بمقدور أي مراقب أن يقف علي ما يحدث في سوريا اليوم ليري أنه لا يمت إلي النموذج الذي أفرزه الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن ودول عربية أخري أصابتها العدوي الخفيفة كالمغرب والبحرين والأردن، أما سوريا فتختلف كلية حيث تحولت ساحتها إلي حلبة صراع بالوكالة بين المحور الغربي الامريكي والمحور الروسي الصيني، وإلي استقطابات سياسية وحرب إرهابية شرسة لاسقاط الدولة عنوة أسهمت في دعمها تركيا والسعودية وقطر مما زاد الازمة تعقيدا ووسط هذا تقف خطة "كوفي عنان" وهي تتسلح باجماع دولي حيث تدعمها القوي الدولية علي أمل أن تفضي إلي تسوية سياسية ترضي بها جميع الاطراف. الزائر لسوريا بإمكانه أن يقف علي حقيقة ما يحدث، فلقد استخدم المتآمرون علي سوريا كل الاسلحة.. أراد المتآمرون اللعب في الوقت الضائع من خلال المزايدة والعزف مجددا علي وتر إذكاء التظاهرات المدفوعة الأجر وتصعيد الاعمال الارهابية لا سيما في ظل توافر المال والسلاح والتضخيم الاعلامي المبالغ فيه، بل الاكثر من هذا المحاولة التي جرت لإرهاب الشعب المناصر للدولة من خلال التلويح بتدخل "الناتو" عن طريق تركيا وفقا للبند الخامس من ميثاق الحلف رغم أن تركيا أردوغان هي المعتدية وهي التي ارتكبت جرائم بحق سوريا يعاقب عليها القانون الدولي مثل استقبالها للارهابيين علي أراضيها وتدريبهم ومدهم بالسلاح، أما الغرب المريض فلقد عمد إلي تطوير تحركه علي الأرض والإبقاء علي دعم الجماعات الارهابية التي ترتكب الجرائم في سوريا ليتم بعد ذلك اتهام الدولة بعدم التقيد بخطة "عنان" في محاولة منه لفتح الباب أمام العودة إلي مجلس الأمن، يتناغم مع ذلك ما يجري وللاسف عبر قطر والسعودية من محاولة كسر سوريا الدور والحضارة والعروبة من خلال دعم الدولتين للمعارضة بالسلاح والمال، بل مراهنتهما علي تدخل عسكري. أما المعارضة السورية في الخارج والتي يمثلها ما يسمي المجلس الوطني فليس لها أي رصيد في الداخل، فلقد ارتبطت بالاجندة الغربيةالامريكية ودعت إلي الاستقواء بالخارج وهذا ما يرفضه الشعب السوري وبالتالي ليس لها أي أرضية داخل سوريا بعد أن سقطت مصداقيتها، وهي ترفض الحوار مع النظام وتتقاطع أهدافها مع المعارضة في الداخل التي تتمسك بالحوار مع النظام، وهنا يثار التساؤل: هل يمكن أن يكون هناك ضوء في نهاية النفق؟ وهل يمكن الخروج من الازمة التي تعيشها سوريا اليوم؟ قد يكون هذا واردا إذا اجتمع الطرفان "السلطة والمعارضة" علي تنفيذ بنود خطة "عنان"، غير أن الاممالمتحدة حادت عن الحق ولم تتبن المنطق عندما طالبت بسحب آليات الجيش النظامي وغضت الطرف عن المجموعات الارهابية المسلحة التي تهدد باسقاط الدولة وتمضي في تنفيذ عمليات قتل وإبادة بتحريض غربي أمريكي وبدعم من تركيا والسعودية وقطر، فأمريكا تمد هذه المجموعات بالدعم المادي واللوجيستي وأجهزة الاتصالات الحديثة، وتقوم تركيا بتدريب المسلحين الذين يتسللون من الحدود التركية إلي الاراضي السورية اضافة إلي توفير السلاح لهم، أما قطر والسعودية فيدعمانهما بالمال والسلاح، ولاشك أن هذا يمثل عملا عدائيا ضد سوريا وشراكة في الارهاب الذي تتعرض له. ومنذ الاتفاق علي خطة "عنان" عمدت سوريا إلي تنفيذ بنودها من خلال سعيها لوقف العنف والعمل من أجل حوار وطني شامل وصولا للحل السياسي للازمة، بينما لم يلتزم الطرف الآخر بوقف العنف، كما أن الدول التي تدعم الجماعات المسلحة لم تلتزم. ولذا فإن "عنان" اليوم مطالب بخطوات ملموسة تجاه المجموعات المسلحة والدول التي تدعمها لاسيما بعد أن صعدت هذه المجموعات من جرائمها مع وجود المراقبين من خلال عمليات نوعية ورفضت الحوار والاصلاح وتسليم السلاح، كما أن الدول التي تمدها بالمال والسلاح لم تلتزم أيضا بخطة "عنان" وهو ما يعد خرقا فاضحا لها. والغريب أن المجتمع الدولي لا يريد تسليط الضوء علي أي أمر كهذا، وإنما علي العكس يعمد إلي التعتيم تماما كما حدث مع تقرير بعثة المراقبين العرب التي أكدت بالوثائق أن الجماعات المسلحة هي التي تقوم بارتكاب المجازر، فكان أن دفن هذا التقرير لانه لا يلبي هدف المتآمرين الرامي إلي استدراج التدخل الخارجي. مازالت الحكومة السورية حريصة علي السير وفق خطة "عنان" والسعي نحو حوار وطني كامل وصولا إلي الحل السياسي.. غير أن الجماعات المسلحة المدعومة بأطراف المؤامرة في الخارج هي التي سعت وتسعي إلي افشال مهمة المراقبين واثبات إفلاسها، بل حاولوا افشالها قبل أن تبدأ، ساعد علي ذلك الدور الذي اضطلعت به كل من تركيا والسعودية وقطر والذي كان يدعو كل يوم إلي زيادة إمداد هذه الجماعات بالسلاح والمال، وبالتالي فهم شركاء في الارهاب ويتحملون المسئولية القانونية والاخلاقية والسياسية تجاه الاعمال الارهابية التي تجري في سوريا، فكل ما يهدفون إليه هو تسييس الملف السوري من خلال مجلس الأمن سعيا إلي استدراج التدخل الخارجي في سوريا علي غرار ما حدث في ليبيا علي يد "الناتو". الجدير بالذكر أن أمريكا وتركيا والسعودية وقطر لم تتستر علي ما تقوم به وتحدثت عنه جهرا في كل مناسبة وهو ما وثقته "الواشنطن بوست" مؤخرا عبر تقرير منسوب إلي مسئولين أمريكيين يفيد بتلقي المعارضة في سوريا أسلحة بتمويل خليجي وتنسيق أمريكي وأن المعارضة بدأت بالفعل في تلقي كمية أكبر وأفضل من السلاح في الاسابيع الماضية، وأن تدفق السلاح ازداد بعد قرار السعودية وقطر تخصيص الملايين من الدولارات كل شهر للمعارضة، وأن أمريكا وسعت اتصالاتها مع المجموعات المعارضة وأن الاسلحة يتم تخزينها في دمشق وإدلب علي الحدود اللبنانية والتركية. كان غريبا أن تسير دول عربية في الركاب الامريكي وتشرع في دعم الارهاب ضد دولة عربية شقيقة مثل سوريا، هل غاب عنها أن أي دولة تدعم الارهاب ستعانيه بالقطع في يوم من الايام، فالارهاب لا هوية له ولا أخلاق ولا قانون ولا عقيدة ومن يستند إليه سيطاله في النهاية.