نقدي إلا أن التساؤل كيف ندير الاقتصاد المصري وإلي أين سنتجه بالجنيه المصري؟ وهل ندعو المستثمرين الأجانب لضخ الاستثمارات في بلادنا بعد الثورة ونتحدث عن الشفافية والإفصاح ونحن نطمس ولو بعض الحقائق! الاختيار الأسوأ الخبير المصرفي محمد يوسف قال إن التضخم هو ما يعرف بالارتفاع المفرط في المستوي العام لأسعار السلع والخدمات في الاقتصاد، مع التضخم تخبر الاقتصادات عددا من النتائج السلبية بما في ذلك فقدان القوة الشرائية، وزيادة أسعار الفائدة، وانخفاض القدرة التنافسية وارتفاع حالات عدم اليقين والاضطرابات العمالية، والارتفاع درجة التضخم، والمزيد من عدم استقرار الاقتصاد وتابع قائلاً: إن تقلب العملة هو عادة نتيجة لسياسات الاقتصاد الكلي وضعت لكبح الآثار المدمرة لكل من التضخم والانكماش "السيئ" اعتمادا علي تلك السياسة، فإن الطلب والعرض علي العملة سيرتفع أو ينخفض، مما سيؤدي بالتالي إلي تغيرات في قيمة العملة، وأشار إلي أن طبع النقود إحدي الوسائل المطروحة اقتصاديا إما الزيادة في أسعار الفائدة أو طباعة النقود حيث يمكن للبنك المركزي طباعة المال في محاولة لزيادة الطلب في الاقتصاد للأسف، فإن هذه الزيادة في المعروض من شأنها أن تؤدي إلي التضخم وضعف قيمة العملة في هذه الحالة وكذلك طريقة ثالثة وهي زيادة الضرائب وانخفاض نفقات الحكومة. وتابع يوسف ولان حل رفع سعر الفائدة لا ترغب به الحكومة في الوقت الراهن حتي لا تتوقف عن البنوك في تمويل الدين المحلي وترتفع تكلفة الإقراض عليها كما أن زيادة جباية الضرائب غير واردة في الوقت الراهن فكان الحل هو طبع النقود ولكن للأسف فإن هذه الوسيلة هي الاسوأ علي الإطلاق ضمن الوسائل التي ذكرت. وقال يوسف إن هناك خطرا كبيرا من جراء الأزمة الغذائية العالمية المنتظرة خلال الأشهر القادمة الأمر الذي سيؤدي إلي ارتفاع الأسعار بشكل كبير مما سيجعل كل الطرق تؤدي في النهاية إلي زيادة الأسعار وهو ما سيضع مزيدا من الضغوط علي الحكومة وسيجعلها تختار خفض الدعم لمواجهة الأزمة. خطر الاستمرار وقال الخبير المصرفي الدكتور أشرف سمير إن الاقتصاد المصري في وضع صعب، عجز الموازنة وصل إلي 147 مليار جنيه والاحتياطي النقدي تناقص بشكل مقلق وسعر صرف الجنيه يتناقص والبطالة والتضخم في زيادة، إلا أن أهم مشكلة تواجه الاقتصاد المصري -اليوم بحسبه- تتمثل في نقص السيولة النقدية، فالسيولة أشبه بالدم للجسم أو الزيت لمحرك السيارة، ودونها كل شيء يتوقف.. ومن ثم الخطوة الأولي التي يتعين علي الحكومة اتخاذها توفير السيولة اللازمة، لكن باطبع يجب أن يسبق هذه الخطوة المهمة استقرار سياسي وأمني، حتي يطمئن المستثمرون وتعود الأموال التي خرجت من البلد، لأنه دون أمن واستقرار سياسي لا يجوز الحديث عن الاقتصاد أصلاً. وتابع سمير قائلاً إن طبع النقود يدل علي انخفاض السيولة المتاحة داخل السوق واللازمة لتمويل الدين الحكومي في ظل ارتفاع عجز هذا الدين وزيادة اقتراض الدولة عبر إصدار أذون خزانة وأدوات الدين المحلي لسد العجز في الموازنة العامة للدولة الذي تجاوز المستويات الآمنة في الوقت الذي تواجه البنوك العاملة في القطاع المصرفي صعوبة الاكتتاب وتمويل عجز الموازنة بعد انسحاب الأجانب من سوق أدوات الدين المحلي وفي ظل نقص السيولة. وأوضح أن طبع النقود إذا كان بغرض استثنائي لسد العجز والمصروفات الحالية لفترة مؤقتة لا يحتوي علي تداعيات سلبية علي الاقتصاد القومي وقد لا يؤدي إلي تنامي معدلات التضخم وأشار إلي أنه يمكن تداركه باتباع إحدي أدوات السياسة النقدية لتجميع الأموال والنقود السائلة التي تم ضخها في السوق مرة أخري مع عودة الانتاج وزيادة الانتاجية. ولفت إلي أن الخطورة تظهر في حالة الاستمرار من طبع النقود لفترات طويلة ما يهدد بتنامي موجات التضخم وارتفاع المستوي العام للأسعار دون أن تقابله زيادة في الانتاج وتراجع القوي الشرآئية للعملة المحلية. حلول كما يري الخبير المالي محمود المصري أن الإصلاح الضريبي وفرض مزيد من الضرائب أحد المداخل الرئيسية لزيادة الإيرادات قائلا: "فرض ضرائب تصاعدية وفرض ضريبة رأسمالية إحدي الأدوات المهمة لزيادة الإيرادات، وبما أننا في مرحلة انتقالية يمكن البدء بذلك المدخل بداية من الموازنة الجديدة". وأوضح أن دعم الطاقة الذي وصل إلي 120 مليار جنيه، يعتبر ضريبة سلبية، بمعني أنه بدلاً من فرض الضرائب علي أصحاب الأعمال، أصبحوا هم الذين يحصلون الضرائب لصالحهم، ولابد من إعادة النظر في هذا الدعم.. وأشار إلي الطريق الآخر، وهو الطريق التقليدي الذي تبعته الحكومات السابقة في الأعوام الماضية، وهو إصدار سندات وأذون خزانة، بمعني أننا نسدد القروض بمزيد من القروض لأن الفائدة تكون مرتفعة، وتلك الطريقة تعتبرها الحكومة تمويلا تلقائيا لسد العجز مؤكدا أن تلك الطريقة لها فائدتان، أولهما: أنها طريقة سهلة، الأخري: أنها تمتص قوة شرائية، وتخلق حالة من الاستقرار ولا ترفع التضخم، علي حد قوله، لكنه أشار إلي أن هناك مشكلة في حال استخدام تلك الآلية قائلا: هذه الآليات لها حد أمان لو تخطته سندخل في دائرة المخاطر.